1ـ من عجائب عالم الأرزاق

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الثانی)
الکل یتنعم بهذه المائدة عدواً کان أم صدیقاً2 ـ هل أنَّ الرزقَ مقسومٌ ؟

حقاً لو تأملنا فی النظام العجیب الموجود فی ارتزاق مختلف الموجودات من المصادر الطبیعیة، لتجلَّت لنا اُمورٌ لطیفةٌ ومدهشة عن قدرة الخالق جلَّ وعلا.

الأمر الأول منها هو لماذا لا تتقلص کمیة المواد الغذائیة الموجودة على الأرض مع قلتها واستفادة الناس والحیوانات على مدى آلاف الآلاف من السنین؟! کیف لا تنتهی هذه المائدة الممتدة فی کل مکان؟!

حینما نتأمل جیداً نرى أنَّ المواد الغذائیة فی هذه الدنیا لها شکلٌ خاص بحیث لو استُفیدِ منها لملایین الملایین من السنین، لم ینقص منها بقدر رأس الابرة، وهذا بسبب «حرکتها الدائریة» فمثلا أنَّ المیاه تتبخر من البحر ثم تظهر على هیئة غیوم وامطار، فیهطل قسمٌ من ماء المطر إلى البحر ثانیةً، والقسم الآخر یصبحُ جزءاً من جسم الإنسان والحیوانات والنباتات ویتبخر وینتشر فی الجو، وتستمر هذه الحرکة الدائریة دائماً.

فالاشجار تمتص المواد الغذائیة من الأرض وتتکون الفروع والأوراق، ثم تتساقط الأوراق وتتفسخ وتتحول فیما بعد إلى سماد ومواد غذائیة لنفس الأشجار، وتستفید الحیوانات من المواد الغذائیة ثم تُصبحُ تراباً، وجزءاً من المواد الغذائیة فی الأرض.

ویتنفس الإنسان والحیوانات غازَ «الاوکسجین» ویطرح غاز «ثانی اوکسید الکاربون»، ولکن الأشجار على العکس من ذلک فهی تأخذ غاز «ثانی اوکسید الکاربون» وتطرح غاز «الاوکسجین»، ویتکرر هذا التبادل دائماً، هنا نشاهد أنّ هذه المائدة الإلهیّة السرمدیة مبسوطة باستمرار لتجلس کافة المخلوقات إلیها للارتزاق منها دون أن یصیبها النقصان.

وکیفیة إعداد الرزق للحیوانات عجیبةٌ أیضاً، فالبعضُ یتغذى على النباتات والرطوبة الموجودة على الأرض، وبعضٌ یحصل على غذائه من الماء «النباتات العائمة» وبعضٌ من الجو، وبعضٌ عن طریق الالتحام بنباتات اُخرى «کبعض الطفیلیات» وتعیش حیوانات أعماق البحار فی مکان لا ینمو فیه نباتٌ أبداً، لأنَّ اشعة الشمس تتلاشى تماماً فی عمق 600 ـ 700 م ثم یسود ماءَ البحر بعدها لیلٌ حالکٌ وسرمدیٌّ، إلاّ أنّ الباری تعالى یهیء ویعدُّ رزقَها على سطح البحر ویرسلُه إلیها فی أعماق البحر فالنباتات التی تنمو بکثرة على سطح البحر وسط الأمواج تصبحُ ثقیلة وتهبط إلى قاعه بعد نضوجها وتخصیص قسم منها للموجودات الحیّة على سطحه، وکذلک تنزل بقایا الموجودات التی تعیش على سطح البحر على هیئة مائدة سماویة إلى الموجودات فی قاعه.

فقد تُصبحُ الطیورُ طُعمةً لأسماک البحر، واسماک البحر طعمةً للطیور، وقد یجعل النباتاتِ غذاءً للحیوانات، أو الحیوانات غذاءً للنباتات التی تأکل اللحوم! وقد یصنع من فضلات ولعاب بعض الموجودات غذاءً لذیذاً لموجود آخر (کما فی بعض حیتان البحر حیث تخرج إلى ساحل البحر بعد تغذّیها على أسماک البحر المختلفة، فتبقى الفضلات بین أسنانها، فتفتح فمَها الذی یشبه الغار، فتدخلُ مجموعةٌ من طیور الساحل إلى فمها وتقوم باخراج اللحوم المتبقیة من بین اسنانها وتتخذها طعاماً لذیذاً لها، فتقوم بدورِ المسواک فی تنظیف أسنان هذا الحیوان، الذی لا یسیء ردَّ الجمیل، فلا یُطبقُ فاهُ حتى خروج آخر طیر من فمه، وحینما ینتهی الأمر ویتخلص من المواد المزعجة، وتمتلیء بطون الطیور من الطعام حینئذ یُطبقُ فمَهُ ویتجه نحو أَعماقِ البحر(1).

وباختصار: کلّما دققنا فی هذه المسألة أکثر، سنحصل على نقاط جدیدة فی مجال علمِ وحکمةِ الخالق جلَّ وعلا، والتدبیر الذی صُرفَ فی مجال الأرزاق، بشکل لا یبقی مجالا لأی نوع من الصدفة.

یکفینا التأمُل فی وضع الإنسان خلال المراحل الثلاث: الجنین، الرضاعة، والأکل، کیف أنَّ الله تعالى وضعَ فی متناولهِ ما یناسب حاله فی کلِّ واحدة من هذه المراحل الحساسة بدونِ نقص، فیتغذى طیلة مکوثه فی رحم الاُم عن طریق جهاز الحبل السّری المعقّد والإرتباط المباشر بدم الاُم، وبعده الولادة، عندما لا توجدُ أسنانٌ لمضغ الطعام، ومعدتُه وامعاؤهُ غیر مستعدة لاستقبال الطعام، یهییء له ثدی اُمه الملیء بالحلیب، غذاءً مناسباً، غنیاً بکافة المواد الغذائیة، معتدل الحرارة، لا تغلب علیه الحلاوة أو الملوحة، ولا یحتاج إلى مضغ ونشاط لمعدتهِ کی تهضمه.

وفی المرحلة الثالثة، یضع فی متناوله أنواعاً من الاطعمة «المناسبة»، فلو لم تکن أطعمة الإنسان وباقی الحیوانات «ملائمة» ویکون مجبوراً على تناولها کالأدویة المرّة، فایٌّ مأزق سینشأ فی حیاته، ألا یفنى معظمُ الناس بسبب عدم توفر الطعام السلیم لهم؟

ومن جانب آخر، فقد أودعَ فی الإنسان الشعورَ بالجوع والعطش، کی ینجذب نحوهما بشکل آلی عندما یحسُ بالحاجةِ إلى هاتین المادتین الحیویتین، فتأملوا ما یحصل لولا هذا الشعور؟!

وکما یقول الإمام الصادق(علیه السلام) فی الحدیث المعروف عن المفضّل:

«فکّر یا مفضل فی الأفعال التی جُعلت فی الإنسان من الطعم والنوم والجماع وما دبّر فیها فانّه جُعل لکل واحد منها فی الطباع نفسه محرّک یقتضیه ویستحث به فالجوع یقتضی الطعم الذی به حیاة البدن وقوامه والکرى تقتضی النوم الذی فیه راحة البدن وإجمام قواه والشبق یقتضی الجماع الذی فیه دوام النسل وبقاؤه، ولو کان الإنسان إنّما یصیر إلى أکل الطعام لمعرفته بحاجة بدنه إلیه ولم یجد من طباعه شیئاً یضطره إلى ذلک کان خلیقاً أن یتوانى عنه أحیاناً بالتثقل والکسل حتى ینحل بدنه فیهلک...، فانظر کیف جُعل لکل واحد من هذه الأفعال التی بها قوام الإنسان وصلاحه محرک من نفس الطبع یحرکه لذلک ویحدوه علیه»(2).

لهذا تُعتبر الرغبةُ فی نوع من الطعام بالنسبة للاصحاء من الناس دلیلا على حاجة الجسم إلى ذلک الغذاء على نحو الخصوص ، ویجب على مثل هؤلاء الأشخاص کذلک النزول عند هذه الرغبات الداخلیة ; یقول العالم الروسی المعروف « باولف » : « إنَّ الغذاءَ الطبیعی والمفید ، هو الغذاء الذی یؤکل بشهیَّة وتلذذ » .ولهذا أیضاً لا معنى للالتزامِ بنظام خاص فی الامتناع عن الأطعمة التی یرغب الإنسان بتناولها لأنّ تلک الرغبة تعتبر بحد ذاتها أفضل دلیل على حاجةِ الجسمِ له .ما هذه الترکیبات المحبوکة التی تحددُ بنفسها نوع حاجته ، ووقوده ، وصنعه ؟ وبمجرد أن یحصلَ نقصٌ توقظ شعورَ الإنسان وتدفعهُ نحو ذلک ؟ هل یمکن حمل مثل هذه الاُمور على سبیل الصدفة ؟ وهل هنالک إمکانیة لوجود مثل هذا البرنامج المنظّم لولا وجود عقل وتدبیر واسع ؟


1. یضیف الفخر الرازی فی تفسیره ضمن إشارته المختصرة لهذا الموضوع، أنّه على رأس هذا الطائر شیءٌ یشبه الشوک، فلو قَرر التمساحُ ابتلاع هذا الطائر فسیؤلمه ذلک «تفسیر الکبیر، ج 24، ص 11).
2. بحارالأنوار، ج 3، ص 78 و 79، توحید المفضّل.

 

الکل یتنعم بهذه المائدة عدواً کان أم صدیقاً2 ـ هل أنَّ الرزقَ مقسومٌ ؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma