وهذا الشرط المهم مقرَّر جمیع المحافل العالمیة والمؤسسات المختلفة، ویتحدث أمیرالمؤمنین الإمام علی(علیه السلام) قبل أربعة عشر قرناً عن هذا الموضوع بصراحة فی عهده التاریخی لمالک الأشتر(رحمه الله)، حیث یخاطب الأشتر بقوله:

«إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِکَ مَنْ کَانَ لِلاَْشْرَارِ قَبْلَکَ وَزِیراً، وَمَنْ شَرِکَهُمْ فِی الاْثَامِ فَلا یَکُونَنَّ لَکَ بِطَانَةً; فإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الاَْثَمَةِ، وَإِخْوَانُ الظَّلَمَةِ، وَأَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَیْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَنَفَاذِهِمْ، وَلَیْسَ عَلَیْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ وَأَوْزَارِهِمْ مِمَّنْ لَمْ یُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَى ظُلْمِهِ وَ لاَ آثِماً عَلَى إِثْمِهِ; أُولئِکَ أَخَفُّ عَلَیْکَ مَؤُونَةً وأَحسَنُ لَکَ مَعُونَةً»(1).

ومن أجل معرفة سوابق الأشخاص یجب مراجعة واستطلاع شخصیة هؤلاء فی وعی الجمهور وفی أنظار المجتمع، وطبعاً ربّما یخطىء الوعی العام فی الحکم على شخص معین، ولکن فی الغالب یکون هذا المعیار لمعرفة الأشخاص وسوابقهم معیاراً جیداً.

ولذلک نقرأ فی مقطع آخر من ذلک العهد للإمام علی(علیه السلام): «وَإِنَّما یُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحِینَ بِمَا یُجْرِی اللهُ لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِهِ»(2).

وطبعاً لا یمکن انکار وقوع متغیرات ومستجدات فی حالات الأشخاص وتبدل فی مسیرة حیاتهم، کما نقرأ هذا المعنى فی قصة «بشر الحافی»، و«الفضیل بن عیاض»، و«الحر بن یزید الریاحی».

ولکنّ هذا التحول والتغیر لا یحدث إلاّ فی حیاة القلائل من الناس الذین کانوا یعیشون فی الماضی الانحراف عن جادة الصواب والحق، ولکنّ هذه الظاهرة من التغییر الکلی لا تتحقق فی غالبیة الأشخاص المنحرفین.

ولهذا السبب ینبغی الأخذ بنظر الاعتبار سوابق الأشخاص فی اختیار المدراء والقادة، وهکذا یجب على هؤلاء المدراء أیضاً النظر فی سوابق الأفراد الذین یعملون تحت إمرتهم.

ومن الضروری التذکیر بهذه النقطة، وهی أنّ التغییر والانقلاب فی حالات الأشخاص تحدث فی سنوات الشباب أکثر من سنوات الکهولة والشیخوخة، فالشباب کما أنّهم مستعدون للتلوث بسرعة، فکذلک مستعدون للعودة إلى الطهارة والنقاء بسرعة، ولکنّ رجوع الأشخاص المنحرفین بعد حدوث حالة التکلس على شخصیتهم ومسیرتهم، یکون فی غایة الصعوبة.

1 . نهج البلاغة، الرسالة 53.
2 . نهج البلاغة، الرسالة 53.