لا یستطیع ولید الإنسان والکثیر من الحیوانات فی بدایة ولادته أن یأکل الأطعمة الجافة والثقیلة ، ولهذا فقد هیّأت ید الخالق المقتدرة غذاءً خاصاً فی ثدی الأم إسمه « اللبن » ، والحقیقة أن نفس دماء جسم الأم التی کان الطفل ینتفع منها فی الفترة الجنینیة تتحول إلى لبن ضمن عملیة تغیّر واسعة وسریعة ، فتغذّیه حتى الفترة اللازمة .یتغیر شکل ثدی الأم بصورة تدریجیة خلال فترة الحمل ، ویکبر شیئاً فشیئاً نتیجة الافرازات التی یقذف بها الحبل السری إلى دم الأم لیأمرها بالاستعداد الکامل ، وهکذا یُهیء الثدی نفسه لوظیفتِهِ المستقبلیة الثقیلة .
إنّ الأنابیب الموجودة فی الثدی والممتدة حتى قمة الثدی ( الحلمة ) ، تتشعب وتزداد وتفرز إفرازات بسیطة ، وعند ولادة الطفل تعلن عن استعدادها التام .العجیب أن ترشح اللبن من خلایا الثدی لیس دائمیاً وإلاّ لخرج اللبن بصورة متواصلة إلى الخارج ، بل إنّه بمجرّد ملامسة شفتی الولید لثدی الأم وبدئه بالامتصاص تتجه الحوافز العصبیة عن طریق الأعصاب إلى النخاع ومن النخاع إلى الهایبوثالموس فتؤدّی إلى نوعین من الافراز ، یصب أحدهما فی الأثداء عن طریق الدم فیضغط على الأنسجة المحیطة بأنابیب اللبن لیندفع اللبن باتجاه الحلمة ، وتتمّ کل هذه الأعمال خلال 30 ثانیة ، والأعجب أنّ اللبن لا یتحرک فی ذلک الثدی الذی یرضع منهُ الطفل فقط ، بل ویحدث هذا فی الثدی الآخر أیضاً فیکون مستعد ، ولذا یُؤکد الأطباء على إرضاع الولید من کلا الثدیین .
اللبن غذاء کامل ، وخاصة لبن الأم الذی یعتبر غذاءً أکمل بالنسبة لولیدها ولا یستطیع شیء فی العالم أن یحل محله .
یحتوی الحلیب على أنواع الفیتامینات کفیتامین A ، B ، D ، P وفیتامینات أخرى ، وقد اکتشف فیه العلماء 22 مادة مختلفة ، علاوة على أنواع الأنزیمات (1) ، والکثیر من الأدویة الضروریة تنتقل عن طریق لبن الأم إلى ولیده ، ومن هنا فإنّ الأطفال المحرومین من لبن الأم یصابون بمختلف الأعراض .
یبدو أنّ لبن الأم لا یغذی جسم الطفل فحسب ، بل إنّه یروی عواطفه وروحه أیض ، ولهذا قد یصاب المحرومون من لبن الأم بمشاکل ونواقص عاطفیة بعض الأحیان .
وعلى هذا الأساس یقول القرآن الکریم: (وَالْوَالِداتُ یُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَیْنِ کَامِلَیْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ یُتِمَّ الرَّضاعَةَ ).( البقرة / 233 ) إنّ عجائب وغرائب اللبن أکثر من أن یحتویها هذا المختصر ، وإذا أردنا أن نترک العنان للقلم لمثل هذه الأبحاث نکون قد خرجنا عن بحثنا التفسیری .