الفصل العاشر [599-632]

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
مفاهیم القرآن
الفصل الحادی عشر [633-645] 10 عقائد الوثنیین فی العصر الجاهلی [585-597]
اللّه والتوحید فی التقنین والتشریع
_____________________________________ [الصفحة 600] _____________________________________
التوحید فی التقنین والتشریع
1. حاجة المجتمع إلى القانون.
2. شرائط المشرّع.
3. لا تتوفر هذه الشروط إلاّ فی اللّه.
4. الآیات الدالة على التوحید فی التشریع.
5. الصنف الأوّل الدال على عدم جواز التشریع لغیر اللّه.
6. الصنف الثانی الدال على تقریع من یحلون حرامه ویحرمون حلاله.
7. إجابة على سؤال.
8. الصنف الثالث الدال على أنّ الأنبیاء بعثوا مع نظم کاملة للحیاة.
9. ما هی معانی الشریعة والملة والدین؟
10. الصنف الرابع الدال على المنع من التحاکم إلى الطاغوت.
11. الصنف الخامس الآیات التی تذم النصارى على إعطاء الأحبار حق التشریع.
12. الصنف السادس الآیات الحاثّة على اتّباع الرسول.
13. ماذا یراد من الشرک فی التشریع؟
14. سؤال واجابة.
15. الشیعة وفکرة حق التشریع للنبی ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ والأئمّة ـ علیهم السَّلام ـ .
_____________________________________ [الصفحة 601] _____________________________________
1. حاجة المجتمع إلى القانون.
2. شرائط المشرّع .
3. لا تتوفر هذه الشروط إلاّ فی اللّه.
إنّ اتساع الحیاة الاجتماعیة للبشر على وجه الأرض من جانب، وغیاب العیش الفردی فی الکهوف والغابات والبراری شیئاً فشیئاً من جانب آخر، یکشف عن أنّ الإنسان میّال بطبعه إلى النمط الاجتماعی من الحیاة، لیتمکن بالتعاون مع أبناء نوعه من التفوّق على المشکلات والمصاعب.
ومن جهة أُخرى لما کان الإنسان أنانیاً بطبعه مشدوداً إلى حب الذات وهو من الغرائز الأصیلة فیه، فهو یرید ـ بمقتضى هذه الغریزة ـ حصر کل ّشیء لنفسه، وإذا یخضع للقوانین والنظم فلأنّه یرى فی خضوعه للنظام ضماناً لمصالحه الشخصیه، ولأجل هذاإذا وجد فرصة للتمرّد علیه ولم یجده مخالفاً لمصالحه یتمرّد علیه بحرص وولع.
ولذلک اتفق العقلاء على لزوم وجود ما ینظم العلاقات البشریة، حتى یتسنّى تکوین مجتمع إنسانی صحیح یستطیع فی ظله جمیع البشر من استیفاء حقوقهم، ومعرفة واجباتهم وفی الحیاة الاجتماعیة لیقوموا بها دونما تجاوز أو عدوان، غیر أنّه یجب علینا أن نعرف من هو الذی یقوم بهذا الواجب الأساسی.
فنقول: بما أنّ المقنّن یرید أن یقود المجتمع البشری نحو الکمال المنشود،
_____________________________________ [الصفحة 602] _____________________________________
ویعیّن فی ضوء ذلک واجبات الأشخاص تجاه بعضهم وتجاه أنفسهم ویضمن حقوقهم، ویقیّض لهم سعادتهم المادیة والمعنویة، یجب أن یتوفر فیه أمران أساسیان:
1. أن یعرف الإنسان بعامّة خصوصیاته، ویکون واقفاً على أسرار الکائن البشری وعارفاً بأُموره الروحیة والجسمیة بنحو دقیق، کالطبیب الذی لا یمکن أن یقوم بواجبه إلاّ بعد أن یتعرف على أحوال المریض وأوضاعه معرفة جیدة دقیقة لیتسنّى له معالجة المریض بنحو صحیح.
وبعبارة أُخرى: أنّ المقنّن یجب أن یکون ملمّاً جیداً بعلم النفس الإنسانیة، وعلم الاجتماع محیطاً بهما، واقفاً على حقائقهما، لتوقف غرض التشریع على ذلک، وبالجملة یجب أن یکون واقفاً على الأحوال الفردیة والاجتماعیة.
2. یجب أن یکون منزّهاً عن الهوى وعن أی نوع من حب الذات والنفعیة، لأنّ حب الذات حجاب غلیظ یحول دون رؤیة المشرع للواقع، ویغطی على بصره وبصیرته.
لأنّ المرء مهما کان عادلاً ومنصفاً ربما یقع بصورة لا شعوریة فی شباک الهوى ویتأثر بغریزة حب الذات وینحرف تحت ضغط النفعیة عن صراط العدل المستقیم.
ویجب أن نرى الآن فیمن یتوفر هذان الشرطان بنحو کامل؟
لا ریب إذا کان یتعین على المقنن أن یکون ذا معرفة کاملة بالإنسان، فلا ریب أنّه لا یوجد هناک من یعرف حقیقة النفس الإنسانیة واحتیاجاتها بکاملها سوى اللّه خالق الإنسان .
ولقد أشار القرآن إلى هذه الحقیقة إذ قال:
_____________________________________ [الصفحة 603] _____________________________________
(أَلاَ یَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوْ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ).(1)
فاللّه الذی خلق جمیع ذرات هذا العالم ورکّب أجزاءه ولاءم بین مختلفاته، هو الذی یعلم ـ علماً تاماً ـ أسرار ما خلق، وهو الذی یعلم ما یصلح النفس الإنسانیة وما یفسدها، أحسن من غیره.
وهو بعلمه المطلق وإحاطته الواسعة أدرى من غیره بعلاقات الأفراد، وأبعادها وآثارها، ویعرف العناصر الصالحة لإقامة مجتمع صالح سعید، فهو أدرى من غیره بالقوانین التی تلیق بالمجتمع الإنسانی وتسعده، هذا بالنسبة إلى الشرط الأوّل.
***
وأمّا الشرط الثانی، أعنی: تجرّد المشرّع عن أیّ نوع من أنواع الهوى والنفعیة، فلابد من الاعتراف بأنّه لا أحد هناک یتصف بهذه الصفة غیره سبحانه ، فهو الموجود الوحید الذی لا نفع له فی المجتمع الإنسانی لیخشى علیه ویحرص على حفظه وصیانته عند سن القوانین.
فهو الذی تنزّه عن الغرائز، فی حین یتصف جمیع أبناء البشر بحب الذات ـ التی تعتبر من أخطر آفات التشریع الصحیح ـ فهم مشدودون إلیها رغم سعیهم للتخلّص من مخالبها، ومتأثرون بها مهما حاولوا عدم الخضوع لسلطانها.
وقد أشار جان جاک روسو إلى هذه الحقیقة بقوله:
لاکتشاف أفضل القوانین المفیدة للشعوب لابد من وجود عقل یرى جمیع الشهوات البشریة، ولکن لا یجد فی ذاته میلاً نحوها، عقل لا یرتبط بالطبیعة ولا
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 .الملک: 14.
_____________________________________ [الصفحة 604] _____________________________________
یخضع لضغوطها، ولکنه یعرفها تمام المعرفة، عقل لا ترتبط سعادته بنا، ولکنه مستعد لأن یعیننا فی سعادتنا.(1).
على هذا الأساس لا توجد فی الإسلام أیّة سلطة تشریعیة، لا فردیة ولا جماعیة، ولا یکون هناک مشرِّع إلاّ اللّه وحده.
وأمّا المجتهدون والفقهاء فهم فی الحقیقة لیسوا إلاّ متخصصین فی معرفة القانون، وظیفتهم الکشف عن الأحکام بعد الرجوع إلى مصادرها، وبالتالی تطبیق الأحکام الشرعیة على مصادیقها فی بعض المجالات.
فمن مراجعة الآیات القرآنیة یثبت أنّ حق التشریع خاص باللّه فقط، ولا یحق لأحد ـ فی النظام التوحیدی ـ أن یفرض رأیه على الآخرین فرداً کان أو مجتمعاً، وأن یدعوا الناس إلى الخضوع لها والأخذ بها.
فالناس جمیعاً ـ فی النظام التوحیدی ـ متساوون کأسنان المشط، کما قال الرسول الأعظم ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ الناس کأسنان المشط.(2).
فلا فضل لأحد على أحد، ولا امتیاز .
إنّ الإسلام کما لم یسمح لأحد بأن یختص بوضع القوانین دون سواه وحارب تلک الفکرة، کذلک حارب کل الطبقیات السائدة فی الأنظمة الطاغوتیة التی تضع بعض الطبقات فوق القوانین، فالجمیع سواسیة أمام القانون، کما عبّر عن ذلک الرسول الأعظم ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ إذ قال:
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . العقد الاجتماعی
2 . حدیث مشهور.
_____________________________________ [الصفحة 605] _____________________________________
الناس أمام الحق سواء.(1).
ففی الأنظمة الطاغوتیة نجد الأُمراء والحکام والملوک وحواشیهم ومن یدور فی فلکهم، یعفون أنفسهم من الضرائب والرسوم، وکأنّهم بحاجة إلى الشفقة والعطف والمعونة ـ رغم امتلاکهم لأضخم الثروات ـ فی حین یتحتم على أفراد الشعب حتى الضعفاء أن یتحملوا تلک الرسوم الثقیلة والضرائب الباهظة، لا على الحاجات المهمة فقط، بل حتى على الإبرة والخیط التی یستوردونها من الخارج لیکسوا عریهم، ویقوا أبدانهم برد الشتاء، وحر الصیف.
هذه هی خصائص النظم الطاغوتیة، وهی تماماً على العکس من النظام الإسلامی التوحیدی الذی لا یقرّ أیَّ امتیاز لأحد على آخر، أو لطبقة على أُخرى، ولا یعمل إلاّ بمیزان العدل والمساواة.
ومن الطبیعی أنّ هذه العدالة والمساواة فی النظام الإسلامی لیستا ناشئتین إلاّ من تنزّه المشرّع (أی اللّه)عن الهوى والنفعیة وحب الذات التی یخضع لها مشرّعو القوانین والنظم البشریة.
الآیات الدالّة على التوحید فی التقنین
إنّ الآیات التی تعتبر حق التقنین خاصّاً باللّه تعالى، والتی لا تأذن لأحد بأن یتعرّض لهذا المقام، کائناً من کان، تقع على أصناف، إلیک بیانها:
الصنّف الأوّل
تدل الآیتان التالیتان على أنّه لا یحق لأحد غیر اللّه أن یسن القوانین، معلّلة
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . حدیث مشهور .
_____________________________________ [الصفحة 606] _____________________________________
بأنّ مثل هذا الحق إنّما هو لمن یملک أزمّة الحیاة البشریة برمّتها، الذی هو نوع من السلطة علیهم، ولیس هو إلاّ اللّه تعالى دون سواه، قال سبحانه :
(مَا تَعبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْماءً سَمَّیتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآباؤُکُمْ مَا أَنْزَلَ اللّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَان إنِ الْحُکْمُ إلاَّ للّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِیَّاهُ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لاَ یَعْلَمُونَ).(1)
لقد وردت جملة (إِنِ الْحُکْمُ إِلاَّ للّهِ) فی آیتین من سورة یوسف، إحداهما الآیة السابقة، والأُخرى فی قوله تعالى:
(وَقَالَ یَا بَنِیَّ لاَ تَدْخُلُوا مِنْ بَاب وَاحِد وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَاب مُتَفَرِّقَة وَمَا أُغنِی عَنْکُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ شَیْء إنِ الْحُکْمُ إِلاَّ للّهِ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَعَلَیْهِ فَلْیَتَوَکَّلِ الْمُتَوَکِّلُونَ).(2)
غیر أنّ المقصود من حصر الحاکمیة باللّه سبحانه فی الآیة الأُولى هو الحاکمیة التشریعیة، کما أنّ المراد من حصرها به فی الآیة الثانیة هو الحاکمیة التکوینیة.
والدلیل على ذلک هو مضامین الآیتین، فالآیة الأُولى تهدف إلى أنّه لا یحق لأحد أن یأمر وینهى ویحرّم ویحل سوى اللّه سبحانه، ولأجل ذلک قال ـ بعد قوله ـ (إِنِ الْحُکْمُ إِلاَّ للّهِ): (أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِیَّاهُ)، فکأنّ أحداً یسأل عن أنّه إذا کان الحکم مختصاً به سبحانه والتشریع خاصّاً به، فماذا أمر اللّه فی مورد العبادة؟ فأجاب على الفور (أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِیَّاهُ) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . یوسف: 40.
2 . یوسف: 67.
_____________________________________ [الصفحة 607] _____________________________________
وأمّا الآیة الثانیة، فهی تهدف إلى أنّ یعقوب لا یملک لأبنائه أمراً ولا یضمن لهم فی صفحة الوجود شیئاً، فأُمور الکون کلّها بیده، ولابد من التوکّل علیه رغم معرفة أسباب الظفر بالمطلوب، ولأجل ذلک بعد ما عرفهم أسباب الظفر بقوله: (وَقَالَ یَا بَنِیَّ لاَ تَدْخُلُوا مِنْ بَاب وَاحِد وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَاب مُتَفَرِّقَة) عاد یذکّرهم بأنّه لا یضمن ـ مع ذلک ـ لهم شیئاً بقوله: (وَمَا أُغْنِی عَنْکُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ شَیْء إن الحُکْمُ إِلاَّ للّهِ) .
وأوضح دلیل على کون المراد من الحکم هو الحکم التکوینی أمره بإیکال الأُمور إلیه فی مجاری الحیاة بقوله: (عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَعَلَیْهِ فَلْیَتَوَکَّلِ الْمُتَوَکِّلُونَ) .
وعلى الجملة فالآیة الأُولى من الآیتین صریحة فی اختصاص التشریع باللّه سبحانه ، لا یتردد فی مضمونها من له إلمام بمعارف القرآن.
ویقرب من هذه الآیة قوله سبحانه : (إِنَّ رَبَّکُمُ اللّهُ الَّذِی خَلَقَ الْسَّمواتِ وَالأرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّام ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ یُغْشِی اللَّیْلَ النَّهَارَ یَطْلُبُهُ حَثِیثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ والنُّجُومَ مُسَخَّرَات بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَکَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِینَ).(1)
فإنّ المفسرین فسّروا الأمر هنا بالأمر التشریعی، قال الطبرسی: إنّما فصل بین الخلق والأمر، لأنّ فائدتهما مختلفة لأنّه یرید بالخلق أنّ له الاختراع، وبالأمر أنّ له أن یأمر فی خلقه بما أحبّ ویفعل بهم بما شاء(2)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الأعراف: 54.
2 . مجمع البیان: 4/428 وهذه الآیات کما دلت على حصر التشریع باللّه سبحانه کذلک تدلّ على حصر الحاکمیة باللّه سبحانه وسیوافیک بیان دلالة الآیة على حصر الحاکمیة باللّه سبحانه ولفظ الحکم والأمر فی الآیتین أعم من التشریع والحاکمیة.
_____________________________________ [الصفحة 608] _____________________________________
ویمکن أن یقال إنّ المراد منه هو الأعم من الأمر التکوینی والتشریعی بقرینة (وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَات بِأَمْرِهِ)فإنّ المراد من لفظة بأمره بقرینة التسخیر هو الأمر التکوینی، وعلى ذلک یمکن أن یراد من قوله: (لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ)الأعم من تدبیر العالم بالأوامر التکوینیة وتدبیر المجتمع بالأوامر التشریعیة.
الصنف الثانی
(یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ لا یَحْزُنْکَ الَّذِینَ یُسَارِعُونَ فِی الْکُفْرِ مِنَ الَّذِینَ قَالُوا آمَنّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤمِنْ قُلُوبهُمْ وَمِنَ الَّذِینَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلکَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوم آخَرِینَ لَمْ یَأْتُوکَ یُحَرِّفُونَ الکَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعهِ یَقُولُونَ إِنْ أُوتیتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤتوهُ فَاحْذَرُوا وَمن یرد اللّه فِتْنَته فَلَنْ تَمْلِکَ لَهُ مِنَ اللّه شَیْئاً أُولئِکَ الَّذِینَ لَم یَرِد اللّه أَنْ یطهر قُلوبهُمْ لَهُمْ فِی الدُّنیا خِزْیٌ وَلَهُمْ فِی الآخِرَة عَذابٌ عَظِیم).
(سَمّاعُونَ لِلکذب أَکّالُونَ للسُّحتِ فَإِنْ جاؤوکَ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ أَو أَعْرِض عَنْهُمْ وَإِنْ تعرض عَنْهُمْ فَلَنْ یَضُرُّوکَ شَیْئاً وَإِنْ حَکَمْتَ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ بِالقِسْطِ إِنَّ اللّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطین) .
(وَکَیْفَ یُحَکِّمُونَکَ وَعِنْدَهُمُ التَّوراةُ فِیها حُکْمُ اللّهِ ثُمَّ یَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِکَ وَما أُولئِکَ بِالْمُؤْمِنین) .
(إِنّا أَنْزَلْنا التَّوراةَ فِیها هُدىً وَنُورٌ یَحْکُم ُبِها النبِیُّونَ الّذِینَ أَسْلَمُوا لِلّذینَ هادُوا والرَّبّانیُّون والأَحبارُ بِما استُحْفِظُوا مِنْ کِتابِ اللّه وَکانُوا عَلَیْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوا النّاسَ وَاخْشَونِ وَلا تَشْتَرُوا بِ آیاتی ثَمَناً قَلیلاً وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِما أَنْزَل اللّهُ فَأُولئِکَ هُمُ الکافِرُون).
_____________________________________ [الصفحة 609] _____________________________________
(وَکَتَبْنا عَلَیْهِمْ فِیها أَنّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالعینَ بِالعینِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذنَ بِالأُذنِ وَالسنَّ بالسنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ کَفّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِما أَنْزَل اللّه ُفَأُولئِکَ هُمُ الظّالِمُون).
(وَ قَفَّیْنا عَلى آثارِهِمْ بِعَیسى ابن مَرْیَم مُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیْهِ مَنَ التَّوراةِ وَآتَیْناهُ الإِنْجِیلَ فیهِ هدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیْهِ مِنَ التَّوراةِ وَهُدىً وَمَوعِظَةً لِلْمُتَّقین).
(وَلْیَحْکُمْ أَهْلُ الانْجِیل بِما أَنْزل اللّهُ فِیهِ وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِما أَنْزَل اللّهُ فَأُولئِکَ هُمُ الفاسِقُونَ).(1)
(وَأَنْزَلْنَا إِلَیْکَ الْکِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَیْنَ یَدَیْهِ منَ الْکِتَابِ وَمُهَیْمِناً عَلَیْهِ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جَاءَکَ مِنَ الْحَقِّ لِکُلّ جَعَلْنَا مِنْکُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجَاً وَلَوْ شَاءَ اللّهُ لَجَعَلَکُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَکِن لِیَبْلُوَکُمْ فِی مَا آتَاکُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَیْرَاتِ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُکُمْ جَمِیعاً فَیُنَبِّئُکُمْ بِمَا کُنْتُمْ فِیْهِ تَخْتَلِفُون * وَأَنِ احْکُمْ بَیْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ یَفْتِنُوکَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللّهُ إِلَیْکَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا یُرِیدُ اللّهُ أَنْ یُصِیبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ کَثِیراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ *أَفَحُکْمَ الْجَاهِلِیَّةِ یَبْغُونَ وَمَنْ أحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُکْمَاً لِقَوْم یُوقِنُونَ).(2).
ولو تأمل القارئ الکریم فی مضامین هذه الآیات لتبیّن له بوضوح أنّ اللّه تعالى منذ أن بعث الرسل والأنبیاء لم یأذن لأحد فی أن یشرّع لنفسه ولا لغیره قانوناً لقصور علم البشر، وض آلة معلوماته، ولذلک أنزل فی کل عصر أفضل ما یناسبه
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . المائدة: 41 ـ 47.
2 . المائدة: 48 ـ 50.
_____________________________________ [الصفحة 610] _____________________________________
من الأحکام والقوانین.
فقوله: (یَحرِفُونَ الکَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعَه) إشارة إلى أنّهم یخالفون ما قرر اللّه لهم من الأحکام.
وقوله: (أَکّالُونَ لِلْسُّحْتِ) یُراد منه أنَّهم کانوا یحرمون حلال اللّه ویحلّون ما حرمه.
وأبلغ من کل ذلک قوله:
(وَعِنْدَهُمْ التَّوراة فِیهاحُکمُ اللّهِ) .
وقوله: (إِنّا أَنْزلْنا التَّوراة فِیها هُدى وَنُور یَحْکُم بِها النَّبِیُّون) .
وقوله: (وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِما أَنْزَل اللّه فَأُولئِکَ هُمُ الکافِرُون) .
وقوله: (وَکَتَبْنا عَلَیْهِمْ فِیها انَّ النَّفْسَ...) .
وقوله: (وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِما أَنْزَل اللّهُ فَأُولئِکَ هُمُ الظّالِمُون) .
وقوله: (وَلْیَحْکُمْ أَهْلُ الإِنجِیل بِما أَنْزَل اللّه فِیهِ) .
وقوله: (وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِما أَنْزَل اللّهُ فَأُولئِکَ هُمُ الفاسِقُون) .
فهذه المقاطع توضح لنا أنّ ممنوعیة التقنین على البشر لم تکن فی الإسلام فحسب، بل کانت فی کل الشرائع السماویة والماضیة، وإن حق التقنین حق منحصر باللّه فقط، فهو من شأنه وفعله تعالى خاصة، ولم یفوّض هذا الحق إلى أحد أبداً، ألیس هذا القرآن یصف کل من یستبدل النظام الإلهی بغیره، بالکفر تارة، وبالظلم أُخرى، وبالفسق ثالثة.
فهم کافرون، لأنّهم یخالفون التشریع الإلهی بالرد والإنکار والجحود .
وهم ظالمون، لأنّهم یسلمون حق التقنین الذی هو خاص باللّه إلى غیره.
_____________________________________ [الصفحة 611] _____________________________________
وهم فاسقون، لأنّهم خرجوا بهذا الفعل عن طاعة اللّه.
ثم هل هناک عبارة أصرح فی انحصار حق التقنین فی اللّه وانتفائه عن غیره، من قوله تعالى:
أ. (ِ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ) .
ب. ( لِکُلّ جَعَلْنَا مِنْکُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجَاً ) .
وهذا المنهاج والشرعة هو نظام الحیاة لکل الأُمم، لکل أُمّة حسب استعدادها وحسب حاجتها.
وحیث لا یمکن للنظام الإلهی أن یکون ناقصاً وعاجزاً لیکمل عن طریق النظام البشری، لذلک لیست هناک حاجة مطلقاً إلى النظام البشری مع وجود النظام الإلهی والقانون الربّانی.
ج. ثم یعود القرآن مرة أُخرى یؤکد بقاطعیة، أنّ أی اتباع لغیر أحکام اللّه ما هو إلاّ اتباع للهوى، والهوس إذ یقول:
(وَأَنِ احْکُمْ بَیْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) .
د. وبالتالی یعتبر القرآن کلَّ حکم وتشریع لا ینبع عن الوحی (حکماً جاهلیاً) فیقول بصراحة متناهیة:
(أَفَحُکْمُ الْجَاهِلِیَّةِ یَبْغُونَ) .
إجابة عن سؤال
یمکن أن یقال إنّ الرجوع إلى غیر الحکم الإلهی إنّما لا یجوز إذا کان هناک حکم إلهی، أمّا إذا لم یکن هناک حکم للّه فی مورد من الموارد، فلم لا یجوز حینئذ
_____________________________________ [الصفحة 612] _____________________________________
لفرد أو لشورى أن یسن قانوناً، ویجعل حکماً لکیلا تقف حرکة الأُمّة، ولا یتعرقل تقدمها؟
إنّ السؤال إنّما یتوجّه إذا وجد مورد مثلما قاله، غیر أنّ کون المنهاج إلهیاً یوجب کونه فی غایة الکمال والجامعیة ولذلک لا مجال لتدخّل أیِّ أحد فی أمر التشریع وبعبارة أُخرى: انّ القرآن یقسم القوانین الحاکمة على البشر على قسمین:
إلهی وجاهلی، وبما أنّ کل ما کان من صنع الفکر البشری لم یکن إلهیاً، فهو بالطبع یکون حکماً جاهلیاً.
وقد أشار إلى هذه الحقیقة الهامة الإمام محمد بن علی الباقر ـ علیه السَّلام ـ ، إذ قال:
الحکم حکمان: حکم اللّه، وحکم أهل الجاهلیة، فمن أخطأ حکم اللّه حکم بحکم أهل الجاهلیة.(1)
***
إنّ القرآن الکریم یعتبر نفسه مبیّناً لکل ما یحتاج إلیه البشر فی تنظیم حیاته ومعیشته، إذ یقول:
(وَنَزَّلْنَا عَلَیْکَ الْکِتَابَ تِبْیَاناً لِکُلِّ شَیْء).(2)
وفی آیة أُخرى یجعل بیانه وتوضیح مقاصده على عاتق الوحی،قال سبحانه :(فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبْعْ قُرْآنَهُ* ثُمَّ إِنَّ عَلَیْنَا بَیَانَهُ).(3)
وفی آیة أُخرى یعتبر القرآن ، النبی الأکرم مبیّناً له، لا مقتصراً على القراءة،
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . وسائل الشیعة: 18/18، کتاب القضاء.
2 . النحل: 89.
3 . القیامة: 18 ـ 19.
_____________________________________ [الصفحة 613] _____________________________________
کما یقول:
(وَأَنْزَلْنَا إِلَیْکَ الذِّکْرَ لِتُبَیِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَیْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ یَتَفَکَّرُونَ)(1)
إنّ للنبی ـ بحکم هذه الآیة والآیات الأُخر ـ وظیفتین:
الأُولى: تلاوة القرآن وقراءته على الناس حسبما نزل به الروح الأمین على قلبه، قال سبحانه :
(وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُکْث)(2)،
وقوله سبحانه : (لا تُحَرِّکْ بِهِ لِسَانَکَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَیْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَیْنَا بَیَانَهُ).(3)
الثانیة: بیان أهدافه ومقاصده، ویشیر إلیه قوله تعالى: (لتُبَیِّنَ لِلنَّاسِ)، ولا منافاة بین أن یکون بیان القرآن على عاتق الوحی، کمایفیده قوله:(ثُمَّ إنَّ عَلَیْنَا بَیَانَهُ)وبین أن یکون بیانه من وظیفة النبی،لأنّ ما یبینّه الرسول مستند إلى الوحی والتعلیم الإلهی.
کما أنّه لا منافاة بین أن یکون النبی مبیّناً لمقاصد القرآن، وأن تکون طائفة من الآیات معلومة عند أهل اللسان، مع قطع النظر عن بیان النبی ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ ، کیف لا، و القرآن نزل بلسان عربی مبین، قال سبحانه :
(وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِیٌّ مُبِینٌ)(4)، وقال سبحانه :(نَزَلَ بِهِ الرْوحُ الأمِینُ*عَلَى قَلْبِکَ لِتَکُونَ مِنَ الْمُنْذِرِینَ*بِلِسَان عَرَبِّی مُبِین)(5)، وقال سبحانه : (وَلَقَدْ یَسَّرْنَا الْقُرآنَ لِلذِّکْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّکِر).(6)
نعم لا منافاة بینهما لأنّ القرآن مشتمل بالضرورة على المجملات فی کثیر من
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . النحل: 44.
2 . الإسراء: 106.
3 . القیامة: 16 ـ 19.
4 . النحل: 103.
5 . الشعراء: 193 ـ 195.
6 . القمر: 17.
_____________________________________ [الصفحة 614] _____________________________________
آیات الأحکام، فما هو المبین راجع إلى غیر هذه المجملات کالصلاة والصوم وغیرهما ممّا بیّنها الرسول بأعماله وأقواله، وقال: صلّوا کما رأیتمونی أُصلّی ـ مثلاً ـ کما أنّه لا منافاة بین أن یکون بعد من أبعاد آیة واحدة واضحاً جلیّاً فی حین یکون البعد الآخر منه خفیّاً محتاجاً إلى بیان الرسول وخلفائه ـ صلوات اللّه علیهم ـ .
وبذلک یظهر أنّه لا منافاة بین هذه الطوائف من الآیات التی نقلنا نماذج منها.
إذا وقفت على ذلک تعرف أنّ ما ورد عن النبی الأعظم ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ حجّة ملزمة واجبة الاتّباع بحکم کونه مبیّناً للقرآن، لأنّه یرجع إلى بیان الأحکام التی وردت أُصولها وکلیّاتها فی القرآن کالآیات المرتبطة بالعبادات والمعاملات والسیاسات.
یبقى أن نعرف أنّ أقوال الأئمّة المعصومین مأخوذة ـ بحکم حدیث الثقلین(1) وحدیث سفینة نوح(2) ـ من النبی
ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ ومنتهیة إلیه.
وبملاحظة هذه الأُمور کلّها یتضح موضع القرآن وأقوال الرسول وأهل بیته المعصومین، ویتجلّى لنا موقعهم فی النظام الإسلامی.
هذا مضافاً إلى أنّ ما یدل على حجیة قول النبی ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ لا ینحصر فی ما ذکرنا، بل هناک آیات أُخرى تشهد بحجیة قول النبی وفعله، کقوله تعالى:
(وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْیٌ یُوحَى).(3)
(وَمَا آتَاکُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).(4)
وغیرها من الآیات التی تدارسها المحققون فی مبحث العصمة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . حدیث الثقلین هو: إنّی تارک فیکم الثقلین کتاب اللّه وعترتی وهو مشهور .
2 . حدیث السفینة هو: مثل أهل بیتی کسفینة نوح من رکبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهو مشهور أیضاً.
3 . النجم: 3 و 4.
4 . الحشر: 7.
_____________________________________ [الصفحة 615] _____________________________________
الصنف الثالث
إنّ الآیات فی هذا الصنف تدل ـ بجلاء تام ـ على أنّ الأنبیاء عامة ورسول الإسلام خاصة بعثوا مع نظام إلهی.
وإلیک فیما یلی الآیات المرتبطة بهذا الصنف:
(إِنَّ هَذَا الْقُرآنَ یَهْدِی لِلَّتِی هِیَ أَقْوَمُ وَیُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِینَ الَّذِینَ یَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً کَبِیراً).(1)
إنّ المقصود بـ (لِلَّتِی هِیَ أَقْوَمُ) هو شریعة الإسلام التی ذکرت فی آیة أُخرى بلفظة الشریعة، إذ قال اللّه سبحانه :
(ثُمَّ جَعَلْنَاکَ عَلَى شَرِیعَة مِنَ الأمْرِ فاتَّبِعْها).(2)
کما أنّ لفظة أقوم التی هی صیغة التفضیل من القائم کنایة عن صحة أحکام القرآن واستقامتها قاطبة، بحیث تنطبق مع الطبیعة، وتکون معها على وفاق کامل.
إنّ أحکام الإسلام توفر للإنسان السعادة والحیاة الکریمة، وتسوقه إلى الکمال فی حین لا یصدق مثل هذا بالنسبة إلى النظم البشریة.
فهی رغم کونها مفیدة للبشر من بعض النواحی، إلاّ أنّها مضرة به وبحیاته من جهات أُخرى هامة، وعدیدة.
وتؤکد هذه الحقیقة آیات أُخرى مثل قوله تعالى:
(قُلْ إِنَّنِی هَدَانِی رَبِّی إِلَى صِرَاط مُسْتَقِیم دِیناً قِیَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِیمَ حَنِیفاً).(3)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الإسراء: 9.
2 . الجاثیة: 18.
3 . الأنعام: 161.
_____________________________________ [الصفحة 616] _____________________________________
فی هذه الآیة ذکر الإسلام أُصولاً وفروعاً بقوله:
1. دیناً قیماً.
2. ملّة إبراهیم.
وفی آیة أُخرى عبّر عن أحکام الإسلام بلفظة الشریعة، إذ یقول:
(ثُمَّ جَعَلْنَاکَ عَلَى شَرِیعَة مِنَ الأمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ).(1)
فی هذه الآیة یتراءى للقارئ أمران:
1. أنّ النبی الأکرم أُرسل مع شریعة لتربیة الناس وهدایتهم، وإیصالهم إلى ذرى الکمال.
وحیث إنّ الشریعة تعنی الطریقة، فلابد للطریقة، من هدف یقصد، ومقصود یراد، وغایة تطلب، وما ذاک إلاّ الکمال الإنسانی المنشود، اللائق بالإنسان أکرم المخلوقات.
2. أنّ اتّباع الأحکام غیر الإلهیة وغیر المستمدة من الوحی الإلهی ـ مهما کانت الأدمغة التی صنعتها ـ لیس إلاّ اتباع للهوى .
ومن ذلک یتضح لنا موضوع (التوحید فی التقنین والتشریع) فإنّ حق التقنین مختص باللّه سبحانه ومسلوب من المجتمع البشری، وعلى ذلک فلو أشرکنا فی هذا الحق أحداً غیر اللّه لعدلنا عن جادة التوحید.
ثم إنّ الآیة التالیة تؤکد مضمون هذا الصنّف وتؤیده، إذ تقول:
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الجاثیة: 18.
_____________________________________ [الصفحة 617] _____________________________________
(لِکُلِّ أُمَّة جَعَلْنَا مَنْسَکاً هُمْ نَاسِکُوهُ فَلاَ یُنَازِعنَّکَ فِی الأمْرِ وَ ادْعُ إلَى رَبِّکَ إِنَّکَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِیم) .(1)
والمنسک الوارد فی الآیة لیس إلاّ الشریعة الإلهیة التی أنزلها اللّه تعالى على کل أُمّة حسب احتیاجاتها وظروفها، ثم کان یحدث فیها التغییر مع مرور الزمن وتقدّم الأُمم وتوسع نطاق حاجاتها وتکاملها، حتى أکملها اللّه وأتّمها فی نهایة المطاف، وإن کان کل شریعة منها کاملة بالنسبة إلى الظروف والأُمم التی أُرسلت إلیها.
ما هی معانی: الدین، الشریعة، الملّة؟
حیث وردت فی الآیة 161 من سورة الأنعام لفظة الدین والملّة ـ کما لاحظناه ـ یجدر بنا أن نوضح الفرق بین هاتین اللفظتین ولفظة الشریعة.
إنّ الدین حسب اصطلاح القرآن هو الطریقة الإلهیة العامّة التی تشمل کل أبناء البشر فی کل زمان ومکان ولا تقبل أیَّ تغییر وتحویل مع مرور الزمن وتطور الأجیال، ویجب على کل أبناء البشر اتباعها، وهی تعرض على البشریة فی کل أدوار التاریخ بنحو واحد دونما تناقض وتباین.
ولأجل ذلک نجد القرآن لا یستعمل لفظة الدین بصیغة الجمع مطلقاً، فلا یقول: الأدیان وإنّما یذکره بصیغة المفرد، کما یقول:
(إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللّهِ الإسْلاَمُ) .(2)
(وَمَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الإِسْلاَمِ دِیناً فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِی الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِینَ).(3)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الحج: 67.
2 . آل عمران: 19.
3 . آل عمران: 85.
_____________________________________ [الصفحة 618] _____________________________________
فی حین أنّ الشریعة تعنی مجموعة التعالیم الأخلاقیة والاجتماعیة التی یمکن أن ینالها التغییر مع مرور الزمن وتطور المجتمعات وتکامل الأُمم، ولذلک لا یضیر استعمال هذه اللفظة فی صورة الجمع فیقال شرائع وقد صرح القرآن بتعدّد الشریعة.
فهو رغم تصریحه بوحدة الدین ـ کما مر فی الآیة السابقة ـ یخبر عن وجود شریعة لکل أُمّة ویکشف بذلک عن تعدد الشریعة، إذ یقول:
(لِکُلّ جَعَلْنَا مِنْکُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجَاً).(1)
وعلى هذا فإنّ البشریة دُعیت فی الحقیقة إلى دین واحد وهو الإسلام الذی کان متحد الأُصول فی کل الأدوار والأزمنة، وکانت الشرائع فی کل زمن وظرف طریقاً للوصول إلى الدین الواحد ولم تکن الشرائع إلاّ طرقاً للأُمم والأقوام، لکل قوم حسب مقتضیات عصره ومدى احتیاجه.
وأمّا الملّة، فهی بمعنى السنن التی بها تتقوّم الحیاة البشریة وتستقیم، تلک السنن التی أودع فی مفهومها الأخذ والاقتباس من الغیر .
ولذلک یضیف القرآن الکریم هذه العبارة ـ لدى استعمالها ـ إلى الرسول والأقوام، إذ یقول ـ مثلاً ـ :
(بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِیمَ حَنِیفاً).(2)
(إِنّی تَرَکْتُ مِلّة قَوْم لا یُؤْمِنُونَ بِاللّهِ).(3)
وعلى هذا تکون الملّة والشریعة متحدتین معنى ومفاداً، مع فارق واحد، هو
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . المائدة: 48.
2 . البقرة: 135.
3 . یوسف: 37.
_____________________________________ [الصفحة 619] _____________________________________
أنّ الملّة تضاف إلى غیر اللّه، فیقال ملّة محمد و ملّة إبراهیم، ولا تضاف إلى اللّه تعالى فلا یقال ملّة اللّه.
الصنف الرابع
فی هذا الصنف نجد الآیات تحذر من التحاکم إلى الطغاة والأخذ بقوانینهم، کما یقول:
(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِی الأمْرِ مِنْکُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِی شَیْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ کُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْیَومِ الآخِرِ ذَلِکَ خَیْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْویلاً * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِینَ یَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَیْکَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِکَ یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحَاکَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ یَکْفُرُوا بِهِ وَیُریدُ الْشَّیْطَانُ أَنْ یُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعْیداً).(1)
بل انّ القرآن یحذر المجتمع الإسلامی أساساً من أیِّ رکون إلى النظم الطاغوتیة والابتعاد عن سنن اللّه وشرائعه، إذ یقول:
(لا إِکْرَاهَ فِی الدِّینِ قَدْ تَبَیَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِّ فَمَنْ یَکْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَیُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَکَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لهَا وَاللّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ * اللّهُ وَلِیُّ الَّذِینَ آمَنُوا یُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلى الْنُّورِ وَالَّذِینَ کَفَرُوا أَوْلِیَاؤُهُمْ الْطَّاغُوتُ یُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِکَ أصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ).(2)
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِینَ أُوتُوا نَصِیباً مِنَ الْکِتَابِ یُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . النساء: 59 ـ 60.
2 . البقرة: 256 ـ 257.
_____________________________________ [الصفحة 620] _____________________________________
وَیَقُولُونَ لِلَّذِینَ کَفَرُوا هؤُلاَء أَهْدَى مِنَ الَّذِینَ آمَنُوا سَبِیلاً * أُولَئِکَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَنْ یَلْعَنِ اللّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِیراً).(1).
(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِی کُلِّ أُمَّة رَسُولاً أَنْ اعْبُدُوا اللّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ).(2).
(وَالَّذِینَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ یَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى).(3).
أجل انّ القرآن ـ کما رأیت ـ یحذر من الرکون إلى الطاغوت والمیل إلیه، فضلاً عن طاعته وتسلیم المقدّرات إلیه.
إنّ هذه الحقیقة تتجلّى من ملاحظة الآیتین الأُولیین، المذکورتین فی مطلع هذا الصنف، فالآیة الأُولى تأمر باتّباع اللّه ورسوله وأُولی الأمر فی المجتمع الإسلامی، وأنّه إذا حدث حادث یجب ردّه إلى اللّه والرسول لا إلى غیرهم، ثم یندد بالذین یتحاکمون إلى الطاغوت رغم ادّعائهم الإیمان بالکتب السماویة.
ویا للأسف هل سلک مجتمعنا الإسلامی ـ فی القرن الأخیر ـ غیر هذا الطریق الوبی؟ وهل اتبع غیر الأنظمة البشریة، وحل مشکلاته ومنازعاته إلاّ وفق القوانین الطاغوتیة التی ما أنزل اللّه بها من سلطان؟
ویمکن أن یسأل: أنّ القوانین الإسلامیة بین ثابت وأبدی لا یقبل التغییر مع تطوّر الظروف وبین متغیر ومتطوّر، فما هو موقف السلطة التشریعیة تجاه القسم الثانی؟
أمّا الجواب: فنقول: إنّ التغیّر والتطوّر لیس فی جوهر القانون وصلبه، وإنّما هو فی شکله وصورته، والذی یجب صیانته وحفظه إنّما هو جوهره وصلبه، لا عنوانه وصورته،
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . النساء: 51 ـ 52.
2 . النحل: 36.
3 . الزمر: 17.
_____________________________________ [الصفحة 621] _____________________________________
فبالنسبة لروابط الحکومة الإسلامیة وعلاقتها مع الأجانب ـ مثلاًـ لا یمکن اتخاذ نظر واحد غیر متغییّر.
فقد توجب بعض الظروف أن تتعامل الحکومة الإسلامیة مع الأجانب وتوسّع الروابط السیاسیة والثقافیة والتجاریة معها، وربما أوجبت ظروف أُخرى أن تقطع هذه العلاقات أو تحرمها إلى أمد، أو تحددها على الأقل، غیر أنّ هذا التغییر والتبدّل إنّما هو فی شکل هذا القانون الحاکم على العلاقات وفی کیفیة التطبیق والتنفیذ لا فی أصل القانون وحقیقته، لأنّ على الحاکم الإسلامی أن یصون مصالح الأُمّة الإسلامیة، ویحفظ مکانتها العالیة، ولا یسمح لأن تقع تحت سیطرة الکفار والمستعمرین، وهذا القانون هو ما یصرح به القرآن، إذ یقول:
(وَلَنْ یَجْعَلَ اللّهُ لِلْکَافِرینَ عَلَى الْمُؤْمِنینَ سَبِیلاً).(1).
وتدل الآیات والأحادیث الأُخرى على أنّ هذا القانون لا یقبل التغیّر والتبدّل أبداً، غایة ما فی الأمر أنّ صیانة الکیان الإسلامی قد تکون فی قطع الروابط وقد تکون فی إقامتها مع الآخرین.
وأنت إذا لاحظت الآیتین التالیتین تقف على أنّ أساس السیاسة الإسلامیة مع الدول الأُخرى مذکور فیهما بوضوح قال سبحانه :
(لا یَنْهَاکُمْ اللّهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقَاتِلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَلَمْ یُخْرِجُوکُمْ مِنْ دِیَارِکُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَیْهِمْ إِنَّ اللّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ * إِنَّما یَنْهَاکُمُ اللّهُ عَنِ الذَّینَ قَاتَلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَأَخْرَجُوکُمْ مِنْ دِیَارِکُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِکُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ یَتَولَّهُمْ فَأُولَئِکَ هُمْ الظَّالِمُونَ).(2).
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . النساء: 141.
2 . الممتحنة: 8 ـ 9.
_____________________________________ [الصفحة 622] _____________________________________
وحاصل الآیتین: أنّ اللّه سبحانه ینهى عن إیجاد العلاقات الدبلوماسیة مع الأُمم المحاربة للإسلام والمسلمین الذین أخرجوهم عن أوطانهم وظاهروا على عدوانهم.
وأمّا الأُمم المسالمة مع الحکومة الإسلامیة فلا ضیر فی إقامة العلاقات معها وبذل البر والقسط إلیهم.
قل لی بربک، هل یمکن أن نعتبر عمل حکومة مصر لا شعبها عملاً إسلامیاً منطبقاً مع الموازین الإسلامیة التی جاء بها القرآن؟
أوما أخرجت إسرائیل الأُمّة الإسلامیة من وطنها السلیب فلسطین؟!
أوما ظاهرت على إخراجهم، وانتزعت منهم حقوقهم المشروعة و شرّدتهم شرّ تشرید، وفرّقتهم شر تفریق؟!
***
وهکذا الأمر فی مسألة تقویة بنیة الدفاع الإسلامی فإنّ هناک أصلاً کلیّاً بیّنه القرآن على هذا الصعید، إذ قال:
(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة).(1)
فهذا القانون الذی یقرر ضرورة التفوق العسکری الإسلامی على جمیع الجیوش العالمیة قانون لا یتبدل ولا یقبل التغییر، غایة ما فی الباب أنّ طریقة تطبیقه هی التی تقبل التغییر حسب الأدوار المختلفة.
ففی ما مضى کان الجیش الإسلامی یتسلّح بالرماح والسهام والسیوف ویتخذ من هذه الأسلحة ما کان یضمن له التفوق والغلبة، غیر أنّ تطبیق هذا
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الأنفال: 60.
_____________________________________ [الصفحة 623] _____________________________________
القانون فی هذا العصر یقتضی تسلیح الجیش الإسلامی بأحدث الأسلحة وأکثرها تطوراً، وقوّة وتفوقاً، فی کل المجالات البریة والجویة والبحریة.
وخلاصة القول: إنّ زمام التشریع الإلهی لیس فی أیدی الناس حتى هذا القسم من القوانین الأساسیة التی ینبغی أن تسایر تطور الحیاة البشریة، فهی ثابتة روحاً وجوهراً، متغیرة تطبیقاً وشکلاً حسب ما تقتضی الظروف المتجددة.
ومع الإمعان فی هذین المثالین والموردین یتضح حکم الموارد الأُخرى من القوانین المتغیرة:
الصنف الخامس
وهی الآیات التی تذم الیهود والنصارى لاتّخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون اللّه، کقوله تعالى:
(اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللّهِ وَالْمَسِیحَ بْنَ مَرْیَمَ).(1)
کیف کانوا یتخذون رهبانهم وأحبارهم أرباباً، هل کانوا یعبدونهم؟ کلا، بل کانوا یعطونهم حق التشریع الذی هو من الشؤون الإلهیة، فإذا أحل الرهبان والأحبار لهم شیئاً أو حرّموا اتّبعوهم فی ذلک.
أخرج الکلینی، عن الإمام الصادق ـ علیه السَّلام ـ فی تفسیر قول اللّه جل وعزّ(اتَّخذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللّهِ).(2):
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . التوبة: 31.
2 . التوبة: 31.
_____________________________________ [الصفحة 624] _____________________________________
واللّه ما صاموا لهم، ولا صلّوا لهم، ولکن أحلّوا لهم حراماً وحرّموا علیهم حلالاً فاتّبعوهم .(1)
وروى الثعلبی باسناده عن عدی بن حاتم قال: أتیت رسول اللّه وفی عنقی صلیب من ذهب، فقال لی: یا عدی اطرح هذا الربق من عنقک قال: فطرحته، ثم انتهیت إلیه وهو یقرأ هذه الآیة:(اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً) حتى فرغ منها ،
فقلت: إنّا لسنا نعبدهم، فقال: ألیس یحرّمون ما أحله اللّه فتحرمونه، ویحلّون ما حرّم اللّه فتستحلّونه؟ قال: فقلت: بلى، قال: فتلک عبادة .(2)
وفی حدیث آخر:
أمّا واللّه ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم ما أجابوهم، ولکن أحلّوا لهم حراماً وحرّموا علیهم حلالاً فعبدوهم من حیث لا یشعرون.(3)
الصنف السادس
تحثّ آیات هذا الصنف على أن لا یتقدّم المؤمنون على اللّه ورسوله واتّباعه على ما یأمر وینهى، إذ یقول:
(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیِ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ).(4)
وقد ورد فی المأثور أنّه ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ أمر بالإفطار فی السفر غیر أنّ بعضهم تمرّدوا علیه فسماهم رسول اللّه عصاة .(5)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . أُصول الکافی: 1/53 وقد روى العلاّمة البحرانی فی تفسیره البرهان أحادیث جمة بهذا المضمون فراجع: 2/120.
2 . أُصول الکافی: 1/53 وقد روى العلاّمة البحرانی فی تفسیره البرهان أحادیث جمة بهذا المضمون فراجع: 2/120.
3 . البرهان: 2/121.
4 . الحجرات: 1.
5 . وسائل الشیعة: 4/125 باب وجوب الإفطار فی السفر .
_____________________________________ [الصفحة 625] _____________________________________
ولأجل هذا یستنکر القرآن الکریم بشدة ـ فی هذه السورة اتباع طلب النبی ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ ـ لآراء الناس ومشتهیاتهم فیقول:
(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِیکُمْ رَسُولَ اللّهِ لَوْ یُطِیعُکُمْ فِی کَثِیر مِنَ الأمْرِ لََعَنِتُّم)(1).
أی لأصابکم بسبب ذلک العنت والنصب.
وهنا یمکن أن ندرک عمق ما قاله الإمام أمیر المؤمنین علی ـ علیه السَّلام ـ ، إذ قال:
لأنسبنّ الإسلام نسبة لم ینسبها أحد من قبلی، ألا وإنّ الإسلام هو التسلیم، والتسلیم هو الیقین، والیقین هو التصدیق، والتصدیق هو الإقرار، والإقرار هو الأداء ، والأداء هو العمل .(2)
ماذا یراد من الشرک فی التشریع؟
إذا وقفت على مضامین هذه الآیات وعرفت أنّ اللّه تعالى لم یعط زمام التشریع لأحد من عباده، تقف على أنّ العدول عنه عدول عن جادة التوحید وتورط فی الشرک .
إنّ التقنین والتشریع من الأفعال الإلهیة التی یقوم سبحانه بها حسب، فلو أنّ أحداً اعتقد بأنّ غیر اللّه یملک هذا الحق إلى جانب اللّه وإنّ الحبر الیهودی أو الراهب النصرانی مثلاً أو من یشاکلهما له الحق فی أن یسن للناس القوانین، ویعین من لدن نفسه لهم الحلال والحرام، فإنّه اتخذ سوى اللّه ربّاً ، وبذلک نسب فعل اللّه إلى غیره، وتجاوز حد التوحید بتعمیم هذا الحق على غیره سبحانه ، وکان بذلک مشرکاً.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الحجرات: 7.
2 . نهج البلاغة الکلمات القصار: الرقم 120.
_____________________________________ [الصفحة 626] _____________________________________
فلو اعتقد أحد بأنّ لغیره سبحانه حق التقنین وأنّ بیده زمام التحلیل والتحریم ومصیر العباد فی حیاتهم الاجتماعیة والفردیة فقد اتخذه ربّاً أی مالکاً لما یرجع إلى عاجل العباد وآجلهم، فلو خضع مع هذا الاعتقاد أمامه صار خضوعه عبادة، وعمله شرکاً.
ولأجل هذا نجد القرآن یقول: إنّ الیهود والنصارى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً، إذ معنى الربوبیة فی هذا المورد هو امتلاک الأمر وامتلاک زمام الاختیار فی التحلیل والتحریم، فی حین أنّ اللّه سبحانه لم یعط لأحد مثل هذا الاختیار .
سؤال وإجابة
إذا ثبت أنّ زمام التشریع بیده سبحانه دون سواه فکیف یفسر ما ورد فی الأحادیث من :
1. انّ اللّه فرض الصلاة رکعتین رکعتین، لیکون المجموع عشر رکعات، فأضاف رسول اللّه ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ إلى الرکعتین رکعتین، وإلى المغرب رکعة.
2. انّ اللّه فرض فی السنة صوم شهر رمضان وسنَّ رسول اللّه ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ صوم شعبان وثلاثة أیام من کلِّ شهر .
3. انّ اللّه حرم الخمر بعینها وحرم رسول اللّهصلَّى اللّه علیه و آله و سلَّم المسکر من کل شراب.
4. انّ اللّه فرض الفرائض فی الإرث ولم یقسم للجد شیئاً، ولکن رسولاللّهصلَّى اللّه علیه و آله و سلَّم أطعمه السدس.(1)؟
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . أُصول الکافی: 1/ 266، الحدیث 4.
_____________________________________ [الصفحة 627] _____________________________________
یمکن أن یقال: انّ اللّه سبحانه أدّب رسوله فأحسن تأدیبه وعلّمه مصالح الأحکام ومفاسدها وأوقفه على ملاکاتها ومناطاتها، ولما کانت الأحکام تابعة لمصالح ومفاسد کامنة فی متعلّقاتها، وکان النبی بتعلیم منه سبحانه واقفاً على المصالح والمفاسد على اختلاف درجاتها ومراتبها کان له أن ینص على أحکامه سبحانه من طریق الوقوف على عللها وملاکاتها، ولا یکون الاهتداء إلى أحکامه سبحانه من طریق التعرّف على عللها بأقصر من الطرق الأُخر التی یقف بها النبی على حلاله وحرامه، وإلى هذا یشیر الإمام أمیر المؤمنین ـ علیه السَّلام ـ بقوله:
عقلوا الدین عقل وعایة ورعایة لا عقل سماع وروایة، فإنّ رواة العلم کثیر ورعاته قلیل.(1)
غیر أنّ اهتداءه ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ إلى الأحکام وتنصیصه بها من هذا الطریق قلیل جداً لا یتجاوز عما ذکرناه، وبذلک یعلم حال الأئمّة المعصومین ـ علیهم السَّلام ـ فی هذا المورد .
وقد یجاب عنه أنّ عمل الرسول لم یکن فی هاتیک الموارد سوى مجرّد طلب وقد نفذ اللّه طلبه، لا أنّه قام بنفسه بتشریع وتقنین، ویشیر إلى ذلک قوله: فأجاز اللّه عزّ وجل له ذلک .
ولو أنّ النبی کان یمتلک زمام التشریع وکان قد فوّض إلیه أمر التقنین ـ على نحو ما تفیده کلمة التفویض(2) ـ إذن لما احتاج إلى إذنه وإجازته المجدّدة، ولما کان للجملة المذکورة أی معنى.
***
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . نهج البلاغة: الخطبة 234 طبعة محمد عبده.
2 . أی أنّ اللّه فوض هذا الحق إلى رسول اللّه واعتزل هو لیفعل النبی ما یشاء .
_____________________________________ [الصفحة 628] _____________________________________
قد تبیّن من هذا البحث الضافی أنّه لا مکان للسلطة التشریعیة بمفهومها الشائع فی ظل النظام الإسلامی،
فلیس لأحد ولا لجماعة حق فی سن القانون،غیر أنّه یبقى هناک سؤال،وهو: ماذا یخلف هذه السلطة فی الحکومة الإسلامیة؟
نقول یخلفها جهازان:
1. فریق الإفتاء، وهم المجتهدون الذین یستنبطون الأحکام الشرعیة عن الأدلّة وهؤلاء الجماعة یستکشفون الأحکام ببرکة الأدلة ولیست لآرائهم وأفکارهم من دون الاستناد إلى إحدى الأدلة الشرعیة أیّة قیمة.
2. فریق الشورى، ووظیفته تخطیط شؤون البلاد فی الاقتصاد والسیاسة والعمران على ضوء القوانین الإسلامیة.
وأمّا تفصیل عمل هذین الفریقین فموکول إلى الجزء الثانی من کتابنا، الذی یتضمن البحث عن شؤون النبوة وقیادة النبی الأعظم ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ .
الشیعة وفکرة حق التشریع للأئمّة
نشر الکاتب إبراهیم السلیمان الجهمان مقالاً فی مجلة الدعوة تحت عنوان مزاعم طائفة الشیعة جاء فیه بأکاذیب وافتراءات على هذه الطائفة هم برآء منها، وممّا جاء فیه:أنّ الشیعة تزعم أنّ للأئمّة حق التشریع والنسخ(أی نسخ الأحکام).
إن هذا إلاّ افتراء وکذب ألصقه بهم هذا الکاتب غیر المکترث بما یقول، ونحن نرشد ـ هنا ـ القارئ الکریم إلى عقیدة الشیعة فی حق أئمتهم بنقل ما تواتر عن إمامهم الخامس أبی جعفر الباقر ـ علیه السَّلام ـ حیث قال مخاطباً لجابر :
یا جابر أنّا لو کنا نحدثکم برأینا وهوانا لکنّا من الهالکین، ولکنّا نحدثکم
_____________________________________ [الصفحة 629] _____________________________________
بأحادیث نکنزها عن رسول اللّه کما یکنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم.
وفی روایة أُخرى: ولکنّا نفتیهم بآثار من رسول اللّه وأُصول علم عندنا نتوارثها کابراً عن کابر.
وفی روایة محمد بن شریح عن الصادق ـ علیه السَّلام ـ :
واللّه ما نقول بأهوائنا ولا نقول برأینا، ولا نقول إلاّ ما قال ربنا.
وفی روایة عنه ـ علیه السَّلام ـ :
مهما أجبتک فیه بشیء فهو عن رسول اللّه، لسنا نقول برأینا من شیء(1).
إلى غیر ذلک من الأحادیث المتضافرة عنهم وکلّها تفید أنّ علومهم وأحادیثهم مأخوذة عن نبیهم وجدهم الأطهر.
غیر أنّا لا نرید أن نؤاخذ بالمثل، ولا نرید أن نعکر الصفو، فإنّ ما نسبه إلى تلک الطائفة أولى بأن ینسب إلى غیرهم فإنّ منهم من یعد الصحابة ممن حق لهم التشریع!!
یقول مؤلّف السنّة قبل التدوین: انّه تطلق السنّة أحیاناً على ما عمل أصحاب رسول اللّه وإن لم یکن فی القرآن،
أو فی المأثور عنه، وقد کان یفرق بعض المحدثین فیرى الحدیث هو ما ینقل عن النبی والسنّة ما کان علیه العمل المأثور فی الصدر الأوّل، وعلى ذلک یحمل قول عبد الرحمن بن مهدی: لم أر أحداً قط أعلم بالسنة ولا بالحدیث الذی یدخل فی السنّة من حماد بن زید، وقوله: سفیان الثوری إمام فی الحدیث ولیس بإمام فی السنّة، والأوزاعی إمام فی السنّة ولیس بإمام فی الحدیث، ومالک إمام فیهما، ومن أبرز ما ثبت فی السنّة بهذا المعنى سنّة
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . راجع جامع أحادیث الشیعة، المقدمة: 1/17.
_____________________________________ [الصفحة 630] _____________________________________
الصحابة فی الخمر، وتضمین الصناع، ویحتج بذلک بقوله: علیکم بسنتی وسنة الخلفاء المهدیین الراشدین تمسّکوا بها وعضوا علیها بالنواجذ.
وبما قال علی بن أبی طالب بعد ما جلد الشارب أربعین جلدة: کف، جلد رسول اللّه أربعین، وأبو بکر أربعین وکملها عمر ثمانین، وکل سنّة.
وقال ابن قیم الجوزیة، فی توجیه الحدیث الأوّل: فقرن سنّة خلفائه بسنته، وأمر باتّباعها کما أمر باتّباع سنَّته، وهذا یتناول ما أفتوا به وسنّوه للأُمّة وإن لم یتقدّم من بینهم فیه شیء وإلاّ کان ذلک سنَّته.(1)
وهذه الروایات تدل على أنّ للصحابة سنة کسنّة النبی وآراءهم وفتاواهم حجة کحدیث رسول اللّه، فعندهم سنَّة أبی بکر، سنَّة عمر، وسنَّة علی.
وما أتفه ما رواه السیوطی فی تاریخ الخلفاء قال: قال حاجب بن خلیفة شهدت عمر بن عبد العزیز یخطب وهو خلیفة فقال فی خطبته: ألا إنّ ما سنّ رسول اللّه ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ وصاحباه، فهو دین نأخذ به وننتهی إلیه وما سنَّ سواهما فإنّا نرجئه.(2)
وفی محاورة ثعلبة بن أبی مالک القرضی مع عبد الملک بن مروان: ولیست سنّة أحب إلی من سنّة عمر وقد أخّر صلاته إلى مزدلفة .(3)
ومنهم من یجعل قول الصحابی حجة، من دون تسمیته سنّة، فقد نقل الشیخ أبو زهرة عن ابن القیم انّه استدل على حجیة آرائهم بنحو ستة وأربعین وجهاً.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . السنّة قبل التدوین : 18، راجع أعلام الموقعین: 4/140.
2 . تاریخ الخلفاء: 160.
3 . طبقات ابن سعد: 5/172.
_____________________________________ [الصفحة 631] _____________________________________
نعم خالف الشوکانی فی المقام وجاء بالحق حیث قال: والحق أنّ قول الصحابی لیس بحجة، فإنّ اللّه سبحانه وتعالى لم یبعث إلى هذه الأُمّة إلاّ نبینا محمداً ولیس لنا إلاّ رسول واحد، والصحابة ومن بعدهم مکلّفون على السواء باتّباع شرعه والکتاب والسنّة،فمن قال:إنّه تقوم الحجة من دین اللّه بغیرهما فقد قال فی دین اللّه بما لا یثبت،وأثبت شرعاًلم یأمراللّه به(1)
وما ذکره الشوکانی حق والحق أحق أن یتّبع وقال سبحانه:(وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُکُمُ الْکَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ).(2)
وقال سبحانه : (ءَاللّهُ أَذِنَ لَکُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ).(3)
إنّ حق التشریع من حقوقه سبحانه لم یعطه لأحد حسب مفاد هذه الآیات ولم یشرک فیه أحداً غیر أنّ بعض أهل السنّة قد جانب الحق وأثبته للأُمراء، وراء الصحابة یسمّونه صوافی الأُمراء .
فعن المسیب بن رافع قال: إذا کان الشیء من القضاء ولیس فی الکتاب ولا فی السنّة سمّی صوافی الأُمراء فجمع له أهل العلم فما اجتمع علیه رأیهم فهو الحق.(4)
وعن هشام بن عروة قال: ما سمعت أبی یقول فی شیء قط برأیه، قال: ربما سئل عن الشیء فیقول هذا من خالص السلطان.(5)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . راجع ص: 231 ـ 239 کتاب بحوث مع أهل السنّة والسلفیة.
2 . النحل: 116.
3 . یونس: 59.
4 . جامع بیان العلم : 2/174.
5 . جامع بیان العلم: 2/147.
_____________________________________ [الصفحة 632] _____________________________________
وبالاسناد عن أبی هرمز قال: أدرکت أهل المدینة ما فیها الکتاب والسنّة والأمر ینزل فینظر فیه السلطان.(1)
هذا وذاک بل وغیره من الکلمات تفید ـ بصراحة ـ أنّ الصحابة والأُمراء لهم حق التشریع والتقنین، وأنّ آراءهم ونظریاتهم تعدّ أحکاماً إلهیة ـ حسب منطق أهل السنّة ـ وعلى ذلک فرعوا حجیة القیاس والرأی للعلماء قائلین بأنّا أمرنا بطاعة أُولی الأمر بمقتضى قوله: (أَطِیْعُوا اللّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الأمْرِ مِنْکُمْ)، فیدخل فی هذه الاطاعة ما قالوه بقیاس أو رأی.(2)
ولقد أشبع الکلام فی المقام العلاّمة الحجّة السید مهدی الروحانی فی کتابه القیّم بحوث مع أهل السنّة والسلفیة فراجعه.
وقد عد الأُستاذ عبد الوهاب خلاف فی کتابه مصادر التشریع الإسلامی فی ما لا نص فیه، من الأدلة: إجماع أهل المدینة، وقول الصحابی، وإجماع أهل الکوفة، وإجماع الخلفاء الأربعة. فراجع ص 109 واقرأ ما فیه ثم أقض فی التهمة التی ألصقها الجهمان بالشیعة، وأنّ أی طائفة أحرى بهذه النسبة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . المصدر السابق.
2 . لا یخفى ما فی هذا الاستدلال من الوهن والضعف.
_____________________________________ [الصفحة 633] _____________________________________
الفصل الحادی عشر [633-645] 10 عقائد الوثنیین فی العصر الجاهلی [585-597]
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma