8 المعاییر الثلاثة المتوهمَّة للشِّرک [525-535]

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
مفاهیم القرآن
خاتمة المطاف [536-549] 7 هل التوسل بالأسباب شرک؟ [515-524]
1. هلالحیاة والموت حدّان للتوحید والشرک؟
لا شک أنّ التعاون، والتعاضد بین أبناء الإنسان أساس الحیاة، وما التاریخ الإنسانی إلاّ حصیلة الجهود البشریة التی نبعت من التعاون، وتقاسم المسؤولیات والاستفادة المتبادلة من الطاقات الإنسانیة.
والقرآن حافل بنماذج کثیرة من استمداد البشر بمثله، إذ یقول:
(فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِی مِنْ شِیعَتِهِ عَلَى الَّذِی مِنْ عَدُوِّهِ فَوَکَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَیْهِ).(1)
إذن فاستمداد الإنسان بالإنسان الآخر أمر واقع فی الحیاة البشریة وجائز عند جمیع الأُمم غیر أنّ للوهابیین تفصیلاً فی المقام یرونه هو الحد الطبیعی الفاصل بین التوحید والشرک.
فیقولون: إنّ التوسل بالأنبیاء والأولیاء جائز فی حال حیاتهم دون مماتهم
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . القصص: 15.
_____________________________________ [الصفحة 526] _____________________________________
ویقول: محمد بن عبد الوهاب فی هذا الصدد:
وهذا جائز فی الدنیا والآخرة أن تأتی رجلاً صالحاً تقول له: ادع اللّه لی کما کان أصحاب رسول اللّه ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ یسألونه فی حیاته، وأمّا بعد مماته فحاشا وکلا أن یکونوا سألوا ذلک، بل أنکر السلف على من قصد دعاء اللّه عند قبره فکیف بدعاء نفسه.(1)
إنّ للتوحید والشرک معاییر خاصة بها یمتاز أحدهما عن الآخر وإنّ الإسلام لم یترک تحدید تلک المعاییر إلینا، بل حدّد کل واحد بحد خاص.
وقد ألمعنا بها فیما سبق ولم یذکر فی تلک المعاییر أنّ الحیاة والموت حدّان للتوحید والشرک.
وستعرف أنّه لا مدخلیة لحیاة المستغاث منه ومماته فی تحدید الشرک أو التوحید مطلقاً، لأنّ الاستمداد والاستغاثة بالحی مع الاعتقاد باستقلاله فی القدرة والتأثیر، وأصالته فی إغاثة المستغیث یوجب الشرک، وکون الاستغاثة بالحی أمراً رائجاً بین العقلاء لا یوجب صحتها إذا کانت مقرونة مع الاعتقاد باستقلال المستغاث فی الإغاثة، لأنّ الدارج بین العقلاء هو: أصل الاستغاثة بالحی لا باعتباره مستقلاً فی العمل.
فلا تکون استغاثة شیعة موسى مطابقة للتوحید إلاّ فی صورة واحدة وهی: أن لا یعتقد معها باستقلال موسى فی التأثیر، بل یجعل قدرته، وتأثیره فی طول القدرة الإلهیة، ومستمدة منه تعالى.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . کشف الارتیاب: 271 نقلاً عن کشف الشبهات تألیف محمد بن عبد الوهاب، طبع مصر ص70.
_____________________________________ [الصفحة 527] _____________________________________
إنّ نفس هذه الحقیقة جاریة فی الاستمداد، والاستغاثة بـ الأرواح المقدسة العالمة الشاعرة حسب إخبار القرآن وتأیید العلوم الحدیثة، فإذا استغاث شیعة موسى ـ علیه السَّلام ـ به بعد خروج روحه عن بدنه بهذه العقیدة لم یکن عمله شرکاً، ولم یجعل موسى شریکاً للّه لا فی الذات ولا فی الصفات ولا فی الأفعال، ولا فی العبادة، ولم یعبد موسى بهذه الاستغاثة والطلب.
وأمّا لو استغاث به وهو یعتقد باستقلال روحه فی الإغاثة ویعتقد بأنّها قادرة على التأثیر دون القدرة الإلهیة، فإنّ هذا المستغیث یعد مشرکاً ویکون موسى ـ کما یقتضی اعتقاده ـ فی صف الآلهة.
ولو کانت حیاة المستغاث ومماته مؤثرة فی الأمر، فإنّما تکون مؤثرة فی جدوائیة الاستغاثة أوّلاً، لا فی تحدید التوحید والشرک، والبحث عن الجدوائیة وخلافها خارج عن موضوع بحثنا.
ومن العجب العجاب اعتبار التوسل والاستغاثة بالحی والاستشفاع به عین التوحید، وعد هذه الاستغاثة والاستشفاع ـ مع نفس الخصوصیات ـ بمیت شرکاً وفاعلها واجب الاستتابة مستحق القتل.
إنّ الوهابیین یسلمون انّ اللّه سبحانه أمر العصاة بأن یذهبوا إلى النبی ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ ویطلبوا منه أن یستغفر لهم أخذاً بظاهر الآیة(النساء ـ 64)، کما یسلمون أنّ أولاد یعقوب طلبوا من أبیهم أن یستغفر لهم(یوسف97 ـ 98) غیر أنّهم یقولون : إنّ هذین الموردین إنّما ینطبقان مع أُصول التوحید لأجل حیاة المستغاث، وأمّا إذا سئل ذلک فی مماته عدّ شرکاً.
غیر أنّ القارئ النابه جد علیم بأنّ حیاة الرسول ومماته لا یغیِّران ماهیة العمل، إذ لو کان التوسل شرکاً حقیقة للزم أن یکون کذلک فی الحالتین من دون
_____________________________________ [الصفحة 528] _____________________________________
فرق بین حالتی الحیاة والممات.
ولو اعترض على الاستغاثة بالمیت بأنّه عمل عبثی أوّلاً، وبدعة لم یرد فی الشرع ثانیاً فیقال فی جوابه:
أوّلاً: انّ هذا العمل إنّما یصطبغ بلون البدعة إذا أتى به المستغیث بعنوان کونه وارداً فی الشرع وأمّا لو أتى به من جانب نفسه من دون أن ینسبه إلى مقام فلا یعد بدعة وإحداثاً فی الدین، لأنّ البدعة هو إدخال ما لیس من الدین فی الدین، وهو فرع الإتیان بالعمل بما أنّه أمر دینی.
وثانیاً: أنّ البحث فی المقام إنّما هو عن تحدید التوحید والشرک ولا عن کون العمل مفیداً أو غیره أو بدعة وغیر بدعة، فکل ذلک خارج عن بحثنا، أضف إلى ذلک أنّه قد ثبت فی محله مشروعیة التوسّل بالأرواح المقدسة بالدلائل النقلیة الصریحة.(1)
وعلى کل حال لا یمکن اعتبار الاستغاثة بالمیت شرکاً، إذ هو لم یشرک بعمله باللّه أبداً لا فی الذات ولا فی الصفات ولا فی الفعل لیخرج بذلک عن توحید الربوبیة، ولا فی العبادة لیخرج عن التوحید فی العبادة.
إنّ المفتاح لحل هذه المشکلة هو ما ذکرناه فی تحدید معنى الشرک والتوحید وهو انّ الاعتقاد باستقلال الفاعل فی ذاته وفعله والتوجه به کذلک یعد شرکاً فی العبادة، کما أنّ الاعتقاد بعدم استقلاله فی ذاته وصفاته وأفعاله یعد اعترافاً بعبودیته ویعد التوجّه به تکریماً واحتراماً، ولو تناسینا هذه القاعدة لما وجد على أدیم الأرض موحد أبداً.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . راجع للوقوف على تلک الأدلة کشف الارتیاب : 301.
_____________________________________ [الصفحة 529] _____________________________________
وفیما لی نلفت نظر القارئ الکریم إلى کلام لتلمیذ ابن تیمیة فی هذا المجال، یقول ابن القیم:
ومن أنواع الشرک طلب الحوائج من الموتى، والاستعانة بهم، والتوجه إلیهم، وهذا أصل شرک العالم، فإنّ المیت قد انقطع عمله، وهو لا یملک لنفسه ضراً ولا نفعاً.(1)
وما ذکره من الدلیل لا یثبت مدّعاه لأنّ قوله: فإنّ المیت قد انقطع عمله دلیل على عدم فائدة الاستغاثة بالمیت، ولیس دلیلاً على کونها شرکاً، وهو لم یفرق بین الأمرین، والأغرب من ذلک قوله: وهو لا یملک لنفسه ضراً ولا نفعاً، إذ لا فرق فی ذلک بین الحی والمیت، فلا یملک أحد ضراً لنفسه ولا نفعاً بدون إذن اللّه وإرادته، سواء أکان حیاً أم میتاً، ومع الإذن الإلهی یملکون النفع والضر أحیاء کانوا أم أمواتاً.
ومن هذا اتضح ضعف ما أفاده ابن تیمیة، إذ قال:
کل من غلا فی نبی، أو رجل صالح وجعل فیه نوعاً من الإلهیة مثل أن یقول: یا سیدی فلان انصرنی أو أغثنی،... فکلّ هذا شرک وضلال، یستتاب صاحبه، فإن تاب، وإلاّ قتل.(2)
إذا کانت الاستغاثة بـ الأرواح المقدسة (الأموات حسب تعبیر الوهابیین) ملازمة لنوع من الاعتقاد بإلوهیة تلک الأرواح، إذن یلزم أن تکون الاستغاثة بأی شخص ـ أعم من الحی والمیت ـ ملازمة لمثل هذا الاعتقاد ،لأنّ حیاة المستغاث ومماته حد لجدوائیة الاستغاثةولا جدوائیتها لا أنّها حد التوحید، وللشرک فی حین
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . فتح المجید: 68 الطبعة السادسة.
2 . المصدر السابق: 167.
_____________________________________ [الصفحة 530] _____________________________________
انّ الاستغاثة بالحی یعد من أشد ضروریات الحیاة الاجتماعیة البشریة، ومما به قوامها.
وإلیک فیما یلی نبذة أُخرى من کلام ابن تیمیة فی هذا الصدد، فهو یقول:
والذین یدعون مع اللّه آلهة أُخرى مثل المسیح والملائکة والأصنام لم یکونوا یعتقدون أنّها تخلق الخلائق، أو تنزل المطر وإنّما کانوا یعبدونهم أو یعبدون قبورهم، أو یعبدون صورهم یقولون ما نعبدهم إلاّ لیقربونا إلى اللّه زلفى، أو هؤلاء شفعاؤنا.(1)
إنّ قیاس الاستغاثة بأولیاء اللّه بما کان یقوم به المسیحیون والوثنیون ابتعاد عن الموضوعیة، لأنّ المسیحیین کانوا یعتقدون فی حق المسیح بنوع من الإلوهیة، وکان الوثنیون یعتقدون بأنّ الأوثان تملک بنفسها مقام الشفاعة، بل کان بعضهم ـ على ما نقل ابن هشام ـ یعتقد بأنّها متصرفة فی الکون، ومرسلة الأمطار(2) ـ على الأقل ـ ، ولأجل هذا الاعتقاد کان طلبهم واستغاثتهم بالمسیح وبتلک الأوثان عبادة لها.
فعلى هذا إذا کانت الاستغاثة مقرونة بالاعتقاد بالوهیة المستغاث کانت شرکاً حتماً، وأمّا إذا کانت الاستغاثة ـ بالحی أو المیت ـ خالیة وعاریة عن هذا القید لم تکن شرکاً ولا عبادة بل استغاثة بعبد نعلم أنّه لا یقوم بشیء إلاّ بإذنه سبحانه .
نعم یجب فی موارد الاستغاثة بالموتى أن نبحث فی فائدة مثل هذه الاستغاثة وعدم فائدتها، لا فی کونها شرکاً وعبادة لغیر اللّه، والکلام إنّما هو فی الثانی دون الأوّل.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . المصدر السابق: 167.
2 . راجع قصة عمرو بن لحی المذکورة فی ص 382 من هذا الکتاب.
_____________________________________ [الصفحة 531] _____________________________________
تعظیم أولیاء اللّه وإحیاء ذکریاتهم؟
ینزعج الوهابیون ـ بشدة ـ من تعظیم أولیاء اللّه وتخلید ذکریاتهم، وإحیاء مناسبات موالیدهم أو وفیاتهم،
ویعتبرون اجتماع الناس فی المجالس المعقودة لهذا الشأن شرکاً وضلالاً، ففی هذا الصدد یکتب محمد حامد الفقی،
رئیس جماعة أنصار السنّة المحمدیة فی هوامشه على کتاب فتح المجید:
الذکریات التی ملأت البلاد باسم الأولیاء هی نوع من العبادة لهم وتعظیمهم.(1)
إنّّ هؤلاء لم یعینوا حدّاً للتوحید والشرک، وللعبادة على الأخص، ولذلک رموا کل عمل بالشرک حتى أنّهم تصوروا أنّ کل نوع من التعظیم عبادة و شرک.
ولأجل ذلک جعل الکاتب العبادة إلى جانب التعظیم وتصور أنّ للّفظتین معنى واحداً، ومما لاشک فیه أنّ القرآن یعظم فریقاً من الأنبیاء والأولیاء بعبارات صریحة کما یقول فی شأن زکریا ویحیى علیمها السَّلام :
(إِنَّهُمْ کَانُوا یُسَارِعُونَ فِی الْخَیْرَاتِ وَیَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَکَانُوا لَنَا خَاشِعِینَ).(2)
فلو أنّ أحداً أقام مجلساً عند قبر من عناهم اللّه وسماهم فی هذه الآیة، وقرأ فی ذلک المجلس هذه الآیة المادحة،
معظماً بذلک شأنهم، فهل اتبع غیر القرآن؟!
کما ویقول فی شأن أهل بیت النبی ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ :
(وَیُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْکِیناً وَیَتِیماً وَأَسِیراً).(3)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . فتح المجید : 154 ثم نقل عن کتاب قرة العیون ما یشابه هذا المضمون.
2 . الأنبیاء: 90.
3 . الدهر: 8.
_____________________________________ [الصفحة 532] _____________________________________
فهل ترى لو اجتمع جماعة فی یوم میلاد علی بن أبی طالب ـ وهو أحد الآل ـ وقالوا: إنّ علیاً کان یطعم الطعام للمسکین والیتیم والأسیر ، کانوا مشرکین؟
أو ترى لماذا یکون مشرکاً لو أنّ أحداً تلا الآیات المادحة لرسول الإسلام ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ
فی حفلة عامة فی یوم مولده الشریف کالآیات التالیة:
(وَإِنَّکَ لَعَلَى خُلُق عَظِیم).(1).
(إِنَّا أَرْسَلْنَاکَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِیراً * وَدَاعِیاً إِلى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِیراً)(2).
(لَقَدْ جَاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ عَزِیزٌ عَلَیْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِیصٌ عَلَیْکُمْ بِالْمُؤْمِنینَ رَؤُوفٌ رَحِیمٌ).(3).
(إِنَّ اللّهَ وَمَلائِکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَیْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِیماً).(4).
فلو تلا أحد هذه الآیات المثنیة على النبی، أو قرأ ترجمتها بلغة أُخرى، أو سکب هذا المدیح الإلهی القرآنی فی قالب الشعر وأنشد ذلک فی مجلس کان مشرکاً؟!
إنّ عدم وجود هذه الاحتفالات فی زمن الرسول ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ لیس دلیلاً على کونها شرکاً،
وأقصى ما یمکن أن یقال أنّها بدعة لا شرکاً ولا عبادة للإنسان الصالح، بل لا تعد بدعة، إذ لو نسب إقامة الاحتفالات التکریمیة أو مجالس العزاء فی الذکریات،
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . القلم: 4.
2 . الأحزاب: 45 ـ 46.
3 . التوبة: 128.
4 . الأحزاب: 56.
_____________________________________ [الصفحة 533] _____________________________________
إلى الشارع المقدس وادّعى بأنّ اللّه أمر بذلک یلزم أن نفحص عن مدى صحة هذه النسبة وصدق هذا الادّعاء،
لا أن نصف إقامة هذه المجالس بأنّها شرک.
وأمّا لو أقامها من جانب نفسه من دون أن یسندها إلى أمره سبحانه فلا تکون بدعة بتاتاً.
کیف لا ، وهذا القرآن الکریم یثنی على أُولئک الذین أکرموا النبی ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ وعظموا شأنه، وبجّلوه، إذ یقول:
(فَالَّذِینَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِی أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(1).
إنّ الأوصاف التی وردت فی هذه الآیة والتی استوجبت الثناء الإلهی هی:
1. آمنوا به.
2. وعزّروه.
3. ونصروه.
4. واتّبعوا النور الذی أُنزل معه.
فهل یحتمل أحد أن تختص هذه الجمل الثلاث:
آمنوا به، ونصروه، واتبعوا بزمن النبی ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ ؟ الجواب: لا .
فإنّ الآیة لا تعنی الحاضرین فی زمن النبی ـ خاصة ـ ، فعندئذ من القطعی أن لا تختص جملة عزَّروه بزمان النبی، أضف إلى ذلک أنّ القائد العظیم یجب أن یکون موضعاً للتکریم والاحترام والتعظیم فی کل العهود والأزمنة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الأعراف: 157.
_____________________________________ [الصفحة 534] _____________________________________
فهل إقامة المجالس لإحیاء ذکریات: المبعث أو المولد النبوی، وإنشاء الخطب والمحاضرات والقصائد والمدایح إلاّ مصداق جلی لقوله تعالى: (وََعَزَّرُوهُ) والتی تعنی: أکرموه وعظّموه.
عجباً کیف یعظم الوهابیون أُمراءهم بالاحترام الذی یفوق ما یفعله غیرهم تجاه أولیاء اللّه فلا یکون ذلک شرکاً، وأمّا إذا أتى أحد بشیء یسیر من ذلک فی حقهم عد شرکاً؟!
إنّ المنع عن تعظیم الأنبیاء والأولیاء وتکریمهم ـ أحیاءً و أمواتاً ـ یصور الإسلام فی نظر الأعداء دیناً جامداً لا مکان فیه للعواطف الإنسانیة کما یصور تلک الشریعة السمحاء المطابقة للفطرة الإنسانیة دیناً یفقد الجاذبیة المطلوبة القادرة على اجتذاب أهل الملل الأُخرى واکتسابهم.
ماذا یقول ـ الذین یخالفون إقامة مجالس العزاء للشهداء فی سبیل اللّه ـ فی قصة یعقوب ـ علیه السَّلام ـ ؟ وماذا یقولون فیه وهو یبکی على ابنه أسفاً وحزناً فی فراق ولده یوسف، لیله ونهاره، ویسأل کل من لقیه عن ابنه المفقود حتى یفقد بصره، کما یقول سبحانه: (وَابْیَضَّتْ عَیْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ).(1)
فلماذا یکون إظهار مثل هذه العلاقة فی حال حیاة الولد جائزاً ومشروعاً ومطابقاً لأُصول التوحید بینما إذا کان فی حال مماته عد شرکاً؟!
فإذا اتبع أحد طریق یعقوب فبکى على فراق أولیاء اللّه وأحبائه یوم استشهادهم، فلماذا لا یعد عمله اقتداء بیعقوب
ـ علیه السَّلام ـ .
لا ریب فی أنّ مودة ذوی القربى هی إحدى الفرائض الإسلامیة التی دعا
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . یوسف: 84.
_____________________________________ [الصفحة 535] _____________________________________
إلیها بأوضح تصریح، فلو أراد أحد أن یقوم بهذه الفریضة الدینیة بعد أربعة عشر قرناً فکیف یمکنه، وما هو الطریق إلى ذلک؟ هل هو إلاّ أن یفرح فی أفراحهم، ویحزن فی أحزانهم؟
فإذا أقام أحد ـ لإظهار مسرته ـ مجلساً یذکر فیه حیاتهم، وتضحیاتهم أو یبین مصائبهم، فهل فعل إلاّ إظهار المودة، المندوبة إلیها فی القرآن الکریم ؟! وإذا زار أحد ـ لإظهار مودة أکثر ـ مقابر أقرباء النبی ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ وأقام مثل هذهالمجالس عند تلکم القبور، فإنّه لم یفعل ـ فی نظر العقلاء ـ إلاّ إظهار المودة.
التبرّک بآثار النبی والأولیاء
قد جرت سنّة السلف الصالح على التبرک بآثار النبی وآله سنّة قطعیة لا یشک فیها کل من له إلمام بتاریخ المسلمین(1) غیر انّ الوهابیین أنکروا ذلک أشد الإنکار وعدّوه شرکاً وإن کان ذلک بدافع محبة النبی وآله ومودّتهم.
غیر انّ المتبرّک إذا اعتمد فی عمله على عمل یعقوب حیث وضع قمیص یوسف على عینیه، فارتد بصیراً، هل یصح لنا رمیه بالشرک؟! إذ أی فرق بین التبرّک بآثار النبی وآثار سائر الأولیاء وتبرّک یعقوب بقمیص یوسف، قال سبحانه :
(فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِیرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِیراً).(2)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . لقد ألّف الشیخ محمد طاهر المکی المعاصر کتاباً فی ذلک وأسماه
(تبرک الصحابة بآثار رسولاللّهصلَّى اللّه علیه و آله و سلَّم ) نقل فیه شواهد تأریخیة قطعیة على تبرکهم وتبرک التابعین بآثاره ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ قاطبة، وقد طبع ذلک الکتاب عام 1385 هـ ، ثم أُعید طبعه عام 1394 هـ .
2 . یوسف: 96.
_____________________________________ [الصفحة 536] _____________________________________
خاتمة المطاف [536-549] 7 هل التوسل بالأسباب شرک؟ [515-524]
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma