4 ماذا یراد من التفویض؟ [469-486]

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
مفاهیم القرآن
5 ما هو معنى الإلوهیة وما هو ملاکها؟ [487-496]3 العبادة هی الخضوع عن اعتقاد بإلوهیة [455-468]
اتّفقت کلمة الموحدین على أنّ الاعتقاد بالتفویض موجب للشرک، وأنّ الخضوع النابع من ذاک الاعتقاد یعد عبادة للمخضوع له، والتفویض یتصور فی أمرین:
1. تفویض اللّه تدبیر العالم إلى خیار عباده من الملائکة والأنبیاء والأولیاء، ویسمّى بالتفویض التکوینی.
2. تفویض الشؤون الإلهیة إلى عباده کالتقنین والتشریع، والمغفرة والشفاعة ممّا یعد من شؤونه سبحانه ، ویسمّى بالتفویض التشریعی.
أمّا القسم الأوّل
فلا شک أنّه موجب للشرک، فلو اعتقد أحد بأنّ اللّه فوض أُمور العالم وتدبیرها من الخلق والرزق والإماتة ونزول الثلج والمطر وغیرها من حوادث العالم إلى ملائکته أو صالحی عباده، فقد جعلهم أنداداً له سبحانه ، إذ لا یعنی من التفویض، إلاّ کونهم مستقلین فی أفعالهم، منقطعین عنه سبحانه فیما یفعلون وما
_____________________________________ [الصفحة 470] _____________________________________
یریدون.
وبالجملة: فتفویض التدبیر إلى العباد قسم من استقلال العبد فی فعله وعمله عمّن سواه، سواء أکان ذاک الاستقلال فی الأفعال الراجعة إلى نفسه کمشیه وتکلّمه، أم فی الأفعال الراجعة إلى تدبیر العالم والحوادث الواقعة فیه، غیر أنّه لما کان زعم الاستقلال فی أفعال الإنسان العادیة بحثاً فلسفیاً بحتاً لم یتوجه إلیه مشرکو الجاهلیة، لذلک خصوا البحث بالاعتقاد باستقلالهم فی تدبیر العالم.
وإن أصبح الأوّل أیضاً مثار بحث ونقاش فی العهود الإسلامیة الأُولى، بحیث قسّم الباحثین إلى جبری وتفویضی.
والخلاصة: أنّ الأمر دائر بین کون العبد ذا فعل بالاستقلال والانقطاع عن اللّه سبحانه ، أو کونه ذا شأن بأمره تعالى وإذنه ومشیئته، ولیس التفویض أمراً ثالثاً، بل هو داخل فی القسم الأوّل.
وأمّا الاعتقاد بأنّ القدّیسین من الملائکة والجن، أو النبی والولی مدبّرون للعالم بإذنه ومشیئته، وأمره وقدرته من دون أن یکونوا مستقلین فیما یفعلون، أو مفوّضین فیما یصدرون فلا یکون ذاک موجباً للشرک، بل أمره دائر ـ حینئذ ـ بین کونه صحیحاً مطابقاً للواقع کما فی الملائکة، أو غلطاً مخالفاً للواقع کما فی النبی والولی، فإنّ الأنبیاء والأولیاء غیر واقعین فی سلسلة العلل والأسباب، بل هم کسائر الناس یستفیدون من النظام الطبیعی بحیث یختل عیشهم وحیاتهم عند اختلال تلک النظم، ومعلوم أنّه لیس کل مخالف للواقع یعتبر شرکاً إذ عند ذاک یحتل الولی مکان العلّة الطبیعیة والنظم المادیة، ولیس الاعتقاد بوجود هذا النوع من العلل والأسباب مکان النظم المادیة للظاهرة شرکاً.
_____________________________________ [الصفحة 471] _____________________________________
هذا ومن الجدیر بالذکر أنّ مشرکی عهد الرسالة کانوا یعتقدون لآلهتهم نوعاً من الاستقلال فی الفعل، وکانوا یتوجهون إلیها على هذا الأساس، وقد مرّ أنّ عمرو بن لحی عندما سافر من مکة إلى الشام ورأى أُناساً یعبدون الأصنام فسألهم عن سبب عبادتهم لها فقالوا له:
هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا .(1)
وقد کان ثمة فریق من الحکماء یعتقدون بأنّ لکل نوع من الأنواع رب نوع فوض إلیه تدبیر نوعه، وسلمت إلیه إدارة الکون التی هی من شأن اللّه ومن فعله تعالى، کما أنّ عرب الجاهلیة الذین عبدوا الملائکة والکواکب ـ سیاراتها وثوابتها ـ إنّما کانوا یعبدونها، لأنّ أمر الکون وأمر تدبیره قد فوّض إلیها ـ کما فی زعمهم ـ وإنّ اللّه عزل عن مقام التدبیر عزلاً تامّاً، فهی مالکة التدبیر دون اللّه، وبیدها هی دونه ناصیة التصرّف، ولهذا کان یعتبر أیُّ خضوع یجسد هذا الإحساس عبادة، وسیوافیک عقائد العرب الجاهلیین حول معبوداتهم.
القسم الثانی من التفویض
إذا اعتقدنا بأنّ اللّه سبحانه فوّض إلى أحد مخلوقیه بعض شؤونه کالتقنین والتشریع، والشفاعةوالمغفرة فقد أشرکناه مع اللّه، وجعلناه نداً له سبحانه ، کما یقول القرآن الکریم :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَندَاداً یُحِبُّونَهُمْ کَحُبِّ اللّهِ).(2)
ولا ریب أنّ الموجود لا یقدر أن یکون نداً للّه سبحانه ، إلاّ إذا کان قائماً
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . سیرة ابن هشام: 1/79. وقد مر مفصل هذه القصة فی الفصل الثامن: 382 من هذا الکتاب.
2 . البقرة: 165.
_____________________________________ [الصفحة 472] _____________________________________
بفعل أو شأن من أفعال اللّه وشؤونه سبحانه مستقلاً لا ما إذا قام به بإذن اللّه وأمره، إذ لا یکون عند ذاک نداً للّه، بل یکون عبداً مطیعاً له، مؤتمراً بأمره، منفذاً لمشیئته تعالى، هذا وقد کان أخف ألوان الشرک وأنواعه بین الیهود والنصارى والعرب الجاهلیین اعتقاد فریق منهم بأنّ اللّه فوّض حق التقنین والتشریع إلى الرهبان والأحبار کما یقول القرآن الکریم :
(اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللّهِ).(1)
وانّ اللّه فوّض حق الشفاعة والمغفرة التی هی حقوق مختصة باللّه إلى أصنامهم ومعبوداتهم، وأنّ هذه الأصنام والمعبودات مستقلّة فی التصرّف فی هذه الشؤون ولأجل ذلک کانوا یعبدونها، لأجل أنّها شفعاؤهم عند اللّه، وبأیدیها أمر الشفاعة کما یقول سبحانه :
(وَیعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مَا لا یَضُرُُّّهُمْ ولا یَنْفَعُهُمْ وَیَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللّهِ).(2)
ولذلک أصرّت الآیات القرآنیة على القول بأنّه لا یشفع أحد إلاّ بإذن اللّه، فلو کان المشرکون یعتقدون بأنّ معبوداتهم تشفع لهم بإذن اللّه لما کان لهذا الإصرار على مسألة متفق علیها بین المشرکین، أیُّ مبرر، على أنّ ذلک الفریق من عرب الجاهلیة الذین کانوا یعبدون الأصنام، إنّما کانوا یعبدونها لکونها تملک شفاعتهم، لا أنَّها خالقة لهم أو مدبّرة للکون، وعلى أساس هذا التصوّر الباطل کانوا یعبدونها وکانوا یظنون أنّ عبادتهم لها توجب التقرّب إلى اللّه، إذ قالوا:
(مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِیُقَرِّبُونَا إِلَى اللّهِ زُلْفَى).(3)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . التوبة: 31.
2 . یونس: 18.
3 . الزمر: 3.
_____________________________________ [الصفحة 473] _____________________________________
الشیعة الإمامیة وفکرة التفویض
لقد شدد علماء الشیعة الإمامیة ـ اقتداءً بأئمتهم ـ النکیر على کل من یقول بالتفویض، وعدّوا قائله مشرکاً وخارجاً عن ربقة الموحّدین المسلمین.
فها هو العلاّمة المجلسی قد عقد ـ فی موسوعته المسمّاة بـ بحار الأنوار ـ باباً خاصاً أسماه باب نفی الغلو فی النبی والأئمّة وبیان معانی التفویض سرد فیه مجموعة کبیرة من أحادیث أهل البیت ـ علیهم السَّلام ـ التی استنکروا فیها قول من یعتقد بالتفویض فی شأنهم، أو فی شأن أحد من عباد اللّه، کما سرد بعض أقوال علماء الشیعة کالصدوق والمفید رحمهما اللّه.
وإلیک بعض الأحادیث أوّلاً :
1. فی عیون أخبار الرضا، قال الراوی: سألت الرضا (الإمام علی بن موسى) ـ علیه السَّلام ـ عن التفویض؟ فقال:
الغلاة کفّار، والمفوّضة مشرکون، من جالسهم، أو واکلهم، أو شاربهم، أو واصلهم، أو زوّجهم، أو تزوّج منهم، أو أمنهم، أو ائتمنهم على شیء، أو صدّق حدیثهم، أو أعانهم بشطر کلمة، خرج من ولایة اللّه عزّ وجل وولایة الرسول،
وولایتنا أهل البیت.(1)
2. فی عیون أخبار الرضا، قال الإمام ـ علیه السَّلام ـ :
من زعم أنّ اللّه فوّض أمر الخلق والرزق إلى حججه فقد قال بالتفویض، والقائل بالتفویض مشرک.
وهناک أحادیث أُخرى صریحة وقاطعة ذکرها، ونقلها المجلسی فی البحار،
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . عیون أخبار الرضا: 325.
_____________________________________ [الصفحة 474] _____________________________________
فمن شاء التوسع فلیراجع الجزء 25 من الصفحة 261 إلى الصفحة 350.
ثم إنّ العلاّمة المجلسی ذکر ما قاله عالمان کبیران من قدامى علماء الإمامیة وأعلامهم حول التفویض، وها نحن نذکر ما قالاه ـ هنا ـ :
قال الشیخ الصدوق ـ رحمه اللّه ـ فی کتابه: الاعتقادات:
اعتقادنا فی الغلاة والمفوّضة أنّهم کفار باللّه ـ جل جلاله ـ وانّهم أشرّ من الیهود والنصارى والمجوس، والقدریة والحروریة، ومن جمیع أهل البدع والأهواء المضلّة، وانّه ما صغَّر اللّه جلّ جلاله تصغیرهم شیء، وقال اللّه تعالى: (مَا کَانَ لِبَشَر أَن یُؤْتِیَهُ اللّهُ الْکِتَابَ وَالْحُکْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ یَقُولَ لِلنَّاسِ کُونُوا عِبَاداً لِی مِنْ دُونِ اللّهِ وَلَکِنْ کُونُوا رَبّانِیِّینَ بِمَا کُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْکِتَابَ وَبِمَا کُنْتُمْ تَدْرُسُونَ *وَلاَ یَأْمُرَکُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلاَئِکَةَ وَالنَّبِیِّینَ أَرْبَاباً أَیَأْمُرُکُمْ بِالْکُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(1) وقال عزّ وجل: (یَا أَهْلَ الْکِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِی دِینِکُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ).(2)
ثم أضاف الشیخ الصدوق قائلاً:
وکان الرضا (علی بن موسى) ـ علیه السَّلام ـ یقول فی دعائه:
اللهم إنّی أبرأ إلیک من الحول والقوّة، فلا حول ولا قوّة إلاّ بک. اللّهم إنّی أبرأ إلیک من الذین ادّعوا لنا ما لیس لنا بحق. اللّهمّ إنّی أبرأ إلیک من الذین قالوا فینا ما لم نقله فی أنفسنا. اللّهم لک الخلق ومنک الأمر وإیّاک نعبد وإیاک نستعین اللّهمّ أنت خالقنا وخالق آبائنا الأوّلین وآبائنا الآخرین اللّهم لا تلیق الربوبیة إلاّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . آل عمران: 79 و 80.
2 . النساء: 171.
_____________________________________ [الصفحة 475] _____________________________________
بک، ولا تصلح الإلهیة إلاّ لک، فالعن النصارى الذین صغّروا عظمتک، والعن المضاهئین لقولهم من بریتک، اللّهمّ انّا عبیدک وأبناء عبیدک لا نملک لأنفسنا نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حیاة ولا نشوراً، اللّهم من زعم أنّا أرباب فنحن منه براء، ومن زعم أنَّ إلینا الخلق وعلینا [أو إلینا] الرزق فنحن براء منه کبراءة عیسى بن مریم ـ علیه السَّلام ـ من النصارى، اللّهم انّا لم ندعهم إلى ما یزعمون فلا تؤاخذنا بما یقولون، واغفر لنا ما یدّعون ولا تدع منهم على الأرض دیاراً، إنّک إن تذرهم یضلُّوا عبادک ولا یلدوا إلاّ فاجراً کفارا.
وروی عن زرارة إنّه قال: قلت للصادق [جعفر بن محمد] ـ علیه السَّلام ـ : إنّ رجلاً یقول بالتفویض، قال: وما التفویض؟ قلت: یقول: إنّ اللّه تبارک وتعالى خلق محمداً وعلیاً صلوات اللّه علیهما ففوّض [ثم فوض] الأمرإلیهما فخلقا ورزقا وأماتا وأحییا!! فقال ـ علیه السَّلام ـ :کذب عدو اللّه، إذا انصرفت إلیه فاتل علیه هذه الآیة التی فی سورة الرعد: (أَمْ جَعَلُوا للّهِ شُرَکَاءَخَلَقُوا کَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلقُ عَلَیْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ کُلِّ شَیء وَهُوَ الواحِدُ القهار).(1)
یقول زرارة: فانصرفت إلى الرجل فأخبرته بکل شیء فکأنّه أُلقم حجراً.(2)
وقال الشیخ المفید ـ رحمه اللّه ـ فی کتابه تصحیح الاعتقاد فی شرح کلام الصدوق المتقدم:
الغلو فی اللغة هو تجاوز الحد والخروج عن القصد، قال اللّه تعالى:
(یَا أَهْلَ الْکِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِی دِینِکُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ)(3)،
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الرعد: 16.
2 .اعتقادات الصدوق: 109 ـ 110.
3 . النساء: 171.
_____________________________________ [الصفحة 476] _____________________________________
فمنع عن تجاوز الحد فی المسیح وحذر من الخروج من القصد فی القول، وجعل ما ادّعته النصارى غلواً لتعدّیه الحق على ما بیّنّاه، والغلاة من المتظاهرین بالإسلام، هم الذین نسبوا أمیر المؤمنین [علیاً ]والأئمّة من ذریته إلى الإلهیة والنبوة ووصفوهم بالفضل فی الدین والدنیا إلى ما تجاوزوا فیه الحد وخرجوا من القصد، وهم ضلاّل کفّار ،حکم فیهم أمیر المؤمنین بالقتل والتحریق بالنار، وقضت الأئمّة علیهم بالإکفار والخروج عن الإسلام.
والمفوّضة صنف من الغلاة، وقولهم الذی فارقوا به من سواهم من الغلاة: اعترافهم بحدوث الأئمّة، وخلقهم، ونفی القدم عنهم، وإضافة الخلق والرزق مع ذلک إلیهم ودعواهم أنّ اللّه تعالى تفرّد بخلقهم خاصة، وانّه فوض إلیهم خلق العالم بما فیه وجمیع الأفعال.
ثم قال الشیخ المفید رحمه اللّه : ویکفی فی علامة الغلو نفی القائل به عن الأئمّة: سمات الحدوث، وحکمه لهم بالإلهیة والقدم، إذ قالوا بما یقتضی ذلک من خلق أعیان الأجسام واختراع الجواهر.(1)
ثم إنّ المجلسی ـ رحمه اللّه ـ نفسه قال فی شرح معانی التفویض ما نصه:وأمّا التفویض فیطلق على معان بعضها منفی وبعضها مثبت:
فالأوّل: التفویض فی الخلق والرزق والتربیة، والإماتة والإحیاء، فإنّ قوماً قالوا: إنّ اللّه تعالى خلقهم [أی الأئمّة] وفوّض إلیهم أمر الخلق فهم یخلقون ویرزقون ویمیتون ویحیون.
وهذا الکلام یحتمل وجهین:
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 .تصحیح الاعتقاد للمفید: 63 ـ 66.
_____________________________________ [الصفحة 477] _____________________________________
أحدهما: أن یقال: أنّهم یفعلون جمیع ذلک بقدرتهم وإرادتهم، وهم الفاعلون حقیقة، وهذا کفر صریح دلّت على استحالته الأدلة العقلیة والنقلیة، ولا یستریب عاقل فی کفر من قال به.
وثانیهما: انّ اللّه یفعل ذلک [الخلق والرزق إلى آخره] مقارناً لإرادتهم کشق القمر وإحیاء الموتى وقلب العصا حیة وغیر ذلک من المعجزات، فإنّ جمیع ذلک إنّما یحصل بقدرته تعالى مقارناً لإرادتهم لظهور [أی لأجل إثبات وإظهار] صدقهم، فلا یأبى العقل عن أن یکون اللّه خلقهم وأکملهم وألهمهم ما یصلح فی نظام العالم ثمّ خلق کلّ شیء مقارناً لإرادتهم ومشیئتهم.
ثم قال: وهذا الوجه وإن کان العقل لا یعارضه کفاحاً، لکن الأخبار السالفة تمنع من القول به فی ما عدا المعجزات ظاهراً، بل صراحة، مع أنّ القول به قول بما لا یعلم، إذ لم یرو ذلک فی الأخبار المعتبرة فی ما نعلم.(1)
ثم قال فی معرض تفسیره لقول اللّه (قُلِ اللّهُ خَالِقُ کُلِّ شَیْء)(2): یدل هذا على عدم جواز نسبة الخلق إلى الأنبیاء والأئمّة، وکذا قوله: (هَلْ مِنْ شُرَکَائِکُمْ مَنْ یَفْعَلُ مِنْ ذَلِکُمْ مِنْ شَیْء)(3) فإنّه یدل على عدم جواز نسبة الخلق، والرزق والإماتة والإحیاء إلى غیره سبحانه وإنّه شرک .
ثم قال ودلالة تلک الآیات على نفی الغلو والتفویض بالمعانی المذکورة
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . فما أبعد بین ما ذکره ذلک الوحید الغواص فی بحار علوم أهل البیت، والغلو المزعوم الذی ربما ینسب إلى مشایخنا وحفّاظ علوم أئمتنا رضوان اللّه علیهم. نعم یمکن تفسیر المعجزات والکرامات بوجهین آخرین غیر ما ذکره قدس سره ، وسیوافیک بیانهما فی المستقبل.
2 . الرعد: 16.
3 . الروم: 40.
_____________________________________ [الصفحة 478] _____________________________________
ظاهرة، والآیات الدالة على ذلک أکثر من أن تحصى، إذ جمیع آیات الخلق ودلائل التوحید و الآیات الواردة فی کفر النصارى وبطلان مذهبهم دالة علیهم (أی على المفوضة).(1)
لا ملازمة بین التوزیع ونفی الإله الأعلى
إنّ توزیع الإلوهیة على صغار الآلهة المتخیّلة أمر باطل عقلاً ونقلاً، ولا نطیل الکلام بسوق براهینه العقلیة وما تدل علیه من الآیات.
ثمّ إنّ توزیع شؤون الإلوهیة ـ کما فی زعم عرب الجاهلیة ـ ما کان یلازم نفی الإله الأعلى القاهر، بل کان الجاهلیون یعتقدون بالإله الأعلى رغم عبادتهم للأصنام واعتقاد توزیع الإلوهیة علیها.
لکن الأُستاذ المودودی أبطل فکرة توزیع الإلوهیة معللاً بأنّ : هذا التوزیع لا یجتمع مع الاعتقاد بإله أعلى، حیث قال:
إنّ أهل الجاهلیة ما کانوا یعتقدون فی آلهتهم أنّ الإلوهیة قد توزعت فیما بینهم، فلیس فوقهم إله قاهر، بل کان لدیهم تصوّر واضح لإله کانوا یعبّرون عنه بکلمة اللّه فی لغتهم(2).
وفی هذا الکلام نظر، فإنّ الجمع بین قوله: إنّ الإلوهیة توزعت فیما بینهم وقوله: فلیس فوقهم إله قاهر یوهم بأنّ القول بتوزیع الإلوهیة یلازم القول بنفی الإله القاهر الذی هو فوق الکل، ولکنّه لیس کذلک، فإنّ الصابئة الذین ورد ذکرهم فی القرآن أثبتوا للشمس: الإلوهیة والتدبیر مع القول بوجود إله قاهر،
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . راجع بحار الأنوار: 25/320 ـ 350.
2 . کتاب المصطلحات الأربعة: 19.
_____________________________________ [الصفحة 479] _____________________________________
حیث قالوا:
إنّ الشمس ملک من الملائک ولها نفس وعقل ومنها نور الکواکب وضیاء العالم، وتکون الموجودات السفلیة فتستحق التعظیم والسجود والتبخیر والدعاء(1).
وأیّ الوهیة أکبر من تکوین الموجودات السفلیة التی ینسبها اللّه سبحانه فی القرآن إلى ذاته.
ومن الصابئة من یقول:
إنّ القمر ملک من الملائک، یستحق العبادة، وإلیه تدبیر هذا العالم السفلی والأُمور الجزئیة، ومنه نضج الأشیاء المتکوّنة وإیصالها إلى کمالها(2).
ولیس لأحد أن یفسر قولهم بأنّ الشمس والقمر کانا ـ فی عقیدتهم ـ یحتلان محل العلل الطبیعیة، وانّهما کانا یقومان بنفس الدور لا أکثر، فإنّ المفروض إنّهم جعلوهما من الملائک وأثبتوا لهما العقل والنفس والتدبیر القائم على التفکیر، وهذا یناسب الإلوهیة، وکونهما إلهین، لا کونهما عللاً طبیعیة، إذ لو کانا عللاً طبیعیة لما عبدوهما بتلک العبادة، فإذن لا مانع من أن یعتقد المشرک ـ فی حین اعتقاده بتوزیع شؤون الإلوهیة بین صغار الآلهة ـ بوجود إله قاهر، وهو الذی وزّع الإلوهیة، فالعربی الجاهلی کان یعتقد بتفویض المغفرة والشفاعة إلى أصحاب الأصنام والأوثان، مع اعتقاده بوجود إله آخر قاهر وأعلى. والمغفرة والشفاعة من شؤون الإلوهیة، والدلیل على أنّهم کانوا یعتقدون بالتفویض، هو إصرار القرآن على القول بأنّه لا شفاعة إلاّ بإذن اللّه سبحانه :
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الملل والنحل للشهرستانی: 265 ـ 266.
2 . الملل والنحل للشهرستانی: 265 ـ 266.
_____________________________________ [الصفحة 480] _____________________________________
(مَنْ ذَا الَّذِی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ)(1)، وإنّ اللّه هو الذی یغفر الذنوب: (وَمَنْ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ)(2).
وأظن ـ ولعلّه ظن مصیب ـ أنّ للأُستاذ وراء هذا الکلام (توزیع الإلوهیة ینافی الاعتقاد بإله آخر) قصداً وهدفاً آخر، وهو إثبات أنّ الإله فی القرآن إنّما هو بمعنى المعبود تبعاً لشیخ منهجه ابن تیمیة فتوصیف الأصنام بالإلوهیة إنّما هو بملاک المعبودیة، لا بملاک انّهم صغار الآلهة، واللّه سبحانه کبیرها.
والأُستاذ وتلامیذ مدرسته نزّهوا المشرکین عن قولهم بالوهیة الأصنام، وإنّما کانوا یعبدونها من دون أن یتخذوها آلهة صغاراً فی مقابل إله قاهر .
أضف إلى ذلک إنّهم شوّهوا بذلک سمعة جمهرة من المسلمین حیث فسروا الآیات الناهیة عن اتخاذ الآلهة، بالنهی عن عبادتها، لأنّ الإله عندهم بمعنى المعبود، ثم طبقوا هذه الآیات على توسل المسلمین وزیارتهم لقبور أولیائهم.
فتفسیر الآیات الناهیة عن اتخاذ الآلهة، باتخاذ المعبود خبط، وعلى فرض الصحة فإنّ تطبیقها على توسّلات المسلمین وزیارتهم قبور أولیائهم خبط آخر .
خلاصة القول
خلاصة القول فی المقام أنّ أیَّ عمل ینبع من هذا الاعتقاد
(أی الاعتقاد بأنّه إله العالم، أو ربّه، أو غنی فی فعله وانّه مصدر للأفعال الإلهیة)
ویکون کاشفاً عن هذا النوع من التسلیم المطلق یعد عبادة، ویعتبر صاحبه مشرکاً إذا فعل ذلک لغیر اللّه.
ویقابل ذلک: القول والفعل والخضوع غیر النابع من هذا الاعتقاد،
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . البقرة: 255.
2 . آل عمران: 135.
_____________________________________ [الصفحة 481] _____________________________________
فخضوع أحد أمام موجود وتکریمه ـ مبالغاً فی ذلک ـ دون أن ینبع من الاعتقاد بالوهیته لا یکون شرکاً ولا عبادة لهذا الموجود، وإن کان من الممکن أن یکون حراماً، مثل سجود العاشق للمعشوقة أو المرأة لزوجها، فإنّها وإن کانت حراماً فی الشریعة الإسلامیة، لکنها لیست عبادة، فکون شیء حراماً ، غیر القول بأنّه عبادة، فإنّ حرمة السجود أمام بشر من غیر اعتقاد بالوهیته وربوبیته إنّما هی لوجه آخر .
من هذا البیان یتضح جواب سؤال یطرح نفسه فی هذا المقام، وهو إذا کان الاعتقاد بالإلوهیة أو الربوبیة أو التفویض، شرطاً فی تحقق العبادة، فیلزم أن یکون السجود لأحد دون ضم هذه النیّة جائزاً ؟
ویجاب على هذا: بأنّ السجود حیث إنّه وسیلة عامة للعبادة، وحیث إنّ بها یعبد اللّه عند جمیع الأقوام والملل والشعوب وصار بحیث لا یراد منه إلاّ العبادة، لذلک لم یسمح الإسلام بأن یستفاد من هذه الوسیلة العالمیة حتى فی الموارد التی لا تکون عبادة، وهذا التحریم إنّما هو من خصائص الإسلام إذ لم یکن حراماً قبله، وإلاّ لما سجد یعقوب وأبناؤه لیوسف ـ علیه السَّلام ـ ، إذ یقول: (وَرَفَعَ أَبَوَیْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُُّّوا لَهُ سُجَّداً)(1).
***
لقد استدل بعض المحقّقین(2) بالآیات التالیة على حرمة السجود لغیر اللّه مطلقاً حتى لو لم یکن بعنوان العبادة:
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . یوسف: 100.
2 . البیان: 504.
_____________________________________ [الصفحة 482] _____________________________________
(لا تَسْجُدُوا لِلْشَمْسِ وَلاَ لِلقَمَرِ وَاسْجُدُوا للّهِ الَّذِی خَلَقَهُنَّ إنْ کُنْتُمْ إِیَّاهُ تَعْبُدونَ).(1)
(وَأنَّ الْمَسَاجِدَ للّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَدَاً).(2)
ولکن الإمعان فی هاتین الآیتین یفید أنّ الهدف هو : تحریم السجدة التی تکون بقصد العبادة لا ما کان بقصد التعظیم، إذ یقول فی أُولى الآیتین: (إِنْ کُنْتُمْ إِیَّاهُ تَعْبُدونَ) ویقول فی ثانیتهما: (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَدَاً)على أنَّنا سنقول فی المستقبل إنّ المقصود بالدعوة ـ هنا ـ هو: العبادة، لذلک فالأفضل ـ فی هذا المجال ـ أن نستدل بالإجماع والأحادیث، ولذلک استدل هو بنفسه بعد الاستدلال بالآیتین الآنفتین بالإجماع، إذ قال: فقد أجمع المسلمون على حرمة السجود لغیراللّه.
قال الجصاص: قد کان السجود جائزاً فی شریعة آدم ـ علیه السَّلام ـ ، للمخلوقین ویشبه أن یکون قد کان باقیاً إلى زمان یوسف ـ علیه السَّلام ـ ، فکان فیما بینهم لمن یستحق ضرباً من التعظیم ویراد إکرامه وتبجیله بمنزلة المصافحة والمعانقة فیما بیننا، وبمنزلة تقبیل الید، قد روی عن النبی ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ فی إباحة تقبیل الید أخبار، وقد روی الکراهة، إلاّ أنّ السجود لغیر اللّه على وجه التکرمة والتحیة منسوخ بما روت عائشة وجابر وأنس أنّ النبی قال: ما ینبغی لبشر أن یسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن یسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقّه علیها.(3)
***
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . فصلت: 37.
2 . الجن: 18.
3 . أحکام القرآن : 1/32، لأبی بکر أحمد بن علی الرازی المعروف بالجصاص (المتوفّـى عام 370هـ).
_____________________________________ [الصفحة 483] _____________________________________
إلى هنا استطعنا ـ بشکل واضح ـ أن نتعرف على حقیقة العبادة والشرک ویلزم أن نستنتج من هذا البحث فنقول: إذا خضع أحد أمام آخرین وتواضع لهم، لا باعتقاد أنّهم آلهة أو أرباب أو مصادر للأفعال والشؤون الإلهیة بل لأنّ المخضوع لهم إنّما یستوجبون التعظیم، لأنّهم (عِبَادٌ مُکَرَمُونَ * لاَ یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ)(1) فإنّ هذا الخضوع والتعظیم والتواضع والتکریم لن یکون عبادة قطعاً، فقد مدح اللّه فریقاً من عباده بصفات تستحق التعظیم عندما قال:
(إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِیمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِینَ).(2)
وفی موضع آخر من القرآن صرح اللّه تعالى باصطفاء إبراهیم لمقام الإمامة، إذ یقول تعالى:
(قَالَ إِنِّی جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَاماً).(3)
وکل هذه الأوصاف العظیمة التی مدح اللّه بها: نوحاً وإبراهیم وداود وسلیمان وموسى وعیسى ومحمداً ـ صلوات اللّه علیهم أجمعین ـ أُمور توجب نفوذهم فی القلوب والأفئدة، وتستوجب محبتهم واحترامهم حتى أنّ مودة بعض الأولیاء فرضت علینا بنصِّ القرآن.(4)
فإذا احترم أحد هؤلاء، فی حیاتهم أو بعد وفاتهم، لا لشیء إلاّ لأنّهم عباد اللّه المکرمون، وأولیاؤه المقربون، وعظمهم دون أن یعتقد بأنّهم آلهة أو أرباب
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الأنبیاء: 26 ـ 27.
2 . آل عمران: 33.
3 . البقرة: 124.
4 . (قُل لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبى) (الشورى: 23).
_____________________________________ [الصفحة 484] _____________________________________
أو مصادر للشؤون الإلهیة لا یعد فعله عبادة ـ مطلقاً ـ ولا هو مشرکاً أبداً.
وعلى هذا لا یکون تقبیل ید النبی أو الإمام أو المعلم، أو الوالدین، أو تقبیل القرآن أو الکتب الدینیة، أو أضرحة الأولیاء وما یتعلّق بهم من آثار، إلاّ تعظیماً وتکریماً لا عبادة.
نحن ومؤلّف تفسیر المنار
وفی ختام هذا البحث یجدر بنا أن نلفت نظر القارئ الکریم إلى طائفة من التعاریف للعبادة، ونذکر بعض ما فیها من الضعف:
1. قال فی المنار : العبادة ضرب من الخضوع، بالغ حد النهایة، ناشئ عن استشعار القلب عظمة المعبود لا یعرف منشؤها واعتقاده بسلطة لا یدرک کنهها وماهیتها.(1)
وهذا التعریف لا یخلو عن قصور، إذ بعض مصادیق العبادة، لا تکون خضوعاً شدیداً، ولا یکون بالغاً حد النهایة کبعض الصلوات الفاقدة للخشوع، ثم ربما یکون خضوع العاشق أمام معشوقته والجندی أمام آمره، أشدَّ خضوعاً مما یفعله کثیر من المؤمنین باللّه تجاه ربّهم فی مقام الدعاء والصلاة والعبادة، ومع ذلک لا یقال لخضوعهما بأنّه عبادة، فی حین یکون خضوع المؤمنین تجاه ربهم عبادة وإن کان أخف من الخضوع الأوّل.
نعم لقد ذکر هذا المؤلف نفسه ـ فی حنایا کلامه ـ ما یمکن أن یکون معرّفاً صحیحاً للعبادة ومتفقاً ـ فی محتواه ـ مع ما قلناه حیث قال:
للعبادة صور کثیرة فی کل دین من الأدیان شرِّعت لتذکیر الإنسان بذلک
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . تفسیر المنار: 1/57.
_____________________________________ [الصفحة 485] _____________________________________
الشعور بالسلطان الإلهی الأعلى الذی هو روح العبادة، وسرها.(1)
إنّ عبارة: الشعور بالسلطان الإلهی حاکیة عن أنّ الفرد العابد حیث إنّه یعتقد بالوهیة المعبود، لذلک یکون عمله عبادة وما لم یتوفر مثل هذا الاعتقاد فی عمله لا یتصف بالعبادة.
2. وقد جاء شیخ الأزهر الأسبق الشیخ محمود شلتوت بتعریف یتحد مع ما ذکره صاحب المنار معنى ویختلف معه لفظاً، فقال:
العبادة خضوع لا یحد لعظمة لا تحد.(2)
فالتعریفان متحدان نقداً وإشکالاً، فلیلاحظ، وان کان تفسیر المنار یختص بإشکال آخر، حیث إنّه یقول: العبادة ناشئة عن استشعار القلب عظمة لا یعرف منشؤها فی حین أنّ العابد یعلم أنّ علة العظمة هی: السلطة الإلهیة، التی هی الوهیة المعبود والإحساس بالحاجة الشدیدة إلیه، وأنّ بیده مصیر العابد، وغیر ذلک من الدوافع، فکیف لا یعرف منشؤها؟.(3)
3. وأکثر التعاریف عرضة للإشکال هو تعریف ابن تیمیة، إذ قال:
العبادة اسم جامع لکل ما یحبه اللّه ویرضاه من الأقوال والأعمال الباطنیة والظاهریة کالصلاة، والزکاة والصیام، والحج، وصدق الحدیث، وإداء الأمانة وبر الوالدین، وصلة الأرحام.(4)
وهذا الکاتب لم یفرق ـ فی الحقیقة ـ بین العبادة، وبین التقرّب، وتصوّر أنّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . تفسیر المنار: 1/57.
2 . تفسیر القرآن الکریم : 37.
3 . آلاء الرحمن: 59.
4 . مجلة البحوث الإسلامیة: العدد2/187 نقلاً عن کتاب العبودیة: 38.
_____________________________________ [الصفحة 486] _____________________________________
کل عمل یوجب القربى إلى اللّه فهو عبادة له تعالى أیضاً، فی حین أنّ الأمر لیس کذلک، فهناک أُمور توجب رضا اللّه، وتستوجب ثوابه قد تکون عبادة کالصوم والصلاة والحج، وقد تکون موجبة للقربى إلیه دون أن تعد عبادة کالإحسان إلى الوالدین وإعطاء الزکاة والخمس، فکل هذه الأُمور (الأخیرة) توجب القربى إلى اللّه فی حین لا تکون عبادة، وإن سمیت فی مصطلح أهل الحدیث عبادة فیراد منها کونها نظیر العبادة فی ترتب الثواب علیها.
وبعبارة أُخرى: إنّ الإتیان بهذه الأعمال یعد طاعة للّه، ولکن لیس کل طاعة عبادة.
وإن شئت قلت: إنّ هناک أُموراً عبادیة، وأُموراً قربیة، وکل عبادة قربة، ولیس کل قربة عبادة، فدعوة الفقیر إلى الطعام والعطف على الیتیم ـ مثلاً ـ توجب القرب ولکنها لیست عبادة، بمعنى أن یکون الآتی بها عابداً بعمله للّه تعالى.
_____________________________________ [الصفحة 487] _____________________________________
5 ما هو معنى الإلوهیة وما هو ملاکها؟ [487-496]3 العبادة هی الخضوع عن اعتقاد بإلوهیة [455-468]
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma