تجلّـی الفطرة عند الشدائد [44-49]

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
مفاهیم القرآن
تنبیه إلى عدة نقاط [50-67]التعالیم الدینیة أُمور فطریة [41-44]
من المعلوم أنّ فطریة الإیمان باللّه لا تعنی بالضرورة أن یکون الإنسان متوجهاً إلى اللّه دائماً ملتفتاً إلیه متذکراً إیّاه فی جمیع حالاته وآونة حیاته الیومیة، إذ رب عوامل تتسبب فی إخفاء هذا الإحساس فی خبایا النفس وحنایاها وتمنع من تجلیه، وظهوره على سطح الذهن، وفی مجال الوعی والشعور.
وأمّا عند ما یرتفع ذلک الحجاب المانع عن الفطرة فالإنسان یسمع نداء فطرته بوضوح.
أجل .. هذه حقیقة لا تنکر .. فعندما یواجه المرء حوادث مخیفة نجده
_____________________________________ [الصفحة 45] _____________________________________
یتوجه إلى اللّه، ویستنجد به بحکم فطرته طالباً منه تیسیر عمله، وتسهیل أمره.
عندما تقع للإنسان حوادث خطیرة کهجوم الأمواج العاتیة على السفینة التی یرکبها فی عرض البحر، أو حدوث عطل فنی فی الطائرة التی یمتطیها فی الجو، أو انحراف السیارة التی یستقلها، أو یتعرض لهجوم سیل کاسح على قریته أو مدینته.
أقول: عندما یواجه الإنسان أحد هذه المخاطر نراه یتوجه من فوره ـ وبصورة تلقائیة فطریة ـ إلى اللّه، وتحدث لدیه حالة عرفانیة قلبیة، یطلب فیها من اللّه سبحانه الخلاص والنجاة.
ففی هذه الحالة صار الخوف مذکراً له بنداء الفطرة وکاشفاً عنها لا موجداً للإیمان باللّه.
فلا یصح لنا أن نستنتج من توجه البشر إلى اللّه فی هذه الحالة وفی هذه اللحظات من حیاته بأنّ الإیمان ولید الخوف والرهبة من الطبیعة الغاضبة کما یدعی المارکسیون ومن حذا حذوهم بل الخوف مجرد وسیلة تکشف الغطاء عن ذلک الإیمان المغروس فی أعماق البشر ، المودوع فی الفطرة بید الخالق العظیم.
إنّ غریزة حب الجمال واکتناز الثروة وطلب العلم رغم أنّها أُمور مجبولة مع فطرتنا ومعجونة مع خلقتنا فهی لا تظهر
ولا تتفتّح ولا تبرز فی کل الأوقات والظروف، ولا تتجلّـى فی عالم الذهن فی کل الأزمنة والأحوال ما لم تتهیّأ الظروف المناسبة لها فی وجودنا.
وکذلک تکون غریزة التدیّن وفطرة الإیمان باللّه.
وها هو القرآن الکریم یذکرنا بهذه الحقیقة فیخبرنا کیف أنّ فریقاً من البشر یذکرون اللّه ویتوجهون إلیه فی مواقع الشدة،
_____________________________________ [الصفحة 46] _____________________________________
والخطر .. أی عندما تواجه سفنهم طغیان الأمواج ـ مثلاً ـ .
ففی هذا الموضع ـ بالذات ـ یتذکّرون اللّه وینسون ما سواه من العلل المادیة حتى الأصنام التی کانوا یتصورون بأنّـها مقربة لهم إلى اللّه، فیدعون اللّه ویطلبون منه بکل إخلاص أن ینجیهم مما هم فیه:
(هُوَ الَّذِی یُسَیِّرُکُمْ فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا کُنْتُمْ فِی الْفُلْکِ وَجَرَیْنَ بِهِمْ بِریح طَیِّبَة وَفَرِحُوا بِها جَاءَتْهَا رِیحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن کُلِّ مَکَان وَظَنَّوا أَنَّهُمْ أُحِیْطَ بِهِمْ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ لَئِنْ أَنْجَیْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَکُونَنَّ مِنَ الشَاکِرِینَ *
فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ یَبْغُونَ فِی الأرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ ...)(1)
(فَإِذَا رَکِبُوا فِی الْفُلْکِ دَعَوا اللّهَ مُخْلِصِینَ لهُ الدِّینَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ یُشْرِکُونَ)(2).
(وَإِذَا غَشِیَهُمْ مَوْجٌ کَالظُّلَلِ دَعَوا اللّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا یَجْحَدُ بِ آیَاتِنَا إِلاَّ کُلُّ خَتَّار کَفُور)(3)
(وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا کَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ کَأَنْ لَمْ یَدْعُنَا إِلَى ضُرّ مَسَّهُ کَذَلِکَ زُیِّنَ لِلْمُسْرِفِینَ مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ)(4).
(وَمَا بِکُمْ مِنْ نِعْمََة فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إَذَا مَسَّکُمُ الضُّرُّ فَإِلَیْهِ تَجْأَرُونَ * ثمَّ إِذَا کَشَفَ الضُّرَّ عَنْکُمْ إِذَا فَرِیقٌ مِنْکُمْ بِرَبِّهِمْ یُشْرِکُونَ)(5)
1 . یونس: 22 ـ 23.
2 . العنکبوت: 65.
3 . لقمان: 32.
4 . یونس: 12.
5 . النحل: 53 ـ 54.
_____________________________________ [الصفحة 47] _____________________________________
(وَإِذَا مَسَّکُمُ الضُّرُّ فِی الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِیَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاکُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَکَانَ الإنْسَانُ کَفُوراً)(1)
(وَإَذَا مَس النَّاسَ ضُُرٌّ دَعوْا رَبَّهُمْ مُنِیبِینَ إِلَیْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِیقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ یُشْرِکُونَ)(2)
هذه الآیات کلها تفید أنّ الإیمان باللّه مزروع فی فطرة الإنسان، غایة ما فی الأمر أنّ الإنسان قد یغفل عن ذلک بعض الأحیان بسبب ما یعتریه من سهو ولهو ولذات منسیة سریعة الفوت، ولکنَّه سرعان ما یعود بحکم فطرته إلى اللّه ـ عندما یواجه الشدائد وتفقد الحیاة رتابتها ـ فهنالک لا یرى سوى اللّه منقذاً ومخلصاً، ولا یرى فی غیره ولیاً ولا نصیراً.
هل الإیمان بوحدانیة اللّه فطری أیضاً؟
یعتقد فریق من العلماء أنّ الآیات المذکورة ناظرة إلى مسألة فطریة الاعتقاد بوحدانیة اللّه لا إلى مسألة فطریة الاعتقاد بوجوده تعالى.
فقد کتب من هذا الفریق من یقول:
لو کانت هذه الآیات تتحدث عن فطریة شیء، فهی إنّما تتحدث ـ فی الحقیقة ـ عن فطریة وحدانیة اللّه لا عن فطریة أصل وجوده.
وذلک لأنّ هذه الآیات موجهة ـ أساساً ـ إلى المشرکین الذین کانوا یتخذون مع اللّه إلهاً أو آلهة أُخرى.
1 . الإسراء: 67.
2 . الروم: 33.
_____________________________________ [الصفحة 48] _____________________________________
وبذلک یکشف شأن نزولها عن أنّ الأمر الموصوف بالفطریة والمنعوت بکونه جبلیاً هنا لیس هو الاعتقاد بوجود اللّه بل هو الاعتقاد بوحدانیته کما لا یخفى.
الجواب:
ویمکن الإجابة على هذا الاعتراض بجوابین:
1. أنّ هذا الکلام ـ لو صح ـ إنّما هو صادق بالنسبة للآیات التی تتحدث عن حالة راکبی الفلک(1) حینما تعتریهم الأمواج الطاغیة فیتوجهون ـ فی غمرة الخوف والانقطاع ـ إلى اللّه فیما یتوجهون فی غیر هذه اللحظات إلى معبوداتهم وآلهتهم المزعومة المصطنعة مشرکین، حائدین عن جادة التوحید .
وأمّا تلکم الآیات التی تصف أُصول التعالیم الدینیة بالفطریة، وتعتبرها أُموراً نابعة من صمیم ذاته ومنطبقة مع جبلته، ومقتضى خلقته فخارجة عن مجال هذا الکلام والاعتراض.
ففی هذه الآیات الأخیرة لم یعتبر التوحید فقط أمراً فطریاً جبلیاً بل اعتبر العلم بالمحسنات والمقبحات والعلم بالتقى والفجور کما فی قوله تعالى: (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) (2) أو العلم بالدین کما فی قوله: (فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفاً فِطْرَتَ اللّهِ)(3)
أقول: اعتبر العلم بهذه الأُمور فطریاً.
1 . یونس: 23، و العنکبوت: 65، لقمان 32، والإسراء: 67.
2 . الشمس: 8.
3 . الروم: 30.
_____________________________________ [الصفحة 49] _____________________________________
وفی هذه الصورة لا منافاة بین فطریة الاعتقاد بأصل وجود اللّه والاعتقاد بوحدانیته فطریاً، لأنّ کل ذلک یندرج تحت إطار التعالیم الدینیة على السواء.
2. وحتى لو أغمضنا النظر عن هذا الجواب وقصرنا النظر على آیات راکبی الفلک، فإنّ الاعتراض لن یصح فی موردها أیضاً.
وذلک لأنّ المشرکین رغم اعتقادهم باللّه ،فإنَّهم ما کانوا یعبدون ـ فی الأوقات الاعتیادیة ـ إلاّ أوثانهم خاصة، فلم یکن لدیهم فی تلک الأحیان أی توجه إلى اللّه أبداً، بینما کان هذا الأمر ینعکس تماماً عند مواجهة الأخطار والشدائد فکانوا یتوجهون إلى اللّه وحده، یعبدونه وحده، ویتضرعون إلیه وحده، وأمّا الأصنام فکانت تسلم إلى ید الإهمال والنسیان.
من هذا الأمر یمکن استنباط الحقیقة التالیة، وهی أنّه کما أنّ وحدانیة اللّه أمر فطری کذلک الاعتقاد بأصل وجوده فطری أیضاً.
لأنّ المشرک ـ کما لاحظنا ـ لم یتوجه فی الشدائد إلاّ إلى اللّه الذی کان ینسى وجوده وصفته فی الحالات الاعتیادیة نسیاناً مطلقاً وکأنّ اللّه لم یکن.
ولا ریب أنّ هذه الالتفاتة بعد تلک الغفلة الشاملة للذات أیضاً، علامة أنّ الذات والصفة، ونعنی ذات اللّه ووحدانیته کلاهما أمران فطریان.
وبعبارة أُخرى: إذا کان الاعتقاد بصفة من صفات اللّه فطریاً فمن الأحرى أن یکونأصل الاعتقاد بوجوده کذلک أمراً فطریاً لدى الإنسان، ولذلک فإنّ الآیات المذکورة حتى إذا کانت تعنی فطریة التوحید ـ حسبما ادّعوا ـ فإنّها تعنی بالضرورة والأولویة فطریة الإیمان بوجود اللّه.
_____________________________________ [الصفحة 50] _____________________________________
تنبیه إلى عدة نقاط [50-67]التعالیم الدینیة أُمور فطریة [41-44]
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma