الآفة الکبرى فی عملیة الانتخاب

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الإدارة والقیادة فی الإسلام
9 ـ جذب العناصر الصالحة 10 ـ عنصر التقدیر والتشویق والتوبیخ


وأکبر خطر یواجه المدراء فی هذا الشأن، هو أن یختار المدراء الأشخاص الذین یتمیزون بنقطة قوّة واحدة، وهی أنّهم یتحرکون فی عملهم من موقع التسلیم المطلق والتقلید الأعمى للمدیر ویکون حالهم حال الجندی المطیع الذی ینفذ ولا یناقش.

صحیح أنّ الشرط المهم لنجاح أمر الإدارة والقیادة یکمن فی انصیاع الأفراد والمعاونین والتزامهم بأوامر القیادة، ولکنّ هذا لا یعنی أن یختار المدراء الأشخاص الذین یتسمون بالخنوع والخضوع التام ولا یعرفون سوى کلمة «نعم سیدی».

إنّ ترجیح مثل هؤلاء الأشخاص غیر اللائقین الذین یتحرکون من موقع التسلیم الأعمى، بسبب بعض نقاط الضعف فی روحیتهم وأفکارهم، خلّف آثاراً وخیمة وبلایا عظیمة على امتداد التاریخ البشری لجمیع المدراء والقادة فی المجالات السیاسیة والعسکریة.

ولا ینبغی الغفلة عن أنّ هذا النوع من الاختیار لا یغذی سوى «روح الاستبداد» فی واقع الحکّام المستبدین والذین یرجحون التعامل مع مثل هؤلاء الأشخاص الانتهازیین وضعفاء النفوس، لأنّهم لایطیقون سماع کلمة النقد ولا یرغبون فی مسائلة مهما کانت منطقیة وبنّاءة.

وهذا الأمر أدى إلى حرمان «المدراء المستبدّین» من دعم وتأیید الأشخاص الملتزمین والأقویاء والواعین، وهذه الحالة تمثّل خسارة کبیرة فی أمر الإدارة بحیث لایستطیع المدیر جذب مثل هؤلاء الأشخاص المقتدرین وأصحاب الشخصیات المحترمة.

وأذکر فی زمن نظام الشاه صدر الأمر عن جهاز الأمن «السافاک»، فی أحدى المرات لاستدعائی إلى طهران، فاعتقلت وجیء بی إلى بنایة لهذا الجهاز وأدخلونی إلى غرفة الانتظار، وقد رأیت أنّ مسؤول المکتب فی غرفة الانتظار عندما کان یدق جرس الهاتف وکان رئیسه على الطرف الآخر کان یضطرب فی کلامه معه، ویتحدث معه بلغة التعظیم ویخاطبه بضمیر الجمع الغائب والجملة الخبریة ویقول: «یتفضل سیادة الرئیس» وقد رأیت أنّ هذه المسکین المتملق لم یکن مستعداً لیقول: «تفضل»، لأنّ هذه الکلمة «تفضل» تحمل فی طیاتها صیغة الأمر ولا یمکن توجیه الأمر للسید الرئیس حتى بکلمة «تفضل» ولذلک کان یستبدل الجملة «الإنشائیة» بالجملة «الخبریة».

ومع ذلک فإنّه لا یتحدث معه کمخاطب، لأنّ الخطاب، مهما کان، فإنّه مخالف لمراتب الاحترام، فلابدّ من استعمال صیغة الغائب لیضمن غایة الاحترام والتعظیم ویتعامل مع من فوقه بلغة التملق والتزلف.

أجل، إنّ مثل هؤلاء المدراء یرغبون فی أن یقال لهم «یتفضل سیادة الرئیس» ولا یقبلون حتى بکلمة «تفضل».

مرّة أخرى أتذکر جیداً أننی رأیت فی ذلک الزمان شخصاً جاء للقاء أحد المسؤولین المقربین من نظام الطاغوت من أجل انقاذ مظلوم من براثن ظالمه فقال: إنّ هذا المسؤول عندما علم بالشخص الذی أرید الشفاعة له صرخ قائلاً: یافلان، اسمع ما أقول، إننا عندما نرید التوجه إلى لقاء الشاه لغرض الوساطة لأحد الأشخاص فإننا لا نقول جملة کاملة بل نذکر المتبدأ أولاً مثل نقول: «إن السید حسین...» ثم ننظر إلى ملامح الشاه بدقّة فإذا رأینا سحنته قد تغیرت أو قطب جبینه فنقول: إنّه رجل فاسد وحقیر ولا یعرف الجمیل، ولکن إذا رأینا البسمة ظاهرة على محیاه وأنّ سحنته لم تتغیر، فنقول: سیدی إنّه من مریدیک والمخلصین لسلطانک!

أجل، إنّ هؤلاء المستبدین لا یقبلون فی تشکیلاتهم وأعوانهم حتى من یتحدث معهم بجملة کاملة، بل یضمون إلیهم من یقول: «المبتدأ» فقط، أمّا «الخبر» فیقرأونه على ملامح الشاه المدحور.

ورأینا نتیجة مثل هذه الإدارة ومصیرها الفاشل، ولذلک فإنّ المدراء القادة یجب أن یحذروا من السقوط فی هذا الفخ الخطیر ویهتموا فی إبعاد هؤلاء المتزلفین والمتملقین وتقریب الأشخاص الصالحین والموثوق بهم.

وبعبارة أخرى فإنّ المدیر أو القائد اللائق هو الشخص الذی یملک ذلک القدر من «سعة الصدر» بحیث یستقبل الآراء والانتقادات والمساءلة من أفراده ومستشاریه اللائقین ویصغی لآرائهم فی المسائل المختلفة، بل علیه أن یرحب بتلک الانتقادات ویستقبلها برحابة صدر، وطبعاً لابدّ أن یقترن ذلک بالانضباط والتعامل مع المدیر بلغة «الاحترام» وینبغی تقدیم المنتسبین وأصحاب الرأی على المتملقین والمتزلّفین الذین لا یعرفون سوى کلمة «نعم سیدی»، لأنّ اتخاذ مثل هؤلاء المستشارین المتزلفین والأعوان المتملقین، مضافاً إلى أنّه یعدّ آفة خطیرة لکل دائرة ومؤسسة، فإنّهم یجعلون من الرؤساء یعیشون فی حالة الغفلة والجهل التام بما یجری من حولهم، وبذلک تنقطع علاقتهم بالواقع الموضوعی فی الخارج، وأحیاناً یتمّ تضخیم الأمور وجعل الحبّة قبّة، وتارة بالعکس بأن یجعلوا من الجبل «قشة»، وأحیاناً یصنعوا من لا شیء جبلاً.

وهنا یحذّر مولى المتقین الإمام علی(علیه السلام) أتباعه من هذا العمل بشدّة، یقول فی خطبة له فی حرب صفین وبحضور أکثر من خمسین ألف مقاتل:

«فَلاَ تُکَلِّمُونِی بِمَا تُکَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ، وَ لاَ تَتَحَفَّظُوا مِنِّی بِمَا یُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ، وَ لاَ تُخَالِطُونِی بِالْمُصَانَعَةِ، وَ لاَ تَظُنُّوا بِیَ اسْتِثْقَالاً فِی حَقٍّ قِیلَ لِی، وَ لاَ الِْتمَاسَ إِعْظَام لِنَفْسِی، فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ یُقَالَ لَهُ أَو الْعَدْلَ أَنْ یُعْرَضَ عَلَیْهِ، کَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَیْهِ، فَلاَ تَکُفُّوا عَنْ مَقَالَة بِحَقٍّ، أَوْ مَشُورَة بِعَدْل»(1).

ویطرح الإمام علی(علیه السلام) فی هذه الخطبة العمیقة المغزى، تعالیمه الأخلاقیة لرسم کیفیة التعامل بین الناس والحکّام، فیطرح عدّة أمور:

1 ـ أن لا یذکروه بعناوین وألقاب کبیرة کما یلقّب بها الجبارون.

2 ـ أن لا یتصوروا عند لقائه أنّه ملک، وبسبب ذلک یسیطر علیهم الخوف والرعب ولا یستطیعون بیان مرادهم بطلاقة.

3 ـ أن لا یتعاملوا معه من موقع المجاملة والتظاهر والمصانعة.

4 ـ أن لا یتصوروا أنّ الإمام یستثقل کلام الحق.

5 ـ أن یقولوا کلمة الحق بصراحة وبدون خجل أو مواراة.

6 ـ أن لا یمتنعوا من عرض العدل والانصاف علیه.

وفی ختام هذا الکلام أرى من اللازم أن أحذر مرّة أخرى من أخطار الأشخاص المتملقین من ضعفاء الشخصیة الذین یستغلون «نقاط الضعف» فی المدراء وغریزة حبّ الذات وحبّ الظهور والأنانیة فیهم فیتحرکون فی التعامل مع رؤسائهم بمنطق الکذب والدجل وتزویر الحقائق حتى یتقربوا إلیهم ویبعدوا الآخرین عنهم ویعملوا على تغشیة أبصارهم وعقولهم بغشاء الزیف ویسلبوا منهم القدرة على تشخیص الأمور، فهؤلاء المتزلفون هم بلاء مبرم کالصاعقة والزلزلة المدمرة.
وما أروع ما قاله الإمام أمیرالمؤمنین(علیه السلام) فی شأن المؤمنین المتقین فی خطبة «همام» المعروفة:

«إِذَا زُکِّیَ أَحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّا یُقَالُ لَهُ، فَیَقُولُ: أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِی مِنْ غَیْرِی، وَ رَبِّی أَعْلَمُ بِی مِنِّی بِنَفْسِی! اللَّهُمَّ لاَ تُؤَاخِذْنِی بِما یَقُولُونَ، وَ اجْعَلْنِی أَفْضَلَ مِمَّا یَظُنُّونَ، وَاغْفِرْ لی مَا لاَ یَعْلَمُونَ!»(2).

أجل، إنّ أولیاء الله یمتعضون ویستاؤون من التملّق والمدح، ویرون فی المدح المقرون بالتملق من العیوب الأخلاقیة أیضاً، وفی ذات الوقت لا یسکتون فی مقابل القول الباطل والسلوک المذل المنافی لعزة الإنسان وشرفه، فلو ارتکب شخص مثل هذا العمل المنافی للأخلاق فإنّهم یسارعون لتوبیخه ولومه.

یقال: إنّ أحد الأعراب جاء إلى رسول الله(صلى الله علیه وآله) لیسأله العطاء وأخذ یتملق له فی حدیثه قائلاً: ألست ابن خیر الاُمهات والآباء، ألست من حیث الأبناء أکثر شرفاً! وکنت أکرم من الجمیع فی أیّام الجاهلیة، والآن فی الإسلام أنت زعیمنا وقائدنا...

فغضب رسول الله(صلى الله علیه وآله) من هذا الکلام الملیء بالتملق والتزلف وقال لذلک الأعرابی متسائلاً: «کَمْ دونَ لِسَانِک مِنْ حِجاب؟».

فأجاب: إثْنَانِ: شَفَتانِ وَأسْنَان.

فقال(صلى الله علیه وآله): «فَما کان فی أحَدِ هذَیْنِ مَا یَرُدُّ عَنّا غَرْبَ لِسَانِکَ هذا! أما إنّه لَمْ یُعْطَ أحَدٌ فی دُنْیاهُ شَیْئاً هُوَ أضَرُّ لَهُ فِی آخِرَتِهِ مِنْ طَلاَقَةِ لِسَانِهِ» «فی مسیر الباطل».

وبعد ذلک ومن أجل إسکات هذا الرجل وغلق هذه الصفحة قال النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)للإمام علی(علیه السلام): «یَا عَلِیُّ قُمْ فَاقْطَعْ لِسَانَهُ!» فقام الإمام وأخذ الرجل معه وتحرکا بعیداً فأعطاه الإمام بعض الدراهم وأسکت لسانه(3).

ویؤکد الإمام أمیرالمؤمنین علی(علیه السلام) فی عهده لمالک الأشتر فیقول:

«وَإِیَّاکَ وَالاِْعْجَابَ بِنَفْسِکَ، وَالثِّقَةَ بِمَا یُعْجِبُکَ مِنْهَا، وَحُبَّ الاِْطْرَاءِ، فَإِنَّ ذلِکَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّیْطَانِ فِی نَفْسِهِ لَِیمْحَقَ مَا یَکوُنُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِینَ»(4).


1 . نهج البلاغة، الرسالة 33.
2 . نهج البلاغة، الخطبة 192.
3 . معانی الأخبار، ص 171، ح 1 .
4 . تحف العقول، ص 147; نهج البلاغة، الرسالة 53.

 

9 ـ جذب العناصر الصالحة 10 ـ عنصر التقدیر والتشویق والتوبیخ
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma