10 عقائد الوثنیین فی العصر الجاهلی [585-597]

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
مفاهیم القرآن
الفصل العاشر [599-632] 9 هل طلب الإشفاء والشفاعة والإعانة [550-584]
إنّ الوقوف على عقائد الوثنیین فی العصر الجاهلی یسلط أضواء على البحث الحاضر، فإلیک بعض عقائد الوثنیین من أصحاب الهیاکل وأصحاب الأشخاص والحرنانیة والدهریة، والتفصیل یطلب من مواضعه.
1. أصحاب الهیاکل
وکانوا یقولون: إنّ الإنسان لیس فی مستوى عبادة اللّه والاتصال المباشر به، بل لابد له من واسطة، فیتوجه إلیه ویتقرب به، وحیث إنّ الأرواح لم تکن فی متناول أیدیهم، فزعوا إلى الهیاکل التی هی السیارات السبع، وکانوا یتقربون إلى هذه الهیاکل تقرباً إلى الروحانیات، ویتقربون إلى الروحانیات تقرباً إلى البارئ تعالى، لاعتقادهم بأنّ الهیاکل أبدان الروحانیات.
وکانوا یقومون بمراسیم خاصة لدى عبادة هذه الهیاکل، فیعملون الخواتیم على صورها وهیئتها وصنعتها، ویلبسون اللباس الخاص به فی ساعات مخصوصة
_____________________________________ [الصفحة 586] _____________________________________
من الیوم، ویبخرون ببخوره الخاص، ویعبدون کل واحد من تلک السیارات فی وقت معین، ثم یسألون حاجتهم منها، ویسمّونها: أرباباً آلهة واللّه هو رب الأرباب وإله الآلهة.(1).
2. أصحاب الأشخاص
وکان هؤلاء یشترکون مع الفریق السابق ـ فی بعض العقائد ـ إلاّ أنّهم کانوا یعبدون أشکال السیارات بدل السیارات نفسها، لأنّ لها طلوعاً وأُفولاً وظهوراً باللیل وخفاء بالنهار، ولهذا صنعوا لها صوراً ثابتة على مثالها، ویقولون: نعکف علیها ونتوسل بها إلى الهیاکل، فنتقرّب إلى الروحانیات، ونتقرّب بالروحانیات إلى اللّه سبحانه وتعالى، فنعبدهم (لیقرّبونا إلى اللّه زلفى).(2).
3. عقائد العرب الجاهلیة
قلیل من العرب من کان یتدیّن بالدهریة فقالوا بالطبیعة المحییة، والدهر المفنی وکانت الحیاة ـ فی نظرهم ـ تتألف من الطبائع والعناصر المحسوسة فی العالم السفلی، فیقصرون الحیاة والموت على ترکبها وتحلّلها، فالجامع هو الطبع والمهلک هو الدهر، ولکن أغلبهم کانوا یقرّون بالخالق وحدوث الخلق، وینکرون البعث والإعادة وإرسال الرسل من جانب اللّه.(3).
ومنهم من کان یعبد الملائکة والجن ویعتبرونها بنات للّه سبحانه ، وصنف منهم کانوا من الصابئة الذین یعبدون الکواکب.
ومنهم من کان ینکر الخالق، وحدوث الخلق والبعث وإرسال الرسل ولکن
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الملل والنحل: 2/244.
2 . الملل والنحل: 2/244.
3 . الملل والنحل: 2/244.
_____________________________________ [الصفحة 587] _____________________________________
کلا الفریقین کانوا یعبدون الأصنام ویعتبرونها مالکة لمقام الشفاعة عند اللّه.
ومن العرب من کان یتدیّن بالیهودیة أو بالنصرانیة، وکانت المدینة محط الأُولى ونجران محط الثانیة.
وأمّا الطوائف المسیحیة الثلاث التی کانت تختلف فیما بینها فی السید المسیح وروح القدس والأب، فکانت عبارة عن: الملکانیة والنسطوریة والیعقوبیة.
وکانت هذه الطوائف رغم اختلافاتها تشترک فی عبادة المسیح الذی لم یکن غیر رسول.
وفی الآیات المتعرضة لذکر احتجاج إبراهیم، إشارة إلى عقائد عبدة الکواکب والأجرام السماویة.(1).
کما أنّه وردت فی بیان عقائد المسیحیّین آیات.(2).
والآیات التی استنکر فیها القرآن ، الوثنیة ـ بشدة وعنف ـ ترتبط بعرب الجاهلیة الذین کانوا یعتنقون عقائد مختلفة إذ کان أکثرهم یعبد الأصنام باعتقاد أنّها الشفعاء وأنّها آلهة صغار، ومن هذه الآیات ـ على سبیل المثال ـ :
(وَإِذَا رَءَاکَ الَّذِینَ کَفَرُوا إِن یَتَّخِذُونَکَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِی یَذْکُرُ آلِهَتَکُمْ وَهُمْ بِذِکْرِ الرَّحْمنِ هُمْ کَافِرُونَ).(3).
(أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لاَ یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَ أنفسِهِمْ ).(4).
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . راجع الفصل الثالث، والفصل الخامس: 285 ـ 302.
2 . راجع الفصل الثالث، والفصل الخامس: 285 ـ 302.
3 . الأنبیاء: 37.
4 . الأنبیاء: 43.
_____________________________________ [الصفحة 588] _____________________________________
(وَجَعَلُوا للّهِ شُرَکَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِینَ وَبَنَات بِغَیْرِ عِلْم).(1).
(أَفَرَأَیْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى).(2).
إلى من تشیر هذه الآیات؟
إنّ الهدف الأساسی فی هذه الآیات ونظائرها هو: النهی عن دعوة الفرق الوثنیة، التی کانت تتخذ الأصنام شریکة للّه فی بعض لتدبیر أو مالکة للشفاعة على الأقل فکان ما یقومون به من خضوع واستغاثة واستشفاع بهذه الأصنام باعتبار أنّها آلهة صغار، فوّض إلیها جوانب من تدبیر الکون وشؤون الدنیا والآخرة.
فأی ارتباط لهذه الآیات بالاستغاثة بالأرواح الطاهرة مع أنّ المستغیث بها لا یتجاوز عن الاعتقاد بکونها عباد اللّه الصالحین.
فالمقصود من قوله سبحانه : (وإِنَّ المَسَاجِدَ للّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَدَاً)(3)، وما شابهها مما تقدم فی أوّل البحث هو الدعوة العبادیة التی کان المشرکون یقومون بها أمام اللات والعزى ومناة أو الأجرام الفلکیة والملائکة والجن، وکأنّ الآیة ترید أن تقول:
فلا تعبدوا مع اللّه أحداً.
فلو نهى القرآن الکریم عن إشراک غیر اللّه معه سبحانه فی العبادة ، فأی ربط لهذه المسألة بمسألة دعوة الصالحین وطلب الحاجة منهم مما یقدرون علیها
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الأنعام: 100.
2 . النجم: 20 ـ 21.
3 . الجنّ: 18.
_____________________________________ [الصفحة 589] _____________________________________
بإذن اللّه واقداره:
فإذا قال القرآن الکریم :
(وَالَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا یَسْتَجِیبُونَ لَهُمْ بِشَیْء).(1).
(وَالَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَکُمْ).(2).
(إِنَّ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُکُمْ).(3).
(وَالَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا یَمْلِکُونَ مِنْ قِطْمِیر).(4).
(قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ مَا لا یَنْفَعُنَا وَلاَ یَضُرُّنَا).(5).
(وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللّهِ مَا لاَ یَنْفَعُکَ وَلاَ یَضُرُّکَ).(6).
وما سواها من الآیات مما یوجد فی القرآن بوفرة، فکل هذه الآیات مرتبطة بالدعوة التی تکون عبادة للأصنام والکواکب والملائکة والجن، باعتبار أنّها آلهة صغار وباعتبار أنَّها معبودات ومدبّرة للکون وشفعاء تامی الاختیار، ولا مریة فی أنّ أیة دعوة تکون هکذا، تکون مصطبغة ـ لا محالة ـ بصبغة العبادة، فأی ربط لهذه الآیات بدعوة الصالحین وطلب الشفاعة منهم مع الاعتقاد بأنّهم لا یقدرون على شیء بدون الإذن الإلهی، ومع الاعتقاد بأنّهم لا یملکون أی مقام إلهی وربوبی وتدبیر ، وما شابههما؟ فهل یمکن قیاس الدعوتین بالأُخرى وبینهما بون شاسع؟
إنّ أوضح دلیل على التباین بین هاتین الدعوتین هو أنّ الوهابیین یعتقدون بأنّ مثل هذا الطلب من الأنبیاء الصالحین شرک حرام بعد وفاتهم، وجائز مشروع
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الرعد: 14.
2 . الأعراف: 197.
3 . الأعراف: 194.
4 . فاطر: 13.
5 . الأنعام: 71.
6 . یونس: 106.
_____________________________________ [الصفحة 590] _____________________________________
حال حیاتهم، وقد أثبتنا ـ فیما سبق ـ أنّ الموت والحیاة غیر مؤثرین ـ مطلقاً ـ فی ماهیة العمل، وفی جوازه وعدم جوازه.
ومما سبق تبین ما فی فتح المجید، إذ قال:
وقوله: (أو یدعو غیره): اعلم أنّ الدعاء نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة، ویراد به فی القرآن هذا تارة وهذا تارة، ویراد به مجموعهما.
فدعاء المسألة هو طلب ما ینفع الداعی من جلب نفع أو کشف ضر، ولهذا أنکر اللّه على من یدعو أحداً من دونه ممّن لا یملک ضرّاً ولا نفعاً، کقوله تعالى: (قُل أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مَا لاَ یمْلِکُ لَکُمْ ضَرَّاً وَلا نَفْعَاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِیعُ العَلِیم)(1) وقوله: (قُل أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ مَا لا یَنْفَعُنَا ولا یَضُرُّنَا ونُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللّهُ کَالَّذِی اسْتَهْوَتْهُ الشَّیَاطِینُ فِی الأرْضِ حَیْراَنَ لَهُ أَصْحَابٌ یَدْعُونَهُ إِلى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنَا لِنُسَلِّمَ لِرَبِّ الْعَالَمِینَ)(2)، وقال: (وَ لاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللّهِ مَا لاَ یَنْفَعُکَ وَلا یَضُرُّکَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّکَ إِذَاً مِنْ الظَّالِمِینَ).(3)
قال شیخ الإسلام [ابن تیمیة]: فکل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة وکل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة قال اللّه تعالى: (ادْعُوا رَبَّکُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْیَةً إِنَّهُ لا یُحِبُّ الْمُعْتَدینَ).(4)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 .المائدة:76.
2 .الأنعام: 71.
3 .یونس: 106.
4 .الأعراف: 55.
_____________________________________ [الصفحة 591] _____________________________________
وقال تعالى: (قُلْ أَرَأَیْتَکُمْ إِنْ أَتاکُمْ عَذابُ اللّهِ أَو أَتَتْکُمُ السّاعَةُ أَغَیْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِنْ کُنْتُمْ صادِقین* بَلْ إِیّاهُ تَدْعُونَ فَیَکْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَیْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَونَ ما تُشْرِکُونَ).(1)
وقال تعالى: (وَأَنَّ الْمَساجِدَ للّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً).(2)
وقال تعالى: (لَهُ دعْوَةُ الحَقِّ وَالَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا یَسْتَجِیبُونَ لَهُمْ بِشَیء إِلاّ کَباسِطِ کَفَّیْهِ إِلى الماءِ لِیَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الکافِرینَ إِلاّ فی ضَلال).(3)
وأمثال هذا فی القرآن فی دعاء المسألة أکثر من أن یحصر، وهو یتضمن دعاء العبادة، لأنّ السائل أخلص سؤاله للّه، وذلک من أفضل العبادات، وکذلک الذاکر للّه والتالی لکتابه ونحوه طالب من اللّه فی المعنى فیکون داعیاً عابداً.
فتبیّن بهذا من قول شیخ الإسلام أنّ دعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة، کما أنّ دعاء المسألة متضمن لدعاء العبادة(4)
فمن هذا البحث الضافی حول الدعوتین وکون إحداهما مسألة عبادیة، والأُخرى مسألة غیر عبادیة، تتضح أُمور:
الأوّل: کیف استفاد ابن تیمیة من الآیة : (ادْعُوا رَبَّکُمْ تَضَرُّعاً وَخِفْیَةً)والآیة: (وانّ المَساجِدَ للّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً) إنّ طلب الحاجة من أحد تکون دعوة عبادة للمدعو.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 .الأنعام: 40 ـ 41.
2 .الجنّ: 18.
3 .الرعد: 14.
4 . فتح المجید: 166.
_____________________________________ [الصفحة 592] _____________________________________
فإذا کانت لفظة ادعوا فی قوله سبحانه : (ادْعُوا رَبَّکُمْ تَضَرُّعاً)ولفظة (لا تَدْعُوا) فی قوله سبحانه (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ) بمعنى المناداة، فکیف تکون الدعوة الطلبیة مستلزمة للدعوة العبادیة؟
إنّ هاتین الآیتین ـ على فرض دلالتهما ـ (ولا دلالة لهما) لا تدلان على أکثر من النهی عن دعوة غیر اللّه، وأمّا أنّ دعوته تکون مستلزمة لعبادته فلا یدل ظاهر الآیة علیه أبداً، إذ أنّ النهی عن الشیء لیس دلیلاً على کون المنهی عنه مصداقاً للعبادة.
الثانی: انّ الدعوة الطلبیة إنّما تستلزم الدعوة العبادیة إذا اعتقد الداعی بإلوهیة المدعو على مراتبها، ففی هذه الموارد تستلزم الدعوة الطلبیة، الدعوة العبادیة، بل هی الدعوة العبادیة عینها، ولیست مستلزمة لها، وتکون مثل هذه الدعوة عبادة لا أنّها مسلتزمة للعبادة.
ولکن إذا دعا الداعی أحداً، مجرّداً عن الاعتقاد المذکور، فلا تکون دعوته ـ حینئذ ـ عبادة له.
ثالثاً: من الغریب جداً أنّ تصح الاستغاثة بالأحیاء وتکون مشروعة ـ على الإطلاق ـ غافلاً عن أنّه لو کان مطلق الاستغاثة بغیر اللّه (حتى إذا لم تکن مصحوبة بالاعتقاد بإلوهیة أو مالکیة المستغاث) شرکاً لما کان لموت المدعو وحیاته أیُّ أثر فی هذا القسم .
وما ورد عن النبی الأکرم من أنّ الدعاء مخ العبادة، فالمراد هو الدعوة الخاصة، أعنی: ما إذا کانت مصحوبة بالاعتقادبإلوهیة المدعو .
وبتعبیر آخر، أنّ المقصود بالدعاء فی الحدیث المذکور إنّما هو دعاء اللّه، فیکون دعاء اللّه مخ العبادة.
_____________________________________ [الصفحة 593] _____________________________________
فأیّ ربط لهذا الحدیث بدعوة الصالحین التی لا تکون مقرونة بأیّ شیء من الاعتقاد بإلوهیة المدعو ؟!!
نعم یبقى هنا سؤال وهو أنّ دعوة الغیر وإن لم تکن عبادة له على ما أوضحناه، ولکنها أمر محرّم بحکم هذه الآیات، فدعوة الصالحین من الأموات من الدعوات المحرّمة، لأنّها دعوة غیره سبحانه ، ودعوة الغیر منهیة عنه، نعم لا تشمل الآیات دعوة الأحیاء لأنّه أمر جائز بالضرورة، فیستنتج منها حرمة دعوة الصلحاء الماضین وإن لم یکن شرکاً.
والجواب عنه واضح بعد الاحاطة بما ذکرناه، لأنّ الآیات ناظرة إلى دعوة خاصّة صادرة من المشرکین، وهی دعوة آلهتهم وأربابهم المزعومة، والنهی عن هذه الدعوة المخصوصة لا توجب حرمة جمیع الدعوات حتى فیما لم تکن بهذه المنزلة.
وأوضح دلیل على ما ذکرناه هو ما اعترف به السائل من عدم شمول الخطابات لدعوة الأحیاء وطلب الحاجة منهم، فإنّ خروج هذا القسم لیس خروجاً عن حکم الآیات حتى یکون تخصیصاً، بل خروج عن موضوعها وعدم شمولها له من أوّل الأمر، ولیس الوجه لخروجه عن الآیات إلاّ ما ذکرناه من أنّ الآیات ناظرة إلى الدعوة التی کان المشرکون یقومون بها طیلة حیاتهم، وهی دعوة الأصنام والأوثان بما هی آلهة، بما هم یملکون لهم النفع والضر والشفاعة والغفران، وهذا الملاک لیس بموجود فی دعوة الصلحاء.
ولأجل هذه العقیدة فی حق الآلهة یقول سبحانه فی الإله الذی صنعه السامری:
(هَذَا إِلَهُکُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِیَ * أَفَلا یَرَوْنَ أَلاَّ یَرْجِعُ إِلَیْهِمْ قَوْلاً وَلاَ یَمْلِکُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً)(1).
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . طه: 88 ـ 89.
_____________________________________ [الصفحة 594] _____________________________________
ومما یدل على ما ذکرناه هو تکرار کلمة من دونه فی الآیات، فإنّها لیست لتعمیم کل دعوة متوجهة إلى غیره سبحانه، حتى نحتاج إلى إخراج بعض الأقسام، أعنی: دعوة الأحیاء لطلب الحوائج، أو دعوة الأموات لا لطلب الحاجة، بل للتوسل والاستشفاع، بل جیء به لتبیین خصوصیة هذه الدعوة، وهی دعوة الغیر بظن أنّه یقوم بالفعل مستقلاً من دون اللّه کما هو المزعوم للمشرکین فی آلهتهم.
وأمّا طلب الحاجة ممّن لا یقوم (فی زعم الداعی) إلاّ بأمره سبحانه ومشیئته بحیث لا تکون دعوته منفکة عن دعوة اللّه سبحانه فلا یصدق علیه قوله تعالى: (والَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا یَسْتَجِیبُونَ بِشَیْء).(1)
وغیره من الآیات.
بناء المساجد على القبور
قد سبق(2) منا أنّ التبرّک بآثار الأولیاء وعباد اللّه الصالحین خصوصاً التبرک بآثار النبی کان أمراً رائجاً بین المسلمین، وعلى ذلک فبناء المساجد على القبور بعنوان التبرّک ممّا لا إشکال فیه، هذا، ویظهر من بعض الآیات أنّ أهل الشرائع السماویة کانوا یبنون المساجد على قبور أولیائهم أو عندها، ولأجل ذلک لما کشف أمر أصحاب الکهف تنازع الواقفون على آثارهم، فمنهم من قال وهم المشرکون: (ابْنُوا عَلَیْهِمْ بُنْیَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ)(3)، وقال الآخرون وهم المسلمون:
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الرعد: 14.
2 . من کتابنا هذا ص 535.
3 . الکهف: 21.
_____________________________________ [الصفحة 595] _____________________________________
(لَنَتَّخِذَنَّ عَلَیْهِمْ مَسْجِداً).(1)
قال الزمخشری فی تفسیر قوله: (ابْنُوا عَلَیْهِمْ بُنْیَاناً) : أی ابنوا على باب کهفهم لئلاّ یتطرّق إلیهم الناس ضنّاً بتربتهم ومحافظة علیها، کما حفظت تربة رسول اللّه بالحظیرة.
وقال فی تفسیر قوله: (قَالَ الَّذِینَ غُلِبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَیْهِمْ مَسْجِداً)، أی قال المسلمون وکانوا أولى بهم وبالبناء علیهم: لنتخذنّ على باب الکهف مسجداً، یصلی فیه المسلمون ویتبرّکون بمکانهم.(2)
وقال فی تفسیر الجلالین: فقالوا ـ أی الکفّار ـ : ابنوا علیهم أیّ حولهم بنیاناً یسترهم، ربّهم أعلم بهم، قال الذین غلبوا على أمرهم: أمر الفتیة وهم المؤمنون: لنتخذن علیهم ـ حولهم ـ مسجداً یصلّى فیه.(3)
وعلى الجملة: فقد اتفق المفسرون على أنّ القائل ببناء المسجد على قبورهم کان هم المسلمون، ولم ینقل القرآن هذه الکلمة منهم إلاّ لنقتدی بهم ونتّخذهم فی ذلک أُسوة.
ولو کان بناء المسجد على قبورهم أو قبور سائر الأولیاءأمراً محرماً لتعرض عند نقل قولهم بالرد والنقد لئلا یضل الجاهل.
وأمّا ما روی عن النبی من قوله: لعن اللّه الیهود والنصارى اتخذوا قبور أنبیائهم مساجد(4)، فالمراد منه هو السجود على قبور الأنبیاء واتخاذها قبلة فی الصلاة وغیرها،
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 .الکهف: 21.
2 . الکشاف: 2/254.
3 . تفسیر الجلالین: 2/3.
4 . صحیح البخاری: 2/111، کتاب الجنائز.
_____________________________________ [الصفحة 596] _____________________________________
والمسلمون بریئون من ذلک، وقد أوضحه القسطلانی فی کتابه إرشاد الساری فی شرح صحیح البخاری.
اقتراح على کتّاب الوهابیة
إنّ کثیراً من کتّابهم خلطوا فی البحث بین العناوین التالیة: الشرک، البدعة، المحرم.
فتجب علیهم الدقة فی تطبیق هذه العناوین على أفعال المسلمین فربّما یکون شیء محرماً ولا یکون بدعة، وربما یکون محرماً وبدعة ولا یکون شرکاً، فلیس کل حرام بدعة، ولیس کل بدعة شرکاً، غیر أنّهم لا یمیّزون بین هاتیک العناوین ویطلقون على کل حرام ـ فی زعمهم ـ شرکاً وبدعة.
وفی الختام نذکّر القارئ أنّ التوسع المشهود فی هذا الفصل لم یکن إلاّ لتوضیح الحقیقة والإصحار بها مع التحفظ على الأدب الإسلامی فی نقل الکلمات ونقدها، فإن صدر هناک شیء فلم یکن ذلک إلاّ لأجل الصراحة فی القول لا للقسوة فی الحجاج، وإلاّ فیجمعنا الت آخی فی اللّه والدین: (إنَّما المُؤْمِنُونَ إخوَة)(1) فنحن کما قال شاعر الأهرام:
إنا لتجمعنا العقیدة أمــــــة * ویضمنا دین الهدى أتباعــاً
ویؤلّـف الإسلام بین قلوبنـــا * مهما ذهبنا فی الهوى أشیاعـاً
بقیت هنا أبحاث طفیفة ملأت کتب الوهابیة:
1. التوسّل إلى اللّه بالأنبیاء.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الملک: 14.
_____________________________________ [الصفحة 597] _____________________________________
2. الإقسام على اللّه بمخلوق، أو بحق مخلوق، ونحوه مثل أن تقول: أقسم علیک بفلان، أو بحقه.
3. الحلف بغیر اللّه، الذی ملأ القرآن ذلک الحلف کما فی سورة الشمس، فقد ورد فی القرآن قرابة أربعین حلفاً بغیر اللّه، وقد نبهنا آنفاً أنّ ورود شیء فی القرآن یدل على جوازه وکونه أُسوة.
4. النحر والذبح باسمه سبحانه وإهداء الثواب إلى الأموات.
5. بناء القبور وعقد القباب فوقها.
6. الدعاء والصلاة عند قبر النبی والإسراج عنده.
7. شدّ الرحال لزیارة القبور .
ونرجئ البحث عن هذه العناوین إلى محل آخر، وقد أوضحنا حالها فی بعض تآلیفنا.
على أنّنا لا نحب أن نعبّر عن هذه الطائفة بالوهابیة غیر أنّ اشتهارهم بهذا واستعمالهم هذه الکلمة فی حقّهم سوّغ لنا هذا الأمر، کیف، وقد نشرت الجامعة الإسلامیة فی المدینة المنورة کتاباً باسم الحرکة الوهابیة، طبع عام 1396هـ رداً على مقال للدکتور محمد البهی.
_____________________________________ [الصفحة 598] _____________________________________
_____________________________________ [الصفحة 599] _____________________________________
الفصل العاشر [599-632] 9 هل طلب الإشفاء والشفاعة والإعانة [550-584]
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma