لعلَّ اختیار هذا العنوان بعد الذی قیل فی البحث السابق یبدو عجباً ومتناقض ، والحال أنّه لیس کذلک ، مع أنّ الحیوانات تبدو بلا عقل أو قلیلة العقل ، ونحنُ نشبّهُ البُلداء بالبهائم ، إلاّ أنّها تبدی ذکاءً ووعیاً فی بعض المسائل بحیث تبعث على الدهشة .فقد شاهدَ اغلبُنا قطیعَ الأغنامِ عندما یعود من الصحراء ، فهنالک عدد من الغنم والماعز تعود إلى عائلة ما وبمجرد اقترابها من القریةِ یسلک کلٌّ منها فروع وازقةَ القریة ویتجه نحو بیت صاحبهِ بدونِ أیِّ اختلاف .کما شاهدنا أنَّ النعجةَ لا تسمح أبداً لغیر ولیدها أن یرتضع من ثدیه ، وعندما تُطلقُ الصغار فی ظلمةِ اللیل وتدخلُ فی القطیع یذهبُ کلٌ منها إلى اُمه ، فتعرفه وتستعد لإضاعه ، وهذه المعرفة تحصل عن طریق « الشَّم » فقط ، وهذا یعنی أنَّ عددَ روائح الأغنام تضاهی عدده ، وکلُّ نعجة تشخصُ رائحةَ صغیرها من بین هذه الروائح !یقول « غرسی موریسن » فی کتاب « سرُّ خلق الإنسان » : ( إنَّ اغلبَ الحیوانات تُشخصُ طریقها فی اللیالی المظلمة ، وتسیر بیُسر ، وإذا کانت لاتبصر فی الظلمة الحالکة فهی تعرفه من تفاوت الهواء المحیط بالطریق ، ویؤثر النورُ الضعیف جدّاً للأشعة مافوق الحمراء الذی یشع من سطح الطریق على عیونه ) .إنَّ طراز بناء البیت ، وتربیة الصغار ، وکیفیة مقاومة العدو ، وحتى معالجة نفسها أثناء المرض من الاُمور العجیبة فی الحیوانات ، وشرحُ کلٍّ منها یحتاج إلى بحث مفصَّل .ذکر أحدُ علماء البیئة ویُدعى « البروفسور هانر منرو » فی کتابه فی خصوص استعداد بعض الحیوانات لمعالجةِ أمراضها قائل :« اُجریت بعض الکشوفات الطبیة على علاجاته ، فمثلا هناک نوعٌ من الطیور التی تأکل الأسماک ، تتضرر أرجلها أثناء الطیران الجماعی أو الهبوط على الأرض ، بسبب طوله ، فوجدت أنّها على اطلاع تام بالتجبیر وعلاج الکسور ، فتذهب إلى ساحل البحر والمناطق الموحلة التی یمتزج طینها مع النورة الخاصة بالتجبیر ، وتغمسُ أرجلها بالنورة الرطبة ، ثم تجلس تحت أشعة الشمس کی تَجفَّ النورة ، وتبقى تراقب أرجلها بهذا الحال حتى یلتحم مکانُ الکسرِ تمام ...
ومن الصدفة أنَّ النّورة التی یستخدمها الأطباء فی المستشفیات من نفس هذا النوع الذی یستخدمه هذا الطائر الذی یأکل السمک لعلاج نفسهِ ، لأنَّه لزجٌ ومتماسکٌ جدّ »(1).یعتقد العلماء أنَّ معظمَ الحیواناتِ لدیها لغةٌ خاصة به ، وتتفاهم فیما بینها عن طریقه ، فالنمل یتحدث فیما بینه من خلال اللمس ، أو من خلال اصطدام لوامسه ، وتتبادل الرسائل ، وبعضُها تخابُر أثناء حلول الخطر من خلال ضرب ارجلها على باب الخلیّة فترسل برقیات بهذه الطریقة إلى بعضها الآخر.
إنَّ اغلبَ الاحیاء علاوة على امتلاکها للغة خاصة فهی تملک لغةً عامةً تستطیع من خلالها فهم لغة بعضها البعض الآخر ، فهذه اللغة التی یصدرها الغراب أثناء حصول الخطر حیث یحذِّرُ بقیةَ الحیوانات بصوت خاص کی تبتعد سریعاً عن منطقة الخطر ، ویعتبر الغراب فی الواقع بمنزلة جاسوس من جواسیس الغابة !لقد توصلَ علماء البیئة فی دراساتِهم إلى هذه النتیجة وهی أنّ الحشرات تلی الإنسان فی امتلاک جهاز اتصالات متکامل ، لا سیما التکلم وجهاز اتصالات النحل ، فهو أکثرها عجباً وندرةً (2).القى عالمُ احیاء سویدی محاضرةً تثیر الاهتمام فی جامعة « لاند » حول لغة النحل وکانت نتیجة هذا التحقیق والتجربة التی أجراها عالم الأحیاء هذا بمساعدة الأجهزة وعن طریق المقایسة ، أنّها لغة یمکن فهمُ معناه (3).إنَّ عجائب عالم الحیوانات أکثرُ من أن یُؤدى حقُها فی کتاب واحد أو عشر کتب . والأفضل أن نکتفی بهذا المقدار ونغلق الملف ونقول بکل خضوع وخشوع أمام الحضرة الإلهیّة المقدّسة : «سُبحانَکَ اللّهُمَّ وبحَمدِّکَ لا تُحصىَ عَجائِبُ خِلْقَتِکَ وإِنَّکَ على کُلِّ شَیء قَدیرٌ ».