6 ـ التفکیر بالحل للمشاکل والحوادث غیر المتوقعة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الإدارة والقیادة فی الإسلام
نموذج آخر 7 ـ تقییم ودراسة عوامل النجاح والإخفاق


فی هذا القسم من وظائف «الإدارة والقیادة» تکمن مسائل مهمّة ینبغی الالتفات إلیها:

إنّ أیّ تشکیلة إجتماعیة أو منظمة معینة، حالها حال بدن الإنسان، حیث یواجه أحیاناً وفی أثناء العمل موانع ومعوّقات تؤدی إلى مرضه، أو ربّما یواجه البدن فجأة أزمة شدیدة، فالمدیر أو القائد العسکری فی مثل هذه الحالات الاستثنائیة یجب علیه أن یکون کالطبیب الماهر والحاذق فی علاج الواقعة فوراً مع الاستعانة بالمشاورین.

فلا ینبغی للمدیر أن یتصور أن إدارته ومؤسسته ستبقى سالمة ولا تواجه أیة مشکلة ومعضلة فی واقع الحیاة والمجتمع وأنّ کل شیء یسیر وفق مراده، فلو کان یملک مثل هذا التصور فإنّه عند بروز الحوادث غیر المتوقعة سیقع فی تخبط خطیر وتضطرب الأمور حوله بحیث یفلت منه زمام الأمور.

وهذه الحوادث على قسمین: تارة تکون عامّة وشاملة «الشمولیة فی دائرة مدیریته» وأحیاناً أخرى تکون فردیة وشخصیة «ترتبط بأحد الأشخاص من أعوانه أو موظفیه».

الصورة الاُولى من قبیل أن یواجه صراعاً شدیداً مع مؤسسة أو إدارة أخرى، أو تکون هناک خلافات مقطعیة أو عمیقة الجذور، وأحیاناً یواجه المدیر سوء فهم أتباعه له أو حتى سوء التدبیر من قِبله وسوء تشخیصه للمشکلة والأزمة، أو یواجه حالة العصیان من أتباعه، أو یواجه معضلة من جراء حادثة معینة، وفی هذا الموقع یجب على المدیر أو القائد أن یستخدم نبوغه وابتکاره لمواجهة هذه الحادثة وإیجاد الحلول لها.

والمشکلة هنا تمکن فی مثل هذه الموارد فی عدم وجود أصول وقوانین خاصّة تساهم فی حل المشکلة وعدم وجود الوقت الکافی للتعلم واقتباس الحلول لهذه المشکلات، فالغالب أن یستلهم المدیر فی مثل هذه الموارد من تجاربه الشخصیة أو یستخدم نوعاً من الابتکار الخاص الذی ینطلق من ذهنه الوقاد.

ولکن مع هذه الحال فهناک سلسلة من الأصول الکلیة التی ینفع العمل بها فی مثل هذه الظروف ویمکنها أن تساهم فی حلّ المشکلة أو على الأقل تفتح الطریق لإیجاد الحل أو التقلیل من السلبیات، ومن ذلک:

1 ـ یجب على المدیر فی مثل هذه الظروف قبل کل شیء حفظ تسلطه على أعصابه وأن یواجه هذه الحالة ببرودة أعصاب ولا یفقد توازنه أو یملکه الخوف والهلع، فلو حدث ذلک فإنّ جمیع الأبواب ستوصد أمامه ویکون حاله کالطائر عندما یدخل فی غرفة فیجد نفسه محاصراً ومحبوساً فیها، ویملکه الخوف والاضطراب بحیث یضرب نفسه على زجاج النوافذ والأبواب ولا یرى الباب المفتوحة التی دخل منها.

2 ـ إذا أحس المدیر بوقوع خطأ أو اشتباه من جهته، فلا ینبغی له الإصرار على الخطأ أو تملکه حالة من العناد ویبقى مصراً على خطئه، بل ینبغی له بمجرّد الاطلاع على خطئه أن یسارع فی إصلاحه وجبرانه، والاعتراف بالحقیقة فی مثل هذه الموارد یساهم بشکل کبیر فی إطفاء نار المشکلة والتخلّص من افرازات المعضلة.

ومرّة أخرى یمکننا الاقتباس من القرآن الکریم لتأیید هذین الأصلین ونستوحی ذلک من واقعة «صلح الحدیبیة» یقول القرآن:

(إِذْ جَعَلَ الَّذِینَ کَفَرُوا فِی قُلُوبِهِمْ الْحَمِیَّةَ حَمِیَّةَ الْجَاهِلِیَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَکِینَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِینَ فَأَنْزَلَ اللهُ سَکِینَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِینَ وَأَلْزَمَهُمْ کَلِمَةَ التَّقْوَى وَکَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَکَانَ اللهُ بِکُلِّ شَیْء عَلِیماً)(1).

وکانت هذه الحادثة کما یلی: لقد أصر مشرکو قریش على منع المسلمین من دخول مکّة المکرمة لأداء مراسم العمرة لهذا العام، لأنّهم تصوروا أنّهم لو سمحوا للمسلمین بذلک فهذا یعتبر نوعاً من الهزیمة لهم، وسوف تتحدّث قبائل العرب أنّ قریشاً سمحت لقتلة آبائهم وأبنائهم فی حروب بدر واُحد من الدخول إلى مکّة، ولکنّهم بهذا التصرف سحقوا جمیع مبادئهم وقیمهم، لأنّ العرب کانوا لا یمنعون أحد من دخول مکّة وأداء المراسم الدینیة حتى لو أنّ أحداً رأى قاتل أبیه فی مراسم الحج والعمرة فإنّه لا یزاحمه ولا یمنعه من أداء مناسکه، لأنّ مکّة تعتبر الحرم الإلهی الآمن ویزداد الأمن فی مکّة فی الأشهر الحُرم، مضافاً إلى أنّ هذه الحالة من الأمن کانت مؤثرة کثیراً فی جذب جمیع القبائل العربیة إلى مکّة وحصلت مکّة على مکانة متمیزة بین القبائل العربیة.

ولکن کما یقول القرآن الکریم إنّ المشرکین أصابتهم «حمیّة الجاهلیة» وعاشوا حالة من التعصب المقیت والحقد الدفین بحیث إنّهم نسوا جمیع هذه القیم والمبادىء.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، عندما وصل الأمر إلى کتابة نص المعاهدة قال النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) للإمام علی(علیه السلام) اُکتب «بسم الله الرحمن الرحیم» هنا اعترض «سُهیل بن عمرو» سفیر قریش قائلا: إنّنا لانعلم هذا الجملة ویجب أن تکتب العبارة المعروفة لدى المشرکین وهی «باسمِکَ اللّهُمّ»، وعندما أمر النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)بکتابة: «هذا مَا صَالَحَ عَلَیْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ سُهَیْلَ بنَ عَمْرو»، اعترض سُهیل مرّة أخرى وقال: «إذا کُنّا نَعْتَقِدُ بِأنَّکَ رَسُولُ اللهِ فَلا نِزاعَ بَیْنَنَا»، فأمر النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)بمحو هذه الکلمة، ولکن الإمام علی(علیه السلام) رأى أنّ ذلک مخالفاً للأدب ولذلک لم یتقدم لمحو هذه الکلمة، فما کان من رسول الله(صلى الله علیه وآله) إلاّ أن محاها بنفسه(2).

وهنا کان العدو یتنظر ذریعة لنقض هذه المعاهدة وعدم المواقفة على هذا الصلح الذی یعتبر مقدمة لفتح کبیر للمسلمین وقد سمّاه القرآن الکریم بالفتح المبین.

وکلّما عاش المسلمون فی مقابل الحوادث المتوقعة حالات التعصب والإضطراب وحمیّة الجاهلیة کما کان حال أعدائهم، وفقدوا روح السکینة والطمأنینة المتولدة من الإیمان العمیق وابتعدوا عن کلمة التقوى التی کانوا أهلاً لها، فمن البدیهی أنّهم سیفقدون امتیازهم، فی حین أنّ الأعداء عندما تورطوا فی شراک العصبیة وحمیة الجاهلیة فإنّهم أضاعوا فرصة ثمینة وقدّموا امتیازاً کبیراً للمسلمین، وتمثل ذلک فی اعتناق العشرات والمئات من القبائل العربیة الإسلام والتحاقهم بالمسلمین.

وخلاصة الکلام أنّ المدیر والقائد فی مثل هذه الحوادث واللحظات الحاسمة یجب أن یحفظ وقاره وهدوءه ویلتزم بأصول التقوى بعیداً عن کل أشکال التعصب ونخوة الجاهلیة، وإذا وجد ضرورة فی إعادة تقییم عمله والبحث فی نقاط القصور وعناصر القوّة والضعف فی تدبیره فینبغی أن یفتح صدره ولایجد فی نفسه حرجاً من ذلک.

3 ـ یجب على المدیر أو القائد أن یکون «حاسماً وشجاعاً» فی اتخاذ القرار اللازم فی مثل هذه الموارد ولا یدع التردد والاهتزاز یجد طریقاً إلى نفسه وعزمه، وإلاّ فإنّه سیفقد زمام الأمور، وبدلاً من أن یتغلب هو على المشکلة ویسیطر علیها فإنّ المشکلة سوف تسیطر علیه.

4 ـ یجب على المدیر قبل أن یقدم على أیّ عمل أن یفکر فی ضبط الحادثة وحفظها ویمنع من اتساع دائرتها، کما هو الحال فی عمل رجال الاطفاء فإنّهم قبل کل شیء یقومون بتطویق الحریق ومنع تسربه إلى مناطق أخرى ثم یتحرکون على مستوى اطفائه والقضاء علیه.

5 ـ یحدث کثیراً فی مثل هذه المواقع أن ینهار الإنسان فی مواجهة أمواج المشاکل والأزمات بسبب التعنّت، فینبغی أن یعیش الإنسان الانعطاف والمرونة ویتحرک قلیلاً مع الموجة ثم یحاول رکوبها ویسعى إلى کبح جماحها والسیطرة علیها، وهذا العمل دقیق جدّاً وینبغی التعامل مع هذه الحوادث بذکاء وفطنة.

6 ـ أحیاناً تکون الدقائق واللحظات فی مثل هذه الموارد مصیریة، فربّما فی لحظة واحدة یتغیر کل شیء، فیجب على المدیر والقائد أن لا یفوّت الفرصة بل یتحرک فوراً وبأعصاب باردة لعلاج الواقعة بذکاء وحنکة ولا ینبغی أن یدع اللحظات تمر دون حساب.

7 ـ یجب على المدیر أو القائد المسلم والمؤمن فی مثل هذه المواقع أن یعود لذاته وقلبه ویتوجه إلى ربّه ویتصل معه ویستمد من لطفه ورحمته ویطلب منه تعالى أن یحفظه من منزلقات هذه الواقعة ولا یوکله إلى نفسه طرفة عین، کما ورد عن الإمام الصادق(علیه السلام)أنّه قال:

«رَبِّ لا تَکِلْنِی إلى نَفسی طَرفَةَ عَین أبداً»(3).

ولکن إذا کان الانحراف أو المشکلة ذا طابع فردی، بمعنى أنّ أحد أعضاء هذه الإدارة أو المؤسسة خرج عن خط الصواب وانحرف عن الجادة، فمن الضروری رعایة الأصول التالیة:

1 ـ یجب على المدیر أن یتعامل مع هذا الشخص کما یتعامل مع العضو الجریح والمصاب، فیجب أن یکون «حاسماً وجدّیّاً»، وفی ذات الوقت یکون لطیفاً ویتعامل معه من موقع المحبّة والمودة.

یجب علیه أن یدرس بدقّة عوامل المرض والانحراف ویسعى لعلاجها ولا یکتفی بالعلاج المؤقت والمقطعی.

2 ـ لابدّ من الأخذ بنظر الاعتبار هذه الحقیقة، وهی أنّ طب الوقایة أکثر تأثیراً وأقل نفقة من طب العلاج «الوقایة خیر من العلاج» وبشکل عام فالوقایة أکثر فائدة وأقل خسارة.

وتأسیساً على هذا الأصل، فإنّ منع بروز مثل هذه الحوادث فی مؤسسة أو إدارة معینة یکون مثیراً للأمل وضامناً للسلامة أکثر من السعی للإصلاح بعد بروز الفساد وحدوث المشکلة.

ومن أجل تحقیق هذا الهدف لابدّ من منح الأفراد القوّة والحصانة من خلال التعلیم المستمر بحیث یعیش هؤلاء الأفراد حالة الحصانة فی مقابل عوامل الفساد والضعف، فکما یتحرک الناس عند ظهور الأمراض المعدیة نحو التلقیح ضد المرض ویکسبون المناعة اللازمة لصیانة البدن من المرض ومنحه القدرة الکافیة على مواجهة المکروبات، فکذلک عند ظهور عناصر الانحراف والاهتزاز والانحلال لابدّ من العمل على صیانة الأفراد من هذا الخطر.

وهنا نقطة دقیقة وحساسة جدّاً، وهی أنّ تسلیح الأفراد فی مقابل بروز عوامل الفساد والانحراف لا ینبغی أن یکون من خلال «التعلیم الفاسد»، فقد یفتح ذلک الطریق على أصحاب القلوب المریضة والمستعدة للفساد، بل ینبغی بحث هذه المواضیع وتحلیل هذه العوامل والانحرافات من خلال معرفة طرق الوقایة واکتساب المناعة منها رغم أنّ هذا العمل لا یخلو من تعقید وصعوبة، وعدم رعایة هذه النقطة یؤدی أحیاناً إلى تبدیل «دروس الهدایة» إلى «دروس ضلالة».

ومن هنا فإنّ الأشخاص الذین یتعاطون هذا الشأن ویتولون مسؤولیة هذه القضیة یجب أن یملکوا الذوق والتجربة الکافیة لتحمل هذه المسؤولیة والتوفیق فی هذا البرنامج، ولئلا یتبدل عملهم من «التوعیة» إلى «الغوایة».

على أیّة حال فبإمکان المدیر أن یکون له دور مؤثر فی هذا المجال بالاستعانة بقسم الاعلام فی تلک المؤسسة أو الدائرة، وبذلک یحفظ الأفراد من السقوط فی وادی الانحراف ومنزلقات الخطیئة ویمنحهم المناعة فی مقابل وساوس الشیاطین وعدم الانزلاق فی خط الباطل والانحراف. لأننا نعلم أنّ الشیطان لا یعمل عملاً بدون توفیر مقدمات، وکما یقال إنّه لا یدخل «الإنسان» أی بلد إلاّ من خلال «جواز سفر»، وما أروع قول القرآن الکریم فی هذا المجال:

(إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِینَ یَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِینَ هُمْ بِهِ مُشْرِکُونَ)(4).

وأمّا الأشخاص الذین یملکون المناعة أمام وساوس الشیطان والذین یتسلحون فی مقابله بسلاح الإیمان والتوکل، فإنّهم من جملة عباد الله المخلصین وهم بعیدون عن شراک الشیطان ووساوسه:

(إِنَّهُ لَیْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِینَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ)(5)

(إِنَّ عِبَادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطَانٌ وَکَفَى بِرَبِّکَ وَکِیلا)(6).

على أیّة حال لابدّ من توخّی الحذر من النفوذ التدریجی لوساوس الشیطان والعمل على تقویة المناعة اللازمة لیعیش الإنسان المؤمن حالة المصونیة فی مقابل خطر الانحراف والزیغ.

3 ـ تقدّم أنّ التعامل مع الأشخاص المذنبین والخاطئین ینبغی أن یکون کالتعامل مع العضو المکسور أو المجروح من خلال سلوک طریق الملاطفة والتحدث معه بلغة المودة، ولا ینبغی استخدام منطق «الخشونة والعنف» کعلاج لانحراف هذا الفرد، لأنّ هذا السلوک الخشن یؤدی غالباً إلى زیادة الألم وإشتداد الانحراف، أو یؤدی إلى سرایة الانحراف إلى الأعضاء السالمة الأخرى.

یقول أمیرالمؤمنین الإمام علی(علیه السلام) فی عهده التاریخی لمالک الأشتر(رحمه الله):

«یَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، وَیُؤْتَى عَلَى أَیْدِیْهِمْ فِی الْعَمْدِ وَالْخَطَأ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِکَ وَصَفْحِکَ مِثْلَ الَّذِی تُحِبُّ أَنْ یُعْطِیَکَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ»(7).

ولکن مع هذا الحال فأحیاناً لا تنفع أشکال العلاج ولا طریق أمام المدیر سوى القیام «بعملیة جراحیة» لفصل العضو الفاسد، وهنا لابدّ من التزام عنصر الحسم والحزم، وفی ذات الوقت ینبغی رعایة «المعاییر والضوابط الإسلامیة» والتعامل مع هذا المورد بحکمة ودقّة وإعلان النتیجة للآخرین من الأفراد الذین یعملون تحت إمرته لئلا یتزلزل اعتمادهم علیه ویسیئوا الظن به، وبذلک یشعر الأفراد الجیدون بالأمن ویرون بأنفسهم عاقبة الانحراف والزیغ عن جادة الصواب.

4 ـ ینبغی الالتفات إلى هذه النقطة المهمّة، وهی أنّ «الإصرار على إبقاء وحمایة العضو الفاسد» قد یکون ضاراً بمقدار معاقبته وتوبیخه، أکثر من اللازم.

صحیح أنّ عزل الشخص الذی اختاره «المدیر» بنفسه قد یکون صعباً ویکلّف المدیر غالیاً، ولکنّ تحمل مفاسد الإصرار على استمراره بالعمل ربّما یؤثر تأثیراً سلبیاً على مکانة المدیر ویعرّض حیثیته وشخصیته للخطر.
5 ـ یجب التواصل مع هؤلاء الأفراد المنحرفین مهما أمکن ذلک والعمل على توعیتهم واصلاحهم وبذل الجهد فی هذا السبیل والتعامل معهم کالأخ الودود، والحذر من اتخاذ تدابیر متسرعة، ولکن فی نفس الوقت وعندما یرى المدیر عدم تأثیر هذه الأسالیب، فلاینبغی أن یتردد إطلاقاً فی عزلهم وإبعادهم طبق الضوابط الإسلامیة.

وینبغی الالتفات إلى أن مکانة المدیر هی کمکانة الأخ ووظائفه وظائف الأخ...

وقد ورد فی الکثیر من الآیات القرآنیة التعبیر عن الأنبیاء الإلهیین بوصفهم «أخ» لأقوامهم، والتعبیر بهذه الکلمة یختزن معنى عمیقاً:

یقول القرآن الکریم بالنسبة للنبی هود(علیه السلام): (وَإِلَى عَاد أَخَاهُمْ هُوداً...)(8).

وعن صالح(علیه السلام) یقول: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً...)(9).

وعن شعیب(علیه السلام) یقول: (وَإِلَى مَدْیَنَ أَخَاهُمْ شُعَیْباً...)(10).

وعن نوح(علیه السلام) یقول: (إِذ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ...)(11).

وعن لوط(علیه السلام) یقول: (إِذ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوط...)(12).

ویتبیّن من ذلک أنّ موقع الأنبیاء الإلهیین بالنسبة لأقوامهم هو موقع الأخ لهم «لا القیّم والسیّد» ولا مقام الشخص الأجنبی عنهم الذی لا یحس نحوهم بأی عاطفة ومودة.

وکما یتعامل الأخ مع أخیه ویتواصل معه، فإنّ المدیر أو القائد یجب أن یتعامل مع الموظفین الذین تحت إمرته بهذا الأسلوب ویفکر بهم على هذا الأساس.

6 ـ علی أیّة حال ینبغی التمییز بین «الجاهل القاصر» و«الجاهل المقصّر»(13). وبین الأشخاص الذین یملکون حسن النیّة فی ارتکابهم للخطأ، والأشخاص الذین یرتکبون الخطأ بسوء نیّة.

ویتحدث أمیر المؤمنین(علیه السلام) عن جماعة طلبوا الحق ولکنّهم بسبب الجهل انحرفوا عن خط العدل والصواب ویوصی أتباعه بمداراتهم والتعامل معهم بلغة الإحسان، ثم یستدل بذلک بقوله:

«فَلَیْسَ مَنْ طَلَبَ الْحَقَّ فَأَخْطَأَهُ، کَمَنْ طَلَبَ الْبَاطِلَ فَأَدْرَکَهُ»(14).

7 ـ إنّ ما تقدّم آنفاً کان یرتبط بموارد الخلل الداخلی، وأمّا بالنسبة إلى الأضرار والمشاکل التی تأتی من قِبل العدو الخارجی وربّما تحدث مسائل غیر متوقعة، فالمدیر أو القائد یجب علیه، مع حفظ روحیة أتباعه ومعنویاتهم بالحدّ الأقصى والایحاء لهم بضعف العدو وخواء قوّته، وأن یأخذ قوّة عدوّه بالحسبان عملاً، ویضع فی احتماله أنّ هذا العدو ربّما یثیر له مشکلة أو یلحق به صدمة أو یتحرک للهجوم علیه هجوماً مقطعیاً أو شاملاً، وأن یأخذ کامل الاستعداد ویتوخى بناء وتحصین کیانه فی زمان الحرب وحتى فی زمان الصلح.

یقول الإمام أمیرالمؤمنین علی(علیه السلام) فی عهده التاریخی لمالک الأشتر(رحمه الله):

«وَلاَ تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاکَ إِلَیْهِ عَدُوُّکَ وَللهِ فِیهِ رِضاً، فَإِنَّ فِی الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِکَ وَرَاحَةً مِنْ هُمُومِکَ، وَأَمْناً لِبِلاَدِکَ، وَلَکِنِ الْحَذَرَ کُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّکَ بَعْدَ صُلْحِهِ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّما قَارَبَ لِیَتَغَفَّلَ، فَخُذْ بِالْحَزْمِ، وَاتَّهِمْ فِی ذلِکَ حُسْنَ الظَّنِّ»(15).


1 . سورة الفتح، الآیة 26.
2 . انظر: سیرة ابن هشام، ج 3، ص 331 و 332; طبعة الحلبی 1335 هـ ق، طبقات ابن سعد، ج2، ص 95، طبعة بیروت; جامع السیرة، ص 207 طبعة دار المعارف مصر.
3 . سفینة البحار، مادة «وَکَل».
4 . سورة النحل، الآیة 100.
5 . سورة النحل، الآیة 99.
6 . سورة الاسراء، الآیة 65.
7 . نهج البلاغة، الرسالة 53.
8 . سورة الأعراف، الآیة 65.
9 . سورة الأعراف، الآیة 73.
10 . سورة الأعراف، الآیة 84.
11 . سورة الشعراء، الآیة 106.
12 . سورة الشعراء، الآیة 161.
13 . الجاهل القاصر هو الذی لا سبیل له إلى تعلم المسائل الواجبة، والجاهل المقصّر هو الذی یتمکن من الوصول إلى المسائل الواجبة ولکن یتکاسل عنها.
14 . نهج البلاغة، الخطبة 61.
15 . نهج البلاغة، الرسالة 53.

 

نموذج آخر 7 ـ تقییم ودراسة عوامل النجاح والإخفاق
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma