لهذا البرهان خصائص من أجلها اعتمد وأکد علیه القرآن الکریم إلى هذا الحد .
1 ـ إنّ برهان النظم یقنع العلماء کما یقنع عامة الناس ، أی أنّ کل فئة تستطیع الاستفادة والانتفاع منه حسب قابلیته ، وذلک لأنَّ الناس مختلفون فی إدراک أسرار الخلقة .
2 ـ لیس فی برهان النظم الجفاف الموجود فی الاستدلالات الفلسفیة ، بل على العکس فیه لطف خاص یمنح الإنسان حبّ الاطلاع على ذلک المُبدىء الکبیر ، ویوجد فیه نوعاً من الاندفاع والشوق نحوه ، ویخلق لدیه حالة من الخضوع الممزوج بالحبّ ومعرفة الله، وبتعبیر آخر فهو یروی عقل الإنسان کما یروی عواطفه وأخلاقه .
وأخیراً فإنّ برهان النظم وبسبب دراسته لأنواع النعم الإلهیّة ضمن دراسة نظم هذا العالم فهو یؤکد على مسألة شکر المنعم ، وهذا بحدّ ذاته حافز آخر من حوافز التوحید .
3 ـ إنّ برهان النظم برهان فی حال تطور ( متجدد ) ، وبتعبیر آخر هو برهان لا متناه ،المقدّمة الکبرى وإن کانت ثابتة، لکن صغراها تمثل أعصانا متفرعة ومورقة وذات برأعم نامیة لهذا البرهان، لأنّ أی اکتشاف من الاکتشافات العلمیة حول أسرار الخلقة إنما یشکل مصداقاً وصغرى جدیدة لهذا البرهان ، فهو لهذا جدید دائم ، وفی کل یوم یأخذ شکلا آخر ، وهو متطور ومتقدم إلى جانب تطور العلم والمعارف البشریة .
4 ـ إنّ برهان النظم یدعو الإنسان إلى سلوک الآفاق والأنفس ، وهذا السلوک المملوء بالبرکة یزید من مستوى معرفة الإنسان فی کل یوم ویجعل تفکیره مزدهر ، خاصة وأنّ أسس برهان النظم مختلطة بحیاة الإنسان وهو یواجهها فی کل خطوة من خطواته ، ولیس کالبعض الآخر من البراهین التوحیدیة التی تقع على هامش قضایا الحیاة وخارجه .
5 ـ برهان النظم هو البرهان الوحید الذی یستطیع إخضاع الفلاسفة التجریبیین الذین ینکرون الاستدلالات العقلیة المحضة ، ویستخدم حربة العلم التی یستخدمونها فی إثبات « المادیة » ضدهم ، وهو بهذا اللحاظ ذو فاعلیة عالیة .
ولهذا لیس من العجیب أن یضع القران الکریم الغالبیة العظمى من مباحثه التوحیدیة على أساسه ، لکن من العجیب أنّ بعض المحققین المتأثرین بشدة ببراهین أخرى ( البراهین الفلسفیة المحضة ) یتجاهلون الأهمیّة القصوى لهذا البرهان وکأنّهم لا علم لهم بممیزاته وآثاره العمیقة .
