2 هل العبادة هی مطلق الخضوع أو التکریم؟ [442-454]

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
مفاهیم القرآن
3 العبادة هی الخضوع عن اعتقاد بإلوهیة [455-468]دوافع الشرک فی العبادة [427-441]
لأئمّة اللغة العربیة فی المعاجم تعاریف متقاربة للفظة العبادة، فهم یفسرون العبادة بأنّها الخضوع والتذلّل وإلیک فیما یلی نصَّ أقوالهم:
1. یقول ابن منظور فی لسان العرب: أصل العبودیة: الخضوع والتذلّل.
2. ویقول الراغب فی المفردات: العبودیة إظهار التذلّل، والعبادة أبلغ منها، لأنّها غایة التذلّل، ولا یستحق إلاّ من له غایة الأفضال، وهو اللّه تعالى، ولهذا قال: (أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِیّاه)(1).
3. وفی القاموس المحیط للفیروز آبادی: العبادة: الطاعة.
4. وقال ابن فارس فی المقاییس: العبد له أصلان کأنّهما متضادان، والأوّل من ذینک الأصلین یدل على لین وذل، والآخر على شدة وغلظ.
ثم أتى بموارد المعنى الأوّل وقال:
من الباب الأوّل: البعیر المعبد أی المهنوء بالقطران، وهذا أیضاً یدل على ما
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 .یوسف: 40، الإسراء: 23.
_____________________________________ [الصفحة 443] _____________________________________
قلناه، لأنّ ذلک یذلّه ویخفض منه. والمعبد: الذلول، یوصف به البعیر أیضاً.
ومن الباب: الطریق المعبد، وهو المسلوک المذلّل.
بید أنّ العبادة وإن فسروها بالطاعة والخضوع والتذلل، أو إظهار نهایة التذلّل، لکن جمیع هذه التعاریف ما هی إلاّ نوع من التعریف بالمعنى الأعم، لأنّ الطاعة والخضوع وإظهار التذلّل لیست ـ على وجه الإطلاق ـ عبادة، لأنّ خضوع الولد أمام والده، والتلمیذ أمام أُستاذه، والجندی أمام قائده، لا یعد عبادة مطلقاً مهما بالغوا فی الخضوع والتذلّل، وتدل الآیات ـ بوضوح ـ على أنّ غایة الخضوع والتذلّل، فضلاً عن کون مطلق الخضوع، لیست عبادة، ودونک تلک الآیات:
1. سجود الملائکة لآدم الذی هو من أعلى مظاهر الخضوع حیث قال سبحانه :
(وَإِذْ قُلْنَا للملائکَةِ اسْجدوا لادم)(1).
فالآیة تدل على أنّ آدم وقع مسجوداً للملائکة، ولم یحسب سجودهم شرکاً وعبادة لغیر اللّه، ولم تصر الملائکة بذلک العمل مشرکة، ولم یجعلوا بعملهم نداً للّه وشریکاً فی المعبودیة، بل کان عملهم تعظیماً لآدم وتکریماً لشأنه.
وهذا هو نفسه خیر دلیل على أنّه لیس کل تعظیم أمام غیر اللّه عبادة له، وأنّ جملة: (اسجدوا لآدم) وإن کانت متحدة مع جملة: (اسجدوا للّه)إلاّ أنّ الأوّل لا یعد أمراً بعبادة غیره سبحانه ویعد الثانی أمراً بعبادة اللّه(2).
ویمکن أن یتصور ـ فی هذا المقام ـ أنَّ معنى السجود لآدم ـ فی هذه الآیة ـ
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . البقرة: 34.
2 . وهذا یدل على أنّ الاعتبار إنّما هو بالنیات والضمائر لا بالصور والظواهر.
_____________________________________ [الصفحة 444] _____________________________________
هو الخضوع له ،لا السجود بمعناه الحقیقی والمتعارف، ومعلوم أنّ مطلق الخضوع لیس عبادة، بل غایة الخضوع التی هی السجود، هی التی تکون عبادة.
أو یمکن أن یتصوّر أنّ المقصود بالسجود لآدم هو جعله قبلة لا السجود له سجوداً حقیقیاً.
ولکن کلا التصوّرین باطلان.
أمّا الأوّل فلأنّ تفسیر السجود فی الآیة بالخضوع خلاف الظاهر، والمتفاهم العرفی إذ المتبادر من هذه الکلمة ـ فی اللغة والعرف ـ هو الهیئة السجودیة المتعارفة لا الخضوع، کما أنّ التصوّر الثانی هو أیضاً باطل، لأنّه تأویل بلا مصدر ولا دلیل.
هذا مضافاً إلى أنّ آدم ـ علیه السَّلام ـ لو کان قبلة للملائکة لما کان ثمة مجال لاعتراض الشیطان، إذ قال:
(ءَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِیناً).(1)
لأنّه لا یلزم ـ أبداً ـ أن تکون القبلة أفضل من الساجد لیکون أی مجال لاعتراضه، بل اللازم هو: کون المسجود له أفضل من الساجد، فی حین أنّ آدم لم یکن أفضل فی نظر الشیطان منه، وهذا ممّا یدلّ على أنّ الهدف هو السجود لآدم.
یقول الجصاص: ومن الناس من یقول إنّ السجود کان للّه وآدم بمنزلة القبلة لهم، ولیس هذا بشیء، لأنّه یوجب أن لا یکون فی ذلک حظ من التفضیل والتکرمة، وظاهر ذلک یقتضی أن یکون آدم مفضلاً مکرماً، ویدل على أنّ الأمر بالسجود قد کان أراد به تکرمة آدم ـ علیه السَّلام ـ وتفضیله، قول إبلیس فیما حکى اللّه عنه:
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الإسراء: 61.
_____________________________________ [الصفحة 445] _____________________________________
(ءَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِیناً * أَرَأَیْتَکَ هَذَا الَّذِی کَرَّمْتَ عَلَیَّ)(1)، فأخبر إبلیس أنّ امتناعه من السجود لأجل ما کان من تفضیل اللّه وتکرمته بأمره إیّاه بالسجود له، ولو کان الأمر بالسجود له على أنّه نصب قبلة للساجدین من غیر تکرمة له ولا فضیلة لما کان لآدم فی ذلک حظ ولا فضیلة تحسد کالکعبة المنصوبة للقبلة.(2)
وعلى هذا فمفهوم الآیة هو أنّ الملائکة سجدوا لآدم بأمر اللّه سجوداً واقعیاً، وانّ آدم أصبح مسجوداً للملائکة بأمر اللّه، وهنا أظهر الملائکة من أنفسهم غایة الخضوع أمام آدم، ولکنهم ـ مع ذلک ـ لم یکونوا لیعبدوه.
وما ربما یتصور من أنّ سجود الملائکة لما کان بأمره سبحانه صح سجودهم له، إنّما الکلام فی الخضوع الذی لم یرد به أمر، فسیوافیک الجواب عن هذا الاحتمال الذی یردّده کثیر من الوهابیین فی المقام.
2. انّ القرآن یصرح بأنّ أبوی یوسف وإخوته سجدوا له، حیث قال:
(وَرَفَعَ أَبَوَیْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وقَالَ یَا أَبَتِ هَذَا تَأْویلُ رُؤیَایَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبّی حَقّاً).(3)
ورؤیاه التی یشیر إلیها القرآن فی هذه الآیة هو ما جاء فی مطلع السورة:
(إِنِّی رَأَیْتُ أَحَدَ عَشَرَ کَوْکَباً وَالشَّمْسَ وَالْقمَرَ رَأَیْتُهُمْ لِی سَاجِدِینَ).(4)
وقد تحققت هذه الرؤیا بعد سنوات طویلة فی سجود أخوة یوسف وأبویه
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الإسراء: 61 ـ 62.
2 . أحکام القرآن: 1/302.
3 . یوسف: 100.
4 . یوسف: 4.
_____________________________________ [الصفحة 446] _____________________________________
له، وعبَّر القرآن ـ فی کل هذه الموارد ـ بلفظ السجود لیوسف.
ومن هذا البیان یستفاد ـ جلیاً ـ أنّ مجرد السجود لأحد بما هو هو مع قطع النظر عن الضمائم والدوافع لیس عبادة، والسجود کما نعلم هو غایة الخضوع والتذلّل.
3. یأمر اللّه تعالى بالخضوع أمام الوالدین وخفض الجناح لهم، الذی هو کنایة عن الخضوع الشدید، إذ یقول:
(وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ).(1)
ومع ذلک لا یکون هذا الخفض: عبادة.
4. إنّ جمیع المسلمین یطوفون ـ فی مناسک الحج ـ بالبیت الذی لا یکون إلاّ حجراً وطیناً، ویسعون بین الصفا والمروة وقد أمر القرآن الکریم بذلک، حیث قال:
(وَلْیَطَّوَّفُوا بِالْبَیْتِ الْعَتِیقِ).(2)
(إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَیْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَیْهِ أَنْ یَطَّوَّفَ بِهِمَا).(3)
فهل ترى یکون الطواف بالتراب والحجر والجبل(4) عبادة لهذه الأشیاء؟
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الإسراء: 24.
2 . الحج: 29.
3 . البقرة: 158.
4 . المسلمون کلهم یستلمون الحجر الأسود ـ فی الحج ـ واستلام الحجر الأسود من مستحبات الحج، وهذا العمل یشبه من حیث الصورة (لا من حیث الواقعیة) أعمال المشرکین تجاه أصنامهم فی حین انّ هذا العمل یعد فی صورة شرکاً، وفی أُخرى لا یعد شرکاً بل یکون معدوداً من أعمال الموحدین المؤمنین، وهذا یؤید ما ذکرناه آنفاً من أنّ الملاک هو النیات والضمائر لا الصور والظواهر وإلاّ فهذه الأعمال بصورها الظاهریة لا تفترق عن أعمال الوثنیین.
_____________________________________ [الصفحة 447] _____________________________________
ولو کان مطلق الخضوع عبادة لزم أن تکون جمیع هذه الأعمال ضرباً من الشرک المجاز المسموح به، تعالى اللّه عن ذلک علواً کبیراً.
5. انّ القرآن الکریم یأمر بأن نتخذ من مقام إبراهیم مصلّى عندما یقول: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهیمَ مُصَلّىً).(1)
ولا ریب فی أنّ الصلاة إنّما هی للّه، ولکن إقامتها فی مقام إبراهیم الذی یرى فیه أثر قدمیه أیضاً نوع من التکریم لذلک النبی العظیم ولا یتصف هذا العمل بصفة العبادة مطلقاً.(2)
6. إنّ شعار المسلم الواقعی هو التذلّل للمؤمن والتعزّز على الکافر کما یقول سبحانه :
(فَسَوْفَ یَأْتِی اللّهُ بِقَوْم یُحِبُّهُمْ وَیُحِبُّونَهُ أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنینَ أَعِزة علَى الْکَافِرینَ).(3)
إنّ مجموع هذه الآیات من جانب ومناسک الحج وأعمإله من جانب آخر تدل على أنّ مطلق الخضوع والتذلّل، أو التکریم والاحترام لیس عبادة، وإذا ما رأینا أئمّة اللغة فسّروا العبادة بأنّها الخضوع والتذلّل کان هذا من التفسیر بالمعنى الأوسع، أی أنّهم أطلقوا اللفظة وأرادوا بها المعنى الأعم، فی حین أنّ العبادة لیست إلاّ نوعاً خاصاً من الخضوع سنذکره عما قریب.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . البقرة: 125.
2 . ثم إنّ بعض من یفسر العبادة بمطلق الخضوع یجیب عن الاستدلال بهذه الآیات بأنّ السجود لآدم أو لیوسف حیث کان بأمر اللّه سبحانه فبذلک خرج عن کونه شرکاً. وسنرجع إلى هذا البحث تحت عنوان هل الأمر الإلهی یجعل الشرک غیر شرک؟ فلاحظ.
3 . المائدة: 54.
_____________________________________ [الصفحة 448] _____________________________________
ومن هذا البیان یمکن أیضاً أن نستنتج أنّ تکریم أحد واحترامه لیست ـ بالمرة ـ عبادة ، لأنّه فی غیر هذه الصورة یلزم أن نعتبر جمیع البشر حتى الأنبیاء مشرکین، لأنّهم أیضاً کانوا یحترمون من یجب احترامه.
وقد أشار المرحوم الشیخ جعفر کاشف الغطاء (وهو أوّل من أدرک ـ فی عصره ـ عقائد الوهابیة وأخضعها للتحلیل) أشار إلى ما ذکرنا، إذ قال:
لا ریب أنّه لا یراد بالعبادة التی لا تکون إلاّ للّه، ومن أتى بها لغیر اللّه فقد کفر، مطلق الخضوع والانقیاد کما یظهر من کلام أهل اللغة، وإلاّ لزم کفر العبید والأُجراء وجمیع الخدّام للأُمراء، بل کفر الأنبیاء فی خضوعم للآباء(1).
تمییز المعنى الحقیقی عن المجازی
نعم ربما تستعمل لفظة العبادة وما یشتق منها فی موارد فی العرف واللغة، ولکن استعمال لفظ فی معنى لیس دلیلاً على کونه مصداقاً حقیقیاً لمعنى اللفظ، بل قد یکون من باب تشبیه المورد بالمعنى الحقیقی لوجود مناسبة بینهما، وإلیک هذه الموارد:
1. العاشق الولهان الذی یظهر غایة الخضوع أمام معشوقته، ویفقد تجاه طلباتها عنان الصبر، ومع ذلک لا یسمّى مثل هذا الخضوع عبادة، وإن قیل فی حقّه مجازاً انّه یعبد المرأة.
2. الأشخاص الذین یأسرهم الهوى فیفلت من أیدیهم ـ تحت نداءات
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . راجع منهج الرشاد: 24، طبع 1343 هـ تألیف الشیخ الأکبر المرحوم الشیخ جعفر کاشف الغطاء
(المتوفّـى عام 1228 هـ) . وقد ألّف المرحوم هذا الکتاب فی معرض الإجابة على رسالة من أحد أُمراء السعودیة الذین کانوا مروّجی الوهابیة منذ أول یوم إلى زماننا هذا.
_____________________________________ [الصفحة 449] _____________________________________
النفس الأمّارة ـ زمام الاختیار لا یمکن اعتبارهم عبدة واقعیین للهوى، ولا عدهم مشرکین، کمن یعبد الوثن، ولو قیل فی شأنه أنّه یعبد هواه، فإنّ ذلک نوع من التشبیه وضرب من التجوّز .
فها هو القرآن یسمی الهوى إلهاً ،ویلازم ذلک کون الخضوع للهوى: عبادة له، لکن مجازاً، إذ یقول:
(أَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَکُونُ عَلَیْهِ وَکِیلاً).(1)
فکما أنّ إطلاق اسم الإله على الهوى نوع من التجوّز، فکذا إطلاق العبادة على متابعة الهوى هو أیضاً ضرب من المجاز.
3. هناک فریق من الناس یضحّون بکل شیء فی سبیل الحصول على جاه ومنصب، حتى لیقول الناس فی حقّهم: إنّهم یعبدون الجاه والمنصب، ولکنّهم فی نفس الوقت لا یعدّون عبدة حقیقیّین للجاه، ولا یصیرون بذلک مشرکین.
4. انّ المتوغّلین فی العنصریة ـ کبنی إسرائیل ـ وفی الأنانیة ، الذین لا یهمّهم إلاّ المأکل والمشرب رغم أنّهم یطلق علیهم بأنّهم عباد العنصر والنفس والشیطان، ولکن الوجدان یقضی بأنّ عملهم لا یکون عبادة، وأنّ اتباع الشیطان شیء وعبادته شیء آخر .
وإذا ما رأینا القرآن الکریم یسمّی طاعة الشیطان عبادة، فذلک ضرب من التشبیه، والهدف منه هو بیان قوة النفرة وشدّة الاستنکار لهذا العمل، إذ یقول:
(ألَمْ أَعْهَدْ إِلَیْکُمْ یَا بَنِی آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّیْطَانَ إِنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُبِینٌ * وَأَنْ اعْبُدُونِی هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِیمٌ).(2)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الفرقان: 43.
2 . یس: 60 ـ 61.
_____________________________________ [الصفحة 450] _____________________________________
ومثل هذه الآیة الآیتان التالیتان:
1. (یَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّیْطَانَ إِنَّ الشَّیْطَانَ کَانَ لِلرَّحْمنِ عَصِیّاً).(1)
2. (أَنُؤمِنُ لِبَشَرَیْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ).(2)
لا شک فی أنّ بنی إسرائیل ما کانت تعبد فرعون وملأه، غیر أنّ استذلالهم لمّا بلغ إلى حد شدید صح أن یطلق علیه عنوان العبادة على نحو المجاز.
والقرآن وإن أطلق على هذه الموارد عنوان العبادة، لکن لا بمعنى أنّه جعلهم فی عداد المشرکین، فلا یمکن التصدیق بأنّ کل خضوع وطاعة وکل تکریم واحترام عبادة، وعند ذاک یستکشف أن استعمالها فی هاتیک الموارد بعنایة خاصة، وعلاقة مجازیة.
وبعبارة أُخرى: أنّ عبّاد الهوى والنفس والجاه و ... وإن کانوا یعتبرون مذنبین، تنتظرهم أشدُّ العقوبات إلاّ أنّه لا یکونون فی عداد المشرکین فی العبادة الذین لهم أحکام خاصة فی الفقه الإسلامی.
کیف لا، ونحن نقرأ فی الحدیث الشریف:
من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن کان ینطق عن اللّه فقد عبد اللّه، وإن کان ینطق عن غیر اللّه فقد عبد غیر اللّه .(3)
فالناس یستمعون الیوم إلى وسائل الإعلام ویصغون إلى أحادیث المتحدّثین والمذیعین من الرادیو والتلفزیون، وأکثر أُولئک المتحدّثین ینطقون عن غیر اللّه، فهل یمکن لنا أن نصف کل من یستمع إلى تلک الأحادیث بأنّهم عبدة لأُولئک المتحدّثین؟
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . مریم: 44.
2 . المؤمنون: 47.
3 .سفینة البحار: ج2 مادة عبد.
_____________________________________ [الصفحة 451] _____________________________________
بل الصحیح هو أن نعتبر استعمال لفظ العبادة فی مثل هذه الموارد نوعاً من التجوّز، لأجل وجود المناسبة بین المعنى الحقیقی والمعنى المجازی.
فلطالما یتردد فی لسان العرف بأنّ فلاناً عبد البطن أو عبد الشهوة فهل یکون هؤلاء ـ حقاً ـ عبدة البطن والشهوة، أو لأنّ الخضوع المطلق تجاه نداءات الشهوات النفسانیة حیث کان شبیهاً بالخضوع المطلق الذی یمثله الموحّدون أمام خالق الکون، أطلق عنوان العبادة على هذه الموارد .
هل الأمر الإلهی یجعل الشرک غیر شرک؟
ربما یقال أنّ سجود الملائکة لآدم، واستلام الحجر الأسود، وما شابههما من الأعمال لما کان بأمر اللّه، لا یکون شرکاً، ولا یعد فاعلهاً مشرکاً.(1)
وبعبارة أُخرى: أنّ حقیقة العبادة وإن کانت الخضوع والاحترام، ولکن لما کانت تلک الأعمال مأتیاً بها بأمره سبحانه تعد عبادة للآمر لا لسواه.
ولکن القائل ومن تبعه یغفلون عن نقطة مهمة جداً ، وهی:
إنّ تعلق الحکم بموضوع لا یغیّر ـ بتاتاً ـ حقیقة ذلک الموضوع، ولا یوجب تعلّق الأمر الإلهی به تبدل ماهیته.
إنّ العقل السلیم یقضی بأنّ سب أحد وشتمه إهانة له ـ طبعاً ـ وذلک شیء تقتضیه طبیعة السباب والفحش والشتم، فإذا أوجب اللّه سب أحد وشتمه ـ فرضاً ـ فإنّ أمر اللّه لا یغیرّ ماهیة السب والشتم ـ أبداً ـ .
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . القائل هو الشیخ عبد العزیز إمام المسجد النبوی فی محاورته مع بعض الأفاضل.
_____________________________________ [الصفحة 452] _____________________________________
کما أنّ الضیافة وإقراء الضیف بطبیعتهما تکریم للوافد، واحترام للضیف، فإذا حرمت ضیافة شخص لم تتبدّل ماهیة العمل، أعنی: الضیافة التی کانت بطبیعتها احتراماً، لتصیر إهانة فی صورة تحریمها، بل تبقى ماهیة الضیافة على ما کانت علیه ولو تعلّق بها تحریم، فإذا عُدّت أعمال ـ کالسجود واستلام الحجر الأسود وما شابههما ـ عبادة ذاتاً، فإنّ الأمر الإلهی لا یغیّر ماهیتها، فلا تخرج من حال کونها عبادة لآدم أو یوسف أو الحجر، وما یقوله القائل من أنّها عبادة ذاتاً وطبیعة، ولکن حیث تعلّق بها الأمر الإلهی خرجت عن الشرک، یستلزم أن تکون هذه الأعمال من الشرک المجاز، وهو قول لا یقبله أی إنسان.
والخلاصة: أنّ المسألة تدور مدار أمّا أن نعتبر هذه الأعمال خارجة ـ بطبیعتهاـ عن مفهوم الشرک، أو أن نقول إنّها من مصادیق الشرک فی العبادة، ولکنّها شرک أذن اللّه به وأجازه!!
والقول الثانی على درجة من البطلان بحیث لا یمکن أن یحتمله أحد فضلاً عن الذهاب إلیه، وسیوافیک أنّ بعض الأعمال یمکن أن تکون باعتبار تعظیماً وتواضعاً، وباعتبار آخر شرکاً، فلو کانت الملائکة ـ مثلاً ـ تسجد لآدم باعتقاد أنّه إله کان عملهم شرکاً قطعاً، وإن أمر اللّه به ـ على وجه الافتراض ـ ، وأمّا إذا کانت تسجد بغیر هذا الاعتقاد لم یکن فعلها شرکاً حتى لو لم یأمر به المولى جل شأنه.
نعم ورد فی بعض الروایات ـ وإن لم یتحقق سنده ـ عن الإمام جعفر الصادق ـ علیه السَّلام ـ أنّه لما سئل أیصلح السجود لغیر اللّه؟
فقال: لا.
قیل: فکیف أمر اللّه الملائکة بالسجود لآدم؟
_____________________________________ [الصفحة 453] _____________________________________
فقال:إنّ من سجد بأمر اللّه فقد سجد للّه إذ کان عن أمر اللّه تعالى.(1)
فإنّ المقصود من هذه الروایة ـ على فرض صحتها سنداً ـ هو أنّ السجود کان تعظیماً لآدم وتکریماً له، وهو فی الحقیقة عبادة للّه لکونه بأمره.
وتوضیحه أنّ نفس العمل (أعنی: السجود) کان تعظیماً لآدم غیر أنّ الإتیان بهذا العمل حیث کان لامتثال أمر اللّه کان عبادة له سبحانه، بحیث لولا أمره تعالى لکان العمل ـ فی حد نفسه ـ جائزاً لکونه تعظیماً، ونظیره تعظیم العالم واحترامه، فإنّه لا بداعی أمره سبحانه تعظیم للعالم فقط، وبداعی الأمر تعظیم له وطاعة للّه سبحانه ، وهذا غیر القول بأنّ ذات العمل کان شرکاً، ولکن أمر اللّه استلزم تغیره فلم یعد شرکاً.
ویؤید ما قلناه ما عن الإمام موسى بن جعفر عن آبائه ـ علیهم السَّلام ـ أنّ یهودیاً سأل أمیر المؤمنین
(علی ًـ علیه السَّلام) عن سجود الملائکة لآدم، فقال الإمام فی جوابه:
إنّ سجودهم [أی الملائکة] لم یکن سجود طاعة [بمعنى] أنّهم عبدوا آدم من دون اللّه عزّ وجلّ، ولکن اعترافاً لآدم بالفضیلة.(2)
وأیضاً ما جاء عن الإمام الرضا علی بن موسى بن جعفر، عن آبائه، عن أمیر المؤمنین (علی) ـ علیهم السَّلام ـ قال:
قال رسول اللّه ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ: کان سجودهم للّه عز وجلّ ولآدم إکراماً.(3)
وبهذا تبیّن انّ السجود کان ـ بطبیعته ـ تعظیماً لآدم وتکرمة له، وهو فی
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الاحتجاج للطبرسی: 31 ـ 32.
2 . الاحتجاج للطبرسی: 111.
3 . عیون الأخبار : 45. نعم لا یوافق مضمون هذا الحدیث مضمون ما تقدم من الحدیثین حیث إنّ ما تقدمه جعل السجود لآدم، وهذا جعله للّه سبحانه ، نعم ما یشترکان فیه هو أنّ السجود کان إکراماً وتعظیماً لآدم، ولأجل ذلک ذکرنا الأحادیث فی مقام واحد.
_____________________________________ [الصفحة 454] _____________________________________
الحقیقة عبادة للّه تعالى لکونه بأمره وهو مختار جماعة من المفسّرین.
وتبیّن من ذلک أنّ الأمر الإلهی لا یغیّر ماهیة هذا العمل، بل ما یقترن به من الاعتقاد هو الدخیل فی کونه شرکاً أو لا .
ومن هذا البیان أیضاً علم مفاد الروایة المرویة عن الإمام الصادقعلیه السَّلام التی نقلناها عما قریب .
نعم أنّ للأمر الإلهی فائدة هی: أنّه لو نسب أحد أفعإله إلى الأمر الإلهی وأتى بها على أنّها فریضة أو سنّة مندوبة شرعاً، وجعلها جزءاً من شریعته وکان الواقع یؤید تلک النسبة، خرج عمله عن موضوع البدعة، وخرج هو عن کونه مبتدعاً فی الدین، لأنّ البدعة: إدخال ما لیس من الدین فی الدین.
لقد کان الشیخ عبد العزیز إمام المسجد النبوی یحاول توجیه صحة وشرعیة هذه الاحترامات بورود الأمر الإلهی بشأنها، ویستشهد بما قاله عمر بن الخطاب حول الحجر الأسود، إذ قال ـ ما مضمونه ـ : إنی أعلم أنّک حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أنّی رأیت النبی ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ یقبّلک لما قبّلتک.(1)
وقد قیل للشیخ: إنّ مفاد کلامکم هو أن تکون هذه الأفعال من الشرک المجاز إذن؟
ونلفت نظر الشیخ إلى الآیة الکریمة: (قُلْ إنْ اللّهَ لا یَأْمُرُ بالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ).(2)
فلو کانت ماهیة السجود لآدم ـ علیه السَّلام ـ واستلام الحجر الأسود عبادة لآدم والحجر وشرکاً لما کان اللّه سبحانه یأمر بها ـ أبداً ـ .
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . صحیح البخاری: 3/149، کتاب الحج، طبعة عثمان خلیفة.
2 . الأعراف: 38.
_____________________________________ [الصفحة 455] _____________________________________
3 العبادة هی الخضوع عن اعتقاد بإلوهیة [455-468]دوافع الشرک فی العبادة [427-441]
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma