إنَّ استعداد الحیوانات للترویض مسألةٌ مهمةٌ للغایة .ومن أجل إدراک أهمیّة کلِّ نعمة ، لابدّ من تصوُّر الحالةِ التی تتحوَّل فیها الحیوانات الالیفة إلى حیوانات وحشیة ، « فالجملُ » یشنُّ هجماتهِ کالفهد ویمزِّقُ الإنسان بفکیّه القویتین ، ویستخدمُ « البقرُ » قرنَهُ ، وتضرب الخیلُ بحوافرها مَنْ یقترب منه ، حینها لا یمکن اعتبار هذا القطیع من الأغنام والابل والبقر أساسیَ الوجود فحسب ، بل وسنستعین بأیة آلة قاتلة من أجل الخلاص من شرِّها والقضاء علیه ، وفی الوقت الحاضر أیضاً تغضب
هذه الحیوانات الالیفة أحیاناً فتشکلُ خطورةً بالغة ، فمثلا تُلَقِّنُ الفیلةُ الهنودَ دروس ، وتَشنُّ الجمالُ الغاضبة هجماتها على أصحابه ، ومن الممکن أن تنتهی بالقضاء علیهم إذا ما غفلو ، وکأن الله تعالى یرید أنْ یُبرهنَ على أنْ لو اردتُ سلبها أمرَ الطاعة والتسلیم والخضوع فستَرَونَ بایِّ صورة تظهر !وقد عبَّر القرآن الکریم عن هذه الحقیقة بتعابیر مختلفة ، فیقول أحیان : ( وَذَلَّلْنَاهَا لَهُم ) .(یس / 72)
وحیناً یقول : ( سُبْحَانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا کُنَّا لَهُ مُقْرِنینَ ) .(الزخرف / 13)
وقد أشار الإمام الصادق (علیه السلام) إلى هذه المسألة فی توحید المفضّل ، فیقول بعد بیان خلق الأنعام :...« ثُمَّ مُنِعَت الذِّهنَ والعَقلَ لِتَذِلَّ للانسانِ فلا تَمْتَنِعَ عَلَیْهِ إذا کَدَّها الکَدَّ الشّدیدَ وحَمَّلَها الحِمْلَ الثَّقیلَ »(1).وبالطبع أنَّ عدم امتلاکها للعقل جزءٌ من الدلیل على تآلفه ، علاوة على هذا أنَّ الله تعالى خَلَقها بشکل تأتلفُ فیه بسرعة وتبقى على هذا الحال إلى الأبد ، بینما نجد أنَّ بعضَ الحیوانات التی تماثلها فی الذکاء والعقل ( کالذئاب والّنمور ) إذا ما ألفت فبمشقّة تکون مؤقتة ، ومع ذلک یجب الحذر منه ، وأحیاناً تفترسُ اصحابها إذا ما غفلوا عنه .