والآن تعالوا واستمعوا للسید « فروید » الذی یرید أن یقیم جسراً بین « ظهور الدین » و« الغریزة الجنسیة » ویعتبر الدین ولیداً للغریزة الجنسیة!
إنّه یحاول أن یربط هذا الموضوع فی فرضیته باحدى القبائل الوهمیة ( للأب فی هذه القبیلة الخیالیة نساء کثیرات ، أمّا الأولاد الشباب فیعانون الحرمان ، وأخیراً ثار الأولاد وقتلوا الأب وأکلوا لحمه ، ثم ندموا على فعلتهم، لقد غضوا النظر عن نساء القبیلة وعمدوا
إلى إدانة وتقبیح عملهم ) ومن هنا نشأ بینهم نوع من الحظر وبتعبیره « تابو » أی ( حظر الزواج من المحارم ) .
وَیضیف : یوجد فی القبائل المتوحشة الیوم شیء باسم « التوتم » وهو الأب أو کبیر العشیرة بالنسبة لاعضاء القبیلة ، ویعتبر حامیهم وولی نعمتهم .
إنّهم یحترمون « التوتم » ویتصورون أنّ علیهم أن یتشبّهوا به ویقلّدوه ( هذا الاعتقاد بالتوتم نابع من نفس الاعتقاد بالقبیلة الوهمیة أیض ) .
یعتقد فروید أنّ الإیمان بالتابو والتوتم هو السبب لظهور العقائد الدینیة ، ووفقاً لما ذکرنا أعلاه فإن له علاقة بالقضیة الجنسیة ! (1).
وفضلا عن أنّ فرضیة فروید الجنسیة قائمة على أساس اسطورة ( اسطورة القبیلة الوهمیة ) ، فإنّ تحلیلاته تشبه إلى حد کبیر الأساطیر والخرافات، وهذا ناتج من أنّه ینظر الى روح وجسم الإنسان الذی یحمل أبعاداً ومیولات متنوعة من زاویة واحدة وبعد واحد .
صحیح أنّ للإنسان غریزة جنسیة ، لکن من المسلم به أنّ وجود الإنسان لا ینحصر فی الغریزة الجنسیة ، فجسمه یقع تحت تأثیر غرائز مختلفة ، ولروحه میول متعالیة مختلفة ، « فَالنظر من بعد وأحد » خطأ لم یقع فیه فروید فحسب بل إنّ الاشتراکیین الذین یحصرون وجود الإنسان فی البعد الاقتصادی قد وقعوا فیه بشکل آخر ، وکلا النظریتین اخطأتاخطأً فاحشاً فی معرفة الإنسان.
کان الأجدر بفروید وبدل الاعتماد على الأوهام أن ینظر إلى هذه الحقیقة وهی أنّ الإنسان منذ فجر حیاته وحتى الیوم أبصر نظاماً حاکماً على العالم المترامی وعلى وجوده هو لا یمکن تفسیره بالعلل الطبیعیة غیر العاقلة وغیر العالمة ، وکان هذا هو المنطلق فی ظهور الاعتقاد بالله ، فَلماذا یرفضون نهجاً بهذا الوضوح ویسلکون طریق الجهل والضلال ؟ !
1. الاقتباس من فروید والفرویدیة .
