القَسَمُ بالشمس والقمر والنجوم

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الثانی)
تمهید 1 ـ هویة الشمس

بالرغم من أنّ زمان نزول الآیات المتعلقة بالشمس والقمر کان فی وقت لا یملک فیه الإنسان إلاّ القلیل من المعلومات عن هذین الکوکبین العظیمین، وتقارن نزول هذه الآیات مع شیوع الخرافات الکثیرة «وبالأخص فی مهد نزول هذه الآیات» بالرغم من کل ذلک فإنّ القرآن أشار إلى القمر والشمس والنجوم بعظمة ملفتة للنظر، وذکر الکثیر من خصوصیاتها وبشکل عام فإنّ القرآن اعتبرها من آیات الحق الإلهیّة والبراهین على إثبات الذات المقدّسة.

فیقول تعالى فی الآیة الاولى التی نبحثه : ( هُوَ الَّذِى جَعَلَ الشَّمْسَ ضِیاءً والقَمَرَ نُورْ ) .یقول بعضُ أربابِ اللغة ( ومنهم الطریحی فی مجمع البحرین ) وعددٌ من المفسرّین : إنَّ الفَرْقَ بین «الضیاء» و«النور» هو أنّ « الضیاء » یُطلقُ على النور الذی ینبعث من ذات الشیء ، ویُطلقُ النورُ على الضوء الذی یُکسبُ من الغیر ، وعلیهِ فانَّ الآیة أعلاه إشارةٌ لطیفةٌ إلى هذه المسألةِ حیث إنّ نورَ الشمسِ ینطلقُ منه ، فی الوقت الذی یحصلُ نورُ القمرِ عن طریق ضوء الشمس الذی یَشُعُ علیه ، ویتحدث القرآن الکریم بهذا فی زمان لم یکن للناس اطلاعٌ علیه .وممّا لا شک فیه أنّه لا یمکنُ انکارُ أَنَّ کُلا من هذین المفهومین قد یُستعمل بمعنى اعمَّ من النور « الذاتی » أو « الاکتسابی » ، ومشاهدة حالات استعمال هذین المفهومین فی القرآن الکریم وفی کلامِ العربِ یَشْهَد على ذلک ، وقد یکون لهما معنیان مختلفان فیما إذا تزامنا مع ، کما جاء فی الآیة أعلاه .

وورد هذا المعنى فی الآیة الثانیة بتعبیر آخر ، فَبَعد الإشارة إلى خلق السموات السبع یضیفُ قائل : ( وَجَعَلَ القَمَرَ فِیهِنَّ نُوْراً وجَعَلَ الشَّمسَ سِراجاً )وقد عَبَّرَ عن الشمس ب «السراج» فی آیتین اُخریین من القرآن الکریم أیضاً ( الفرقان / 61 ، النبأ / 13 ) ، ونحن نعلمُ أنّ نورَ المصباح ینبعثُ من داخلهِ ولیسَ مُکتَسباً من الخارج ، وقد جاء فی بعض نصوص اللُّغة أنّ الضیاءَ أکثر شدةً من النور (1) ، ولعلَّ هذا الاختلاف مُستَمَدٌ من الاختلاف الأول ویعود إلیه (2) .على أیّةِ حال ، فقد اُشیرَ هنا وقبل کل شیء إلى نور « الشمس » و« القمر » کآیات حق من آیات الله وبراهین على قدرته وآلائه جلَّ وعل .فالشمسُ بضوئها المشرقِ على الکون لا تقوم بتدفئة وانارة مهد الکائنات فی العالم فحسب ، بل لها نصیبٌ اساسیٌ فی نمو النباتات وحیاة الحیوانات .

والیوم قد ثبتت هذه الحقیقة ، إذ إنَّ کلَّ حرکة تُشاهدُ فی الأرض هی من برکاتِ ضوء الشمس ، فلو فکّرنا بامعان فی حرکة الریاح ، والغیوم وأمواج البحار وجریان الأنهار ، والشلالات ، والحیوانات والناس لوجدناها تنبعُ من ضوء الشمس بدون استثناء.ولو انطفأت الشَّمس وانقطعت هذه الاشعةُ التی تهبُ الحیاة عن الأرض فسَیَعُمُّ الموتُ والسکوتُ والظلامُ کلَّ مکان خلال فترة قصیرة جدّ .کما أنّ نور القمرِ الجمیلِ لایعتبر مصباحاً فی لیالینا الحالکة ودلیل ; لقاطعی الصحراء لیلا فقط ، بل إنَّ نورَهُ اللطیف والمناسب یبعثُ الطمأنینةَ والنشاط لدى البشر بأسرهم .ویرى بعضُ المزارعین أنّ ( نور القمر ) له دور حساس فی نمو الفواکه والنباتات أیض .وطبعاً أنّ کل ما ذکرناه یختصُ بنور الشمس والقمر فقط، وسنقوم ببحث ما یخص بقیة برکاتهما بشکل مستقل .ثم یشیرُ القرآن الکریم فی نهایة هذه الآیة إلى احدى البرکات والفوائد المهمّة لهاتین الکرتین السماویتین حیث یضیف: ( وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنینَ وَالْحِسابَ ) .فالقمرُ بسیرِهِ المنَّظم ، وحرکته الدقیقة یُعتبر تقویماً واضحاً وحیّاً وطبیعیاً للغایة ، تَسهُلُ قراءَتُه على العالم والجاهل ، ویُنَظِّمُ برامج حیاته على اساسهِ ، ولو أمعّنا التفکیر لوجدنامسألة تنظیم حیاة الإنسان ترتبط بقوة بحساب السنین والشهور ووجودِ تقویم طبیعی ، حیث یتکفلُ القمرُ والشمسُ ودوران الأرض المنَظَّم حول نفسها وحول الشمس بانجاز هذا الدور ، وأنَّ التقویمات الحالیة التی نُظِّمت استناداً إلى حسابات المُنجمِّین لا تنفعُ إلاّ الذین لدیهم إمکانیة فهمه ، والتقویم الوحید المفهوم والمعلوم والمفید للجمیع هو التقویم الطبیعی الذی یتوفر لدینا من حرکة القمر ، منذ مرحلة ( الهلال ) وحتى وصوله إلى مرحلة ( البدر الکامل ) ، ومن ثمَّ إلى ( المحاق ) ، ولو تفحَّصَ الإنسان قلیلا لاستطاع أنّ یُحدِّدَ لیالی الشهر من خلال ملاحظة حجم القمر ، لأنَّ القَمَر لا یستقر على حال واحدة فی السماء على مدى لیلتین أبد ، ولعلَّ تنظیم العبادات الإسلامیة وفقاً للأشهر القمریةِ نابعٌ من هذا الأمر .

وکل هذه الدوافع اُدّت إلى أن یقولَ القرآن الکریم فی نهایة هذه الآیة : ( یُفَصِّلُ الآیاتِ لِقَوم یَعْلَمُونَ ) .والحدیث فی الآیة الثالثة والرابعة عن تسخیر الشمس والقمر للإنسان : ( وَسَخَّرَ لَکُمُ الشَّمْسَ والْقَمَرَ ) .بَیْدَ أنَّهُ عبَّر فی الآیة بکلمة «دائبَیْن» أی ( الحرکة وفقاً لسُنَّة ثابتة ) (3) وفی الاُخرى ورد تعبیر ( کُلٌ یَجْرِى لاَِجَل مُّسمّىً ) أَیْ « إنَّ کُلا منهما یستمر فی حرکته إلى حد مُعیَّن » .وهذه الجملةُ تشیرُ إلى أنّ حرکةَ الشمس والقمر ستنتهی على المدى البعید ، ویتغیر نظام المنظومة الشمسیة بعد ملایین السنین ، وهذا بحد ذاته أحد المعجزات العلمیة للقرآن الکریم .وفی الحقیقةِ أنّ المقصود بحرکة الشمس هو دوران الأرض حول الشمس طبع ، لأنّ ما یظهر للعیان أنّ الشمس هی التی تتحرک ، حیث إنَّ الأرض فی الواقع هی التی تُوجدُ هذا الشعور لدى الإنسان ، إذ إنّ الشَّمسَ تتحرک باستمرار مع المنظومةِ الشمسیة داخل المجرّات ، وسوف نشیر إلى ذلک لاحقاً.

والمقصود بتسخیر الشمس والقمر وبقیة الکائنات التی یعتبرُها القرآن الکریم مسخَّرَةً للإنسان ، هو أنّها تتحرک فی مجال مصالح الإنسان وخدمته ، فکما قُلنا سابقاً أنّ لضوءِ الشمس والقمر دوراً مهماً فی حیاة الإنسان وکافة الکائنات الحیّة ، لا سیما ضیاء الشمس إذ تستحیلُ الحیاةُ على سطح الأرض بدونه لحظةً واحدةً ، وحتى فی اللیالی المُظلمة فاننا نستفیدُ من الحرارة المتبقیة عن ضوة الشمس فی الأرض والجو ولولاها لانجمدت الکائنات الحیَّةُ بأسره ، إضافةِ إلى الفوائد الاُخرى کالمدِّ والجَزرِ فی المحیطات ، فهو مصدرٌ للکثیر من الخدمات ، وسنشیر إلى ذلک فی بحث آیاته فی البحار ـ إن شاء الله ، وکذلک وضع تقویم طبیعی وخدمات اُخرى .

وبلا شک فإنّ ما نعرفه الیوم من برکاتِ الشمس والقمر أکثر ممّا کان یعرفه السالفون والمخاطَبون بهذه الآیات عند نزوله ، ولهذا فانَّ دروس التوحید التی نقرأها على صفحاتها أکثر ممّا کان یقرأُه السابقون ، لهذا یقول فی نهایة هذه الآیة : إنّ ربَّکُم هو الذی سخَّر لکم کلَّ هذه الموجودات ، أمّا الذین تدعونَ من دونه فهم لا یملکون الحکمَ والمُلکَ فی هذا العالم بقدَرِ قشرةِ نواة التمر: ( وَالَّذِینَ تَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِهِ مَا یَمْلِکُونَ مِنْ قِطْمِیْر ) (4) .

وقد عبرت الآیة الخامسة بصراحة عن خلقِ اللیل والنهار والشمس والقمر ووصفت هذه الظاهرة بأنَّها من آیاته ، إلاّ أنَّهُ یأمُرُ فی نفس الوقت بضرورة عدم الاعتقاد بانَّ هذه هی الإله کما یتصور عبدة الشمس والقمر .. کل ..: ( لاَ تَسْجُدُوْا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِى خَلَقَهُنَّ إِنْ کُنْتُمْ إِیَّاهُ تَعْبُدُوْنَ ) .

وهنا نرى الدقة التی یتحدث بها القرآن الکریم، إذ إنّ ذکر القوائد المختلفة للشمس والقمر واللیل والنهار وکافة الموجودات فی هذا العالم من شأنه أن یترک أثراً فی أذهان ذوی العقول الضیقة ویتصورون بأنّهم مدینون للنعم التی اسبغتها علیهم هذه الموجودات فیسجدون لها ویخضعون ویعظمونها، وهذا ما ابتلى به الوثنیون على مر التاریخ، لکن القرآن یقول لهؤلاء: افتحوا أعینکم جیداً وانظروا بدقّة وتبحر، وعندها سترون من وراء الحجب العلل، وسترون الذات القدسیة لعلة العلل وعندها سوف تعفرون جباهکم بالسجود إلیه وسوف لن تخدعکم أو تضلکم هذه المظاهر.

ویتحدث فی الآیتین السادسةِ والسابعةِ عن حرکة الشمس والقمر ومنازلهم ، ویصرَّحُ فی نهایة هاتین الآیتین بأن کلا من هذین الجُرمین یسبح فی فلکهِ ومداره وخطه: ( وَکُلٌّ فِى فَلَک یَسْبَحُونَ ) (5) ، وهذه التعابیر من عجائب القرآن من ناحیة ، ومن عجائب عالم الخلقِ وعلمِ وقدرةِ البارى تعالى من ناحیة اُخرى .وتوجد هنا عدةُ تفاسیر لما تَعنیه جملة ( وَالشَّمْسُ تَجْرِى ) ومفهوم ( لِمُسْتَقر لَهَ ) .

اوله : إنّ المقصودَ هی الحرکة الظاهریة للشمس التی تبدأ منذ شروق الشمس وحتى استقرارها عند الغروب ، حیث یظهر للعیان أنّها تختفی ( ونعلمُ جیداً إِنَّ حرکة الأرض حول نفسها هی التی تُجسدُ لنا مثل هذه الظاهره فی الواقع ) .الثانی : إنّ المقصود هی حرکات الشمس المحوریة ، حیث تنحرف نحو الجزء الشمالی للکرة الأرضیة مع بدایة فَصل الربیع ، وتستمر هذه الحرکة حتى بدایة فصل الصیف حیث تستقر ( فی النصف الشمالی للکرة الأرضیة ) محاذیة لمدار السرطان 23ْ شمال وهو ما یصطلح علیه بالمیل الاعظم الشمالی ، ثم تبدأ حرکتها نحو الجنوب وتصل إلى محاذاة خط الاستواء أوائل فصل الخریف ، ثم تنحرف نحو جنوب الکرة الأرضیة ، وتستمر هذه الحرکة حتى بدایة فصل الشتاء حیث تصل إلى محاذاة مدار رأس الجدی 23ْ جنوب ویعبّرون عن هذا الانحراف بالمیل الأعظم الجنوبی ، ثم تبدأ حرکتها نحو الشمال وتکون بمحاذاة خط الاستواء فی فصل الربیع .بناءً على ذلک فانَّ المقصود من جریان الشمس هو هذا الانحراف نحو الشمال والجنوب ، والمقصود من المستقر هو آخر نقطة للانحراف الجنوبی والشمالی أی ( مدار رأس السرطان ومدار رأس الجدی ) .والمعروف ( طبع ) أنّ هذه الحرکةَ ناتجةٌ عن دوران الأرض حول الشمس ومع الأخذ بنظر الاعتبار انحراف محور الأرض بمقدار23ْ ، ولکن ما یبدو لنا هو أنّ الشمس لها مثل هذه الحرکة .الثالث : المقصود هو الحرکة الموضعیة للشمس حول نفسه ، فقد ثبت الیوم أنّ الشمس تدور حول مرکزها أیضاً ( إِذ ذکَرُوا أنّ مدّة هذه الحرکة فی دورة کاملة تعادل 25 یوماً ونصف الیوم ) ، وفی هذه الحالة ستَکون اللام فی ( لِمُسْتَقر لَهَ )بمعنى ( فی ) أی أنّ الشمس تتحرک فی مکانها ( وطبعاً فقد اشکَلَ بعض المفسّرین على هذا التفسیر باعتباره لا یتناسب مع مفهوم کلمة جریان ) .الرابع : المقصود هو حرکة الشمس فی أبراج السماء على مدى أشهر السنة ، والتی تقابل فی کل شهر أحد هذه الصور الفلکیة الاثنا عشر ومن هنا تظهر السنة باثنتی عشر شهراً بعدد هذه الابراج (6) ، وعلیه فانَّ المقصود من المستقر هو نهایة هذه الدورة .الخامس والسادس : الحرکتان اللتان اکتشفهما العلماء مؤخراً للشمس ، إحداهما مع مجموعة المنظومة الشمسیة فی دورتها حول مجرتنا التی تأخذها باتّجاه إحدى الصور الفلکیة المعروفة بـ ( صورة الجاثی ) الواقعة فی جهة الشمال بالنسبة للشمس ، إذ تقطع أثناء هذه الحرکة أکثر من ( 600 ملیون کم سنوی ) وهذا ما یشبه تماماً جلوس مجموعة فی طائرة وانشغالهم بالدوران حول مرکز واحد بینما تسیر الطائرة بسرعة نحو اتجاه م ، وقد تکون حرکةُ الطائرة هادئة وخفیفة بالقدر الذی لا یحس الإنسان بهذه الحرکة السریعة .والحرکة الاُخرى هی دوران المنظومة الشمسیة مع بقیة المجرّات حول المرکز الأصلی لهذه المجرّات التی نرتبط به ، وممّا یثیر العجب فقد ذکروا أنّ سرعة هذه الحرکة المذهلة تقدر ب 900 الف کیلو متر فی الساعة ( بل أکثر من ذلک قلیل ) (7) .وطبقاً لهذا التفسیر فانَّ المقصود من المستقر هو المستقر الذی تبلغه الشمس عند نهایة العالم وحلول القیامة ، حینها تصبح الشمس بلا ضیاء ویزول نظامه .و( طبع ) لا تتعارض هذه التفاسیر مع بعضه ، فیمکن أن تجتمع کلُ هذه التفاسیر الستة فی مفهوم هذه الآیة ، لأنّ حرکة کل من الأرض والشمس لیست نوعاً واحد .وتعبیر «یُسبِّحون» تَعبیرٌ لطیفٌ حیث یعبّر عن حرکة الشمس والقمر السریعة والرقیقة والمتوازنة فی نفس الوقت .وذکر فی الآیات أعلاه منازل معینة للقمر حیث قال : ( وَالقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنازِلَ ) .والمقصود تلک المنازل الثمانیة والعشرون التی یطویها القمر کل شهر منذ بدایة مرحلة الهلال وحتى المحاق ( الظلام المطلق ) ، وفی اللیلة الثامنة والعشرین یظهر ثانیةً على هیئة هلال أصفر رفیع جدّاً وقلیل الاشعاع والنور ویبقى لیلتین حیث یقال له ( محاق ) إذ تتعذر رؤیتُه .ویشبِّهُ القرآنُ الکریمُ هلال آخر الشهر بـ ( العُرجُونِ القَدَیِم )(8) ، وهذا التعبیرُ لطیفٌ وجذّاب للغایة من عدة وجوه .ونختتم هذا البحث الذی قد طال بعض الشیء بذکر هاتین المسألتین :أول : إنّ المقصود من الفلک فی الآیات المذکورة هو المعنى اللغوی ولیس المعنى الذی یقصده علماء الفلک فی قدیم الزمان، لأنّ الفلک فی اللغة یعنی مدار النجوم، وأحیاناً یقال لکل موجود یشبه الدائرة ویکون عالیاً من أطرافه.

ویعتَقد « الراغب » أنّها فی الأصل من مادة « فُلْک » ( على وزن قُفْل ) والتی تعنی « السُفن » ، لأنَّ السفن لها حرکات دائریة أثناء مسیرها فی البحار.

ولکنَّ المنجمین القدامى سلکوا نهج بطلیموس إذ کانوا یعتقدون أنّ السماء تتألف من تسعِ طبقات مرکبة بعضها فوق بعض کقشرة البصل ، ولأنَّ هذه الطبقات تتکون من مادة
شفّافة کالبلّور فقد التَصَقت النجوم والکواکب فی وسطها وتدور مع دوران الافلاک فیظهرُ دوران النجوم فقط ، ولا یظهرُ شیءٌ من دوران الأفلاک ، وقد بَطُلَ هذا الاعتقاد بنحو کامل الیوم ، واصبح من المسلَّم به أنّ النجوم معلقةٌ فی فضاء غیر محدود وتتحرک تحت تأثیر قانون الجذب والدفع فی مسیرة معینة ، والجدیر بالذکر أنّ القرآن الکریم نزلَ فی زمان کانت تحکُم فیه نظریةُ بطلیموس على جمیع المحافل العلمیة بکل قوة ، إلاّ أنّ تعابیر القرآن ( کالتعبیر بـ « الجریان » و« السباحة » التی وردت فی الآیات أعلاه ) لا تتلائم مع النظریة القدیمة بایِّ نحو وتتطابق مع آخر الاکتشافات العلمیة فی هذا العصر.

وورد فی الآیتین الثامنة والتاسعةِ (أَیْمَانٌ) تَبعثُ على التأمل فیقول فی إحداهم : ( فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشَارِقِ والمَغَارِبِ ) ، فیمکن أن یکون هذا التعبیر إشارة إلى المشارق والمغارب و« المکانیة » المختلفة ، لأنَّ کرویة الأرض تؤدی إلى وجود مشرق ومغرب بعدد نقاط سطح الأرض ، أو أن یکون إشارة إلى المشارق والمغارب « الزمانیة » ، لأننا نعلم أنّ حرکةَ الأرض حول الشمس تؤدی إلى استحالةِ شروق الشمس وغروبها من نقطة واحدة خلال یومین متتالیین .هذا الاختلافُ فی المشارق والمغارب الذی یتمّ من خلال نظام دقیق ومنهجی سبّب فی حدوث « الفصول الاربعة » بما فیها من برکات من جهة ، ومن جهة اُخرى فهو یؤدّی موازنة الحرارة والبرودةِ والرطوبةِ على سطح الأرض ، ویمنحُ حیاةَ الإنسان والحیوانات والنباتات نظاماً وترتیب ، وکلٌ منها آیة من آیات الله وبرهان من براهینه .وفی مکان آخر یُقسمُ بالقمر ( کَلاَّ وَالقَمَرِ * واللَّیلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبحِ اِذَا اَسْفرَ )ثم یضیف : أنّ هذه الأَیْمانُ تُنبیءُ عن تحذیر فی أمر المعاد فیقول : « إنَّ أحداثَ القیامةِ وجهنَّم من عظیمات الاُمور ( إِنَّها لاِحْدى الکُبَرِ ) »(9) .واقْسَمَ فی بدایة سورة الشمس بالشمس أیض ، واشعتّها التی تُحیی الأرواح ، والقمر الذی یبزغُ بعد غروب الشمس .

وهذا ما نفهمه أیضاً بأنَّ القَسَمَ بشیء ما یدلُ على أهمیته الخاصة ، وإذا صدر هذا القَسَمُ عن شخص عظیم ستتضاعف اهمیتُه ، وإذا اُقسِمَ بهِ مِنْ أجل موضوع مهم ستزدادُ أهمیة هذا الموضوع أیض .والآن تأمّلوا جیداً عندما یُقسم الباری جلَّ وعلا بالشمس والقمر من أجلِ مسألةِ المعاد المهمّة ، فهذا دلیلٌ على العظمةِ الفائقة لهذین الکوکبین، ویشهد على هذه الحقیقة کون أن کلا من هذین الکوکبین ذو أهمیة فی نظر القرآن الکریم .فلماذا یُقسمُ الباری تعالى بکواکب السماء واللّیلِ والنهار من أجل اثباتِ القیامة والحساب ؟ وذلک لأنَّ النظام الحاکم على هذه الاشیاء یبرهنُ على أنّ لجمیع ذرات العالم حساباً خاص ، بناءً على ذلک کیف یمکنُ أن تکون أعمال الإنسان الذی هو زهرةُ عالم الوجود بلا حساب ولا کتاب ، ولا وجود للمعاد والمحکمة العادلة ؟ .

وجاءت الآیة العاشرة الأخیرة فی بحثنا هذا عن نعمةِ وجود النجوم والنظام الدقیق الذی یحکمها فیقول : ( وَهُوَ اَلَّذِى جَعَلَ لَکُمُ النُّجُومَ لِتَهتَدوُا بِهَا فِى ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالبَحرِ )ثم یضیفُ : ( قَدْ فَصَّلْنَا الآیَاتِ لِقَوم یَعْلَمُونَ ) .لقد کانت النجوم دائماً وعلى مدى مراحل التاریخ من أهم وسائل ارشاد الإنسان فی اللیالی المظلمة ، حیث کان یهتدی بمساعدتها فی أسفاره البحریة والبرّیة ، حتى أنّ بعض العلماء یظنون أنّ الطیور المهاجرة ، أی الطیور التی تقطع آلاف الکیلو مترات فی السنة أحیان ، وبعضُها یستمر فی طیرانه لیلا ونهاراً بلا توقف ، تحدد طریقها نهاراً عن طریق الشمس ، ولیلا عن طریق نجوم السماء ، ولهذا فانّها تتوقف عن مواصلة الطیران مؤقتاً إذا کان الجو غائماً تماماً حتى تنکشفَ الغیوم وتظهر السماء والنجوم ! والعجب إنّ إمکانیة تحدید فصول السنة أیضاً من خلال الاستفادة من النجوم .على أیّةِ حال ، فانَّ هذه الآیة تُلفتُ نظرَ کلِّ المفکِّرین إلى هذه المسألةِ وهی أنّ حرکة النجومِ فی السماء واستقرارها فی هذا المیدان العظیم تتمتع بنظام وحساب خاص ، وإلاّ لما استطاعَ أیُّ أحد العثور على طریقهِ فی ظلمة اللیل من دونه .وهذا النظام یدل على أنَّ الخالق المدبِّر قد خطَّطَ له بکل حکمة ، ولهذا فانَّ النظام السائد على نجوم السماء هو الذی یُحررنا من ظلماتِ الشرک والکفر أیض ! .ومع تطور علم الفَلَک ، فقد نجح العلماء فی تقدیر سرعة الکثیر من کواکب السماء ، وحجمها ومسافاتها وبقیة خصائصه ، وتوصلوا عن هذا الطریق إلى حقائق جدیدة عن هذا النظام العظیم .صحیحٌ قد تم اختراعُ آلاتِ ووسائلَ دقیقة یستطیعُ الإنسان بمساعدتها أن یعثرَ على طریقه فی البر والبحر ، ولکن لا ینبغی نسیانُ عدم إمکانیة استخدام جمیع المسافرین لهذه الوسائل العلمیة المتنوعة ، إضافة إلى حدوث الخلل فی هذه المعدات والآلات الدقیقة أحیاناً ممّا یسبب الانحراف عن الطریق ، فإذا کان الإنسان مطلعاً على مواقع ومواضع النجوم یستطیعُ من خلال ذلک إصلاح اخطاء هذه المعدات .ورد فی بعض الروایات تفسیرٌ آخرٌ لهذه الآیة عن أهل البیت ((علیهم السلام)) یمکنُ أن یُعدَّ جزءً من المعانی الباطنیةِ والثانویةِ لهذه الآیة ، وذلک أنّ المقصود من « النجوم » هم القادةُ الربانیّون والأئمّة المعصومون الذین ینجو الناسُ بهم من ظلمات الحیاة کما ورد فی تفسیر علی بن إبراهیم فی بیان معنى الآیة: ( وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ لَکُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِى ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) حیث قال : « النجوم هم آل محمد »(10) ، و طبع ـ من المستطاع الجمعُ بین هذین المعنیین ، أی النجوم المادیّة والنجوم المعنویة والهدایة الظاهریة والباطنیة .


1. تفسیر الکشّاف، ج 2، ص 329; و تفسیر روح البیان، ج 4، ص 12 .
2. ینبغی الانتباه إلى أنّ « الضیاء » یأتی بصیغة « المفرد » و« الجمع » أیض ، ویعتقد بعض المفسرین أنّ له صیغة الجمع فی الآیة أعلاه ، وأنّه إشارة لطیفةٌ إلى ترکیب ضوء الشمس من سبعة ألوان .
3. « دائبین » من مادة « دؤوب » وتعنی استمرار العمل وفقاً لعادة وسُنَّة دائمة وهو تعبیرٌ للحرکة المنظمة والمتَسّعة للشمس والقمر ، ولا یُعتقدُ بوجودِ تعبیر أفضلَ من هذ التعبیر .
4. «القطمیرُ» ، بتعبیر بعض المفسِّرین هو القشر الخفیف الذی یغطی نواة التمر ، ویقول البعض إنّه النتوء الصغیر الموجود خلف نواة التمر ، وعلى ایة حال فهو کنایةٌ عن موجودات متصاغره ودنیئة .
5. «یسبحون» من مادة «سباحة» وتعنی الحرکة السریعة فی الماء أو الهواء ( مفردات الراغب ) .
6. المقصود من « البرج » هنا مجموعة النجوم المتجمّعة والتی تکوِّنُ شکلا خاص ، والابراج الاثنا عشر کما یلی : الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والمیزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدی ، والدلو ، والحوت .
7. راجعوا کتاب العوالم البعیدة، ص 293 ; وتسخیر النجوم، ص 392 .
8. « العرجون » من مادة « انعراج » أی الاعوجاج والانحناء ، ویصفه البعض بذلک القسم من القرن المقوَّس الذی یتبقى على النخل بعد قطف التمر ، و« القدیم » تعنی العتیق .
9. یقول الفخر الرازی : «إنَّ جهنَّم لها سبع مقامات ودرکات وهی کما یلی ، جهنَّم ، ولظى ، والحطمة ، والسعیر ، وسقر ، والجحیم ، والهاویة» (تفسیر الکبیر، ج 30 ص 209 ) .
10. تفسیر نور الثقلین، ج 1، ص 750 ح 203 .

 

تمهید 1 ـ هویة الشمس
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma