8 ـ جمع المعلومات والاحصائیات

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الإدارة والقیادة فی الإسلام
عوامل هزیمة المسلمین فی «اُحد» بوصفها قنطرة للانتصارات اللاحقة بث الفرقة والخلاف فی جیش الکفر



کانت جماعة من فلاسفة الیونان قبل میلاد المسیح بستة قرون تقریباً، وعلى رأسهم «فیثاغورس الحکیم» یعتقدون بأنّ عالم الوجود مرکب من «أعداد».

ومن البدیهی أنّ «العدد» لوحده أمر ذهنی فحسب، ولا یمکن أبداً أن یکون «المعدود» له وجود عینی وخارجی، فکیف الحال بمبدأ العالم والمادة الأصلیة التی یتشکل منها العالم، فمن البعید جدّاً أن یعتقد شخص بأنّ مبدأ العالم مکوّن من عدد.

وما یفهم من هذه المدرسة الفلسفیة الریاضیة، هو أنّ جمیع موجودات العالم من أصغر ذرة إلى أکبر منظومة فی الکون کلها متشکلة من نسب عددیة بحیث لو تزلزلت هذه الأرقام والأعداد الحاکمة علیها فلیس فقط تفقد هویتها، بل ستفقد جمیع وجودها أیضاً.

وعلى هذا الأساس یصحّ ما یقال من أنّ عالم الوجود مرکب من أعداد وأرقام، بمعنى أنّ بناء جمیع الموجودات له محسوبة بدقّة بأعداد معینة ونسب ومعادلات ریاضیة.

وبما أنّ التشکیلات والنظم الموجودة فی حیاة الإنسان بمثابة «انعکاس» عن عالم التکوین، فالأصول الحاکمة علیها لا تنفصل عن تلک الأصول أیضاً، ولهذا السبب إنّ کل «مدیر» أو «قائد» ینبغی أن یملک بشکل عام معلومات دقیقة وصحیحة وشفافة عن المنظومة والمؤسسة التی یشرف علیها والأشخاص الذین یتعاون معهم ویعلم بجمیع التفاصیل فی داخل هذه التشکیلة وخارجها. وکل ذلک لابدّ أن یکون بواسطة الأعداد والأرقام الدقیقة.

ومن المعلوم أنّ جمیع بلدان العالم تملک أجهزة معلوماتیة واسعة، سواءً فی الداخل أو فی الخارج وتتحمل هذه الأجهزة غالباً ثقل المسؤولیة على عاتقها، وأحیاناً یتمّ تخصیص نفقات باهضة لهذه الأجهزة والمنظومات الاستطلاعیة، وکذلک من الواضح أنّ أجهزة المعلومات فی العالم المعاصر تندرج ضمن الأجهزة الشیطانیة وأحیاناً تقوم بأعمال لا یمکن للشیطان أن یفکر بها، ولکن مع ذلک فإنّ کل واحدة من هذه التشکیلات تحتاج إلى کادر فنی واستخباراتی ذکی یقوم بتطبیق المعلومات على الملاکات الأخلاقیة والإنسانیة الصحیحة للإطلاع على المسائل الدقیقة فی «داخل» و«خارج» تلک التشکیلات ویتمّ إخبار المدراء والقادة بما یحتاجونه من هذه المعلومات.

ونقرأ فی تاریخ النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) وسیرته أنّه کان یستخدم الجواسیس لکسب المعلومات وکشف الحوادث وأحیاناً لتهیئة الأمور للحوادث المستقبلیة بل حتى لایجاد الفرقة وإثارة الخلاف فی صفوف العدو، ونستعرض هنا بعض الموارد من هذا القبیل لنستلهم منها ما یلقی الضوء على مسیرتنا:

1 ـ فی واقعة فتح مکّة أمر النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) بغلق جمیع الطرق التی توصل إلى مکّة وجعل علیها حرساً لمراقبتها لئلا تصل أخبار المسلمین إلى العدو فی مکّة فیستعد لخوض المعرکة فی هذا الفتح الکبیر.

وفی هذه الأثناء أخبروا النبی(صلى الله علیه وآله) (وقیل إنّ هذا الخبر کان من قِبل جبرائیل) أنّ رجلاً یدعى «حاطب بن أبی بلتعة» قد کتب کتاباً إلى زعماء قریش وسلّمه إلى امرأة لتأخذه إلى مکّة فی مقابل مبلغ من المال یحصل علیه من قریش، وقد کتب فی کتابه هذا بعض الأسرار العسکریة للمسلمین وأخبرهم بقرب هجوم المسلمین على مکّة، یقول ابن هشام فی «سیرته»: إنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) أمر «علیّاً(علیه السلام)» و«الزبیر» و«المقداد» بالتوجه بسرعة إلى طریق مکّة وإذا رأوا امرأة متجهة إلى مکّة فی ذلک الطریق فیجب علیهم إلقاء القبض علیها وأخذ الکتاب منها.

فأسرع هؤلاء إلى الطریق المذکورة وفجأة شاهدوا امرأة مسرعة فی ذلک الطریق باتجاه مکّة، فأوقفوها ففتشوا ما معها من وسائل وأمتعة، ولکنهم لم یعثروا على شیء. وأنّ المرأة أنکرت هذه المقولة انکاراً شدیداً حتى أنّها أقسمت لهم، ولکن الإمام علی(علیه السلام)قال لها:

«إِنّی أَحْلِفُ بِاللهِ مـا کَذَبَ رَسُولُ اللهِ(صلى الله علیه وآله) وَلا کَذَبنا وَلَتَخرجَنَّ هَذا الکِتابَ أَو لَنَکشِفَنَّکِ».

فلما أحست المرأة الجاسوسة أنّ المسألة أصبحت جدیّة وأنّ علیّاً(علیه السلام) جاد فی طلبه، طلبت من الإمام الابتعاد عنها قلیلاً ثم أخرجت الکتاب من بین شعرها وأعطته لعلی(علیه السلام)، فجاء الإمام علی فسلّمه لرسول الله(صلى الله علیه وآله)، فأحضر النبی کاتب الرسالة «حاطب» ووبخه بشدّة على فعلته هذه(1).

ومن أجل أن لا تتکرر هذه الحادثة فقد نزلت آیات قرآنیة من أوائل سورة الممتحنة وتقول:

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّی وَعَدُوَّکُمْ أَوْلِیَاءَ تُلْقُونَ إِلَیْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ کَفَرُوا بِمَا جَاءَکُمْ مِنَ الْحَقِّ...)(2).

2 ـ یقول الإمام علی بن موسى الرضا(علیه السلام):

«کَانَ رَسُولُ اللهِ(صلى الله علیه وآله) إِذا بَعَثَ جَیشاً وَأَمَّهُمُ أَمیراً بَعَثَ مَعَهُم مِنْ ثِقاتِهِ مَنْ یَتَجَسّس لَهُ خَبَرَهُ»(3).

3 ـ وفی معرکة «اُحد» أمر النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) «أنس» و«مونس» إبنی «فُضالة» بالخروج إلى خارج المدینة للاستطلاع عن أخبار قریش، فذهب هذان الرجلان لیستطلعا أخبار جیش المشرکین على مقربة من المدینة، وترکا فرسیهما فی مرتع فی تلک المناطق وأخبرا النبی أنّ جیش العدو یملک ثلاثة آلاف بعیر ومائتی فارس وتجهیزات عسکریة أخرى(4).

4 ـ فی غزوة الحدیبیة قام النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) بارسال أفراد من جهاز المخابرات والتجسس لمعرفة أوضاع العدو فی منتصف اللیل، حتى إذا أراد العدو الهجوم المباغت فی اللیل فإنّهم یعلمون النبی فوراً، وقد أخبر رجل «خزاعی» من أفراد جهاز المخابرات الإسلامی على مقربة من «عسفان» أنّ: «قریش علمت بحرکة النبی والمسلمین باتجاه مکّة وقد جمعوا قواتهم وحلفوا باللات والعزى أن یمنعوکم من دخول مکّة»(5).

5 ـ منذ أن أسس النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) دعائم الحکومة الإسلامیة فی المدینة کان یرسل المأمورین للاطلاع على الأوضاع خارج المدینة واخباره عن المتغیرات السیاسیة والعسکریة، ومن ذلک أنّ النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) فی شهر رجب أرسل جماعة من المهاجرین یبلغ عددهم 18 نفراً بقیادة «عبدالله بن جحش» للتوجه إلى طریق المدینة ومکّة وسلّمه رسالة مختومة وأمره أن لا یفتحها إلاّ بعد یومین من المسیر، وبعد ذلک یفتحها ویعمل بما ورد فیها.

فأخذ «عبدالله بن جحش» الرسالة وتحرک فی طریقه وبعد یومین من المسیر فتح الرسالة وقرأ أمر النبی فیها:

«إِذا نَظَرتَ فِی کِتابِی هَذا فَامضِ حتّى تَنزِلَ بَینَ مَکّة والطّائِف فَتَرصُدَ فِیها قُریشاً وَتَعلِمَ لَنا مِنْ أَخبارِهِم...»(6).

6 ـ ومن جملة المستندات الجلیة فی هذا المجال وصیّة الإمام أمیرالمؤمنین(علیه السلام) إلى جیشه المتوجه إلى حرب أهل الشام، حیث قال:

«وَاجْعَلُوا لَکُمْ رُقَبَاءَ فِی صَیَاصِی الْجِبَالِ، وَ مَنَاکِبِ الْهِضَابِ، لِئَلاَّ یَأْتِیکُمُ الْعَدُوُّ مِنْ مَکَانِ مَخَافَة أَوْ أَمْن. وَاعْلَمُوا أَنَّ مُقَدِّمَةَ الْقَوْمِ عُیُونُهُمْ، وَ عُیُونَ الْمُقَدِّمَةِ طَلائِعُهُمْ»(7).

7 ـ وجاء فی عهد الإمام أمیرالمؤمنین(علیه السلام) لمالک الأشتر(رحمه الله):

«ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ وَ ابْعَثِ الْعُیُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَ الْوَفَاءِ عَلَیْهِمْ، فَاِنَّ تَعَاهُدَکَ فِی السِّرِّ لاُِمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الاَْمَانَهِ وَ الرِّفْقِ بِالرَّعِیَّةِ»(8).

8 ـ وفی رسالة الإمام أمیرالمؤمنین(علیه السلام) لعامله على مکّة «قُثَم بن عباس» یقول فیها:

«أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ عَیْنِی ـ بِالْمَغْرِب ـ کَتَبَ إِلَیَّ یُعْلِمُنِی أَنَّهُ وُجِّهَ إِلَى الْمَوْسِمِ أُناسٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ الْعُمْیِ الْقُلُوبِ، الصُّمِّ الاَْسْمَاعِ»(9).

الأسالیب الدقیقة لبعض جواسیس النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله):

ولأجل الاطلاع على کیفیة عمل رجال المخابرات فی الجیش الإسلامی فی صدر الإسلام وارتباط ذلک بمسألة الإدارة والقیادة نرى من الضروری إلقاء نظرة على حوادث غزوة الأحزاب التی تعتبر من الغزوات الإسلامیة المهمّة جدّاً، والزاخرة بالدروس والعبر للمدراء والقادة العسکریین:

وکما هو معلوم من عنوان «معرکة الأحزاب» أنّ هذه المعرکة کانت شاملة ومن کافة الجهات، وذلک من قِبل الأحزاب والقبائل العربیة المخالفة للإسلام والتی رأت فی تقدم الإسلام وامتداد هذه الدعوة الجدیدة خطراً على مصالحهم اللامشروعة، فقعدوا العزم على استئصال الإسلام وجمعوا کل قواهم ورجالهم فی مختلف أنحاء الحزیرة العربیة للهجوم على المدینة والقضاء على الدعوة الجدیدة.

وبدأت اُولى بوادر حرب الأحزاب من جهة قبیلة من الیهود تدعى «بنو النضیر» حیث جاء وفد منهم إلى مکّة وحذروا «قریش» من خطر الإسلام وتقدمه السریع على مصالحهم على المدى القریب والبعید، وأنّهم سیکونون إلى جانبهم إلى آخر نفس، ثمّ توجه الوفد إلى قبیلة «غطفان» وأثاروا حفیظتهم على النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) والإسلام ودعوهم للانضمام إلى قریش.

وهکذا دعت قبیلة غطفان قبائل أخرى من «بنی أسد» و«بنی سلیم» ممن کانوا فی حلف معهم، إلى هذا الأمر، وبما أنّ الجمیع شعروا بالخطر من انتشار الإسلام فقد اتحدوا فیما بینهم وتآمروا على قتل النبی(صلى الله علیه وآله) والقضاء على المسلمین وذلک من خلال الهجوم على المدینة وإطفاء نور الرسالة الإلهیّة فی المدینة.

أمّا المسلمون فقد جلسوا مع رسول الله(صلى الله علیه وآله) للمشاورة، وقبل کل شیء حفروا خندقاً کبیراً نسبیاً فی أطراف المدینة یمثّل سدّاً قویاً أمام هجوم لأعداء.

ومرت لحظات صعبة وخطیرة جدّاً على المسلمین وقد بلغت القلوب الحناجر من الخوف، وتحرک المنافقون بین المسلمین لتخویفهم وبث الرعب فی قلوبهم من کثرة أفراد العدو وقلّة أفراد الجیش الإسلامی (وکان عدد جیش الأحزاب 10 آلاف نفراً(10)، وعدد جیش المسلمین فی هذه الحرب ثلاثة ألاف نفراً) مضافاً إلى التجهیزات العسکریة اللازمة التی یتمتع بها العدو، حیث جسّد کل ذلک مستقبلاً مظلماً أمام أنظار المسلمین.

ولکن الله تعالى أراد فی هذه المعرکة أن یوجه آخر ضربة لجیش الکفر وقوى الشرک وتنقیة جیش المسلمین من المنافقین وإفشاء خطط المتآمرین على الإسلام واختبار المسلمین الحقیقیین فی هذا الامتحان العسیر.

وقد نزلت الآیات 17 من سورة الأحزاب تتحدث عن هذه المعرکة المصیریة وتجسد أهمیة هذا الموقف وتبیّن ظروف وملابسات هذه الواقعة التاریخیة المهمّة.

وتبدأ الآیات الکریمة بهذه الآیة:

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اذْکُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَیْکُمْ إِذْ جَاءَتْکُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَیْهِمْ رِیحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَکَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیراً)(11).

وتنتهی بهذه الآیة:

(وَرَدَّ اللهُ الَّذِینَ کَفَرُوا بِغَیْظِهِمْ لَمْ یَنَالُوا خَیْراً وَکَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِینَ الْقِتَالَ وَکَانَ اللهُ قَوِیّاً عَزِیزاً)(12).

نقاط مهمّة فی ما یتصل بمعرکة الأحزاب:

1 ـ کانت معرکة الأحزاب آخر ما بذله المشرکون فی تآمرهم على المسلمین وتمثّل آخر رصاصة أطلقها العدو وآخر تجمیع لقوى الشرک والکفر فی مقابل قوى التوحید، ولهذا السبب عندما تقدمّ أقوى رجال المشرکین البطل المعروف «عمرو بن عبدودّ» للبراز وبرز له القائد الإسلامی الشجاع الإمام علی(علیه السلام)وحدثت المواجهة بینهما قال النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله):

«بَرَزَ الإِیمانُ کُلُّهُ إِلى الشِّرِک کُلِّهِ»(13).

لأنّ انتصار أحد هذین الرجلین على الآخر هو انتصار الکفر على الإیمان أو انتصار الإیمان على الکفر، وبعبارة أخرى أنّ مصیر االإسلام والشرک متعلق بهذه المواجهة الحاسمة، وقد شخّص النبی بدقّة هذه الحقیقة التاریخیة.

2 ـ حفر الخندق الذی جاء باقتراح من «سلمان الفارسی»(14) ولم یکن العرب یعرفون ذلک فی حروبهم،وکما تبیّن أنّ هذاالخندق کانت له أهمیة عسکریة ونفسیة فائقة حیث ساهم فی حسم المعرکة لصالح المسلمین، ووجه ضربة قاصمة إلى قوى الشرک وأحزاب الکفر.

ولا نملک الیوم معرفة کافیة بممیّزات وخصوصیات الخندق المذکور، إلاّ أنّ المؤرخین ذکروا أنّ عرضه کان بمقدار لایسمح للفارس من عبوره، وعمقه بمقدار أنّ الشخص الذی یدخل فیه لا یستطیع الخروج من الطرف الآخر بسهولة.

أضف إلى ذلک سیطرة الرماة المسلمین على منطقة الخندق، وفکل شخص یقصد عبور الخندق سیکون هدفاً لهؤلاء الرماة.

ونلاحظ أنّ إدارة وإشراف النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) فی أمر حفر الخندق دقیقة وملفتة للنظر، فقد أمر کل عشرة أشخاص بحفر 40 ذراعاً «عشرین متر تقریباً» واشترک بنفسه فی عملیة الحفر(15)، ونظراً إلى أنّ عدد أفراد الجیش الإسلامی کما هو المشهور یبلغ ثلاثة الآف مقاتل، فقد خمّن بعض المؤرخین أنّ طول الخندق یبلغ 12 ألف ذراع (6 الآف متر تقریباً) وذکر أنّ حفر الخندق استغرق مدّة ستة أیّام...(16).

ونقل ابن هشام أنّ المسلمین عندما کانوا یحفرون الخندق بالنهار کانوا یعودون إلى بیوتهم فی اللیل، ولکنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) کان قد نصب خیمته على أحد التلال وکان یقیم فیها لیلاً، وفی هذا المکان بنی «مسجد ذناب»(17).

ولابدّ من الاعتراف بهذه الحقیقة، وهی أنّ حفر مثل هذا الخندق وبتلک الوسائل البدائیة فی ذلک العصر کان یعدّ عملاً عظیماً وعملاقاً، ومن الطبیعی أن یستغرق وقتاً مناسباً، واللافت للنظر أنّ النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) کان قد توقع أن ینتهی المسلمون من حفر الخندق قبل ثلاثة أیّام من وصول جیش الأحزاب إلى المدینة، بحیث إنّ قریشاً عندما رأت هذا الخندق أصابها الذهول والعجب من هذه المکیدة العسکریة.

3 ـ لقد کان ثبات واستقامة النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) والمسلمین فی هذه المواجهة على الرغم من الجوع الشدید وقلّة المواد الغذائیة من جهة وسوء الأحوال الجویة من جهة أخرى أکبر الأثر فی تراجع الأحزاب وهزیمتهم، لأنّهم لم یتمکنوا من حسم المعرکة بهجوم عسکری مباغت لصالحهم بل اضطروا للبقاء فی مواقعهم شهراً کاملا بدون أی نشاط عسکری حاسم، ولو أضفنا إلى هذه المشکلات أنّ القبائل العربیة لم تکن قد اعتادت على معرکة عسکریة طویلة المدّة وأشبه ما یکون بمعرکة استنزاف بل کان السائد فی ذلک الزمان تنفیذ عملیات آنیة وسریعة، فسوف یتبیّن أنّ ضعف معنویات الأحزاب من جراء طول مدّة الحصار والآثار السلبیة الناشئة من تداعیات هذه الحالة کان أمراً طبیعیاً.

4 ـ وکذلک تصدی جنود الإسلام لمجموعة من فرسان المشرکین الذین حاولوا عبور الخندق من مکان ضیق وهزیمتهم وقتل قائدهم، کان له الأثر الکبیر فی خلق جو من الهلع والخوف فی قلوب المشرکین وتلاشی جهودهم فی القضاء على الإسلام، لأنّهم علموا حین ذاک أنّ مثل هذه المخاطرة والتهور سوف لا تعود علیهم بنتیجة مطلوبة.

5 ـ وکان للحرس الذین وضعهم النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) لحمایة النقاط الاستراتیجیة للخندق، دور هام فی هذه المعرکة فی إجهاض محاولة المشرکین للهجوم على المدینة.

6 ـ وقد أرسل النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) «نعیم بن مسعود» لبث الفرقة بین صفوف المشرکین، فکان لعمله هذا دور مهم فی اضعاف جیش المشرکین وخلق الفتنة والاختلاف والنزاع فیما بینهم، وهذا یبیّن مدى أهمیّة الحرب النفسیة فی مقابل الحرب النظامیة والاعتماد على الأسلحة فقط.

7 ـ وکان للإنسجام والتنسیق والانضباط الذی تحلى به المسلمون من خلال اطاعتهم لقائدهم دور عظیم جدّاً فی رفع معنویاتهم وتقویة دعائم جیشهم، وخاصّة فی مقابل العدو الغاشم الذی ینتظر بهم الفرصة، ولهذا السبب نرى تشتت قوى الأحزاب وانهیار معنویاتهم وتمزق صفوفهم ممّا سهل الانتصار علیهم ودحرهم.

8 ـ لقد تبیّن لقریش فی نهایة هذه الواقعة أنّ سعیهم للقضاء على الإسلام ووأد هذه الدعوة الجدیدة من خلال القوة العسکریة لا یؤدی إلى نتیجة، وخاصّة أنّ المشرکین عبأوا جمیع قواهم وجمعوا أکبر جیش من مختلف القبائل العربیة لهذا الغرض.

9 ـ کان الهدف الأساس للنبی فی هذه الواقعة إجهاض هذه التعبئة الشاملة لقوى الکفر والشرک، بحیث إنّهم بعد ذلک لا یقدرون على تعبئة مثل هذه القوات وجمع مثل هذه الجیوش، وبالتالی لا یفکر أحد من هؤلاء الأحزاب والقبائل بالهجوم على المسلمین بشکل منفرد، ومنها أخذ المسلمون زمام المبادرة وجعلوا المشرکین فی موضع دفاع، وتجلت قدرة المسلمین على المناورة العسکریة واستمرّ هذا الحال إلى أن انتشر الإسلام فی جمیع أرجاء الجزیرة العربیة.

10 ـ «ومن بین عوامل النصر» للنبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) والمسلمین فی معرکة الأحزاب، مضافاً إلى التأیید الإلهی والامداد الغیبی بجیوش من العواصف الرملیة الشدیدة التی هدمت انسجام جیش الأحزاب وقضت على تلاحمهم (وقد أشار القرآن الکریم إلى هذه النقطة أیضاً)، فقد کان هناک العدید من الأسالیب العسکریة والسیاسیة الأخرى مضافاً إلى العامل الثقافی المهم والإدارة الفذّة للنبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) فی هذه المعرکة.

إنّ النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) بقبوله اقتراح حفر الخندق أدخل عنصراً جدیداً فی الحروب العربیة والذی لم یکن موجوداً إلى ذلک الوقت وأدى ذلک إلى رفع معنویات المسلمین وتضعیف معنویات الأحزاب وقوى الشرک، إنّ المواقف والعملیات الدقیقة للمسلمین حول الخندق واستخدام بعض التکتیکات العسکریة المناسبة کانت عاملاً مؤثراً آخر لعدم تمکن العدو من النفوذ إلى داخل المدینة.

إنّ مقتل «عمرو بن عبدودّ» بید بطل الإسلام علی بن أبی طالب(علیه السلام) وانهیار دعائم الأمل لجیش الأحزاب بمقتل هذه القائد یعتبر عاملاً مهماً آخر فی حسم هذه المعرکة.
والإیمان بالله تعالى والتوکل علیه والذی کان المسلمون یعیشون هذا الإیمان والتوکل من خلال الثورة العقائدیة والثقافیة التی جاء بها النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) وکذلک تلاوة المسلمین لآیات القرآن طیلة المعرکة وما کان النبی یتحدث به مع المسلمین فی مجال رفع معنویاتهم والشدّ من عزائمهم، یعتبر عاملاً مهماً آخر فی انتصار المسلمین.

ومن العوامل المهمّة الأخرى استقامة النبی وروحه الکبیرة واعتماده على النفس ممّا ألهم المسلمین قوة القلب والعزیمة والمثابرة إلى نهایة المعرکة.



1 . انظر: سیرة ابن هشام، ج 2، ص 399.
2 . مجموع الآیات النازلة فی هذه الواقعة 9 آیات، یعنی من أول سورة الممتحنة إلى الآیة 9 (مجمع البیان، ج 9، ص 269).
3 . قرب الاسناد، ص 148.
4 . المغازی للواقدی، ج 2، ص 206; السیرة الحلبیة، ج 2، ص 297 طبع دارالکتب بیروت.
5 . مجمع البیان، ج 2، ص 488.
6 . سیرة ابن هشام، ج 3، ص 252.
7 . نهج البلاغة، الرسالة 11.
8 . نهج البلاغة، الرسالة 53.
9 . نهج البلاغة، الرسالة 33.
10 . وطبقاً لما ذهب إلیه المسعودی لقد حضر من قریش والقبائل الأخرى وبنی النضیر 24 ألف نفراً.
11 . سورة الأحزاب، الآیة 9.
12 . سورة الأحزاب، الآیة 25.
13 . بحار الأنوار، ج 20، ص 215، الطبعة الجدیدة.
14 . السیرة الحلبیة، ج 2، ص 331، طبعة مصر، سیرة ابن هشام، ج 3، ص 235.
15 . انظر: تاریخ الیعقوبی، ج 2، ص 50، طبعة بیروت.
16 . طبقات ابن سعد، ج 2، ص 67، طبعة بیروت.
17 . تاریخ پیامبر اسلام، الدکتور محمد إبراهیم آیتی، ص 382، طبعة جامعة طهران (بالفارسیة).

 

 

عوامل هزیمة المسلمین فی «اُحد» بوصفها قنطرة للانتصارات اللاحقة بث الفرقة والخلاف فی جیش الکفر
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma