رأی القرآن فی التثلیث [288-300]

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
مفاهیم القرآن
القرآن ومعبودیة المسیح [300-302]الفصل الرابع [227-254]
یعتبر القرآن الکریم قضیة التثلیث مرتبطة بالأدیان السابقة على المسیحیة ویعتقد أنّ المسیح ـ علیه السَّلام ـ نفسه ما کان یدعو إلاّ إلى اللّه الواحد الأحد إذ یقول:
(لَقَدْ کَفَرَ الّذِینَ قَالُوا إنّ اللّهَ هُوَ المسِیحُ ابنُ مَرْیَمَ وقالَ المَسِیحُ یا بَنِی إسرائیلَ اعْبُدُوا اللّهَ رَبّی وَرَبَّکُمْ إنّهُ مَنْ یُشْـرِکْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرّمَ اللّهُ عَلَیْهِ الجَنَّةَ)(1).
ویعتقد القرآن أنّ النصارى هم الذین أدخلوا هذه الخرافة فی العقائد المسیحیة إذ یقول:
(وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِیحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِکَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِِهِمْ یُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللّهُ أَنَّى یُؤْفَکُونَ)(2).
لقد أثبتت تحقیقات المتأخرین من المحققین صحة هذا الرأی القرآنی بوضوح لا لبس فیه.
فهذه التحقیقات والدلائل التاریخیة جمیعها تدل على أنّه أدخلت ـ فی القرن السادس قبل المیلاد ـ إصلاحات على الدین البراهمانی، وفی النتیجة ظهرت الدیانة الهندوسیة.
وقد تجلّـى الرب الأزلی الأبدی وتجسد ـ لدى البراهمة ـ فی ثلاثة مظاهر وآلهة:
1. برهما (الخالق).
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 .المائدة: 72.
2 . التوبة: 30.
_____________________________________ [الصفحة 289] _____________________________________
2. فیشنو (الواقی).
3. سیفا (الهادم).
ویوجد هذا الثالوث الهندوکی المقدس فی المتحف الهندی، فی صورة ثلاث جماجم متلاصقة، ویوضح الهندوس هذه الأُمور الثلاثة فی کتبهم الدینیة على النحو التالی:
براهما: هو الموجد فی بدء الخلق، وهو دائماً الخالق اللاهوتی، ویسمى الأب.
فیشنو : هو الواقی الذی یسمى عند الهندوکیین بالابن الذی جاء من قبل أبیه.
سیفا: هو المفنی الهادم المعید للکون إلى سیرته الأُولى.
لقد أثبت مؤلف کتاب العقائد الوثنیة فی الدیانة النصرانیة فی دراسته الشاملة حول هذه الخرافة وغیرها من الخرافات التی تعج بها الدیانة النصرانیة أثبت أنّ هذا الثالوث المقدس کان فی الدیانة البراهمانیة، وغیرها من الدیانات الخرافیة، قبل میلاد المسیح ـ علیه السَّلام ـ بمئات السنین.
وقد استدل لإثبات هذا الأمر بکتب قیمة وتصاویر حیة توجد الآن فی المعابد والمتاحف یمکن أن تکون سنداً حیاً، ومؤیداً قویاً لرأی القرآن الکریم ، الذی ذکرناه عما قریب.
ثم فی هذا الصدد یکتب غوستاف لوبون:
_____________________________________ [الصفحة 290] _____________________________________
لقد واصلت المسیحیة تطورها فی القرون الخمسة الأُولى من حیاتها مع أخذ ما تیسر من المفاهیم الفلسفیة والدینیة الیونانیة والشرقیة وهکذا أصبحت خلیطاً من المعتقدات المصریة والإیرانیة التی انتشرت فی المناطق الأوربیة حوالی القرن الأوّل المیلادی،فاعتنق الناس تثلیثاً جدیداً مکوناً من الأب والابن وروح القدس مکان التثلیث القدیم المکون من نروپی تر، وژنون ونرو.(1)
***
لقد أبطل القرآن الکریم مسألة التثلیث بالبرهان المحکم إذ قال:
(لَقَدْ کَفَرَ الَّذِینَ قَالُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِیحُ ابْنُ مَرْیَمَ قُلْ فَمَنْ یَمْلِکُ مِنَ اللّهِ شَیْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ یُهْلِکَ الْمَسِیحَ ابْنَ مَرْیَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِی الأرْضِ جَمِیعاً).(2)
نعم لم یرد فی هذه الآیة کلام صریح عن التثلیث بل ترکز الاهتمام فیها على إبطال إلوهیة المسیح، ولکن طرحت ـ فی آیات أُخرى ـ إلوهیة المسیح فی صورة إنکار التثلیث ومن هذا الطرح یعلم أنّ إلوهیة المسیح کانت مطروحة بصورة التثلیث وتعدد الآلهة کما قال القرآن فی موضع آخر :
(لَقَدْ کَفَرَ الَّذِینَ قَالُوا إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَة وَمَا مِنْ إِله إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ)(3).
یقیم القرآن الکریم ـ فی هذا المجال ـ برهانین فی غایة الوضوح والعمومیة، وها نحن نوضحهما فیما یأتی:
والبرهانان هما:
1. قدرة اللّه على إهلاک المسیح.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . قصة الحضارة.
2 . المائدة: 17.
3 . المائدة: 73.
_____________________________________ [الصفحة 291] _____________________________________
2. أنّ المسیح مثل بقیة البشر یأکل ویمشی و ...
یقول القرآن حول البرهان الأوّل:
(فَمَنْ یَمْلِکُ مِنَ اللّهِ شَیْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ یُهْلِکَ الْمَسِیحَ ابْنَ مَرْیمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِی الأرْضِ جَمِیعاً وَللّهِ مُلْکُ السَّموَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَیْنَهُمَا یَخْلُقُ مَا یَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى کُلِّ شَیْء قَدِیرٌ ).(1)
ولا ریب أنّ جمیع النصارى یعترفون بأنّ السید المسیح ابن لمریم ولذلک یقولون: المسیح ابن مریم.
فإذا کان عیسى ابناً لمریم فلابد أنّه بشر کسائر البشر وآدمی کبقیة الآدمیین، محیاه ومماته بید اللّه، وتحت قدرته، فهو تعالى یهبه الحیاة متى یشاء، وهو تعالى یمیته متى أراد، ومع هذه الحالة کیف تعتبره النصارى إلهاً وهو لا یملک لنفسه حیاة ولا موتاً؟!!
والجدیر بالذکر أنّ القرآن الکریم وجّه فی هذه الآیة عنایة کاملة إلى بشریة المسیح باعتبار أنّ بشریة المسیح تؤلِّف أساس البرهان الأوّل ولذلک نجد القرآن یصفه ـ علیه السَّلام ـ بأنّه ابن مریم، ویتحدث عن أُمه وعن جمیع من فی الأرض فیقول: (وََأُمَّهُ وَمَنْ فِی الأرْضِ جَمِیعاً)مشیراً إلى بشریته، بل ولیثبت أنّ المسیح لیس أکثر من کونه واحداً من آحاد البشر وفرداً من أفراد النوع الإنسانی یشترک مع بنی نوعه فی کل الأحکام على السواء.
وبعبارة أوضح أنّ هناک قاعدة فی الفلسفة الإسلامیة هی قاعدة حکم
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . المائدة: 17.
_____________________________________ [الصفحة 292] _____________________________________
الأمثال التی تقول: حکم الأمثال فیما یجوز [علیها] وما لا یجوز واحد.
فإذا کان هلاک أفراد الانسان (ما عدا المسیح) ممکناً کان هلاک المسیح أیضاً ممکناً کذلک، لکونه واحداً من البشر، وفی هذه الصورة کیف تعتبره النصارى إلهاً، والإله لا یجوز علیه الموت؟!
ولتتمیم هذا المطلب یختم القرآن الکریم الآیة بجملة (وَللّهِ مُلْکُ السَّموَاتِ وَالأرْضِ) وفی الحقیقة إنّ هذه الجملة تکون علة للحکم السابق فمعناه أنّ اللّه یملک اهلاک عیسى وأُمّه وکل أفراد البشر لأنّهم جمیعاً ملکه، وفی قبضته، وتحت قدرته، فیکون معنى مجموع الآیة: انّ اللّه قادر على إهلاک عیسى وأُمّه، لأنّه مالکهم جمیعاً وبیده ناصیتهم دون استثناء، والقدرة على إهلاکه وإهلاک أُمّه، أدل دلیل على کونه مخلوقاً له سبحانه .
البرهان الثانی: المسیح والآثار البشریة
خلاصته: أنّ المسیح وأُمّه شأنهم شأن بقیة الأنبیاء، یأکلون الطعام، کأی بشر آخر، إذ یقول:
(مَا الْمَسِیحُ ابْنُ مَرْیَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمَّهُ صِدِّیقَةٌ کَانَا یَأْکُلانِ الطَّعَامَ).(1)
وعلى هذافلیس بین المسیح وأُمّه وبین غیره من الأنبیاءوالرسل أی فرق،وتفاوت،فهم یأکلون عندمایجوعون ویتناولون الطعام کلماأحسّوا بالحاجة إلى الطعام،وشأن عیسى وأُمّه شأنهم،ولا ریب أنّالحاجةدلیل الإمکان والإله منزّه عن الحاجة والإمکان.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . المائدة: 75.
_____________________________________ [الصفحة 293] _____________________________________
إنّ هذه الآیة لا تبطل إلوهیة المسیح فحسب، بل تبطل إلوهیة أُمّه أیضاً، إذ یستفاد من بعض الآیات أنّ أُمّه کانت معرضاً لهذه التصورات الباطلة أیضاً حیث یقول القرآن :
(ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِی وَأُمِّیَ إِلَهَیْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ).(1)
لقد استوفینا البحث حول التثلیث فی نظر القرآن وبقی البحث حوله من زاویة البراهین العقلیة، وسیوافیک ذلک فی مختتم هذا الفصل، بعد أن ندرس بنوة عیسى ومعبودیته وبطلانها قرآنیاً، لنتفرغ بعده إلى دراسة التثلیث عقلیاً.
اللّه سبحانه واتخاذ الولد(2)
تعتبر مسألة بنوة المسیح للّه إحدى مظاهر الشرک فی الذات، الذی یصوّر حقیقة الإله الواحد فی صورة آلهة متعددة، ویقوم التثلیث النصرانی فی الحقیقة على هذا الأساس، أی على أساس اعتبار المسیح ابناً للّه سبحانه .
وقد فنّد القرآن الکریم هذا الاعتبار الخاطئ وأبطله ببراهین عدیدة، وأوضح تفاهته بطریقین:
أوّلاً: عن طریق البراهین العلمیة الدالة على استحالة أن یکون للّه ولد مطلقاً سواء أکان هذا الولد عیسى ـ علیه السَّلام ـ أم غیره.
وثانیاً: عن طریق بیان تولد المسیح من أُمّه، واستعراض حیاته البشریة،
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . المائدة: 116.
2 . هذه هی المسألة الثانیة التی أشرنا إلیها ـ آنفاً فی مطلع بحث التثلیث ـ .
_____________________________________ [الصفحة 294] _____________________________________
الدال على بطلان کونه ولداً للّه خصوصاً.
على أنّ النصارى لیسوا هم وحدهم الذین اعتقدوا بوجود ولد للّه، بل قالت بمثل ذلک الیهود حیث ینقل سبحانه عنهم:
(وَقَالَتِ الْیَهُودُ عُزَیْرٌ ابْنُ اللّهِ).(1)
وحذا حذوهم مشرکو العرب حیث کانوا یتصورون أنّ الملائکة بنات اللّه إذ یقول سبحانه :
(وَیَجْعَلُونَ للّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ).(2)
وإلیک هذه البراهین حول الطریق الأوّل بالتفصیل.
البرهان الأوّل
یقول سبحانه :
(بَدِیْعُ السَّموَاتِ وَالأرْضِ أَنَّى یَکُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَکُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ کُلَّ شَیْء وَهُوَ بِکُلِّ شَیْء عَلِیمٌ).(3)
أُشیر فی هذه الآیة الشریفة إلى برهانین على استحالة اتخاذ اللّه للولد:
1. انّ اتخاذ الولد یتحقق بانفصال جزء من الأب باسم الحویمن ویستقر فی رحم الأُم ویتفاعل مع ما ینفصل منها وتسمّى بالبویضة، وتواصل تلک البویضة تکاملها حتى یکون الولید بعد زمن.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . التوبة: 30.
2 . النحل: 57.
3 . الأنعام: 101.
_____________________________________ [الصفحة 295] _____________________________________
إذن فمثل هذه العملیة تحتاج ولا ریب إلى وجود زوجة أو بتعبیر القرآن إلى صاحبة فی حین یعترف الجمیع بعدم الصاحبة له سبحانه کما یقول القرآن (وَلَمْ تَکُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ) .
2. إن کان معنى اتخاذ الولد هو ما قلناه، إذن فلا یکون الولد مصنوعاً للّه ومخلوقاً له تعالى بل یکون عدلاً وشریکاً له.
لأنّ الوالد لیس خالق الولد بل الولد جزء من والده انفصل عنه، ونما خارجه، وکبر، فی حین انّ اللّه خالق کل شیء ما سواه من الأشیاء بلا استثناء کما تقول: (وَخَلَقَ کُلَّ شَیْء) .
ویقول سبحانه فی صدر الآیة: (بَدِیعُ السَّماوَاتِ والأرْضِ) بمعنى موجد السماوات والأرض وخالقهما وما فیهما.
البرهان الثانی
(الَّذِی لَهُ مُلْکُ السَّمواتِ وَالأرْضِ وَلَمْ یَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ یَکُنْ لَهُ شَرِیکٌ فِی الْمُلْکِ وَخَلَقَ کُلَّ شَیْء فَقَدَّرَهُ تَقْدِیراً).(1)
وقد أُشیر فی هذه الآیة إلى برهان واحد على نفی الولد للّه وهو مسألة المالکیة التکوینیة له سبحانه والوهیته المطلقة لما سواه، وتوضیحه:
إنّ هناک نوعین من المالکیة: مالکیة اعتباریة، تنشأ من العقد الاجتماعی الدارج بین أبناء البشر، ومالکیة تکوینیة تنشأ من خالقیة المالک.
إنّ مالکیة الإنسان لأمواله مالکیة ناشئة عن العقد الاجتماعی الذی
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الفرقان: 2.
_____________________________________ [الصفحة 296] _____________________________________
أذعن له الإنسان لغرض إدارة الحیاة وضمان تمشیتها وجریانها، فی حین أنّ مالکیة اللّه للسماوات والأرض وما بینهما مالکیة تکوینیة ناشئة عن خالقیته لها.
فإذا کان اللّهُ سبحانه مالکاً لکل شیء فلا یمکن حینئذ أن نتصور له ولداً لأنّ ولد الإنسان ـ بحکم کونه لیس مخلوقاً له ـ لا یکون مملوکاً له کذلک مع أنّا أثبتنا أنّ اللّه مالک لکل شیء لکونه خالقاً لکل شیء، وإلى هذا البرهان أُشیر فی هذه الآیة: (الَّذِی لَهُ مُلْکُ السَّمواتِ وَالأرْضِ وَلَمْ یَتَّخِذْ وَلَداً) .
کما أُشیر ـ فی ذیل هذه الآیة ـ إلى علة هذه المالکیة وأساسها وهو الخالقیة إذ یقول: (وَخَلَقَ کُلَّ شَیْء) .
البرهان الثالث
(وَقَالُوا اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِی السَّمواتِ وَالأرْضِ کُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ * بَدِیعُ السَّمواتِ وَالأرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمراً فَإِنَّما یَقُولُ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ).(1)
استدل فی هاتین الآیتین على نفی الولد بثلاثة براهین:
1. أنّ معنى الولد هو انفصال جزء من الوالد واستقراره فی رحم الأُم، وهذا یستلزم کون اللّه جسماً، ومتصفاً بالآثار الجسمانیة کالمکان، والزمان والجزئیة، والترکب من الأجزاء بینما یکون اللّه سبحانه منزّهاً عن هذه الأُمور وإلى هذه الناحیة أشارت الآیة بکلمة سبحانه .
2. انّ إلوهیة اللّه مطلقة وربوبیته عامة وشاملة، فکل الموجودات قائمة به ومحتاجة إلیه، غیر مستغنیة عنه.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . البقرة: 116 ـ 117.
_____________________________________ [الصفحة 297] _____________________________________
فإذا کان له ولد یلزم ـ حتماً ـ أن یکون الولد مثیلاً ونظیراً له فی الاتصاف بجمیع صفات اللّه ومنها: الاستقلال والغنى عن الغیر على حین ثبت کونه سبحانه مالکاً مطلقاً للسماوات والأرض وما بینهما فهی قائمة به، تابعة له،
محتاجة إلیه دون استثناء ومطیعة لأمره وخاضعة لمشیئته بلا منازع، ولیس هنا موجود مستقل غیره.
وإلى هذا البرهان أشار بقوله سبحانه : ( لَهُ مَا فِی السَّمواتِ وَالأرْضِ کُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ).
3. انّه لا موجب لاتخاذ اللّه للولد، لأنّ طلب الأبناء والأولاد، إمّا أن یکون لغرض استمرار النسل والذریة، أو بهدف الاستعانة بهم لرفع الاحتیاج عند الشیخوخة والعجز، ولا یمکن أن یتصور أی واحد من هذه الدوافع فی مقامه سبحانه
وإلى هذا أشارت الآیة بقولها:
(بَدِیعُ السَّمواتِ وَالأرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمراً فَإِنَّما یَقُولُ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ).(1)
فأیة حاجة تتصوّر للّه إلى الولد وهو بدیع کل شیء؟
وفی آیة أُخرى اعتمد على موضوع الغنى الإلهی لنفی الولد، إذ یقول:
(قَالُوا اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الغَنِیُّ لَهُ مَا فِی السَّمواتِ و ما فِی الأرْضِ).(2)
وهکذا ینفی القرآن الکریم خرافة اتخاذ اللّه للبنین والبنات، تلک الخرافة التی کانت توجد فی الدیانات القدیمة کـ: الیهودیة و النصرانیة والزرادشتیة و الهندوکیة وعند المشرکین.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . البقرة: 117.
2 . یونس: 68.
_____________________________________ [الصفحة 298] _____________________________________
ولقد استدل المسیحیون على بنوة عیسى للّه بتولده من غیر أب، إذ قالوا للنبی ـ صلَّى الله علیه وآله وسلَّم ـ هل رأیت ولداً من غیر أب؟ إذن فلیس لعیسى من أب إلاّ اللّه.
فأجاب اللّه عن هذا الزعم بقوله:
(إِنَّ مَثَلَ عِیسَى عِنْدَ اللّهِ کَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ).(1)
أی إنّ مثل عیسى فی تکونه من غیر أب کمثل آدم فی خلق اللّه له من غیر أب وأُم فلیس عیسى عندئذ بأبدع وأعجب من آدم فکیف أنکروا هذا وأقرّوا بذلک؟!
خلاصة ما سبق
تلخّص مما سبق أنّ القرآن یستند فی نفیه لاتخاذ اللّه ولداً على البراهین التالیة:
1. لیست له سبحانه أیة زوجة حتى یکون له ولد منها.
2. انّه تعالى خالق کل شیء واتخاذ الولد لیس خلقاً بل هو انفصال جزء من الوالد وهو ینافی خالقیته لکل شیء.
3. انّه مالک کل شیء مالکیة ناشئة عن الخالقیة وکون المسیح ولداً له سبحانه یستلزم عدم مخلوقیته وهو یستلزم عدم کونه مملوکاً وهو ینافی مالکیة اللّه العامة.
4. انّه سبحانه منزّه عن أحکام الجسم، واتّخاذ المسیح ولداً یستلزم کون اللّه
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . آل عمران: 59.
_____________________________________ [الصفحة 299] _____________________________________
جسماً ومحکوماً بالأحکام الجسمانیة، لأنّ معنى کون المسیح ولداً له سبحانه هو انفصال جزء منه سبحانه وهو یستلزم کونه جسماً.
5. انّ جمیع الأشیاء قائمة باللّه فلا استقلال لسواه فی حین یستلزم افتراض ولد للّه سبحانه استقلاله کاستقلال الوالد حتى یکون الولد نظیر الوالد.
6. انّ اللّه تعالى غنی فلا حاجة له إلى ولد.
7. انّ کون المسیح دون والد لیس بأعجب من آدم الذی وجد من دون أبوین مطلقاً.
***
وأمّا الطریق الثانی(1) الذی سلکه القرآن لإبطال بنوة خصوص المسیح فهو بیان حیاة السید المسیح وشرحها بنحو واضح فی سور مختلفة خاصة فی سورة مریم(2) بحیث لا یبقى أی شک لمنصف فی بشریته ـ علیه السَّلام ـ .
وقد وردت فی بعض الآیات التی مرت فی هذا البحث نماذج عن حیاته البشریة.(3)
بقی هنا بحث هام اعتنى به القرآن الکریم بجد، وهو مسألة کون المسیح
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . قد تقدم آنفاً فی صفحة 293 إنّ القرآن استعرض مسألة نفی الولد للّه سبحانه بشکلین تارة عن طریق نفی أی ولد له سواء أکان المسیح أم غیره وأُخرى عن طریق نفی خصوص بنوة المسیح، وقد استوفینا البحث فی القسم الأوّل وإلیک البحث فی القسم الثانی.
2 . راجع سورة مریم: 16 ـ 35.
3 . راجع سورة المائدة: 17 و 75، وسورة التوبة: 30 وسیوافیک قوله سبحانه :
(إِنَّمَا الْمَسِیحُ عِیسَى ابْنُ مَرْیَمَ رَسُولُ اللّهِ وَکَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْیَمَ) (النساء: 171)
فبملاحظة حالاته فی هذه الدنیا نجزم بأنّه مخلوق للّه سبحانه ولیس ولداً له.
_____________________________________ [الصفحة 300] _____________________________________
معبوداً وانّه لا یستحق العبادة سواء أکان ابناً للّه سبحانه أم لا، وسواء أصح التثلیث أم لا ، وهذه مسألة مستقلة تجتمع مع نفی التثلیث والبنوة، ولأجل ذلک نستعرض هذا البحث مستقلاً عن البحثین الماضیین.
القرآن ومعبودیة المسیح [300-302]الفصل الرابع [227-254]
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma