الفصل الحادی عشر [633-645]

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
مفاهیم القرآن
الفصل الثانی عشر [647-662] الفصل العاشر [599-632]
اللّه والتوحید فی الطاعة
_____________________________________ [الصفحة 634] _____________________________________
اللّه والتوحید فی الطاعة
1. انحصار حق الطاعة فی اللّه.
2. الطوائف التی وجب طاعتها بإذن اللّه.
3. الرسول الأعظم ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ .
4. وظائف الرسول.
5. أُولو الأمر .
6. الوالدان.
7. محدودیة إطاعتهما.
_____________________________________ [الصفحة 635] _____________________________________
انحصار حق الطاعة فی اللّه سبحانه
تعتبر مسألة التوحید فی الطاعة من أهم مسائله والمراد منه الاعتقاد بأنّه لیس هناک من تجب طاعته بالذات إلاّ اللّه تعالى، فهو وحده الذی یجب أن یُطاع وتمتثل أوامره، وأمّا طاعة غیره فإنّما تجوز إذا کانت بإذنه و أمره وإلاّ تکون محرمة، ووجه ذلک هو أنّ الطاعة من شؤون المالکیة والمملوکیة، ومن فروع الربوبیة والمربوبیة، فالمالک للوجود بأسره ورب الکون الذی منه وإلیه کل شؤوننا هو الذی یجب أن یُطاع دون سواه، ولا تعنی الطاعة ـ فی الحقیقة ـ سوى أن نضع ما وهبنا من آلاء ونعم بما فی ذلک وجودنا و إرادتنا ـ فی الموضع الذی یرضاه ولا ریب أنّ المروق من هذه الطاعة لا یکون إلاّ ظلماً تقبّحه العقول السلیمة، وتنفر منه الطباع المستقیمة.
وبعبارة أوضح: أنّ التوحید فی الطاعة یعد فی الحقیقة من شؤون التوحید فی الأفعال.
فعندما نعتقد بأنّه لیس للکون إلاّ خالق ومنعم واحد وأنّ وجود العالم مستمد من ذلک الخالق المنعم، فی هذه الصورة یتعین بالضرورة أن نعترف بأنّه لیس فی الوجود سوى مطاع واحد هو الذی تجب طاعته دون غیره، وإلى ذلک یشیر قوله سبحانه : (یَا أَیُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّهِ وَاللّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ)(1).
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . فاطر: 15.
_____________________________________ [الصفحة 636] _____________________________________
ولأجل ذلک نجد القرآن الکریم یطرح مسألة الطاعة للّه وحده مشعراً بانحصارها فیه، إذ قال:
(فَاتَّقُوا اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِیعُوا وَأَنفِقُوا خَیْراً لأنْفُسِکُمْ).(1)
وتقرب من ذلک الآیة التالیة حیث تمدح فریقاً من المؤمنین بأنّهم یسمعون أوامر اللّه ویطیعونها مشعرة بانحصار الطاعة فیه سبحانه إذ تقول:
(وَقَالُوا سَمِعْنَا وََأَطَعْنَا غُفْرَانَکَ رَبَّنَا وَإِلَیْکَ الْمَصِیرُ).(2)
وفی آیة ثالثة تصرح بأنّ النبی لا یُطاع إلاّ بإذنه سبحانه :
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُول إِلاَّ لِیُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ).(3)
فهذه الآیة تفید ـ بوضوح ـ أنّ طاعة النبی فرع لطاعة اللّه، وأنّها فی طول طاعته تعالى ولیس فی عرضها ومصافها، بمعنى أنّها لیست واجبة بذاتها وأنّ النبی لیس مطاعاً بذاته، فلو لم یأمر بها لما وجبت طاعته ولما کان مطاعاً.
وفی آیة رابعة تعد طاعة النبی طاعة اللّه نفسه، إذ تقول:
(مَنْ یُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهُ).(4)
فإذا کان هذا حال النبی فحال غیره أوضح، فتلخص أنّه لیس هناک من تجب طاعته بالذات إلاّ اللّه سبحانه وأمّا إطاعة غیره فإنّما تجب بأمر من تجب طاعته بالذات.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . التغابن: 16.
2 . البقرة: 285.
3 . النساء: 64.
4 . النساء: 80.
_____________________________________ [الصفحة 637] _____________________________________
الذین تجب طاعتهم بأمره
یصرح القرآن الکریم بوجوب طاعة طوائف خاصة بإذنه وأمره، وفی مقدّمتهم النبی الأکرم ثم أُولو الأمر من المؤمنین ثم الوالدان.
ولمّا کان البحث عن المطاع الثانی یرتبط بمباحث الحکومة والولایة التی تأتی فی الجزء الثانی من هذا الکتاب، لذلک نرجئ البحث عنه إلى ذلک الجزء، ونخص البحث فی هذا الفصل بالأوّل والثالث فنقول:
1. الرسول الأکرمصلَّى اللّه علیه و آله و سلَّم
إنّ النبی الأعظم ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ ممّن افترض اللّه طاعته والانقیاد لأوامره والانتهاء عن نواهیه، وهذه حقیقة صرحت بها الآیات التالیة مضافاً إلى الآیات التی مر ذکرها علیک:
وهذه الآیات هی:
(قُلْ أَطِیعُوا اللّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَولَّوْا فَإِنَّ اللّهَ لا یُحِبُّ الْکَافِرِینَ).(1)
(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ).(2)
(وَأَطِیعُوا اللّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا).(3)
(وَأَطِیعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنینَ).(4)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 .آل عمران: 32.
2 . النساء: 59.
3 . المائدة: 92.
4 . الأنفال: 1.
_____________________________________ [الصفحة 638] _____________________________________
(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَولَّوا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ).(1).
(وَأَطِیعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا).(2).
(قُلْ أَطِیعُوا اللّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَیْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَیْکُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِیعُوهُ تَهْتَدُوا).(3).
(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَکُمْ)(4).
(وَأَطِیعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَاللّهُ خَبِیرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).(5).
(وَأَطِیعُوا اللّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّیْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِینُ).(6).
وقد ورد لزوم طاعة النبی فی آیات أُخرى فی صورة التسویة، بین طاعة اللّه وطاعة الرسول مثل قوله:
(وَمَنْ یُطِعِ اللّهَ والرَّسُولَ فَأُولَئِکَ مَعَ الَّذِینَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَیْهِمْ).(7).
(مَنْ یُطِع الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ).(8).
(وَمَنْ یُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَیَخْشَ اللّهَ وَیَتَّقْهِ فَأُولَئِکَ هُمُ الْفَائِزُونَ).(9).
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الأنفال: 20.
2 . الأنفال: 46.
3 . النور: 54.
4 . محمد: 33.
5 . المجادلة: 13.
6 . التغابن: 12.
7 . النساء: 69.
8 . النساء: 80.
9 . النور: 52.
_____________________________________ [الصفحة 639] _____________________________________
(وَمَنْ یُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِیماً).(1).
(وَمَنْ یُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ یُدْخِلْهُ جَنَّات تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ).(2).
(وَیُطِیعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِکَ سَیَرْحَمُهُمُ اللّهُ).(3).
(وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِینَ الزَّکَاةَ وَأَطِعْنَ اللّهَ وَرَسُولَهُ).(4).
ثم یعود القرآن فیصف معصیة الرسول بالکفر، لأنّ رد الرسول والتمرّد علیه رد على اللّه وتمرّد علیه، إذ یقول:
(قُلْ أَطِیعُوا اللّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّ اللّهَ لا یُحِبُّ الْکَافِرِینَ).(5).
وعلى هذا الأساس یعتبر القرآن تکذیب النبی بمنزلة التکذیب للّه والجحد لآیاته سبحانه، إذ یقول:
(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَیَحْزُنُکَ الَّذِی یَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ یُکَذِّبُونَکَ وَلَکِنَّ الظَّالِمِینَ بِ آیاتِ اللّهِ یَجْحَدُونَ).(6).
وعلى هذا یعتبر تکذیب القرآن ، وتکذیب النبی بل وتکذیب أی شخص أو شیء مرتبط باللّه ارتباطاً مسلماً، تکذیباً للّه تعالى، فی الحقیقة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الأحزاب: 71.
2 . الفتح: 17.
3 . التوبة: 71.
4 . الأحزاب: 33.
5 . آل عمران: 32.
6 . الأنعام: 33.
_____________________________________ [الصفحة 640] _____________________________________
ما هو المراد من إطاعة النبی ؟
إنّ النبی الأعظم بما هو نبی ورسول کان یتحمل من جانبه سبحانه أُموراً ووظائف هامة تنبع من صمیم نبوته ورسالته ونشیر إلى أهمها:
الأوّل: تلاوة وتعلیم الآیات القرآنیة، التی کان ینزل بها أمین الوحی جبرائیل، على قلبه الشریف، تلک الآیات التی کانت تتضمن الأوامر والنواهی الإلهیة، مثل أقیموا الصلاة، وآتوا الزکاة، وما شابه ذلک.
الثانی: إبلاغ الأحکام والأوامر والنواهی بالبیان الشخصی، والمراد من البیان الشخصی هو الأحادیث والألفاظ التی یکون إنشاؤها من النبی نفسه، فیما یکون معانیها من جانب اللّه تعالى، وهو ما یطلق علیهالحدیث النبویحسب ما اصطلح علیه.
ولم یکن للنبی فی إبلاغه لرسالات ربه من شأن ـ سواء أکان عن طریق تلاوة القرآن أم عن طریق أحادیثه ـ إلاّ کونه رسولاً ومبلغاً لأوامره ونواهیه سبحانه.
وإذا ما وجدنا القرآن الکریم یصف النبی بأنّه : الشاهد والبشیر والنذیر وما شابه ذلک، فإنّ تلک الأوصاف لیست ناظرة إلاّ إلى هذه الوظائف التی ما کان للنبی فیها من دور إلاّ دور المبلغ حسب .
الثالث: أعمال الولایة الإلهیة الموهوبة له من اللّه سبحانه بقوله: (النَّبِیُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(1) ومن الواضح أنّ إعمالها یحتاج إلى إصدار أوامر ونواهی إلى المؤمنین، ولا ینجح النبی فی هذا المقام إلاّ أن یکون مطاعاً بین أُمّته.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الأحزاب: 6.
_____________________________________ [الصفحة 641] _____________________________________
وهذا کما لو أمر بتجییش الجیش، والنفر إلى الجهاد، ومکافحة الظالمین إلى غیر ذلک ممّا یتقوّم به إصلاح المجتمع، ولأجل ذلک عد اللّه سبحانه مخالفة النبی معصیة ربما توجب الخروج عن الدین.
وما ورد من الآیات الدالة على لزوم طاعة النبی ناظرة إلى هذا القسم من الأوامر الناشئة من هذا المقام، إنّ مقام النبی فی هذه الصورة هو مقام القائد الذی یأمر من یکون تحت قیادته وإمرته أو ینهاه، ولیس مقام الإبلاغ المحض الذی لیس له شأن سوى إبلاغ أحکامه سبحانه .
قد تقتضی المصالح الإسلامیة ـ مثلاً ـ أن یدفع المسلمون ـ عدا الحقوق المالیة الواجبة علیهم ـ مبالغ إضافیة فی سبیل المصالح الإسلامیة، أو قد یطّلع النبی ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ على ظلم رجل لزوجته، ویرى فی استمرار العلاقة الزوجیة بینهما حرجاً لا یطاق وعسراً لا یتحمّل، وفی مثل هذه الصور یأمر النبی ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ بدفع الضرائب الخاصة للدولة الإسلامیة وإطلاق سراح الزوجة حسماً لمادة الفساد، ویجب على المؤمنین إطاعته، وإلى ذلک یشیر قوله سبحانه :
(وَمَا کَانَ لِمُؤْمِن وَلاَ مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أنْ یَکُونَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ یَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِیناً).(1)
ففی هذه الآیة التی تتحدّث عن معصیة اللّه والرسول لیس المقصود هو معصیة الرسول بما هو مبلغ لرسالات اللّه وأحکامه، إذ لیس فی هذه الحالة للرسول الأعظم أی أمر ونهی حتى تعد مخالفته مخالفة للرسول، بل هو فی هذه الحالة لیس إلاّ مبلغاً ومنبّئاً ورسولاً بین اللّه وعباده.
إنّ معصیة الرسول إنّما تتحقّق إذا کانت الأوامر صادرة عن موقع القیادة
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الأحزاب: 36.
_____________________________________ [الصفحة 642] _____________________________________
والإمرة، وعند ذلک یعد الأمر والنهی أمراً، ونهیاً له وتعد المخالفة مخالفة له.
والعجب أنّ صاحب المنار حصر إطاعة النبی فی مورد الأحکام التی أمر اللّه رسوله أن یبلغها عنه حیث قال: قضت سنَّة اللّه بأن یبلغ عنه شرعه للناس رسل منهم وتکفل عصمتهم فی التبلیغ، ولذلک وجب أن یطاعوا فی ما یبیّنون من الدین والشرع.
مثال ذلک أنّ اللّه تعالى هو الذی شرع لنا عبادة الصلاة وأمرنا بها، ولکنّه لم یبیّن لنا فی الکتاب کیفیتها وعدد رکعاتها ولا رکوعها ولا سجودها ولا تحدید أوقاتها، فبیّنها الرسول بأمره تعالى إیّاه بذلک فی مثل قوله:
(وَأَنْزَلْنَا إِلَیْکَ الذِّکْرَ لِتُبَیِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَیْهِمْ).(1)
فهذا البیان بإرشاد من اللّه تعالى فاتّباعه لا ینافی التوحید ولا کون الشارع هو اللّه وحده.(2)
وضعف هذا الکلام ظاهر، إذ لیس للنبی الأکرم فی هذا المضمار أی أمر ولا نهی، وإنّما هو مجرد مبلِّغ أو مذکِّر ولیس له علیهم أیة سلطة وسیطرة، وإلیه یشیر قوله سبحانه :
(فَذَکِّر إِنَّمَا أَنْت مُذَکِّرٌ * لَسْتَ عَلَیْهِمْ بِمُصَیْطِر).(3)
نعم فی مجال الحاکمیة التی یحتل النبی ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ فیها دست الحکومة، یکون له الأمر والنهی.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . النحل: 44.
2 . راجع تفسیر المنار: 5/180.
3 . الغاشیة: 21 ـ 22.
_____________________________________ [الصفحة 643] _____________________________________
2. أُولو الأمر
إنّ الفریق الثانی الذی أوجب اللّه طاعتهم علینا من سمّاهم اللّه سبحانه بأُولی الأمر ویکون لهم بالتالی مقام الآمریة والقیادة فی المجتمع الإسلامی، حیث قال: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللّهَ وَأَطِیعُوا الْرَّسُولَ وَأُوْلی الأمْرِ مِنْکُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِی شَیْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ کُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْیَومِ الآخِرِ ذَلِکَ خَیْرٌ وَأحْسَنُ تَأْوِیلاً).(1)
وبما أنّ التعرف على أُولی الأمر فی المجتمع الإسلامی أنسب بمباحث القیادة والحکم نرجئ البحث عنه إلى الجزء الثانی الذی یتکفّل بتحلیل مباحث النبوة فی الکتاب العزیز، ونبحث عنه عند البحث عن الرسول الخاتم والنبی القائد.
3. الوالدان
اتّفق المسلمون ـ اقتداء بالکتاب العزیز ـ على حرمة مخالفة الوالدین مستندین إلى قوله سبحانه :
(وَقَضَى رَبُّکَ أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ إِیَّاهُ وَبِالوَالِدَیْنِ إْحْسَانا إِمَّا یَبْلُغَنَّ عِنْدَکَ الْکِبَرَ أحَدُهُما أَوْ کِلاَ هُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُما قَوْلاً کَرِیماً).(2)
إذ لو کانت لفظة (أُف) التی توجب انزعاجهما محرّمة، فمن الأولى أن
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . النساء: 59.
2 . الإسراء: 23.
_____________________________________ [الصفحة 644] _____________________________________
تکون مخالفتهما فی سائر الأُمور التی توجب انزعاجهما بکثرة حراماً أیضاً، نعم إطاعتهما وإن شئت قل: حرمة مخالفتهما محددة بما إذا لم یأمرا بالشرک، بل بما إذا لم یأمرا بما فیه معصیة اللّه.
لأنّ القرآن لمّا نهى عن طاعة أمر المسرفین فی قوله: (وَلاَ تُطِیعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِینَ)(1)، وعن طاعة الآثم والمکذِّب والغافل فی قوله: (وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ کَفُوراً)(2)، وقوله سبحانه : (فَلاَ تُطِعِ الْمُکَّذِبِینَ)(3)، وقوله سبحانه :
(وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِکْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ)(4) ، وجب علینا أن لا نطیع أمر من یأمر بمخالفة اللّه ومعصیته، فإنّ ذلک یشبه أمر من أغفل اللّه قلبه أو صار من المکذبین والمسرفین، سواء فی ذلک الوالدان وغیرهما، وبذلک تکون دائرة الإطاعة أضیق مما سبق فتتحدد الإطاعة عندئذ بما لم تکن دعوتهما دعوة إلى معصیة اللّه ومخالفته ـ على الإطلاق ـ .
لقد دعا القرآن الکریم المجتمع البشری إلى تکریم مقام الوالدین واحترامهما، وإطاعتهما، ولکنّه ذکّر ـ فی نفس الوقت ـ بنقطة مهمة وجدیرة بالاهتمام وهی: أنّ محبة الأبناء لآبائهم وأُمّهاتهم یجب أن لا تکون محبة عمیاء، ولا أن تکون طاعتهم لهم طاعة غیر محسوبة تسبب فی الخروج عن حدود العدالة.
فإنّ على الأبناء أن لا یکتموا الشهادة الحقّة حتى لو کانت ضد آبائهم وأُمهاتهم لو کانوا ظالمین حقاً.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الشعراء: 151.
2 . الإنسان: 24.
3 . القلم: 7.
4 . الکهف: 28.
_____________________________________ [الصفحة 645] _____________________________________
فها هو القرآن الکریم یقول فی هذا الصدد:
(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُونُوا قَوَّامِینَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِکُمْ أَوِ الْوَالِدَیْنِ وَالأقْرَبِینَ).(1)
فلو دعا أحد الوالدین ولده إلى الشرک، وجب أن یقاومهما، فلا تجرّه مودته وعاطفته إلى اختیار الباطل، ولا ینساق وراء ما دعا إلیه الأبوان بدافع المحبة، کما یقول القرآن الکریم :
(وَإِنْ جَاهَدَاکَ عَلَى أَنْ تُشْرِکَ بِی مَا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا).(2)
(وَإِنْ جَاهَدَاکَ لِتُشْرِکَ بِی مَا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا).(3)
ولقد أشار الإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب ـ علیه السَّلام ـ إلى حق إطاعة الوالدین المحدود، فی عبارة مقتضبة له، إذ قال:
فحق الوالد على الولد أن یطیعه ـ أی الولد یطیع والده ـ فی کل شیء إلاّ فی معصیة اللّه .(4)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . النساء: 135.
2 . لقمان: 15.
3 . العنکبوت: 8.
4 . نهج البلاغة: الکلمات القصار: رقم 399.
_____________________________________ [الصفحة 647] _____________________________________
الفصل الثانی عشر [647-662] الفصل العاشر [599-632]
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma