النظام العجیب اللّیل والنّهار

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الثانی)
تمهید 1 ـ أهمیّة النور والظلام وفوائد اللَّیل والّنهار

لقد تکرّرت کلمة «اللیل» فی القرآن الکریم أکثر من « 70 » مرّة ، وکلمة ( النّهار )أکثر من « 50 » مرّة ، والآیات السابقة تُعتبر نماذج مختلفة لهذه الآیات ، حیث تمّت الإشارة فیها إلى البعد التوحیدی لخلق اللیل والنهار على وجه الخصوص .ففی الآیة الاولى ذُکرَ اصلُ خلقِ اللّیل والنهار ، والشمس والقمر ، اللذین یرتبطان بهما بعلاقة قریبة کبرهان لسالکی خط التوحید ومعرفة الله ، حیث یقول : ( هُوَ الَّذِى خَلَقَ اللَّیلَ وَالنَّهَارَ ) .وجاء هذا المعنى بنحو آخر فی الآیة الرابعة ، إذ یقول : ( ومِنْ آیاتِهِ اللَّیلُ والنَّهَارُ وَالشَّمسُ وَالقَمَرُ ) .

فی الوقت الذی یقول فی الآیة الثانیة : ( یُقَلِّبُ اللهُ اللَّیْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِى ذَلِکَ لَعِبْرَةً لاُِولِى الأَبْصَارِ ) .وقد یکون هذا التغییر فی التعبیر إشارة إلى حصول اللّیل والنّهار ، أو زیادة ونقصان مقداریهم ، أو اختلافهما من حیث البرودة والحرارة الذی یحدث خلالهم (1) ، ولکن لا مانع من شمول هذا التغییر کل هذه المعانی أبد .

وأشار فی الآیة الثالثة إلى احدى فوائد « اللّیل » و« النهار » المهمّة ، حیث یقول : ( هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَکُمُ اللَّیلَ لِتَسْکُنُوا فِیه وَالنَّهارَ مُبصِر ) .والواضح أنّ الاطمئنان فی ظلمة اللیل أحدُ أهمِ النعم الإلهیّة ، کما أنّ نور النّهار الضروری لمختلف النشاطات یُعتبر نعمةً مهمةً اُخرى .والملاحظ فی هذه الآیة أنَّ النَّهار اُعتُبرَ «مُبصراً» ، والمُبصرُ فی الأصل تعنی البصیر ، ونحنُ نعلمُ أنّ النّهار لیس بصیراً فی نفسهِ ، ولکن بما أنّه یؤدّی إلى أن یُبصرَ الآخرون ، فلعلَّ هذا التعبیر اُطلِقَ علیه للتأکید والمبالغة .وفی الحقیقة لولا بریق النّور فلا فائدةَ لألف عین مبصرة ، لهذا فهو یضیف فی ختام الآیة : ( إِنَّ فِى ذَلِکَ لاَیَات لِقَوم یَسْمَعُونَ ) ، أی اُولئک الذین یستمعون هذه الآیات ویتفکرون فیه .

فی حین أنّه یعتبر کلا من اللیل والنّهار فی الآیة الخامسة آیةً من آیات الله تعالى ویقول : ( فَمَحَوْنَا آیَةَ اللَّیلِ وَجَعَلْنَا آیَةَ النَّهارِ مُبصَِرةً ) ، ثم یشیر إلى فائدتی ذلک حیث یقول :

( لِتَبتَغُوا فَضْلا مِّنْ رَّبِّکُمْ ولِتَعْلَمُوا عَدَدَ السَِّنِینَ والْحِسَابَ ) .فهل أنّ فوائد النهار تقتصر على ابتغاء فضلِ الله ومعرفة حساب السنة والشهور من آثار اللیل والنّهار مع ؟ أم أنّ کلا المنفعتین لهما علاقةٌ وثیقة باللیل والنهار مع ؟ لأنَّ الراحةَ فی اللّیل لها أثرٌ واضحٌ فی إمکانیة العمل والابتغاء من فضل الله نهار ، والظاهر أنَّ المعنى الثانی أکثر تناسباً من حیث تناسقه مع الآیة ، بالرغم من أنّ العدید من المفسرین ذکرَ المعنى الأول .

وفی الآیة السادسة إشارة إلى هذا المعنى وبنحو آخر حیث یقول : ( وَجَعَلْنَا اللَّیْلَ لِبَاساً ـ والنَّهَارَ مَعَاش ) .وقد یکون «المعاش» اسم زمان أو مکان أو مصدراً میمی ، وهو یلائم المعنى المصدری(2) .ووصف اللیل بـ «اللباس» یعتبر من التعابیر اللطیفة جدّاً، حیث إنَّ اللیل کاللباس بالنسبة لنصف الکرة الأرضیة ، وهو کذلک بالنسبة للإنسان ، فکما أنّ اللباس یحفظ جسم الإنسان من بعض الاضرار ویمنحه جمالا ورونق ، فانَّ ظلمةَ اللیل والنوم العمیق أثناء اللّیل یمنح روحَ الإنسان وجسمه طراوةً ونشاطاً ویصونه من مختلف الأمراض .

والحدیث فی الآیة السابعة عن استخلاف اللیل والنّهار لبعضهما البعض ، فیقول : ( وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ اللَّیْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً ) .

و«خِلْفَة»: على وزن ( فِتنه ) ، وکما یقول الراغب فی « المفردات » فانّها تُطلقُ على شیئین یخلف أحدُهما الآخرَ باستمرار ، لکن « خلفة » تعنی « مختلف » وفقاً لرأی الفیروز آبادی فی « قاموس اللغة » ، ففی الحالة الاُولى ینصبُّ الاهتمام على تناوب اللیل والنّهار ، فلو لم یکن هذا التناوب دقیقاً ومحسوب ، فإمّا أنْ تحترق موجودات الأرض من شدة حرارة ضوء الشمس أو تنجمد منْ شدةِ البرودة، وفی الحالة الثانیة إشارة إلى اختلاف اللّیل والنّهار وحصول فصول السنة الأربعة التی لها آثار خاصة فی حیاة الإنسان .واختار بعضُ المفسرین المعنى الأول ، بینما ذهبَ البعضُ الآخر إلى المعنى الثانی ، ولکن لیس هنالک من مانع فی الجمع بین هذین المعنیین .وورد فی الروایات أنّ الإنسان یستطیع أن یقضی فی النّهار ما فاته من عبادات اللیل وبالعکس ، واعتُبِر أنّ الآیة تشیر إلى هذا المعنى(3) .ولا یتعارض هذا التفسیر مع التفاسیر السابقة أیض ، وعلى أیة حال ، فانَّ الآیة تشیر إلى نظام خاص ومتناوب لظاهرة للیل والنّهار حیث تدلل على العلم والقدرة اللامتناهیة للخالق جلَّ وعل ، بشکل لو کانت دورة الأرض حول نفسها اسرعُ بقلیل أو أکثر بطءً ممّا علیه الآن لطال اللَّیلُ والنّهار وتعَّرضت حیاة الناس بل کافة الموجودات على الأرض إلى الخطر .

والحدیث فی الآیة الثامنة عن تسخیر اللیل والنّهار وخدمتهما للإنسان إذ یقول : ( وسَخَّرَ لَکُمُ اللَّیْلَ والنَّهارَ ) .وبما أنّ شرحَ معنى التسخیر قد مرَّ سابقاً فی موارد مشابهة فلا نرى حاجةً للإعادة .

وأشار فی الآیة التاسعة ، أولا إلى مسألة اختلاف اللّیل والنهار ، ثم إلى کافة مخلوقات الأرض والسماء التی خلقها الله تعالى کبرهان على عظمتهِ وعلمهِ وقدرتهِ فیقول : ( اِنَّ فِى اخْتِلاَفِ اللَّیْلِ وَالنَّهارِ وَمَا خَلَقَ اللهُ فِى السَّمَواتِ وَالأَرْضِ لاَیَات لِّقَوْم یَتَّقُوْنَ ) .وهذا التعبیر دلیلٌ على مدى أهمیّة خلقهم .

وفی القسم العاشر أشار فی ثلاث آیات بتعابیر جمیلة إلى الفوائد المهمّة للیل والنهار فقال تعالى: ( قُلْ أَرَأَیْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَیکُمُ اللَّیلَ سَرْمَداً إِلى یَومِ القِیَامَةِ مَنْ إِلهٌ غَیرُ اللهِ یأتِیکُم بِضِیَاء أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ اَرأَیْتُم إنْ جَعَلَ اللهُ عَلَیکُم الَّنهَارَ سَرمَداً إِلى یَومِ الْقِیَامَةِ مَنْ إِلهٌ غَیرُ اللهِ یَأتِیکُم بِلَیل تَسْکُنُونَ فِیهِ أَفَلا تُبْصِرُون * وَمِنْ رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَکُمُ اللَّیلَ والنَّهارَ لِتَسْکُنُوا فِیْهِ ولِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّکُم تَشْکُرُوْن ) .والجدیر بالذکر انّه یقول فی نهایة احدى الآیات : ( أَفَلا تَسْمَعُونَ ) ، وفی نهایة آیة اُخرى : ( أَفَلا تُبْصِرُونَ ) .ولعلَّ هذه التعابیر إشارةٌ إلى أنّ هناک دلائل حسّیة فی هذا النظام الدقیق للیل والنّهار یجب أن تُنظَر بالعین ، وکذلک هناک دلائل نقلیه یجب أن تُسمَعَ ، وهذا جدیرٌ بالتأمُل أیضاً، یقول فی مورد خلود اللّیل : ( أَفَلا تَسْمَعُونَ ) ، وفی مورد خلود النّهار : ( أَفَلا تُبْصِرُونَ ) ، لأنَّ الأُذنَ تستخدمُ غالباً فی اللیل والعینَ فی النهار .

إنَّ أهمیّة موضوع اللیل والنّهار بلغت إلى الحد الذی یُقسمُ الله تعالى فی القرآنُ بهما فی آیات عدیدة من بینها ما یقوله فی القسم الحادی عشر من هذه الآیات : ( واللَّیلِ إذا یَغْشى * والنَّهارِ إِذا تَجَلَّى ) .وورد هذا المعنى فی مکان ثان وبتعبیر آخر فیقول : ( واللَّیلِ إِذ أَدبَرَ والصُبْحِ إِذا أسْفَرَ ) .( المدثر / 33 )

ویقول فی مکان آخر : ( وَاللَّیْلِ إِذَا عَسْعَسَ * والصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ) .( التکویر / 17 )ویضیف فی مکان آخر : ( وَالضُحى وَاللّیْلِ إِذَا سَجَى ) .( الضحى / 12 )وأَیْمانٌ اُخرى من هذا القبیل حیث تحکی کلُّها عن الاهمیة الفائقة التی یولیها القرآن الکریم للَّیل والنّهار کی یتمعنَ الإنسان بهما ویرى آیاتِ الله فی کلَّ موقع منهم ، لأنَّ القَسَمَ دلیلٌ على أهمیّة وقیمة وحقیقة التأمل دائم .

وفی الآیة الثانیة عشرة والاخیرة نواجه تعبیراً جدیداً فی هذا المجال إذ یقول : ( ذَلِکَ بِأَنَّ اللهَ یُولِجُ اللَّیْلَ فِى النَّهَارِ وَیُولِجُ النَّهَارَ فِى اللَّیْلِ ) .«یُوْلِجُ»: من مادة « ایلاج » وتعنی الادخال ، وبما أنّها جاءت بصیغة « الفعل المضارع » وحیث اننا نعلمُ أنّ الفعل المضارع یفید الاستمرار ، فقد تکون إشارة إلى طول وقصر اللَّیل والنهار التدریجی والمنَّظم على مدى فصول السنة المختلفة حیث ینقصُ احدهُما ویضاف إلى الآخر ، فهذا النظام التدریجی عاملٌ مؤثرٌ فی نمو النباتات وتکامل الکائنات الحیّة ، فلو حدثَ فجأةً سیختلُ توازنُ هذه الموجودات فیکون مضر ، لهذا فقد جعلَهُ الباری تعالى أمراً تدریجی .ومن الممکن أن تکون إشارة إلى مسألة شروق وغروب الشمس ، لأنَّ الشمس حینما تقتربُ من الشروق یشعُ نورُها نحو الطرف الأعلى من الجو ، ویضیء الجو قلیل ، وکلما ارتفعت الشمس من وراء الاُفق یزداد هذا الضیاء ، وعلى العکس أثناء الغروب ، فلا یحلُّ اللَّیلُ دفعةً واحدةً ، بل تختفی أشعةُ الشمس رویداً رویداً فی الطبقات السفلى من الجو ، ویحلُّ الظلامُ محلَّه ، فهذا الانتقال التدریجی من النور إلى الظلام وبالعکس یؤدّی إلى أنْ یتأقلمَ الإنسان معه من الناحیة الجسمیة والروحیة ، ولو حلَّ اللّیلُ أو الّنهار بشکل مفاجیء لترکَ آثاراً سیئةً .والجدیر بالذکر أنّ ظاهرَ الآیة هو أنّ دخولَ اللّیل فی الّنهار والنهار فی اللیل یحدث فی

آن واحد ، والواقع هو کذلک ، لأنَّ اللَّیلَ یقلُّ تدریجیاً أثناء فصل الصیف فی المناطق الواقعة شمال خط الاستواء ویصبح جزءً من النهار أی إنّه مصداقٌ لـ ( یُولِجُ اللَّیْلَ فِى النَّهَارِ ) ، وفی ذات الوقت یقلُّ النّهار فی جنوب خط الاستواء ویصبح جزءً من اللَّیل حیث یکون مصداقاً لـ ( یُوْلِجُ النَّهارَ فِى اللَّیْلِ )(4) .وجاء فی الحدیث المشهور عن المفضل ، أنّ الإمام الصادق (علیه السلام) قال :«فکّر فی دخول أحدهما اللیل والنهار ـ على الآخر بهذا التدریج والترسّل ، فانک ترى أحدهما ینقص شیئاً بعد شیء ، والآخر یزید مثل ذلک حتى ینتهی کل واحد منهما منتهاه فی الزیادة والنقصان ، ولو کان دخول أحدهما على الآخر مفاجأة ، لأضّر ذلک بالأبدان وأسقمه ، کما أنّ أحدکم لو خرج من حمّام حار إلى موضع البرودة لضّره ذلک واسقم بدنه ، فلم یجعل الله عزّ وجلّ هذا الترسل فی الحر والبرد إلاّ للسلامة من ضرر المفاجأة ؟»(5) .


1. وردت هذه الاحتمالات الثلاثة فی تفسیر روح المعانی، ج 18، ص 173 ، وتفسیر الکبیر ج 24 ص 15 ، ولکن ذُکر التفسیر الأول والثانی فقط فی تفسیر مجمع البیان ج 7 ص 148 .
2. قال بعض المفسرین : إنّ التعبیر بـ « المعاش » أی « الحیاة » بخصوص النهار هو لأجل أنّ النوم فی اللیل یشبه الموت کما یقول العرب فی أمثالهم « النوم أخُ الموت » ، وعلیه فانَّ النقطة المقابلة له ای النهار هو أساس الصحوة والحیاة، ( الحیاة بکل أبعاده ) .
3. ورد هذا التفسیر فی حدیث عن النبی (صلى الله علیه وآله) « طبق » لما نُقل فی تفسیر الفخر الرازی ، وفی حدیث عن الصادق(علیه السلام) « طبق » لما نُقل فی تفسیر نور الثقلین، ج 3، الآیة المورد البحث.
4. لقد ذکر « الطریحی » فی « مجمع البحرین » هذه النکتة فی مادة ( ولج ) .
5. بحار الأنوار، ج 3، ص 118 .

 

تمهید 1 ـ أهمیّة النور والظلام وفوائد اللَّیل والّنهار
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma