ومضافاً إلى کل ذلک فإنّ أحد العوامل المؤثرة فی انهیار جبهة الکفر وإضعاف جیش الأحزاب هو ما ألمحنا إلیه سابقاً من عمل «نعیم بن مسعود».
والقصة کما یرویها المؤرخون:
«ثُمّ إنّ نُعَیْمَ بْنَ مَسْعُود أتى رَسولَ اللهِ(صلى الله علیه وآله) فَقَالَ: یَا رَسولَ اللهِ، إنّی قَدْ أسْلَمْتُ، وَإنّ قَومی لم یَعْلَموا بإسلامی، فَمُرْنی بِما شِئْتَ، فَقَالَ لَهُ رَسولَ اللهِ(صلى الله علیه وآله): إنّما أنْتَ فِینا رَجُلٌ واحِدٌ، فَخَذِّلْ عَنّا إنِ اسْتَطَعْتَ فإنّ الحَرْبَ خُدْعَةٌ. فَخَرَجَ نُعَیْمُ بْنُ مَسْعود حَتّى أتى بَنی قُرَیْظَةَ ـ وَکانَ لَهُمْ نَدِیماً فی الْجَاهِلِیَّةِ، فَقَالَ: یَا بَنی قُرَیْظَةَ، قَدْ عَرَفْتُمْ وُدِّی إیّاکُمْ وَخاصَّةَ مَا بَیْنی وَبَیْنِکُمْ، قالوا: صَدَقْتَ، لَسْتَ عِنْدَنا بِمُتَّهَم، فقال لَهُمْ: إنّ قُرَیشاً وغطفان لَیْسوا کأنَّهُمْ، اَلْبَلَدُ بَلَدَکُمْ، فِیهِ أموالُکُمْ وأبْناؤکُمْ وَنِساؤُکُمْ، لاتقدِرونَ عَلى أن تُحَوِّلُوا مِنه إلى غَیْرِه، وإنَّ قُرَیْشاً وَغَطْفانَ قَدْ جاء وَالْحَرْبِ مُحَمَّد وأصحابِهِ وَقَدْ ظاهَرْتُمُوهُمْ عَلَیْهِ، وَبَلَدُهُمْ وأمْوالُهُمْ وَنِساؤهم بِغَیْرِهِ، فَلَیْسوا کأنْتُمْ، فإنْ رَأَوْا نُهْزَةً أصابُوها وإنْ کانَ غَیْرُ ذلِکَ لَحِقُوا ببلادِهِمْ وَخَلُّوا بَیْنَکُمْ وَبَیْنَ الرَّجُلِ بِبَلَدِکُمْ، وَلاَطَاقَةَ لَکُمْ بِهِ إنْ خَلابِکُمْ، فَلا تُقاتِلُوا مَعَ الْقَوْمِ حَتّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ رَهْناً مِنْ أَشْرافِهِمْ»(1).
ولا شک فی أنّ استخدام هذه الأسالیب والعملیات الدقیقة لا تتسنى بدون امتلاک معلومات واسعة عن أوضاع العدو، ولا یمکنها أن تحقق نجاحاً بدون تهیئة أرضیة مناسبة لها قبل ذلک.