تعتبرُ الآیة الاُولى من البحث بشکل صریح ، أنّ برقَ السماء من آیات الله فتقول: ( وَمِنْ آیاتِهِ یُرِیْکُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَع ) . هذه الآیة تارة تذکر الخوف وأحیاناً الأمل والرجاء.
الخوف الناتج عن الصوت المهیب الذی یرافق الرعد ، واحتمال تزامنه مع صاعقة ممیتة ، والأمل والطمع بسبب احتمال نزول المطر ، لأنّه فی کثیر من الحالات یعقبُ الرعدَ والبرقَ زوابع ملیئةٌ بالبرکة .ولعلَّه لهذا السبب یضیف فی سیاق هذه الآیة: ( وَیُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَیُحْىِ بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَ ) .فالأرضُ الیابسة والمحترقة تحیى بقلیل من المطر والغیث الذى یهب الحیاة ، بحیث تنتعش الأزهار والنباتات فیها وکأنها لیست تلک الأرض السابقة .ولهذا یضیف فی نهایة الآیة للتأکید فیقول : ( إِنَّ فِى ذَلِکَ لاَیَات لِّقوم یَعْقِلُوْن ) .فهُمْ یفهمون أنّ هذه الظواهر لیست ظواهر عادیّة تحدث صدفةً ، فیتفکرون فیها ویتعرفون على أسراره .
وورد هذا المعنى فی الآیة الثانیة من بحثنا بتعبیر آخر تعریفاً بالذات الإلهیّة المقدّسة عن طریق آثاره فیقول تعالى : ( هُوَ الَّذِى یُرِیَکُمُ البَرْقَ خَوْفاً وطَمَع ) .الخوفُ من الصواعق والتفاؤل بنزول المطر ، أو خوف المسافرین ، وتفاؤل المقیمین فی المدن والاریاف .واللطیف أنّه یقول بعد ذلک مباشرة : ( ویُنْشِىءُ السَّحَابَ الثِّقَال ) .وقیل فی بیان هذه الجملة ( تتزامن مع العواصف القویّة کُتلٌ من الغیوم ، فتغطی اعالی الجو القریبة من الأرض ، فیصبح الجو مظلم ، وتتولد شحنات کهربائیة نتیجة تلاطم الریاح ، وتهتز الأرض والجو بسبب صوت الرعد المتتابع ، وأخیراً فانَّ الغیوم المتراکمة فی طبقات الجو السفلى کثیفة ومحملة بکثیر من قطرات الماء الکبیرة لذلک تکون ثقیلة للغایة على الریاح المحرکة (1) .
ویشیر فی الآیة الثالثة والأخیرة من بحثنا إلى ظاهرة « الرعد » فیقول : ( ویُسَبِّحُ الرَعْدُ بِحَمْدِهِ ) .ویُبَیِّنُ هذا التعبیر أنّ هذه الظاهرة السماویة لیست مسألة عادیةً ، بل تُنبىءُ عن علم وقدرة الله تعالى ، لأنَّ «التسبیح» یَعنی التنزیه عن کل عیب ونقص ، و«الحمد» تعنی شکره مقابل الکمالات ، وعلیه فانَّ صوت الرعد یتحدث عن الأوصاف الجمالیة والجلالیة لله تعالى !ویمکن أن یکون هذا الکلام بلسان الحال ، کما یتحدثُ اختراعٌ مهمٌ عن علم ووعی المخترع ، أو لوحةٌ جمیلةٌ جدّاً عن الذوق الحاد للرسام ، أو قطعة شعریة عن الذوق الأدبی للشاعر ، فتمدحه وتشکره ، فتکون لسان حال ، کما قالَ بعض المفسرین بأنَّ لدى ذرات هذا العالم کافة عقلا وشعور ، کل حسب حظه ، وتسبیحها وحمدها ینبع من العقل والشعور والإدراک .یقول الفخر الرازی فی تفسیره :« فلا یبعد من الله تعالى أن یخلق الحیاة والعلم والقدرة والنطق فی أجزاء السحاب فیکون هذا الصوت المسموع من الأفعال الاختیاریة لله سبحانه وتعالى.
وکما هو تسبیح الجبال فی زمن داود (علیه السلام) وتسبیح الحصى فی زمان محمد (صلى الله علیه وآله) »(2) .فلیکن أیُّ الاحتمالین ، فلیس هنالک اختلافٌ فی بحثن ، وعلى کل حال فإنّ هناک أسراراً خفیّةً فی هذه الظاهرة السماویة حیث تکشفُ عن عظمة الخالقِ وتمثل آیةً من آیاته .والمعروف أنّ الماء والبخار ، والغیوم الناتجة منهما عناصر لا تنسجم مع النار ، ولکن بقدرة الخالق تنطلقُ منها نارٌ هائلة أکثر احراقاً من أنواع النیران الموجودة على الأرض کافة ، وکذلک البخار ، الجسم اللطیف جدّ ، ولکن ینطلقُ منه صوتٌ لا ینطلقُ من سقوط أثقل وأقوى الأجسام .
ویستفاد من مجموع هذه الآیات أنّ کلا من « الرعد » و« البرق » من ظواهر عالم الوجود الجدیرة بالاهتمام ویجب دراستها بجدیّة ، للتوصل إلى أسراره ، والتعرف على عظمة الخالق عن طریقه ، وسیأتی هذا الأمر فی قسم التوضیحات إن شاء الله تعالى .