7 هل التوسل بالأسباب شرک؟ [515-524]

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
مفاهیم القرآن
8 المعاییر الثلاثة المتوهمَّة للشِّرک [525-535]کلام آخر للمودودی [510-514]
ذهب المتصوّفة والدراویش فی وصف أقطابهم وشیوخ طرقهم إلى حد الشرک، کما هو ظاهر، وبذلک هدموا حدود التوحید والشرک وتجاوزوا معاییرهما، ویبدو هذا الأمر ـ بجلاء ـ من الأبیات التی مجّد بها القوم مشایخهم حیث تفوح من أکثرها رائحة الشرک الجلی فضلاً عن الخفی، تلک الأبیات التی لا تنسجم مع أُسس التوحید القرآنی بحال، وإن کان بعضهم یحاول أن یجد لتلک الأبیات والکلمات محامل بمنأى عن الشرک، ولکن الحق هو أنّ الموحد لا ینبغی له، بل ولا یجوز ، أن یجری على لسانه کلاماً غیر منسجم مع التوحید الإسلامی القرآنی الجلی الملامح، الواضح الطریق.
ولقد کانت نظرة هذه الفرقة إلى مفهوم الشرک نظرة خاصة وشاذة جداً بحیث راحت تعد الکثیر من أنواع الشرک القطعی بأنّه عین التوحید!! وبذلک ضیقوا دائرة الشرک أیّما تضییق!!
فی مقابل هذه الفرقة ـ تماماً ـ وقف الوهابیون، فهم توسّعوا فی فهم حقیقة الشرک وإطلاقه، توسّعاً یکاد یشمل کل حرکة وسکون وکل تصرف یصدر من أهل التوحید تجاه أولیاء اللّه بهدف الاحترام والتکریم حیث اعتبره الوهابیون عین
_____________________________________ [الصفحة 516] _____________________________________
الشرک، والحیدة عن جادة التوحید !! وسمّوا فاعله مشرکاً، حتى أنّه اتفق لی أن التقیت ذات یوم بواحد من هیئة الأمر بالمعروف فی المسجد الحرام، فاتفق أن صدر منی تکریم بانحناء رأسی ـ أثناء ذلک اللقاء ـ وإذا بذلک الشخص یقول ـ فی جدیة وانزعاج ـ :
لا تفعل هذا ... انّه شرک محرّم ... لا تحنی رأسک أنّه شرک !!
والحق أنّه لو کان معنى الشرک والتوحید هو کما یراه الوهابیون ویقولون به، إذن لما أمکن أن نمنح لأی أحد تحت هذه السماء وفوق هذه الأرض هویة الموحّد ولما استحق أحد أن تطلق علیه تلک الصفة أبداً.
لقد نقل لی صدیق ثقة أنّ إمام المسجد النبوی وخطیبه: الشیخ عبد العزیز کان یقول فی تحدید الشرک:
إنّ کل تعلّق بغیر اللّه شرک!
أقول: لو کان معنى الشرک هو هذا الذی یقوله إذن لابد أن نعتبر کل البشر على هذه الأرض مشرکین، بلا استثناء، حتى الوهابیین أنفسهم، لأنّهم یتوصلون إلى تحقیق م آربهم وتنفیذ حاجاتهم عن طریق التعلّق والتوسل بالأسباب مع أنّه لا یمکن أن یقال أنّ الأسباب والعلل هی اللّه، بل هی غیر اللّه، فینتج عن هذا أن یکون تعلّقهم بالأسباب وتوسّلهم بالعلل توسّلاً بغیر اللّه، وتعلّقاً بسواه.
فی حین أنّ هذا النوع من التعلّقات والتشبثات لیست فقط لا تعد شرکاً، بل هی عین التوحید وصمیمه، لأنّ حیاة الإنسان فی هذه الدنیا مشدودة إلى الأسباب والعلل.
غایة الأمر أنّ علیه أن لا یعتقد لهذه الأسباب والعلل أی استقلال وانقطاع
_____________________________________ [الصفحة 517] _____________________________________
عن الإرادة الإلهیة العلیا، بل لابد أن یعتقد بتأثیرها تبعاً لمشیئته سبحانه ، نعم انّ التعلّق بالأسباب والعلل الظاهریة المادیة قد یکون عین التوحید من جهة، وعین الشرک من جهة أُخرى، فعندما لا نعتقد بأی استقلال لهذه الأسباب ـ عند تشبثنا بها ـ ولا نعتبر تأثیرها فی مصاف الإرادة الإلهیة وفی عرضها، بل نعتقد بأنّها تقع فی ضمن السلسلة التی تنتهی ـ بالم آل ـ إلى اللّه، فلا نخرج عن إطار التوحید.
ولیس فی الفکر التوحیدی من مناص إلاّ الاعتقاد بمثل هذا الأمر وعلى هذا النمط.
أمّا عندما نرى لهذه الأسباب والعلل استقلالاً، ونعتقد بإمکان تأثیرها بمعزل عن الإرادة الإلهیة، لا بنحو التبعیة ففی هذه الصورة سنکون معتقدین بخالقین، ومؤثرین!!
إنّ على الموحّد أن یحافظ على الاعتقاد بوجود قانون (العلیة والسببیة) الحاکم فی الظواهر الطبیعیة، وإنّ هذه الأسباب والعلل لا تملک استقلالاً فی تأثیرها مطلقاً بل هی مفتقرة إلى اللّه فی تأثیرها کما فی وجودها وبقائها.
إنّ الموحّد رغم أنّه یعرف هذه الحیاة ویتعامل معها على أساس أنّها خاضعة لنظام العلیة، إلاّ أنّه ینظر إلى هذه العلل على أساس أنّ وجودها وبقاءها وتأثیرها من اللّه.
فالسبب الأوّل هو اللّه سبحانه ، وأمّا الأسباب الأُخرى فهی مخلوقة له خاضعة لإرادته واقعة فی طول مشیئته لا فی عرضها.
إنّ الفارق الأساسی بین الموحّد والمادی یکمن فی هذا الأمر.
فالثانی یعتقد بـ أصالة العلل المادیة واستقلالها فی التأثیر فی حین یسندها
_____________________________________ [الصفحة 518] _____________________________________
الموحد إلى اللّه خالق کل شیء، مع أنّه یعترف بقانون العلیة الحاکم فی هذا الکون.
شهادة القرآن الکریم
إنّ قضیة استقلال وعدم استقلال العلل الطبیعیة المادیة هو الفاصل بین التوحید والشرک، وبه یعرف الموحّد عن المشرک ـ بوضوح ـ وإلى هذه الحقیقة أشار القرآن الکریم فی آیات عدیدة، فهناک فریق من الناس عندما یواجهون المشاکل المستعصیة وتنسد فی وجوهههم جمیع الأبواب والسبل ویقابلون المهالک وجهاً لوجه، یتوجهون إلى اللّه ویلوذون به ولا یرون سواه ملجأً ومخلصاً فإذا ما نجوا عادوا إلى شرکهم مرة أُخرى، وهذه حالة فریق من الناس، وإلى هذه الحالة تشیر طائفة من آیات القرآن، وها نحن نذکر فیما یلی بعضها على أنّ المهم لنا هو أن نعرف ما هو المقصود بالشرک المذکور فی هذه الآیات؟
وإلیک فیما یلی نص الآیات:
(وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِیبِینَ إِلَیْهِ ثُمَ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِیقٌ مِنْهُم بِرَبِّهِمْ یُشْرِکُونَ).(1)
(فَإِذا رَکِبُوا فِی الْفُلْکِ دَعَوا اللّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ یُشْرِکُونَ).(2)
(قُلِ اللّهُ یُنَجِّیکُمْ مِنْهَا وَمِنْ کُلِّ کَرْب ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِکُون).(3)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الروم: 33.
2 . العنکبوت: 65.
3 . الأنعام: 64.
_____________________________________ [الصفحة 519] _____________________________________
(ثُمَّ إِذَا کَشَفَ الضُّرَّ عَنْکُمْ إِذَا فَرِیقٌ مِنکُمْ بِرَبِّهِمْ یُشْرِکُونَ).(1)
هذه بعض الآیات فی هذا المجال، والواجب هو الإمعان فی عبارة إذا هم یشرکون.
إنّ المقصود من الشرک ـ فی هذه الآیات ـ لیس فقط أنّ هؤلاء إذا وصلوا إلى البر أو نجوا عکفوا على عبادة الأوثان،
بل المراد ما هو أوسع من ذلک، فإنّهم إذا نجوا عادوا إلى نسیان الحالة السابقة، والتجأوا إلى الأسباب المادیة متصوّرین أنّها أسباب مستقلة تمدّهم فی إدامة الحیاة من دون استمداد من اللّه سبحانه وناظرین إلیها بعین العلل المستقلة غیر المعتمدة على اللّه، ولا شک أنّ النظر إلى الأسباب العادیة من نافذة الاستقلال هو أیضاً شرک یجب الاجتناب عنه، وهی نقطة الافتراق بین المدرسیة الإلهیة والمدرسة المادیة، ولو طالعت هذه الآیات المتعلّقة بالشرک والتوحید بروح علمیة، لوجدت کیف أنّ القرآن الکریم یصر على أنّه لیست فی عالم الوجود قدرة فی مصاف القدرة الإلهیة، ولا إرادة فی عرض تلک الإرادة.
ویرشدک إلى هذا أنّ القرآن یعتقد بأنّه سبحانه هو الهادی فی ظلمات البر والبحر، وهو مرسل الریاح بشرى بین یدی رحمته ومنزل الغیث، ویقول:
(أَمن یَهْدِیِکُمْ فِی ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ یُرْسِلُ الرِّیَاحَ بُشْرَى بَیْنَ یَدَیْ رَحْمَتِهِ ءَإِلهٌ مَعَ اللّهِ تَعَالَى اللّهُ عَمَّا یُشْرِکُونَ).(2)
مع أنّ البشر کان ولا یزال یستفید من الأسباب والوسائل الطبیعیة کالنجوم والبوصلات ویهتدی بها وبغیرها من الأدوات التکنولوجیة فی أسفاره البریة
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . النحل: 54.
2 . النمل: 63.
_____________________________________ [الصفحة 520] _____________________________________
والبحریة، ولیس هذا إلاّ لأجل أنّ سببیة الأسباب بتسبیب من اللّه سبحانه .
کما أنّ الریاح والأمطار فی هذه الطبیعة ینش آن نتیجة سلسلة طویلة من تفاعل العلل الطبیعیة التی تتسبب فی وجود ظاهرة الریاح، أو الأمطار، ولکن القرآن مع ذلک یقول:
(وَهُوَ الَّذِی یُرْسِلُ الرِّیَاحَ بُشْرًى بَیْنَ یَدَیْ رَحْمَتِهِ)(1).
(وَهُوَ الَّذِی یُنَزِّلُ الْغَیْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوْا وَیَنشُرُ رَحْمَتَهُ)(2).
ولیس ذلک إلاّ لأنّ اللّه وراء تلک الأسباب، وهی تفعل بأمره واقداره.
وبکلام آخر أنّ هذه العلل والأسباب حیث إنّها غیر مستقلة، لا فی وجودها ولا فی تأثیرها، بل هی مخلوقة بأسرها وبتمام وجودها، وتأثیرها للّه، لذا یصرح القرآن الکریم بأنّه سبحانه الهادی فی ظلمات البر والبحر و مرسل الریاح ومنزل الغیث من بعد ما قنطوا.
وهذه الحقیقة ـ بعینها ـ مبینة بوضوح تام فی آیات سورة الواقعة.
إنّ هذا لا یعنی أنّ القرآن الکریم یتنکر للعلل والأسباب الطبیعیة، وینکر وجودها ومشارکتها، ویلغی دورها، بل حیث إنّ هذه العلل والأسباب لا تملک من لدن نفسها استقلالاً وتقوم باللّه سبحانه قیام المعنى الحرفی بالمعنى الإسمی بحیث لو قطعت عنها عنایته تعالى آناً ما، انهارت وتهافتت جملة واحدة، وانقلب عالم الوجود مع کل وضوحه إلى ظلام وعدم، لذلک تفنن فی تفسیر الظواهر الطبیعیة تارة بنسبتها إلى اللّه سبحانه وأُخرى إلى سائر العلل وثالثة إلیهما معاً، قال:
(وَمَا رَمَیْتَ إِذْ رَمَیْتَ وَلَکِنَّ اللّهَ رَمَى)(3).(4)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 .الأعراف: 57.
2 . الشورى: 28.
3 . الأنفال: 17.
4 . ولقد بحثنا حول تلک الآیات فی صفحة 405.
_____________________________________ [الصفحة 521] _____________________________________
التوسل بالأسباب غیر الطبیعیة
إلى هنا تبیَّن أنّ النظرة إلى الأسباب الطبیعیة بلحاظ أنّها علل غیر مستقلة عین التوحید، وبلحاظ استقلالها فی التأثیر عین الشرک، وأمّا غیر الطبیعیة من العلل فحکمها حکم الطبیعیة حیث إنّ التوسل على النحو الأوّل عین التوحید، وعلى النحو الثانی عین الشرک حرفاً بحرف، غیر أنّ الوهابیین جعلوا التوسل بغیر الطبیعیة من العلل توسّلاً ممزوجاً بالشرک ویقول المودودی فی ذلک:
فالمرء إذا کان أصابه العطش ـ مثلاً ـ فدعا خادمه وأمره بإحضار الماء لا یطلق علیه حکم الدعاء ولا أنّ الرجل اتخذ الخادم إلهاً، وذلک إنّ کل ما فعله الرجل جار على قانون العلل والأسباب، ولکن إذا استغاث بولی فی هذا الحال فلا شک انّه دعاه لتفریج الکربة و اتَّخذه إلهاً.
فکأنِّی به یراه سمیعاً بصیراً، ویزعم أنّ له نوعاً من السلطة على عالم الأسباب ممّا یجعله قادراً على أن یقوم بإبلاغه الماء، أو شفائه من المرض.
وصفوة القول: إنّ التصوّر الذی لأجله یدعو الإنسان الإله ویستغیثه ویتضرع إلیه هو لا جرم تصوّر کونه مالکاً للسلطة المهیمنة على قوانین الطبیعة وللقوى الخارجة عن دائرة نفوذ الطبیعة.
إنّ الحدیث حول هذا المقام یقع فی موردین:
الأوّل: إذا اعتقد إنسان بأنّ للظاهرة المعینة سببین: طبیعیاً، وغیر طبیعی. فإذا یئس من الأوّل ولاذ بالثانی، فهل یعد فعله شرکاً أو لا ؟
الثانی: إذا اعتقد بأنّ لشخص خاص سلطة غیبیة على الکون بإذنه سبحانه، فهل یعد هذا الاعتقاد اعتقاداً بإلوهیته؟
_____________________________________ [الصفحة 522] _____________________________________
وقد حققنا القول حول الأمر الثانی ونرکّز البحث على الأمر الأوّل، فنقول:
إذا اعتقد إنسان بأنّ لبرئه من المرض طریقین أحدهما طبیعی والآخر غیر طبیعی، وقد سلک الطریق الأوّل ولم یصل إلى مقصوده فعاد یتوسل إلى مطلوبه بالتمسک بالسبب الثانی کمسح المسیح یدیه علیه، فهل یعد اعتقاد هذا وطلبه منه شرکاً وخروجاً عن جادة التوحید أو لا ؟
وأنت إذا لاحظت الضوابط التی قد تعرفت علیها فی تمییز الشرک عن غیره لقدرت على الإجابة بأنّه لا ینافی التوحید ولا یضاده بل یلائمه کمال الملاءمة فإنّه یعتقد بأنّ اللّه الذی منح الأثر للأدویة الطبیعیة أو جعل الشفاء فی العسل هو الذی منح المسیح قدرة یمکنه أن یبرئ المرضى بإذنه سبحانه ، ومعه کیف یعد اعتقاده هذا شرکاً؟
وبکلام آخر: انّ الشرک عبارة عن الاعتقاد باستقلال شیء فی التأثیر بمعنى أن یکون أثره مستنداً إلیه لا إلى خالقه وبارئه والمفروض عدمه، ومع ذلک کیف یکون شرکاً، والتفریق بین التوسل بالأسباب الطبیعیة وغیرها بجعل الأوّل موافقاً للتوحید دون الثانی تفریق بلا جهة، فإنّ نسبتها إلى اللّه سبحانه فی کون التأثیر بإذنه سواسیة.
نعم یمکن لأحد أن یخطّئ القائل فی سببیة شیء، ویقول بأنّ اللّه لم یمنح للولی الخاص تلک القدرة وانّه عاجز عن الإبراء، ولکنه خارج عن محط بحثنا، فإنّ البحث مرکز على تمییز الشرک عن غیره لا على إثبات قدرة لأحد أو نفیها عنه وأظن أنّ القائلین بکون هذا الاعتقاد والطلب شرکاً لو رکزوا البحث على تشخیص ملاک الشرک عن غیره لسهل لهم تمییز الحق عن غیره، إذ أی فرق بین الاعتقاد بأنّ اللّه وهب الإشراق للشمس والإحراق للنار وجعل الشفاء فی العسل،
_____________________________________ [الصفحة 523] _____________________________________
وبین أنّه هو الذی أقدر ولیه مثل المسیح وغیره على البرء، أو أنّه أعطى للأرواح المقدسة من أولیائه قدرة على التصرف فی الکون وإغاثة الملهوف.
وقد ورد فی القرآن الکریم نماذج من إعطاء آثار خاصة لعلل غیر طبیعیة تلقی الضوء على ما ذکرنا، فإلیک بیانها:
1. انّ القرآن یصف عجل السامری بقوله: (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُکُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِیَ).(1)
فبعد ما رجع موسى من المیقات ورأى الحال ، سأل السامری عن کیفیة عمله، وانّه کیف قدر على هذا العمل البدیع؟ فأجاب:(بَصُرْتُ بِمَا لَمْ یَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَکَذَلِکَ سَوَّلَتْ لِی نَفْسِی).(2)
فعلّل عمله هذا بأنّه أخذ قبضة من أثر الرسول فعالج بها مطلوبه فعاد العجل ذا خوار، وهذا یعطی أنّ التراب المأخوذ
من أثر الرسول کان له أثر خاص وقد توسل به السامری.
2. انّ القرآن یصف کیفیة برء یعقوب مما أصاب عینیه، ویقول حاکیاً عن یوسف أنّه قال:
(اذْهَبُوا بِقَمِیصِی هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِی یَأْتِ بَصِیراً وَأْتُونِی بِأَهْلِکُمْ أَجْمَعِینَ).(3)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . طه: 88.
2 . طه: 96.
3 . یوسف: 93.
_____________________________________ [الصفحة 524] _____________________________________
(فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِیرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِیراً قَالَ أَلْمْ أَقُلْ لَکُمْ إِنِّی أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ).(1)
فإذا اعتقد الإنسان بأنّ الذی خلق فی التراب المأخوذ من أثر الرسول المعین أثراً خاصاً بحیث إذا امتزج مع الحلی یجعلها ذات خوار، أو منح للقمیص ذلک الأثر العجیب هو الذی أعطى لسائر العلل غیر الطبیعیة آثاراً خاصة یستفید منها الإنسان فی ظروف معینة، فهل یجوز لنا رمی المعتقد بهذا، بأنّه مشرک، وأی فرق بین ما أخذ السامری من أثر الرسول وقمیص یوسف وسائر العلل مع أنّ الجمیع علل غیر مألوفة.
إنّ التوسل بالأرواح المقدسة والاستمداد بالنفوس الطاهرة الخالدة عند ربها نوع من التمسک بالأسباب فی اعتقاد المتمسک وقد قال سبحانه :
(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَقُوا اللّهَ وَابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ).(2)
وأمّا البحث عن أنّ هذه الأرواح والنفوس هل فی مقدورها أن تغیث من یستغیث بها أو لا؟ فهو خارج عما نحن بصدده.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . یوسف: 96.
2 . المائدة: 35.
_____________________________________ [الصفحة 525] _____________________________________
8 المعاییر الثلاثة المتوهمَّة للشِّرک [525-535]کلام آخر للمودودی [510-514]
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma