إشکالات هذه النظریة [91-102]

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
مفاهیم القرآن
النظریة الرابعة [103-110] النظریة الثانیة [86-91]
هذه النظریة وإن کانت أفضل من سابقتها، إلاّ أنّها رغم ذلک لا تخلو من نقود وإشکالات نذکر طرفاً منها:
1. أنّ ظاهر الآیة المبحوثة هنا حاک عن أنّ حادثة أخذ المیثاق قد تحقَّقت فی الزمن السابق بدلیل قوله : (وإذ أخذ) .
ولفظة (إذ) تستعمل فی الماضی، وإذا ما اتفق أن استعملت فی المستقبل کان ذلک تجوزاً ولعنایة خاصة اقتضاها المقام مثل: (وَإِذْ قَالَ اللّهُ یَا عِیسَى ابْنَ مَرْیَمَ ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِی وَأُمِّیَ إِلَهَیْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ)(2) ،فإنّ من المسلّم أنّ الباری تعالى لم یقل هذا الکلام لعیسى بن مریم فی الماضی، وإنّما سیقوله له فی المستقبل [أی فی یوم القیامة] ... ویسوغ استعمال إذ و قال فی المستقبل کون
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . فلسفة المیثاق والولایة: 3 ـ 5.
2 . المائدة: 116.
_____________________________________ [الصفحة 92] _____________________________________
هذا المستقبل محقّق الوقوع فیکون کالماضی.
وعلى کل حال فإنّ ظرف توجه هذا الخطاب القرآنی إلى النبی ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ أو إلى المسلمین أو إلى عامة البشر هو ظرف نزول القرآن، ولکن ظرف وقوع أخذ المیثاق هو الماضی، ولذا جاءت الآیة مبتدئة بـ إذ الذی هو بمعنى واذکر إذ.
فإذا کانت الآیة ناظرة إلى خلقة الإنسان وتکوینه مع الاستعدادات القابلة لهدایته إلى اللّه ـ کما تقوله النظریة هذه ـ ففی هذه الصورة یکون ظرف هذا الحادث وظرف الخطاب واحداً، وهذا خلاف ظاهر الآیة حیث یفید تعدّد ظرفی أخذ المیثاق، والخطاب.
2. إذا کان هدف الآیة هو بیان أنّ الإنسان خلق مع سلسلة من القابلیات الفطریة والعقلیة التی تهدیه إلى اللّه، ففی هذه الصورة لماذا یقول اللّه:
(وأشهدهم على أنفسهم) ؟
فی حین کان المناسب أن یقول:
فعرف نفسه لهم.
ولماذا قالوا فی آیة أُخرى:
(بلى شهدنا)
وکان الأحرى أن یقولوا:
بلى عرفناک؟
3. انّ تفسیر قول اللّه تعالى (ألست بربکم قالوا بلى) بالخطاب والجواب التکوینیین وان کان صحیحاً فی حد ذاته إلاّ أنّه خلاف الظاهر قطعاً .. إذ أنّ
_____________________________________ [الصفحة 93] _____________________________________
ظاهر الآیة هو الخطاب والجواب التشریعیین.
ومعلوم أنّ الأخذ بما هو خلاف الظاهر لا یصح ما لم یدل علیه دلیل، وما لم یصرفنا عن الأخذ بالظاهر صارف وجیه.
4. هذه النظریة أعنی: أخذ المیثاق بمعنى خلق الإنسان مع قابلیات فطریة وعقلیة تهدیه إلى اللّه بیان ملخّص للتوحید الفطری والاستدلالی.
ولو کان هذا هو هدف القرآن من هذه الآیة، لتعیّـن علیه أن یبیّـن ذلک بعبارة أوضح.
النظریة الثالثة
وهی ما ذهب إلیها وارتآها الأُستاذ الجلیل العلاّمة الطباطبائی، مؤلّف تفسیر المیزان، حیث فسر آیة المیثاق هذه، بنحو نذکر توضیحه قبل نقل نص ما قاله حرفیاً:
وإلیک هذا التوضیح فی نقاط:
1. انّ الزمان ظاهرة تدریجیة الظهور، فأجزاء الزمان ـ بحکم کونه حادثاً ـ لا تجتمع فی مکان واحد، وهذه الخاصیة ونعنی بها خاصیة الظهور والحدوث التدریجی والتقطیع والتفرق لا تختص بالزمان فقط، بل تشمل کل حادث وتعم کل حادثة ظاهرة تستقر على بساط الزمن.
2. لا شک أنّ حوادث العالم تنقسم بالنسبة إلینا إلى:
حوادث الماضی.
وحوادث الحاضر .
_____________________________________ [الصفحة 94] _____________________________________
وحوادث المستقبل.
ولکل حادث زمان ومکان خاصان، ولا یمکن للإنسان الذی یعیش ضمن نطاق الزمان أن یشهد کل الحوادث دفعة واحدة وفی نظرة واحدة، ولا یمکن أن تجتمع کلها لدیه.
ولکن الناظر إلى الحوادث لو شاهدها من فوق نطاق الزمان والمکان، ونظر إلى کل أجزاء الزمان على أنّها ظاهرة واحدة فحینئذ ینتفی مفهوم الماضی والحاضر والمستقبل.
ولتقریب هذا الأمر إلى الذهن نشیر إلى بعض الأمثلة التی تقرب هذه الحقیقة إلى الذهن فنقول:
3. لنفترض شخصاً جالساً فی غرفة وهو ینظر من روزنة صغیرة جداً إلى خارج تلک الغرفة وفی هذا الأثناء یمر من أمام تلکم الروزنة قطار إبل، فإنّ من المسلّم ـ فی هذه الحالة أن لا یرى ذلک الشخص فی کل لحظة إلاّ بعیراً واحداً.
أمّا إذا صعد هذا الشخص على سطح تلک الغرفة فإنّه یتسنى له فی هذه الحالة أن یرى کل الآبال فی نظرة واحدة وفی لحظة واحدة، ولیس جملاً واحداً فی کل لحظة کما کان ینظر من خلال الروزنة داخل الغرفة.
إنّ مثل المحبوس فی نطاق الزمن الناظر إلى الحوادث من خلال هذا المنفذ مثل الجالس فی الغرفة ـ فی المثال المذکور ـ لا یرى الأشیاء إلاّ تدریجاً.
أمّا إذا تسنّى للإنسان أن ینظر إلى الحوادث من فوق هذا النطاق، فإنّه یمکنه حینئذ أن یرى کل أجزاء الشیء وحالاته فی مکان واحد ودفعة واحدة، لأنّه فی مثل هذه الحالة سینظر إلى الشیء من خلال المنظار الواسع.
_____________________________________ [الصفحة 95] _____________________________________
4. لنتصور نملة تسیر فوق سجّاد ملوّن، فإنّ هذه النملة ستشاهد فی کل لحظة لوناً واحداً لا أکثر، لمحدودیة نظرها، وصغر أُفق رؤیتها.
أمّا الإنسان حیث إنّه یتمتع بنظر أوسع، فإنّه یرى کل ألوان ذلک السجّاد والبساط دفعة واحدة.
5. لنتصوّر أنفسنا ونحن جلوس فی مکان ما من ضفاف النیل ننظر إلى الماء ونراقب جریانه وتموّجاته، فإنّنا لن نرى فی هذه الحالة إلاّ جانباً محدوداً من جریان هذا النهر العظیم وجانباً من مائه وتموّجاته.
ولکنّنا عندما ننظر إلى النیل من طائرة محلّقة فوق ذلک النهر، فإنّنا سنرى جانباً أعظم وأکثر من مسیره ومسیله وتموّجاته وتعرّجاته.
من هذا البیان یتضح أنّ بُعد الحوادث و قُربها إنّما یصدق بالنسبة إلى من یعیش ضمن نطاق الزمان، فالزمان هو الذی یقرّبه من الحوادث أو یبعده عنها، ولکن الموجودات التی تعیش فوق الزمان والمکان، فلا یصدق فی حقّها الفاصل الزمانی أو المکانی.
6. للإنسان ولغیره من أجزاء هذا العالم ممّا یعیش ضمن نطاق الزمان وجهان:
وجه بالنسبة إلى اللّه.
ووجه بالنسبة إلى الزمان.
فهی من جهة کونها مرتبطة باللّه، وکون اللّه تعالى محیطاً بها لا یکون شیء من أجزائها بغائب عن بعضها، کما لا یکون اللّه بغائب عنها، ولا هی بغائبة عن ساحة اللّه ومتناول علمه..
_____________________________________ [الصفحة 96] _____________________________________
بل کل کائنات العالم [دون أن یکون فیها ماض ومستقبل] حاضرة عنده سبحانه .
وکیف یمکن أن تکون تلک الأشیاء على غیر هذا النحو، فی حین أنّ العالم بأسره من صنعه وفعله، ولا شیء من المصنوع بغائب عن صاحبه وصانعه.
وإلى ذلک یشیر الإمام زین العابدین علی بن الحسین ـ علیه السَّلام ـ فی دعائه قائلاً:
کیف یخفى علیک ـ یا إلهی ـ ما أنت خلقته؟! وکیف لا تحصی ما أنت صنعته؟! أو کیف یغیب عنک ما أنت تدبّره؟!.(1)
ولکن هذه الموجودات من حیث کونها تعیش فی بطن الزمان، وتکون مزیجة به، لذلک تبدو فی شکل حوادث متناثرة وأجزاء متفرّقة ومختلفة تتخلّلها فواصل زمنیة .. وهنا تمنعها عوامل معینة من حضور اللّه عندها.(2)
[لا حضورها عند اللّه] فیوجد بین اللّه وبین رؤیتها القلبیة له حجاب حائل.
فی هذا المحاسبة یعمد الأُستاذ الطباطبائی إلى تقسیم العالم إلى وجهین:
الباطن.
والظاهر.
فیکون الوجود الجمعی للعالم هو الباطن، والوجود الجزئی المتفرق هو الظاهر.
ویستفید الأُستاذ الطباطبائی لإثبات هذین الوجهین من بعض الآیات، ویقول: إنّ جملة کن فیکون إشارة إلى هذین الجانبین:
الجمعی والتدریجی.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الصحیفة السجادیة: الدعاء 52.
2 . أی أن تکون هی عالمة باللّه.
_____________________________________ [الصفحة 97] _____________________________________
فیقول: إنّ لفظة کن إشارة إلى الوجود الدفعی الجمعی للعالم(1) خصوصاً إذا ضممنا هذا المقطع من الآیة إلى الآیة 50 من سورة القمر ، وهی:
(ومَا أمْرُنا إلاّ واحدةٌ کَلَمْح بالبَصَر) .
بتقریب أنّ وحدة الأمر لا تعنی إلاّ أن تتواجد کل الحوادث فی مکان واحد دفعة واحدة دون تفرّق أو تدرّج وذلک بعد توجّه الخطاب کن إلیها.
وجملة فیکون الحاکیة عن التدریجیة والتواجد التدریجی إشارة إلى الجانب التدریجی والظهور المتفرق لهذا العالم.
من هذا البیان الذی قرّرناه بتوضیح وشرح منا نستنتج أنّ الآیة المبحوثة [أی آیة أخذ المیثاق ]ناظرة إلى حالة الوجود والحضور الجمعی الدفعی عند حضرة ذی الجلال حضوراً لا تتصور فیه غیبة، وکأنّ کل أبناء آدم أخذوا وجمعوا من ظهور آبائهم، وحضروا عند اللّه، وفی هذه الحالة من الطبیعی أن یجد کل إنسان ربه، ووجدانه للّه تعالى دلیل واضح على وجود اللّه وربوبیته.
ولکن استقرار الإنسان ضمن نطاق الزمان وتطورات الحیاة أشغله بحیث نسی نفسه وغفل عن علمه الحضوری باللّه
[أی علمه باللّه الناشئ من حضوره بین یدیه سبحانه ].
وإلیک فیما یلی نص ما قاله العلاّمة الطباطبائی فی میزانه:
إنّ لکل شیء عند اللّه وجوداً وسیعاً غیر مقدّر فی خزائنه، وإنّما یلحقه الأقدار إذا نزله إلى الدنیا مثلاً:
فللعالم الإنسانی على سعته سابق وجود عنده تعالى فی خزائنه أنزله إلى هذه
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الحاضر عند اللّه بمجموعه وکله وأسره.
_____________________________________ [الصفحة 98] _____________________________________
النشأة.
وأثبت بقوله: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِی بِیَدِهِ مَلَکُوتُ کُلِّ شَیْء)(1) ، (وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ واْحِدَةٌ کَلَمْح بِالْبَصَرِ)(2) وما یشابههما من الآیات، أنّ هذا الوجود التدریجی الذی للأشیاء ومنها الإنسان هو أمر من اللّه یفیضه على الشیء، ویلقیه إلیه بکلمة کن إفاضة دفعیة وإلقاء غیر تدریجی فلوجود هذه الأشیاء وجهان:
وجه إلى الدنیا، وحکمه أن یحصل بالخروج من القوة إلى الفعل تدریجیاً ومن العدم إلى الوجود شیئاً فشیئاً ویظهر ناقصاً ثم لا یزال یتکامل حتى یفنى ویرجع إلى ربّه.
ووجه إلى اللّه سبحانه وهی بحسب هذا الوجه أُمور غیر تدریجیة، وکل ما لها فهو لها فی أوّل وجودها من غیر أن تحتمل قوة تسوقها إلى الفعل.
وهذا الوجه غیر الوجه السابق وإن کانا وجهین لشیء واحد وحکمه غیر حکمه وإن کان تصوره التام یحتاج إلى لطف قریحة .. وقد شرحناه فی الأبحاث السابقة بعض الشرح وسیجیء إن شاء اللّه استیفاء الکلام فیه.
ومقتضى هذه الآیات أنّ للعالم الإنسانی على ماله من السعة وجوداً جمعیاً عند اللّه سبحانه ، وهو الذی یلی جهته تعالى ویفیضه على أفراده لا یغیب فیها بعضهم عن بعض ولا یغیبون فیه عن ربهم ولا هو یغیب عنهم، وکیف یغیب فعل عن فاعله، أو ینقطع صنع عن صانعه؟ وهذا هو الذی یسمّیه اللّه سبحانه
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . یس: 83.
2 . القمر: 50.
_____________________________________ [الصفحة 99] _____________________________________
بالملکوت ویقول: (وَکَذَلِکَ نُرِیَ إِبْرَاهِیمَ مَلَکُوتَ السَّموَاتِ وَالأرْضِ وَلِیَکُونَ مِنَ الْمُوقِنِینَ).(1)
وأمّا هذا الوجه الدنیوی الذی نشاهده نحن من العالم الإنسانی وهو الذی یفرّق بین الآحاد، ویشتت الأحوال والأعمال بتوزیعها على قطعات الزمان، وتطبیقها على مر اللیالی والأیام، ویحجب الإنسان عن ربه بصرف وجهه إلى التمتعات المادیة الأرضیة، واللذائذ الحسیة فهو متفرع على الوجه السابق متأخر عنه، وموقع تلک النشأة وهذه النشأة فی تفرعها علیها موقعا کن ویکون فی قوله تعالى: (أن یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ).(2)
و یتبیّن بذلک أنّ هذه النشأة الإنسانیة الدنیویة مسبوقة بنشأة أُخرى إنسانیة هی هی بعینها غیر أنّ الآحاد موجودون فیها غیر محجوبین عن ربّهم یشاهدون فیها وحدانیته تعالى فی الربوبیة بمشاهدة أنفسهم لا من طریق الاستدلال، بل لأنّهم لا ینقطعون عنه ولا یفقدونه ویعترفون به وبکل حق من قبله. وأمّا قذارة الشرک وألواث المعاصی فهو من أحکام هذه النشأة الدنیویة دون تلک النشأة التی لیس فیها إلاّ فعله تعالى القائم به.
وأنت إذا تدبّرت هذه الآیات ثم راجعت قوله تعالى: (وإذ أخذ ربک من بنی آدم من ظهورهم ذریتهم ...)
وأجدت التدبّر فیها وجدتها تشیر إلى تفصیل أمر تشیر هذه الآیات إلى إجماله.
فهی تشیر إلى نشأة إنسانیة سابقة فرّق اللّه فیها بین أفراد هذا النوع ومیّز
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الأنعام: 75.
2 . یس: 82.
_____________________________________ [الصفحة 100] _____________________________________
بینهم وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربکم؟ قالوا: بلى شهدنا.(1)
أسئلة حول هذه النظریة
هناک أسئلة تفرض نفسها حول هذه النظریة لابد من طرحها هنا، لأنّه ما لم یجب علیها بإجابات قاطعة لا یمکن الاعتماد على هذه النظریة .
وإلیک فیما یأتی بعض هذه الأسئلة:
1. لا شک أنّ هذا العالم یتجلّـى للشخص المحیط الناظر إلیه من فوق الزمان والمکان على غیر ما یتجلّـى للمحاط الغارق فی الزمان والمکان.
وبعبارة أُخرى: فإنّه یمکن أن ینظر إلى هذا العالم من منظارین:
أ. من منظار الناظر المحیط بالزمان والمکان.
وفی هذه الصورة لا وجود للتفرّق والتشتّت بل ما یراه هو الوجود الجمعی للأشیاء، والظواهر.
ب. من منظار الناظر المحاط بالزمان والمکان.
وفی هذه الصورة لا یرى إلاّ الوجود المتفرّق المتشتّت المتناثر التدریجی لجمیع الظواهر والحوادث.
ولکن هذا الاختلاف فی السعة والضیق فی المرأى، هل هو عائد إلى السعة والضیق فی الرائی، ونظرة الناظر بمعنى
أنّ فی الأُولى یکون لدى الرائی قدرة على النظر الواسع فیما یکون الرائی فی الصورة الثانیة فاقداً لهذه القدرة،
أم أنّ هذا الاختلاف یرجع إلى نفس الظواهر والحوادث؟
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . راجع تفسیر المیزان: 8/334 ـ 336.
_____________________________________ [الصفحة 101] _____________________________________
لا شک أنّ هذا الاختلاف لا یرتبط بذات الکون وذات الحوادث والظواهر، بل هو مرتبط بسعة رؤیة الناظر إن کان محیطاً، تلک السعة التی تمکّنه من مشاهدة کل نقوش البساط وألوانه، وکل تموّجات النهر وتعرّجاته، وکل عربات القطار دفعة واحدة کما فی الأمثلة السابقة.
فی حین أنّ فقدان هذه السعة فی رؤیة الشخص الآخر یجعله لا یرى فی کل لحظة إلاّ حادثة واحدة فقط، وإلاّ تموّجاً واحداً من النهر، وإلاّ لوناً واحداً من ألوان البساط.
ومن هذا البیان یتبیّـن أنّه لیس للعالم وجهان ونشأتان:
نشأة باسم الباطن.
وأُخرى باسم الظاهر.
وبعبارة أُخرى انّه لیس للظواهر والحوادث مرحلتان:
مرحلة الوجود الجمعی الدفعی.
ومرحلة الوجود التدریجی.
بل لیس للظاهرة ـ فی الحقیقة ـ تحقّقان ووجودان إنّما هو وجود واحد، وتحقّق واحد، یرى تارة فی صورة المجتمع، وأُخرى فی صورة المتفرّق.
وأمّا الاختلاف ـ لو کان ـ فهو یرجع إلى قدرة الملاحظ وسعة نظرته وضیقها، ولیس إلى ذات الحوادث والظواهر.
2. انّ حضور الحوادث والظواهر عند اللّه دلیل على علم اللّه بها جمیعاً، لأنّ حقیقة العلم لیست إلاّ حضور المعلوم عند العالم وحیث إنّ موجودات العالم من فعله سبحانه وقائمة به فهی إذن حاضرة لدیه.
_____________________________________ [الصفحة 102] _____________________________________
ونتیجة هذا الحضور لیست سوى علم اللّه بها ولکن لا یدل مثل هذا الحضور على علم الموجودات هی بالخالق الواحد سبحانه .
وبعبارة أُخرى لو کان هدف الآیة هو بیان أنّ اللّه أخذ من بنی آدم الإقرار بربوبیته والشهادة بها من جهة حضور هذه الموجودات لدى اللّه ـ کما تفیده هذه النظریة ـ یلزم علم اللّه بهذه الموجودات والحوادث لا علم هذه الحوادث والموجودات باللّه تعالى، فلا یتحقّق معنى الشهادة والإقرار .
فإنّه ربّما یتصور إنّ حضور الأشیاء عند اللّه کما یستلزم علمه بها، کذلک یستلزم علم تلک الموجودات باللّه.
ولکن هذا وهم خاطئ وتصور غیر سلیم، لأنّ الحضور إنّما یکون موجباً للعلم إذا اقترن بقیام الشیء باللّه وإحاطته سبحانه بذلک الشیء، ومثل هذا الملاک موجود فی جانب اللّه حیث إنّه قیوم [تقوم به الأشیاء ]محیط بالکون فی حین أنّه لا یوجد هذا الملاک فی جانب الموجودات، لأنّها محاطة وقائمة باللّه
(أی لیست محیطة باللّه ولا أنّ اللّه سبحانه قائم بها حتى تعلم هی به تعالى).
3. انّ هذا التوجیه والتفسیر لآیة المیثاق بعید عن الأذهان العامة، ولا یمکن إطلاق اسم التفسیر علیه، بل هو للتأویل أقرب منه إلى التفسیر .
نعم غایة ما یمکن قوله هو أنّ هذه النظریة تکشف عن أحد أبعاد هذه الآیة، لکنَّه لیس البعد المنحصر والوحید.
هذا مضافاً إلى أنّ ألفاظ هذه الآیة مثل قوله: (فأشهدهم على أنفسهم) ونظائره الذی هو بمعنى أخذ الشهادة والاعتراف والإقرار لا یتلاءم ولا ینسجم مع هذا التفسیر .
_____________________________________ [الصفحة 103] _____________________________________
النظریة الرابعة [103-110] النظریة الثانیة [86-91]
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma