إنَّ حیاة النحل ملیئةٌ بالعجائب والاحداث ، وما تحدثنا عنه لحد الآن کان جانباً منه ، فقصة بناء الشمع تلک المادة التی یُشید منها بیت النحل بشکل کامل ـ بحد ذاتها قصةٌ مفصَّلة ، والعجیب أنّها لا تستثمر هذا الشمع لبناء البیت فقط ، فقد تقوم بتحنیط اجساد الحشرات المؤذیة التی لا تستطیع دفعها إلى الخارج کی تأمنَ شرَّه ! .یقول أحد خبراء النحل : أنّه لفت انتباهه فی أحد الأیّام وجود کرة کبیرة نسبیاً داخل خلیة نحل ، وعندما فتحها وجد فیها جثة جرادة حنَّطها النحل .وقال بعضهم عن الشمع ، أنّه روح العسل والعسل روح الزهر وهو خفیف ، بحیث إنّ وزن خمسمائة بیت من مدینة النحل لا یتجاوز بضعة غرامات ، ولا شکَّ فی صعوبة معرفتنا بکیفیة ترشح هذا الشمع بالنسبة للنحل ، غیر أننا نعرف جیداً أنَّ للشمع استعمالا هام .وعملیة تلقیح وحمل الأزهار ، من أهم أعمال النحل .یقول أحد العلماء : « لولا وجود الحشرات ، لخلت سلالُنا من الفاکهة ، لأنَّ الحشرات التی تستفید من الأزهار یمکن أن تلقحها افضلَ من بقیة عوامل نقل حبوب اللقاح ، فعندما تمدُ احدى الحشرات التی تعشقُ الأزهار خرطومَها فی الزهرة ، فهی إمّا أنْ تُدخلَ اغلبَهُ ، أو أنْ تُدخلَ جزءاً من جسمها فی الزهرة کما یحدث غالب ، وفی خروجها یتغطى جسمُها بالغبار ذی اللون الأصفر وهو غبار الورد ، فتنقله مباشرة إلى زهرة اُخرى وکما نعلم ـ أن غبار الأزهار عاملٌ مؤثرٌ فلا تتبدل البذور إلى حبوب ، ولا المبیض إلى ثمار بدونه .وهذه النکتة جدیرةٌ بالاهتمام من الناحیة الفلسفیة إذ إنَّ الحشرات التی تعشق الأزهار تمیل إلیها منذ بدء التکوین ... کلٌ منها بموازاة الاُخرى ، ینمو ویتکامل ، وقد وصل الحال بها الیوم إلى عدم قدرتها على الحیاة منفصلة عن بعضه ... ومن أهم الحشرات التی تعشقُ الأزهار ولابدّ أنّکم تعرفونه ـ هی : الفراشة ، والنحل ، والزنبور الذهبی و ... لکن النحل أکثرُ استعداداً وتجهیزاً من بین هذه الحشرات لاخراج الغبار والرحیق من الأزهار »(1) .
ومن الضروری الانتباه إلى أنّ الأشجار التی تحتوی على الأزهار الذکریة والانثویة صنفان : الأشجار العقیمة غیر المثمرة ، والأشجار المثمرة التی لها القدرة على ذلک .ومن أجل تکون الثمار فی الصنف الأول لابد من وجود واسطة للتلقیح ، وهذه الواسطة عبارة عن النحل ، وقد ثَبُتَ أنّ 80 % من عملیة تلقیح الأزهار یجری عن طریق النحل ، ومن أجل المزید من الاطلاع على دور النحل یجب الانتباه إلى أنّ جمیع أنواع التفاح ، والاجاص ، والکرز ، واللوز وأمثالها تعتبر من الأشجار العقیمة !وقد واجهت المساعی التی بُذلت بصدد إجراء التلقیح بالطرق الکیمیائیة والمیکانیکیة والاصطناعیة فشلا ذریع ، ومن هنا یتضح دور النحل(2) .ویضیف العلماء : « إنَّ النحل یساعدنا بکلفة لا تقل عن مائتی الف درهم فی الزراعة مقابل کل الف درهم من العسل والشمع الذی یصنعه لن » !(3) .ونختم هذا الحدیث بجملة عجیبة عن « متر لینغ » استاذ علم البیئة ، بقوله : « لو هلک النحل ( سواء الوحشی منه أو الألیف ) ، فسیَفنى مائةُ الفِ نوع من النباتات والأزهار والثمار وما یدریک بأنْ لا تزول حضارتنا أصل » ! !(4) .