5 ـ إیجاد المحرک والدافع

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الإدارة والقیادة فی الإسلام
4 ـ إیجاد الانضباط والتنسیق نموذج من إیجاد الدافع


وإحدى الوظائف الثقیلة الملقاة على عاتق المدیر فی کل إدارة، وعلى القادة فی السلک النظامی، مسألة إیجاد الدوافع والمحرکات، فإیجاد الحرکة فی منظومة وتشکیلة، على أساس تعبئة جمیع الطاقات الخفیة، لضمان حیویة هذه الإدارة والتشکیلة، ولحسن الحظ أنّ ثقافة «الإیمان بالله» فی التشکیلات الإسلامیة هی الحاکمة وتمتد إلى أعماق نفوس المؤمنین وتخلق فیهم روح التضحیة والإیثار، فإیجاد مثل هذا الدافع الأخلاقی لیس عملاً میسوراً، فحسب بل هناک منابع غنیة لإثارة وإیجاد هذا الدافع والمحرک فی واقع الفرد والمجتمع الإسلامی.

وتوضیح ذلک، أنّه لا یوجد أی شخص یتحرک باتجاه عمل معین بدون وجود دافع ومحرک فی نفسه، وهذا الدافع، وخلافاً للدوافع الغریزیة الحاکمة على الحیوانات، یجب أن یتوفر فی واقع الإنسان من خلال الفهم والشعور والوعی، ویمکن تشبیه الدافع فی الإنسان بمنزلة الوقود لمحرک السیارة مع فارق أنّ تأثیر الوقود فی المحرک هو تأثیر إجباری، ولکنّ الدوافع لأفعال الإنسان اختیاریة لوجود أصل حریة الإنسان واختیاره فی حرکة الحیاة.

إنّ کیفیة وقوة «الدوافع» ترتبط برابطة وثیقة مع الثقافة الحاکمة والسائدة على المجتمع، فکلما کانت ثقافة المجتمع غنیّة وثریة فإنّ الدوافع والمحفزات ستکون قویة ومقتدرة.

ویمکن تقسیم الدوافع إلى ثلاثة أنواع:

أ) الدوافع التصوریة.

ب) الدوافع المادیة.

ج) الدوافع المعنویة.

أمّا القسم الأول: فیتکوّن من الخیالات والخرافات والتصورات الواهیة التی ربّما تشکل عاملاً على حرکة مجتمع باتجاه معین، والمصداق الکامل لهذا النوع من الدوافع ما یتوفر فی المجتمعات الوثنیة.

إنّ تصور القداسة للأوثان ومقولة شفاعة الأوثان الخرافیة وتصور وجود فهم وشعور لهذه الأوثان والتقرب إلى الله من خلال عبادتها کل ذلک من معالم حرکة المجتمعات الوثنیة ومن المحفزات الموهومة فی حرکة هذه المجتمعات البشریة.
ولکن عندما یواجه هؤلاء فی حرکتهم هذه طریقاً مسدوداً ویرون أوثانهم عاجزة حتى من الدفاع عن نفسها وعن أتباعها، یستیقظ وجدانهم النائم ویکونون مصداقاً لقوله تعالى: (فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّکُمْ أَنْتُمْ الظَّالِمُونَ)(1). وحینئذ تنکشف لهم سخافة تصورهم السابق وعبادتهم الباطلة للأوثان وربّما یسخرون من أنفسهم ویشطبون على عقائدهم بخط البطلان.

وعلى ضوء ذلک فإنّ الدوافع الموهومة والتصورات الباطلة لها تأثیر محدود ومؤقت على حرکة الإنسان وتفتقد إلى العمق العقلی والروحی، لأنّ هذه الدوافع والمحفزات تستمد قوتها من جهل الناس وتعصبهم، وبمجرّد أن تشرق فی نفوسهم جذوة من العلم والوعی فإنّ هذه التصورات الموهومة والمحفزات الواهیة ستزول من واقع الإنسان وینعدم تأثیرها فی حیاته.

وأمّا القسم الثانی: «الدوافع المادیة» فبما أنّها تملک واقعاً موضوعیاً فی واقع الحیاة والإنسان فإنّها تملک تأثیراً أوسع وأکبر ولکن مع کل ذلک فإنّها لا تمتد إلى حیث العمق الروحی، وتبقى مهزوزة.

على سبیل المثال: من النادر أن نجد ضابطاً فی الجیش یعرض نفسه للخطر بدافع الامتیازات والحقوق المالیة والعناوین الاجتماعیة التی تعتبر من جملة الامتیازات المادیة التی تدفع بالإنسان باتجاه المزید من الرقی والحرکة فی حیاته الاجتماعیة، فإذا واجه هذا الضابط حرباً مع العدو فإنّه یشعر بوجوب المشارکة الفعّالة فی هذه المعرکة ولزوم تعریض نفسه للخطر، ولکنّه إذا کان یتحرک من منطلقات تلک الامتیازت فإنّه سیسعى بکل جهد أن یبقى بعیداً عن المهلکة وموارد الخطر.

ومن هنا نرى فی الحروب کحرب فیتنام أنّ الجنود والضباط الأمریکیین غالباً ما یسألون أنفسهم: ما هو الدافع لمشارکتنا فی هذه الحرب؟ وما هی مصلحتنا فی أن نضحی بأنفسنا فی هذه المنطقة من العالم؟

وخلاصة الکلام أنّ الاستعداد للإیثار والتضحیة لکل «مدیر» و«قائد عسکری» فی مواجهة الحوادث المهمّة بحاجة إلى توفیر دوافع أخرى ولا یمکن تبریر التضحیة والفداء لمجرّد الدوافع المادیة والدنیویة، ولذلک ففی المراحل الحساسة والأزمات الخطیرة یتجلى ضعف مثل هذه الإدارة التی تستقی مقوماتها من الدوافع المادیة وینکشف ضعفها وعدم قدرتها على معالجة الحالات الخطیرة.

أمّا القسم الثالث: «الدوافع المعنویة» الذی یتمثّل بروح الإیمان بالله ویستمد مقوماته من القیم الإلهیّة والإنسانیة ویملک رصیداً قویاً من الحیاة الاُخرویة والمعاد بعد الموت والحصول على رحمة الله ورضوانه فی جنّة الخلد ولقاء الله، فإنّها تعتبر من أقوى وأعمق الدوافع المؤثرة فی حرکة الإنسان والمجتمع.

وعلى ضوء ذلک تأتی مسألة التعامل مع الله وبذل النفس والمال فی سبیل کسب رضا الله ورحمته کما تقول الآیة الشریفة:

(إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِینَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ یُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللهِ فَیَقْتُلُونَ وَیُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَیْهِ حَقّاً فِی التَّوْرَاةِ وَالاِْنجِیلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَیْعِکُمْ الَّذِی بَایَعْتُمْ بِهِ وَذَلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ)(2)

عندما ندقق فی کلمات هذه الآیة الشریفة ونتدبر فی مضامینها سنشعر بحالة غریبة من عمق التأثیر والروحانیة لهذا الکلام الإلهی، ممّا یدفع بالإنسان المؤمن إلى بذل الغالی والنفیس فی هذه التجارة الرابحة لنیل ذلک الفوز العظیم الذی وعد الله المؤمنین فی کتبه السماویة.

وکذلک نقرأ ما ورد فی سورة «الصف»:

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّکُمْ عَلَى تِجَارَة تُنجِیکُمْ مِنْ عَذَاب أَلِیم * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللهِ بِأَمْوَالِکُمْ وَأَنفُسِکُمْ ذَلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنتُمْ تَعْلَمُونَ* یَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ وَیُدْخِلْکُمْ جَنَّات تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ وَمَسَاکِنَ طَیِّبَةً فِی جَنَّاتِ عَدْن ذَلِکَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِیبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِینَ)(3)

یجب علینا من أجل إیجاد الباعث المعنوی ونفخ روح الحیویة فی الإدارة والقیادة فی المجتمع الإسلامی، الاستمداد من الثقافة الغنیة فی التراث الإسلامی والنصوص الدینیة، والعمل على تقویتها بطرق مختلفة، وعلى سبیل المثال نقترح الاستفادة من الطرق التالیة:

1 ـ الاستفادة مهما أمکن من الآیات القرآنیة التی تتناسب مع تفسیر واضح وتحلیل سلیم من أجل الإرتقاء بمستوى الثقافة الاجتماعیة والوعی الأخلاقی فی المجتمع الإسلامی.

2 ـ الاستفادة من النصوص الأصلیة للنبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) وأئمّة الدین، وخاصة فیما یتصل بالأحادیث النبویة ونهج البلاغة وأدعیة الصحیفة السجادیة، حیث یمکن استلهام الکثیر من مقومات الإدارة والقیادة الصالحة والحکیمة فی مضامین هذه النصوص الشریفة.

3 ـ الاستفادة من التحلیلات والدراسات التاریخیة لحکومة النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)والحوادث والغزوات والقضایا التی وقعت فی صدر الإسلام واستخلاص الدروس والعبر من سیرة النبی وإدارته الإلهیّة وکذلک من حروب الإمام علی(علیه السلام)وأنصاره والاستلهام کذلک من واقعة کربلاء الدامیة فیما نجد نماذج منها فی حیاتنا الاجتماعیة المعاصرة، وبشکل عام الاستفادة من سیرة النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)وسیرة الأئمّة الطاهرین(علیهم السلام) وعظماء تاریخ الإسلام والحوادث المهمّة التی نقلها إلینا التاریخ الإسلامی عن حیاتهم وکیفیة مواجهتهم للأزمات والتحدیات.

4 ـ الاستفادة من الأدعیة والمناجاة العمیقة المعنى الواردة عن أئمّة الهدى(علیهم السلام)، فهذه الأدعیة غنیة وثریة بالحیویة وتختزن فی مضامینها الکثیر من الدروس التی تعمل على ترشید الواقع الإسلامی الحالی، من قبیل دعاء کمیل، الندبة، الصباح، وأدعیة الصحیفة السجادیة، ودعا عرفة للإمام الحسین(علیه السلام)، ودعاء أبی حمزة الثمالی وأمثال ذلک ممّا یفیض على الإنسان نوراً وبهاءً إلهیّاً وینفخ فیه روح المعنویة والنقاء ویجعله مستعداً لکل تضحیة وإیثار فی حرکة التفاعل الاجتماعی والتواصل الأخلاقی، وطبعاً لابدّ من الحذر من الوقوع فی جانب الافراط أو ما یؤدی إلى التعب والکسل والملل.

5 ـ الاستفادة من التعالیم الدینیة والإسلامیة فی مقاطع ومراحل الحیاة المختلفة لتعمیق دعائم الإیمان بالله وبالمعاد والحیاة بعد الموت.

6 ـ نشر الکتب والصحف الغنیة بالمواضیع والدراسات التی تصب فی هذا الحقل، سواءً على المستوى العام أو الخاص، من أجل استمرار الحرکة والحیویة للدوافع الخیّرة وتأسیس مکتبات حتى لو کانت صغیرة ولکنّها ثریة فی روحها ومعناها، کل ذلک یسارع فی الانفتاح على الوعی والثقافة ویزید من قدرات الإنسان فی مجال الإدارة.

7 ـ تعظیم ذکرى الشهداء والمضحین ورموز التضحیة والفداء فی الماضی والحاضر، وإقامة المجالس لتکریمهم وخدمة أبنائهم وعوائلهم وتقدیم الشکر لهم لما تحملوا من أتعاب ومعاناة فی هذا السبیل، وتمزیق «حجاب المعاصرة» فیما بیننا وبین هؤلاء العظماء والمضحین، وابتکار آلیات تساهم فی إیجاد وتقویة الدوافع والمحفزات.

ولکن استثمار الدوافع المعنویة والتأکید على هذا النوع من المحفزات لا یعنی التغافل عن الدوافع المادیة المعقولة وتهمیشها فی عملیة التواصل والتفاعل، فالإنسان مکوّن من جسم وروح، مادة ومعنى، فرغم أنّ الرکن الأصلی فی الإنسان هو الروح، ولکنّ مطالبات بدنه المادیة لا ینبغی اقصاؤها أو التغافل عنها وعن احتیاجاتها.

فحتى نبی الإسلام(صلى الله علیه وآله) مع کل تأکیده على اخلاص النیّة للمجاهدین فی میادین القتال وتحریرهم من أی غایة وباعث فی حرکتهم هذه سوى الدافع الإلهی والجهاد فی سبیل الله، فإنّه کان یتحرک بحکم التعالیم الإسلامیة لتشویق وترغیب هؤلاء المجاهدین بالمحفزات المادیة من خلال تقسیم بعض «الغنائم» علیهم، وأعلى من ذلک أنّ الله تعالى مع عظیم ثوابه الأخروی وعطائه المعنوی للمجاهدین فی سبیله، وأنّهم (أَحیَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِم یُرزَقُونَ)و(رِضوانٌ مَنَ اللهِ أَکبَرُ) فإنّه تعالى قد وضع إلى جانب ذلک محفزات مادیة (جَنّات تَجرِی مِنْ تَحتِها الأَنهارُ)وأمثال ذلک حتى ضمن من خلال تقدیم هذه الوعود المادیة والمعنویة تعبئة جمیع طاقات الإنسان وتفعیل قواه ومکوّناته فی هذا الاتجاه.

وسنتطرق فی فصل الترغیب والتوبیخ إلى مسائل مهمّة أخرى فی هذا المجال، وطبعاً فهذه مجرّد سلسلة من کلیات مسألة إیجاد الدوافع، ومضافاً إلى ذلک فإنّ کل مدیر وقائد لابدّ له، من خلال الابتکار وعملیة الابداع بما ینسجم مع أوضاعه وظروفه الزمانیة والمکانیة وثقافة مجتمعه والأفراد العاملین تحت إمرته; أن یعمل على تعبئة القوى المعنویة ویفعّل الطاقات الخیّرة لهؤلاء العاملین من خلال إیجاد دوافع ومحفزات قویة لإنجاح مشروعه وضمان حیویة إدارته، والغالب أنّ سرّ النجاح والتوفیق یکمن فی مثل هذه الابتکارات والابداعات.



1 . سورة الأنبیاء، الآیة 64.
2 . سورة التوبة، الآیة 111.
3 . سورة الصَّف، الآیة.
4 ـ إیجاد الانضباط والتنسیق نموذج من إیجاد الدافع
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma