التوحید الاستدلالی: البرهان الحادی عشر [193-204]

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
مفاهیم القرآن
التوحید الاستدلالی: البرهان الثانی عشر [205-211] کلام ابن سینا [191-192]
برهان الصدّیقین
معرفة اللّه عن طریق معرفة الوجود
یعتقد الفلاسفة المسلمون أنّ بعض الآیات القرآنیة ناظرة إلى برهان خاص هو ما اصطلحوا علیه ببرهان الصدّیقین.
وقد تصدّى لتقریر هذا البرهان قطبان من أقطاب العلوم العقلیة هما:
1. الشیخ الرئیس أبو علی بن سینا فی کتاب الإشارات(1) حیث ذکر هذا البرهان مع مقدماته فی ذلک الکتاب فی عدة فصول.
وقد أورد المحقّق نصیر الدین الطوسی فی کتابه الکلامی الشهیر المسمّى بـ تجرید الاعتقاد هذا البرهان باختصار، وقد تصدى العلاّمة الحلی شارح الکتاب المذکور ، لشرحه وبیانه.
وإلیک نص البرهان کما جاء فی تجرید الاعتقاد حیث قال المحقّق الطوسی: الوجود ، إن کان واجباً فهو المطلوب، وإلاّ استلزمه لاستحالة الدور والتسلسل.(2)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . 2/18 ـ 28 الطبعة الجدیدة.
2 . تجرید الاعتقاد: 172، طبعة صیدا.
_____________________________________ [الصفحة194 ] _____________________________________
2. صدر المتألّهین مؤلف الأسفار الأربعة، فقد بیّـن هذا البرهان بنحو آخر لا یحتاج إلى أیة مقدمات کإبطال الدور والتسلسل ثم عد هذا البرهان أفضل البراهین لمعرفة المبدأ تعالى شأنه.
وبهذا الطریق حدثت نقطة عطف فی مسألة معرفة اللّه والطریق إلى ذلک.
وسنکتفی هنا بعرض ذلک البرهان وبیانه وتوضیحه على الطریقة السینائیة فحسب للسبب الذی ذکرناه فی خاتمة الفصل السابق، موکلین بیان هذا البرهان حسب الطریقة الصدرائیة إلى موضع ووقت آخرین.
لقد جاء فی کلا التقریرین (السینائی والصدرائی) أنّ هناک طائفة من الآیات القرآنیة ناظرة إلى هذا البرهان،
وإلیک الآیات المذکورة:
(اللّهُ نُورُ السَّمواتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ کَمِشْکَاة فِیهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِی زُجَاجَة الزُّجَاجَةُ کَأَنَّها کَوْکَبٌ دُرّیٌّ یُوقَدُ مِن شَجَرَة مُبَارَکَة زَیْتُونَة لا شَرْقِیَّة وَلا غَرْبِیَّة یَکَادُ زَیْتُهَا یُضِیءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُور یَهْدِی اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ یَشَاءُ وَیَضْرِبُ اللّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللّهُ بِکُلِّ شَیء عَلِیمٌ).(1)
(أَوَ لَمْ یَکْفِ بِرَبِّکَ أَنَّهُ عَلَى کُلِّ شَیْء شَهِیدٌ).(2)
(شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِکَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ).(3)
هذا ویمکن أن تکون هناک آیات أُخرى على هذا الصعید، وها نحن نذکر
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . النور: 35.
2 . فصلت: 53.
3 . آل عمران: 18.
_____________________________________ [الصفحة 195] _____________________________________
البرهان على الطریقة السینائیة:
حاصل البرهان ـ على ما لخصه صدر المتألّهین ـ : انّ الموجود ینقسم بحسب المفهوم إلى واجب وممکن، والممکن لذاته لا یترجّح وجوده على عدمه، فلابد له من مرجّح من خارج، وإلاّ ترجحه بذاته، فکان ترجحّه واجباً بذاته، فکان واجب الوجود بذاته وقد فرض ممکناً، وکذا فی جانب العدم فکان ممتنعاً وقد فرض ممکناً وهذا خلف، فواجب الوجود لابد من وجوده.
وبما انّ الموجودات حاصلة فإن کان شیء منها واجباً فقد وقع الاعتراف بالواجب، وإلاّ وقع الانتهاء إلیه لبطلان ذهاب السلسلة إلى غیر نهایة، وبطلان عودها إلى بدئها لکونه مستلزماً للدور وهو باطل لاستلزامه تقدم الشیء على نفسهوذلک ضروری البطلان فلم یبق إلاّ الانتهاء إلى الواجب لذاته وهو المطلوب، وهذا المسلک أقرب المسالک إلى منهج الصدِّیقین، ولیس بذلک کما زعم.(1)
وأمّا تفصیل البرهان:
1. لا ریب انّ وراء ذهننا، وتصوّراتنا وجوداً خارجیاً، وواقعاً غیر قابل للإنکار وإنّ ما یتصوّره الإنسان من الصور الذهنیة لها مصادیق خارجیة ووجوداً عینیاً على صعید الخارج، وهذا على خلاف ما یتصوره السوفسطائیون من قصر الوجود والواقعیة على مجرد (الصور الذهنیة)، وانّه لیس وراء ذهننا أی شیء، وأیة واقعیة، بل هو خیال فی خیال.
وهذا الذی قلناه نحن أمر لا ینکره من لدیه أقل حظ من الفکر السلیم.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الأسفار: 6/26.
_____________________________________ [الصفحة 196] _____________________________________
2. الوجود فی أی مرتبة من المراتب لا یخلو إمّا أن یکون واجباً أو یکون ممکناً.
وبتعبیر آخر: إمّا أن یکون له ضرورة الوجود ویکون وجوده نابعاً من ذاته ونفسه، أو لا یکون کذلک بل یکون وجوده من غیره،ولا شق ثالث لهما.
3. کل شیء لیس وجوده من ذاته ومن نفسه، فإنّه محتاج فی تحقّقه ووجوده إلى علة تمنحه الوجود .
وهذا الأمر، أعنی: احتیاج الممکن إلى العلة من الأُمور البدیهیة التی لا یشک فیها من له أدنى حظ من العقل.
4. الممکنات لا یمکن أن توجد من سلسلة لا تنتهی من العلل والمعلولات، لأنّ ذلک یستلزم التسلسل.
کما أنّه لا یمکن أن یؤثر کل من الممکنین فی الآخر دون واسطة، أو مع الواسطة فیؤثر کل فی الآخر ، ویعطی کل واحد منها الوجود للآخر ، لأنّ نتیجة ذلک هو الدور ، والدور والتسلسل من المحالات العقلیة.
هذه هی الأُسس والقواعد التی یقیم علیها ابن سینا برهانه المذکور : برهان الصدِّیقین.
وإلیک صورة البرهان
لو أمکن أن یشک أحد منّا فی شیء، فإنّه لا یمکنه أن یشک أبداً فی أنّ هناک ـ خارج أذهاننا ـ واقعاً موجوداً وعالماً کائناً قائماً.
ثم إنّه لا ریب أنّ هذه الموجودات من سماء وأرض وإنسان أو أی شیء
_____________________________________ [الصفحة 197] _____________________________________
آخر موجود، أمّا أن یکون وجودها من لدن نفسها(1) بحیث لا تحتاج فی تحققها على صعید الوجود الخارجی إلى غیرها، بمعنى أنّه لا تکون معلولة لشیء، بل یکون وجودها نابعاً من ذاتها، أو تکون على خلاف هذا الفرض .
أمّا فی الصورة الأُولى فنکون قد اعترفنا بوجود موجود واجب یکون وجوده نابعاً من ذاته غیر آت من غیره...، موجود یکون علة دون أن یکون معلولاً لشیء، وغنیاً غیر فقیر، لا یکون وجوده مکتسباً من شیء أو أحد سواه.
وأمّا فی الصورة الثانیة التی یکون وجود الأشیاء مفاضاً علیها من غیرها فنحن نسأل عن ذلک الغیر هل وجوده نابع من ذاته ونفسه، أی أنّه واجب الوجود ؟
فإن کان کذلک ففی هذه الحالة نکون قد اعترفنا بوجود موجود واجب یسمّى فی منطق الإلهیین بـ: اللّه.
وأمّا إذا کان هذا الموجود الثانی على نمط الموجود الأوّل فی کون وجوده غیر نابع من ذاته، وإنّما هو مکتسب من غیره ففی هذه الصورة ننقل السؤال إلى الموجود الثالث ونطرح علیه ما طرحناه على الثانی، وهکذا.
وهذه السلسلة إمّا أن تتوقف عند نقطة معینة، أی عند موجود یکون علة غیر معلول ویکون وجوده نابعاً من ذاته لا من غیره فهو المطلوب.
وإمّا إذا لم تتوقف هذه السلسلة من العلل والمعالیل عند حد معین فی نقطة معینة فـ :
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . أی بحیث لا ینفک عنها الوجود ولا تنفک هی عن الوجود ، فعندئذ اعترفنا بأنّ فی العالم واجبالوجود.
_____________________________________ [الصفحة 198] _____________________________________
إمّا أن تمضی إلى غیر نهایة بحیث یکون کل واحد من هذه الممکنات قد اکتسب الوجود من سابقه فحینئذ یلزم أن یکون العالم سلسلة غیر متناهیة من العلل والمعالیل، ومجموعة من الممکنات دون أن تنتهی إلى موجود واجب الوجود ، وهذا هو التسلسل الذی سنثبت بطلانه بالأدلة القاطعة والبراهین المحکمة.
وأمّا أن یعود بأن یکون الواقع فی المرتبة المتقدمة متأثراً من الواقع فی المرتبة المتأخرة، وذلک هو الدور الذی ثبت بطلانه أیضاً.
ونمثل للصورة الأخیرة بما إذا مضت السلسلة إلى عشر حلقات ولکن الحلقة العاشرة تکون قد اکتسبت وجودها من سابقتها، فهذا هو الدور.
والحاصل أنا إذا نظرنا إلى العینیة الخارجیة المتیقنة لکل إنسان، فإمّا أن تکون تلک العینیة نابعة من ذاتها غیر مفاضة من غیرها، فقد اعترفنا بوجود واجب قائم بنفسه غیر متعلق بغیره، وهذا ما نقصده من واجب الوجود.
وإمّا أن یکون ما نتیقنه من العینیة الخارجیة مفاضة من غیرها وقائمة بغیرها، فهذا الوجود الثانی إمّا أن یکون مفاضاً من ثالث، فرابع، فخامس إلى غیر نهایة، فهذا هو التسلسل الذی سنبرهن على بطلانه، وإمّا أن یتوقف فعندئذ:
إمّا أن یکون وجود المتوقف علیه نابعاً من ذاته، فهذا هو الواجب سبحانه وإمّا أن یکون وجوده معلولاً لسابقه فهذا هو الدور .
وبتعبیر ثالث نقول:
الحاصل أنّ صور المسألة لا تخرج من أربع:
1. أمّا أن تکون العینیة الخارجیة هی الوجود الأزلی النابع من ذاته غیر القائم بغیره، فقد اعترفنا عندئذ بواجب الوجود.
_____________________________________ [الصفحة 199] _____________________________________
2. وأمّا أن یکون مفاضاً من غیره، وقائماً بذلک الغیر لکن ذلک الغیر قائم بنفسه، فقد اعترفنا بواجب الوجود، ولکن فی الرتبة الثانیة.
3. وأمّا أن یکون الثانی قائماً بالثالث فالرابع فالخامس إلى غیر نهایة، فهذا هو التسلسل الباطل.
4. وأمّا أن یکون الأوّل قائماً بالثانی والثانی قائماً بالأوّل وهذا هو الدور الثابت بطلانه واستحالته.
صفوة القول: إنّ الوجود الخارجی ـ مع حذف الصور المستلزمة للدور والتسلسل ـ إمّا أن یکون الواجب الوجود إن کان وجوده لذاته، أو یکون مستلزماً لمثل ذلک الوجود الواجب إن کان وجوده مکتسباً من غیره.
هذا هو توضیح البرهان المعروف ببرهان الصدّیقین والذی راح ابن سینا یعتز به ویفتخر بابتکاره، ویعتقد بأنّه أفضل برهان على وجود واجب اللّه.
ففی هذا البرهان ـ کما لاحظنا ـ لم یدرس إلاّ الوجود نفسه.
فمطالعة الوجود وحده هی التی تقودنا إلى واجب الوجود.
ویسمى هذا البرهان ببرهان الصدیقین للاستدلال فیه باللّه على نفسه، لا بالغیر علیه تعالى، وهذا هو غایة التصدیق.
إذ فی هذا البرهان لم یتخذ النظام الکونی أو وجود المصنوعات طریقاً لإثبات الخالق.
ولذلک یقول ابن سینا.
تأمّل کیف لم یحتج بیاننا لثبوت الأوّل ووحدانیَّته وبراءته عن الصمات إلى تأمل لغیر نفس الوجود، ولم یحتج إلى اعتبار من خلقه وفعله وإن کان ذلک دلیلاً علیه.
_____________________________________ [الصفحة 200] _____________________________________
لکن هذا أوثق وأشرف، أی إذا اعتبرنا حال الموجود فشهد به الوجود من حیث هو وجود، وهو یشهد بعد ذلک على سائر ما بعده فی الواجب.
وإلى مثل هذا أُشیر فی الکتاب الإلهی فی قوله سبحانه : (سنریهم آیاتنا فی الآفاق وفی أنفسهم حتى یتبیّـن لهم أنّه الحق).
أقول: إنّ هذا حکم لقوم، ثم یقول: (أو لم یکف بربّک انّه على کل شیء شهید) إنّ هذا حکم للصدّیقین الذین یستشهدون
به لا علیه (1).
هذا ولإکمال البحث نذکر نقطتین هما:
1. لقد جرى الحدیث فی البرهان المذکور عن بطلان الدور والتسلسل ولابد أن نورد هنا التوضیحات اللازمة لمن لا یعرف شیئاً عن هذین المصطلحین وعلة بطلانهما:
ألف. الدور هو أن نفترض موجودین باسم (أ) و (ب) ونعتبر کلا منهما علة لوجود الآخر .
فعندما نلاحظ (أ) نجد أنّ وجوده متوقف على (ب) بمعنى أنّ (ب) کان موجوداً قبل ذلک لیمکنه أن یوجد (أ).
ثم إذا لاحظنا (ب) نجد أن وجوده متوقف على (أ) بمعنى أنّ (أ) کان موجوداً قبل ذلک لیمکنه ایجاد (ب).
ومن الطبیعی أنّ هذا الفرض باطل قطعاً، لأنّ معنى هذا الفرض هو أن یکون وجود کل واحد منهما متوقفاً على وجود الآخر ومشروطاً بوجوده بحیث یمتنع وجوده ما لم یتحقق وجود ذلک الآخر، لأنّ التحقّق السابق لکل واحد منهما
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الإشارات: 3/66.
_____________________________________ [الصفحة 201] _____________________________________
سبب وشرط لتحقّق الآخر، وحیث إنّه لیس لأی واحد منهما تحقّق ووجود سابق، فتکون النتیجة لمثل هذا الاشتراط أن لا یتحقّق وأن لا یوجد أی واحد منهما.
ولأجل التوضیح نضرب المثال التالی:
لنفترض أنّ شخصین یریدان حمل متاع معاً، ولکن کل واحد منهما یشترط بأن لا یأخذ طرفاً من ذلک المتاع إلاّ إذا أخذ الآخر طرفه قبله، فمن المعلوم ـ حینئذ ـ أنّ هذا المتاع لن یحمل ـ فی النتیجة ـ أبداً، لعدم تحقّق شرط أی واحد منهما.
والحقیقة أنّ قضیة الدور لیست فی جوهرها إلاّ کون وجود کل من الحادثین متوقفاً على الوجود القبلی للآخر، وحیث إنّه لا وجود قبلی لأی واحد منهما قبل الإیجاد من جانب الآخر، فلن یوجد أی منهما فی الم آل.
ب. التسلسل لیس إلاّ أن تمضی سلسلة العلل والمعالیل إلى ما لا نهایة، أی ما لا یصل إلى نقطة واحدة معینة تکون علة للجمیع، دون أن تکون معلولاً لشیء، ویکون موجوداً غنیاً غیر فقیر .
وهذا الفرض هو أیضاً باطل ومحال بالبیان الذی مر فی إبطال الدور.
لأنّه على فرض التسلسل، فإنّ الحادثة الأخیرة تکون معلولة للحادثة السابقة علیها، والحادثة السابقة تکون معلولة لما قبلها، وهکذا.
وفی الحقیقة فإنّ الحادثة الأُولى التی نواجهها تکون مشروطة الوجود بالحادثة الثانیة التی تسبقها والحادثة الثانیة تکون متوقفة على الحادثة التی تسبقها، وهکذا الثالثة على الرابعة، والرابعة على الخامسة، وهکذا کلّما نتقدّم فإنّنا لا نقف على موجود غیر مشروط بشرط، بل إنّ هذا الوضع سیستمر إلى ما لا نهایة، وفی هذه
_____________________________________ [الصفحة 202] _____________________________________
الحالة فإنّ الحادثة التی نواجهها لیس فقط هی التی لا تتحقق بل ولا تتحقق أیة حلقة من هذه السلسلة الطویلة غیر المتناهیة.
لأنّه لو أُتیح لهذه الحلقات أن تتکلم وتنطق بلسان حالها لقالت الأخیرة: إنّما أتحقّق أنا لو أنّ ما قبلی تحقّق، وما قبلها تقول: إنّی أتحقّق لو أنّ ما قبلی تحقّق، وحیث إنّ وجود أیة واحدة من هذه الحلقات غیر خال عن الـ لو الشرطیة کان معناه عدم تحقّق أی شیء من هذه الحلقات بالمرة، لأنّنا لن نصل ـ فی هذه السلسلة ـ إلى حلقة غیر مشروطة الوجود بشیء .
فینتج أن لا توجد مثل هذه السلسلة بتاتاً، اللّهم إلاّ أن یوجد بین حلقات هذه السلسلة ما لا یکون وجوده مشروطاً بشرط أبداً.
فإذا کان هناک مثل هذا الموجود کان معناه حینئذ أنّ هذا الموجود یکون هو الموجود المطلق، أو ما یصطلح علیه بـ الواجب الوجود، ومن الطبیعی حینئذ أن ینقطع تصاعد هذه السلسلة، وینتفی التسلسل.
ولنمثل ـ لتوضیح هذه الحقیقة ـ بنفس المثال الذی ضربناه، أعنی: مسألة حمل المتاع.
فلنفترض أنّ الأوّل قال: أنا سأحمل هذا المتاع لو ساعدنی علیه الثانی.
وقال الثانی: أنا سأحمله لو ساعدنی علیه الثالث.
وقال الثالث: وأنا سأحمله لو ساعدنی علیه الرابع.
وهکذا قال الرابع فالخامس فالسادس ـ مثل ذلک الکلام ـ إلى ما لا نهایة، فمن المعلوم أنّ حمل المتاع المذکور لن یتحقّق بالمرّة ما لم یکن فی هذه السلسلة من لا یشترط حمل المتاع على شرط.
_____________________________________ [الصفحة 203] _____________________________________
أمّا إذا تحقّق حمل المتاع المذکور فسنکتشف أنّ هناک ـ قطعاً ـ من أقدم على حمل المتاع دون أن یعلّق مساعدته وحمله على شرط.
وبعبارة مختصرة حیث نجد أنّ هذه السلسلة تحقّقت بتحقّق آخر حلقاتها نکتشف وصول هذه السلسلة إلى حد معین ونقطة معینة لم یکن وجودها مشروطاً بشرط، ولا متوقفاً على شیء، وهذا هو واجب الوجود والموجود المطلق.
***
2. الآیات التی أتینا بها فی مطلع هذا الفصل قابلة للتطبیق على هذا البرهان بنحو ما، إذ لو تمکنا من ملاحظة الوجود نفسه ملاحظة دقیقة أمکن أن نصل إلى اللّه وأمکن أن نعتبر قوله تعالى: (انّه على کلّ شیء شهید)ناظراً إلى هذا المعنى.
أی انّه شاهد على کل شیء حتى نفسه وذاته، أو مشهود لکل الأشیاء عموماً وللإنسان المتفکر فی الوجود خصوصاً.
کما أنّه یمکن أن یقال بأنّ شهادة اللّه على وحدانیته(1) على غرار شهادته على وجوده، لا تعنی إلاّ أن نطالع ونلاحظ نفس الوجود لنصل إلى هذه الحقیقة.
إنّ ملاحظة نفس الوجود تشهد على وجود اللّه، وأما کیف تشهد على وحدانیته، فسیوافیک بیانه فی فصل التوحید الذاتی.
کما أنّ آیة سورة النور، لو قلنا بقابلیة انطباقها على هذا البرهان یکون المقصود من أنّ (اللّه نور السموات والأرض)
حینئذ أنّ وجود اللّه هو واقع هذا العالم، أو أنّه واهب الواقعیة للممکنات.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . اشارة إلى الآیة 18 من سورة آل عمران: (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ) .
_____________________________________ [الصفحة 204] _____________________________________
ومطالعة الوجود هی التی توصلنا إلى هذه الواقعیة.
والحق أن یقال: انّ استخراج مثل هذا المراد من الآیة المذکورة أخیراً ما هو إلاّ من قبیل التأویل، أو اکتشاف بعد من أبعاد القرآن، الکثیرة لا أنّه تفسیر لظاهر الآیة.
وعلى کل حال، سواء أکان تطبیق مفاد الآیات المذکورة على هذا البرهان صحیحاً وصائباً أم کان من قبیل التأویل واکتشاف بعد جدید من أبعاد الآیات فإنّ برهان الصدّیقین ـ فی حد ذاته ـ وعلى الطریقة السینائیة برهان واضح، وقابل للاعتماد علیه بل وجدیر بالاهتمام.
ونأمل أن نعرض الطریقة الصدرائیة منه فی فرصة أُخرى بإذن اللّه.
_____________________________________ [الصفحة 205] _____________________________________
التوحید الاستدلالی: البرهان الثانی عشر [205-211] کلام ابن سینا [191-192]
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma