السادس: من الأنفال ما یغنم بغیر إذن الإمام(علیه السلام)

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الفقاهة - کتاب الخمس و الأنفال
الخامس: من الأنفال ما یصطفیه المعصوم (علیه السلام) من الغنیمةمسائل مهمّة فی إحیاء الموات

قال صاحب الجواهر : «على المشهور بین الأصحاب نقلاً وتحصیلاً وفی الروضة نفى الخلاف عنه»(1).

بل ظاهر کلام الشیخ فی الخلاف کون المسألة إجماعیة عندنا حیث قال : «إذا دخل قوم دار الحرب وقاتلوا بغیر إذن الإمام فغنموا کان ذلک للإمام خاصة وخالف جمیع الفقهاء ذلک. دلیلنا : إجماع الفرقة وأخبارهم»(2).

ولکن الظاهر وجود المخالف فی المسألة بیننا وبینهم، وأمّا بین العامة فقد حکى العلاّمة(رحمه الله) فی المنتهى، لأحمد بن حنبل فیه ثلاثة أقوال أحدها یوافق المشهور بین أصحابنا واستدلّ له بأنّهم عصاة بالفعل فلا یکون فعلهم ذریعة للتملک الشرعی(3).

وأمّا بیننافقدحکى صاحب المدارک عن المنتهى تقویة کون هذه الغنیمة تساوی غیرها من الغنائم فی أنّه لیس للإمام فیها إلاّالخمس،ثمّ استجود ذلک واستدلّ له بما ستأتی الإشارة إلیه.

بل یظهر من بعض کلمات الشیخ فی الخلاف فی کتاب السیر فی المسألة 3 أنّه إذا غزت طائفة بغیر إذن الإمام فغنموا، فالإمام مخیر إن شاء أخذه منهم وإن شاء ترکه ثمّ ادّعى الإجماع علیه.

والظاهر أنّه لیس مخالفاً لما ذکره فی کتاب الفیىء، وکأنّه فهم من الأدلة أنّ هذا حقّ للإمام (علیه السلام) یعمل به ما یشاء فتدبّر جیداً.

وفی العروة الوثقى فی أوّل کتاب الخمس التفصیل بین زمن الحضور وإمکان الاستئذان عنه (علیه السلام) فالغنیمة له خاصة، وبین زمن الغیبة فالأحوط إخراج خمسها من حیث الغنیمة لا سیّما إذا کان للدعوة إلى الإسلام (فالمسألة ذات أقوال).

وکیف کان فلا شک فی کون المشهور بیننا کونه من الأنفال، والمشهور بینهم خلافه.

عمدة الدلیل على مذهب الأصحاب هی مرسلة العبّاس الورّاق عن رجل سمّاه، عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال : «إذا غزا قوم بغیر إذن الإمام فغنموا کانت الغنیمة کلّها للإمام، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا کان للإمام الخمس»(4).

وضعف سنده منجبر بالشهرة کما لا یخفى.

واستدلّ له صاحب الحدائق مضافاً إلى ما مرّ، بصحیحة معاویة بن وهب (أو حسنته بإبراهیم بن هاشم) عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال : قلت له : السریة یبعثها الإمام(علیه السلام)فیصیبون غنائم کیف تقسّم؟...»(5). وذکر ثلاثة أخماس فیها لا یضر بالاستدلال به، لأنّ الصحیح کما فی الکافی هو أربعة أخماس.

هذا ولکن یمکن المنع عن الاستدلال به بأنّ المذکور فی صدرها هو وجود قیدین : کون الغنیمة حاصلة بالقتال وکونها عن إذن الإمام (علیه السلام) والمذکور فی ذیله هو عدم القتال، ومن الواضح أنّه لو لم یکن هناک ایجاف خیل ولا رکاب کانت کلّها للإمام (علیه السلام)ولم یذکر فیها ما إذا کان هناک قتال ولم یکن إذن منه (علیه السلام) الذی هو محل الکلام، فلا یصحّ الاستدلال به.

اللّهمّ إلاّ أن یقال : لا یخلو ذکر القید فی هذا المقام أعنی مقام الاحتراز، وذکر ما هو شرط فی الحکم من الدلالة على المفهوم وحینئذ یتم الاستدلال به، فإن قوله (علیه السلام) : «إن قاتلوا علیها مع أمیر أمره الإمام علیهم» دلیل على دخل کلّ واحد من القیدین (القتال وإذن الإمام فی الحکم) وإلاّ کان ذکره لغواً، فالاستدلال به غنیّ عن الإشکال.

بقی الکلام فی التفصیل الذی أشار إلیه صاحب العروة، وکأنّه نظر إلى أنّ قوله(علیه السلام)فی مرسلة الورّاق إذا غزا قوم بأمر الإمام أو بغیر إذنه منصرف إلى زمان الحضور وإمکان الوصول إلیه، ولکن الإنصاف منع هذا الانصراف کما أنّ الشرط فی سائر المقامات لیس دلیلاً على إمکان الوصول إلیه، فقوله : «لا صلاة إلاّ بطهور» لا ینصرف إلى ما إذا أمکن الوصول إلى الطهور، ولا یستفاد منه أنّ فاقد الطهورین لا تشترط فی صلاته الطهارة بل إطلاق الشرطیة دلیل على عدم تحقق الصلاة ولو فی هذا الحال، فهو دلیل على سقوط الصلاة فی هذا الحال لو لم یکن هناک دلیل آخر مثل «إنّ الصلاة لا تسقط بحال».

هذا وعدم إمکان الوصول إلیه (علیه السلام) بعد إمکان الوصول إلى نائبه غیر قادح فتدبّر.

وعلى کلّ حال لا یبعد أن تکون الحکمة فی هذا الحکم منع الناس عن القیام بحروب لا فائدة فیها للإسلام والمسلمین، بل تکون مضرة طمعاً فی حطام الدنیا وغنائمها وأموالها.

نعم، یمکن الأخذ من أموال أهل الحرب بلا قتال، إنّما الکلام فی مسألة القتال، فهذا مؤید آخر لعدم الفرق بین زمن الحضور والغیبة.

هذا وقد یستدلّ لقول العلاّمة وصاحب المدارک (کون المقام کسائر موارد الغنیمة یتعلق به الخمس فقط) بأُمور :

1 ـ الأصل أی أصالة عدم صیرورته من الأنفال.

2 ـ إطلاق آیة الغنیمة فإنّها شاملة للمقام وغیره.

3 ـ عدم ذکر هذا القسم فی روایات الأنفال مع کثرتها وأنّه لو کان منها لذکر فیها.

4 ـ ضعف سند مرسلة الورّاق تارة بالإرسال، وأُخرى باشتماله على علی بن الحسن بن أحمد بن یسار (بشار) المجهول، وثالثة بأنّ یعقوب مشترک بین الصحیح والضعیف.

ولکن کلّها قابلة للمنع، أمّا الأخیر فلما عرفت من جبر ضعف سند الخبر بعمل الأصحاب کلّهم ما عدا قلیل لا سیّما مع کونه الدلیل الوحید فی المسألة.

وبعد قوّة الروایة بهذه الملاحظة لا یبقى مجال للرجوع إلى الأصل وإطلاق الآیة (مع أنّ الأصل معارض بمثله کما لا یخفى) وعدم ذکره فی أخبار الأنفال غیر قادح بعد عدم کونها فی مقام الحصر من جمیع الجهات، وکم له نظیر فی الفقه.

نعم، هناک دلیل آخر على هذا القول وحاصله أنّ ظاهر کثیر من روایات الخمس والأنفال أنّهم (علیهم السلام) صرّحوا بأنّ حقّهم فی الغنائم التی حصلت فی الحروب الإسلامیة بعد النبی (صلى الله علیه وآله) لا سیّما فی حروب بنی أُمیة وبنی العبّاس لم یکن إلاّ الخمس مع أنّه لم تکن هذه الحروب بإذنهم، فلابدّ أن تکون جمیعها لهم.

ویمکن دفعه أیضاً بما ذکرنا من أنّهم أذنوا فیما کان فی طریق نصرة الإسلام وتقویة الدین.

بقی هنا مسائل :

الاُولى : المشهور بین الأصحاب کون میراث من لا وارث له من الأنفال، بل ادّعى الإجماع علیه.

قال العلاّمة (رحمه الله) فی المنتهى : «ومن الأنفال میراث من لا وارث له، ذهب علماؤنا أجمع إلى أنّه یکون للإمام خاصة ینقل إلى بیت ماله، وخالف فیه الجمهور (کافة وقالوا) أنّه للمسلمین أجمع»(6).

وقال شیخ الطائفة(رحمه الله) فی الخلاف : «میراث من لا وارث له ولا مولى نعمة، لإمام المسلمین سواء کان مسلماً أو ذمّیاً، وقال جمیع الفقهاء إنّ میراثه لبیت المال وهو لجمیع المسلمین، دلیلنا إجماع الفرقة وأخبارهم»(7).

وقال صاحب مصباح الفقیه : «أنّه کان على المصنّف (صاحب الشرائع) ذکر میراث من لا وارث له غیر الإمام هنا من الأنفال إذ هو کذلک عند علمائنا أجمع کما عن المنتهى» ثمّ استدلّ علیه بالروایات الآتیة ثمّ قال : «لعلّ ترک تعرض المصنّف له ههنا اکتفاء بما ذکروه فی طبقات الارث»(8).

وقد عدّه المحقّق النراقی (قدس سره) أیضاً من الأنفال بقوله : «التاسع میراث من لا وارث له»(9).

وقال فی کتاب المیراث بعد ذکر کون المسألة مشهورة بل ادّعى علیها الإجماع مستفیضاً، ما نصّه : «خلافاً للصدوق فی الفقیه ففرق بین حال الحضور والغیبة فجعله فی الأوّل للإمام وفی الثانی لأهل بلد المیّت (جمعاً بین أخبار هذا الباب)»(10).

ولعلّ خلاف الصدوق إنّما هو فی مصرفه فی زمن الغیبة بعد کونه للإمام على کلّ حال لا فی أصل کونه للإمام، کما اختلفوا فی مصرف سهم الإمام (علیه السلام) فی عصر الغیبة اختلافاً شدیداً فتأمل.

وعلى کلّ حال فقد تدلّت على المقصود روایات کثیرة، وقد جمعها صاحب الوسائل(رحمه الله)فی الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجریرة والإمامة من کتاب الارث فی الجزء 17 من کتابه.

1 ـ منها ما رواه محمّد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال : «من مات ولیس له وارث من قرابته ولا مولى عتاقه قد ضمن جریرته فماله من الأنفال»(11).

2 ـ ما رواه الحلبی، عن الصادق (علیه السلام) فی قول الله عزّوجلّ : (وَیَسْأَلُونَکَ عَنِ الاَنْفَال)قال : «من مات ولیس له مولى، فماله من الأنفال»(12).

3 ـ روایة أخرى له بهذا المضمون بعینه مع إضافات(13) والظاهر اتحاد الروایتین.

4 ـ ما رواه حمّاد بن عیسى عن بعض أصحابنا عن أبی الحسن الأوّل (علیه السلام) فقد ذکر بعد عدّ کثیر من الأنفال قوله : «الإمام وارث من لا وارث له»(14) وقد حکاه صاحب الوسائل فی أبواب الأنفال أیض(15).

5 ـ ما رواه عن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبدالله (علیه السلام) : «من مات لا مولى له ولا ورثة فهو من أهل هذه الآیة: یسألونک عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول»(15).

6 ـ ما رواه عن إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن الأنفال ؟ فقال : «هی القرى التی قد خربت وانجلى أهلها فهی لله وللرسول، وما کان للملوک فهو للإمام، وما کان من الأرض بخربة لم یوجف علیه بخیل ولا رکاب، وکلّ أرض لا ربّ لها، والمعادن منها، ومن مات ولیس له مولى فماله من الأنفال»(16).

إلى غیر ذلک (فراجع الأحادیث 11 و12 و13 من الباب 3 من ولاء ضمان الجریرة والإمامة) وفی غیر هذا الباب.

ولکن قد یعارض ذلک بروایات دلّت على أنّ میراثه لأهل بلده(وهی دلیل لقول الصدوق(رحمه الله)).

1 ـ منها ما رواه ابن أبی عمیر، عن خلاّد السندی، عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال : «کان علی (علیه السلام)یقول فی الرجل یموت ویترک مالاً ولیس له أحد: اعط المال همشاریجه»(17).

2 ـ ما رواه أیضاً ابن أبی عمیر، عن خلاّد، عن السری یرفعه إلى أمیرالمؤمنین(علیه السلام)فی الرجل یموت ویترک مالاً لیس له وارث قال : «فقال أمیرالمؤمنین (علیه السلام): اعط المال همشاریجه»(18). والظاهر أنّهما روایة واحدة.

3 ـ مرسلة داود عمّن ذکره، عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال : «مات رجل على عهد أمیرالمؤمنین (علیه السلام) لم یکن له وارث فدفع أمیرالمؤمنین (علیه السلام) میراثه إلى همشهریجه (همشیریجه)»(19).

4 ـ مرسلة الصدوق حیث قال (بعد ذکر صحیحة محمّد بن مسلم) : «روى فی خبر آخر أنّ من مات ولیس له وارث فمیراثه لهمشاریجه یعنی أهل بلده»(20).

والظاهر أنّه لیس خبراً آخر، فجمیع هذه الأخبار تندرج فی خبرین بل یحتمل کون الجمیع روایة واحدة کما أشار إلیه النراقی(رحمه الله) فی المستند.

هذا ویقع الکلام تارة فی إسنادها وأخرى فی دلالتها. لاشک فی ضعف إسناد الجمیع کما لا یخفى على من راجعها.

وأمّا الدلالة فقد وقع الاختلاف فی النسخ، فإن کانت النسخة همشاریجه فالمشهور على أنّه أهل بلده والکلمة فارسیة مأخوذة من «همشهری» ولازمه إعطاء میراثه لمن یعرف من أهل بلاده هناک أو یرسل إلیهم، وهذا التعبیر إنّما نشأ من کون من لا وارث له من غیر بلاد العرب من الغرباء من بلاد ایران وشبهها فعبّر بهذا التعبیر، وإن کانت النسخة همشیریجه فقد یقال بأنّه بمعنى الأخ أو الأخت من الرضاعة فحینئذ یکون مخالفاً للإجماع لأنّ الرضاع کالنسب یوجب الحرمة فی النکاح ولیس کالنسب فی باب الارث بالإجماع.

قلت : ولکن کون هذا التعبیر فی الفارسیة بمعنى خصوص الأخ أو الأخت الرضاعی غیر ثابت،بل الیوم یطلق على الأخت النسبیة ولاندری أنّه هل هومستحدّث أوکان من سابق الأیّام.

وعلى کلّ حال لا ینبغی الریب فی تقدیم الطائفة الاُولى بعد تظافرها وصحّة إسناد بعضها وکونها موافقة للمشهور، مع ضعف إسناد الثانیة ودلالتها وکونها مهجورة متروکة فالمسألة واضحة بحمد الله.

الثانیة : أنّ غیر واحد من الفقهاء جعلوا «البحار» أیضاً من الأنفال.

قال المحقّق النراقی (رحمه الله) فی المستند : (الحادی عشر : البحار)(21) وهی على الأظهر من الأنفال وفاقاً لصریح الکلینی وظاهر ابن أبی عمیر والمحکى عن المفید بل الدیلمی، للعمومات المتقدّمة وحسنة البختری... وتؤیده بل تدلّ علیه صحیحة عمر بن یزید (انتهى)»(22).

وقال المفید (رحمه الله) فی المقنعة : «والأنفال کلّ أرض فتحت من غیر أن یوجف علیها بخیل ولا رکاب ـ إلى أن قال ـ والآجام والبحار والمفاوز...»(23).

وقال أبو صلاح الحلبی فی الکافی : «فرض الأنفال مختصّ بکلّ أرض لم یوجف علیها بخیل ولارکاب ـ إلى أن قال ـ ورؤوس الجبال وبطون الأودیة من کلّ أرض والبحاروالآجام...»(24).

وذکر ثقة الإسلام الکلینی فی الکافی فی عداد الأنفال : «وکذلک الآجام والمعادن والبحار والمفاوز هی للإمام خاصة»(25).

وذکره سیّدنا الحکیم (رحمه الله) فی المستمسک واستدلّ علیه بعد قوله : وعن غیر واحد الاعتراف بعدم الدلیل علیه، ببعض ما مرّ ذکره ویأتی(26).

ومن الواضح أنّ البحار فی أعصارنا ممّا یهتم بأمرها لمرور السفن والصید والمعادن التی فی قعرها وغیر ذلک من المنافع الکثیرة، بل قد یقال بإمکان استخراج الجواهر من میاهها أیضاً، مضافاً إلى دورها الکبیر فی المسائل المرتبطة بالعساکر والجیوش وغیر ذلک، فلعلّ ترک ذکرها فی کلمات القوم غالباً وعدم سؤال کثیر من الرواة عنه کان لعدم الانتفاع بها فی تلک الأیّام بخلاف أیّامنا هذه. وعلى کلّ حال فیمکن الاستدلال علیه بأُمور :

1 ـ العموم المصطاد من أخبار الأنفال من أنّ کلّ مال لیس له مالک خاصّ فهو للإمام (إلاّ ما خرج بالدلیل) واصطیاد هذا العموم کما عرفت غیر بعید.

2 ـ مصححة حفص بن البختری عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال : «إنّ جبرئیل(علیه السلام) کرى برجله خمسة أنهار لسان الماء یتبعه، الفرات ودجلة ونیل مصر ومهران ونهر بلخ فما سقت أو سقى منها فللإمام والبحر المطیف بالدنیا وهو أفسیکون»(27).

وفی طریق الصدوق إلى حفص کلام عندهم، ولکن رواه الکلینی ـ رضوان الله علیه ـ فی الکافی بسند صحیح إلاّ أنّه حذف قوله «وهو أفسیکون» (فراجع الوسائل ذیل الحدیث).

وقوله البحر المطیف بالدنیا یشمل جمیع البحار لما ثبت عندنا الیوم أنّ جمیع البحار فی الدنیا مرتبطة بعضها ببعض فهی مطیفة بالدنیا وتکون بحراً واحداً.

وأمّا قوله : «هو أفسیکون» فقد ذکر العلاّمة المجلسی (قدس سره) فی البحار، ما نصّه : «ولعلّه من الصدوق فصار سبباً للإشکال لأنّ «أفسیکون» معرب «آبسکون» وهو بحر الخزر ویقال له بحر جرجان وبحر طبرستان وبحر مازندران... وهذا غیر محیط بالدنیا ـ إلى أن قال ـ وما فی الکافی (أی بدون ذکر هذه الجملة) أظهر وأصوب والمعنى أنّ البحر المحیط بالدنیا أیضاً للإمام (علیه السلام)»(28).

أقول : ویحتمل أن یکون آبسیکون اسماً لما یسمّى الیوم الأقیانوس الکبیر ویسمّى البحر الهادىء أی الساکن (یقال فی الفارسیة أقیانوس آرام) وکأنّه لعظمه وارتباطه بسائر البحار مطیف بالدنیا.

والحاصل : الاستدلال بالروایة على المطلوب ظاهر، اللّهمّ إلاّ أنّ یقال : إنّ صدرها ممّا لا یمکن العمل به، فإنّ مجرّد استقاء الأراضی من هذه الأنهار لا یوجب کون ثمرتها للإمام ولم یفت بذلک أحد، فاللازم حمل الروایة على نوع آخر من الملکیة أشرنا إلیها غیر مرّة تکون فی طول ملک الناس.

وإن شئت قلت : إنّ صدرها قرینة على أنّ المراد بالذیل أیضاً هو الملکیة العامة الواردة فی کثیر من الروایات من أنّ الدنیا کلّها للإمام (علیه السلام) (بعد ما کانت لرسول الله (صلى الله علیه وآله)) ومن الواضح ثبوت الملک الخصوصی للأفراد ـ کما صرّحت به آیات الارث وغیرها فی القرآن الکریم ـ فلا یمکن کون شیء واحد فی زمان واحد ملکاً لشخصین بتمامه، فلابدّ من حملها على أنّ المراد من الملکیة هنا ما یکون من قبیل ملک المولى للعبد وما فی یده من الأملاک (بناءً على القول به).

ومن هنا یظهر الکلام فی الاستدلال بتلک الروایات(29) کدلیل مستقل على المطلوب فإنّ الأخذ بظاهرها مناف لضرورة الفقه وما ثبت من الکتاب والسنّة، اللّهمّ إلاّ أن یراد منه ما ذکرنا من نوع آخر من الملکیة.

3 ـ واستدلّ له أیضاً بصحیحة عمر بن یزید، عن أبی سیّار مسمع بن عبدالملک وفیها : «الأرض کلّها لنا فما أخرج الله منها من شیء فهو لن»(30).

قال صاحب المستند : «وجه الدلالة أنّ المال الحاصل للسائل وسؤاله کان عن الغوص ومنه یفهم أنّ مراده (علیه السلام) من الأرض وما أخرج منها ما یشمل أرض البحار أیض»(31).

وفیه : ما مرّ فی مثله ممّایدلّ على أنّ الأرض کلّها للإمام(علیه السلام) وأنّها لادلالة لها على المطلوب.

فتلخص أنّ العمدة فی المسألة هی العموم المستفاد من أدلة الأنفال لو بلغ هذا العموم المصطاد حدّ الحجیة، ولکنه لا یخلو من إشکال والأرجح فی المسألة الاحتیاط لا سیّما مع جریان سیرة العقلاء فی جمیع أقطار العالم على معاملة البحار (ما عدا بعض ما یکون حریماً للبلاد المختلفة).

معاملة المشترکات المباحات الأولیة منذ سابق الأیّام إلى زماننا هذا.

ومن هنا یظهر حال الأنهار الکبار أیضاً، فإنّه یمکن الاستدلال على کونها من الأنفال بصحیحة حفص بن البختری للتصریح فیها بالأنهار الکبار فی العالم وأنّها للإمام (علیه السلام)، ولکن قد عرفت الجواب عنها وأنّ دلالتها قابلة للمناقشة بما مرّ، وکذلک یظهر حال الفضاء والجوّ فی أیّامنا هذا ممّا یمکن الانتفاع بها بکثیر من المنافع، وکذا أعماق الأرض وتخومها ممّا لا یعد جریماً لأملاک الناس ولا یکون تابعاً لها عرفاً، والأظهر فی جمیع ذلک معاملتها معاملة المشترکات للأصل، وعدم الدلیل الکافی على اثبات کونها من الأنفال، وإن کان رعایة الاحتیاط فی جمیع ذلک حسناً.

الثالثة : قد عدّ أبو الصلاح الحلبی فی کتابه المسمّى بالکافی من الأنفال : «کلّ أرض عطلها مالکها ثلاث سنین»(32) استناداً إلى بعض ما ورد فی الباب 17 من أبواب کتاب إحیاء الموات وشبهه.

ولکن الإنصاف أنّه مع ما أورد علیه فی محلّه من الإشکال فی بعض الروایات التی تکون مستنداً لهذا الحکم من حیث السند وإعراض جلّ الأصحاب لو قلنا به لا یکون عنواناً مستقلاً، بل معناه عود ذلک الملک بعد التعطیل ثلاث سنین إلى الموات فیشملها ما دلّ على أنّ الموات من الأنفال.

الرابعة : حکى صاحب الجواهر عن اُستاذه الجلیل کاشف الغطاء عدّ ثلاثة أشیاء اُخر من الأنفال حیث قال :

«منها ـ أی من الأنفال ـ ما یوضع له من السلاح المعدّ له والجواهر والقنادیل من الذهب والفضة والسیوف والدروع، ومنها ما یجعل نذراً للإمام (علیه السلام) بخصوصه على أن یستعمله بنفسه الشریفة... ومنها المعین للتسلیم إلیه لیصرفه على رأیه»(33).

أقول : لکنه ممنوع صغرى وکبرى، کما أشار إلى بعضه صاحب الجواهر.

أمّا الأُولى فلأنّ صیرورة هذه العناوین الثلاثة (ما یعد له ـ ما یجعل منذوراً له ـ وما یعدّ معیناً للتسلیم إلیه) لا یوجب الملک له إلاّ إذا وهب له وقبله (علیه السلام) بنفسه أو قبله بعض وکلائه (وکیله الخاصّ، أو وکیله العام إذا قلنا بعموم الوکالة لنائب الغیبة فی هذه الأُمور، ولکن الإنصاف الإشکال فی عموم الأدلة من هذه الناحیة).

أو کان نذراً له ولکن النذر لا یجعله ملکاً، فتأمل، أو کان وقفاً علیه خاصة (لو قلنا بعدم حاجته إلى القبول) أو جعل وقفاً لروضته ومشهده کما هو المعمول فی الأوقاف الکثیرة التی جعلوها لمشاهدهم الشریفة ومواقفهم الکریمة ـ صلوات الله علیهم أجمعین ـ من السلاح والدور وسائر الأموال المنقولة وغیر المنقولة، فمجرّد الوضع له (علیه السلام) أو النذر له أو تعیینه له (علیه السلام) لا یوجب کونه من الأنفال.

وأمّا الثانیة فلأنّ أمثال هذه خارجة عن عنوان الأنفال لثبوته فی حقّ کلّ أحد، والمراد من الأنفال ما ثبت له بحکم الشرع من الأموال لمقام ولایته کما لا یخفى.و من   العجب  أنّه  ذکر بعد هذا الکلام فیما حکاه عنه صاحب الجواهر : «أنّ هذه الثلاثة من الأنفال لا یجوز التصرف فیها، بل یجب حفظها والوصیة بها، ولو خیف فساد شیء منها بیع وجعل نقداً وحفظ على النحوالسابق،ولو أراد المجتهد الاتجار به مع المصلحة قوى جوازه» !

وفیه : ما عرفت سابقاً من أنّ حفظ هذه الأموال أو حفظ قیمتها مشکل جدّاً بل هو مظنّة للضیاع قطعاً فلا مناص من أنّ یصرف فیما یرضاه (علیه السلام) فکما یجوز الاتجار به (للمجتهد إمّا بناءً على احراز رضاه أو عموم أدلة الولایة) فکذلک بالنسبة إلى بیعها وصرفها فیما یحرز به رضاه (علیه السلام)، إلاّ إذا کانت موقوفة لناحیته المقدّسة فیعمل فیها بحکم الوقف.

الخامسة : فی حکم الأنفال قال صاحب الجواهر : «أنّه لا کلام فی کون الأنفال ملکاً للنبی (صلى الله علیه وآله) کما یدلّ علیه الکتاب والسنّة والإجماع ثمّ من بعده للقائم مقامه» وقد صرّح بعد ذلک تبعاً للمحقّق (رحمه الله) فی الشرائع بأنّه : «لا یجوز التصرف فی ذلک بغیر إذنه... ولو حصل له فائدة کانت للإمام (علیه السلام)» ثمّ تکلم بعد ذلک فی حکمها فی زمن الغیبة وأنّهم أباحوا ذلک لشیعتهم مطلقاً أو فی خصوص المناکح والمساکن والمتاجر(34).

أقول : اللازم التکلّم فی مقامین، أحدهما : حکم الأنفال من حیث الملکیة أنّها لمن تکون بحسب الحکم الاُولی.ثانیهما: حکمها فی زمن الغیبة أو الحضور من حیث إذن صاحبها وعدمه.

أمّا المقام الأوّل: فقد عرفت دعوى الإجماع من صاحب الجواهر على أنّها ملک للنبی(صلى الله علیه وآله)ثمّ بعده للقائم مقامه من الأئمّة المعصومین، واستدلّ له بالأدلة الثلاثة وهو کذلک، ولکن قد یتصور أنّ ظاهر آیة الأنفال هو تقسیمها إلى سهمین سهم الله وسهم الرسول (صلى الله علیه وآله)قال الله تعالى : (یَسْـأَلُونَکَ عَنِ الاَْنفَالِ قُلِ الاَْنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ)(35) وإن کان لا أثر لهذا التقسیم بعد کون حقّ الله للنبی (صلى الله علیه وآله) بلا إشکال، وأوضح منه فی التقسیم آیة الحشر قال الله تعالى : (مَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ا لْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ا لْقُرْبَى وَا لْیَتَـمَى وَا لْمَسَـکِینِ وَابْنِ السَّبِیلِ)(36) فقد ذکر فیها السهام الستة المذکورة فی آیة الخمس، فکیف یقال بتقسیم الخمس هناک إلى ستة أسهم ولا یقال به هنا ؟ !

وقال المحقّق النراقی (رحمه الله) فی المستند : «لیس علینا بیان حکم الأنفال فی حال حضور الإمام (علیه السلام) فإنّه المرجع فی جمیع الأحکام»(37).

ولکنه کما ترى، لأنّ المقصود من بیان حکمه فی زمن الحضور استنباط حکم زمن الغیبة منه بحسب الأصل والقاعدة، کی یعمل به فیما لا دلیل على خلافه.

وقال الشیخ (رحمه الله) فی الخلاف : «الفیىء کان لرسول الله (صلى الله علیه وآله) خاصة وهو لمن قام مقامه من الأئمّة (علیهم السلام) (إلى أن قال:) دلیلنا ، إجماع الفرقة»(38) ولکن نقل عن غیر واحد من فقهاء العامة خلاف ذلک، فحکى عن الشافعی : أنّه کان الفیىء یقسم على عهد رسول الله(صلى الله علیه وآله)على خمسة وعشرین سهماً، أربعة أخماسه للنبی (صلى الله علیه وآله) ویبقى أربعة أسهم بین ذوی القربى والیتامى والمساکین وابناء السبیل، وحکى عن أبی حنیفة مساواة حکم الفیىء والغنیمة وأنّه على عهده کان یقسم على خمسة أسهم (سهمان له وثلاثة أسهم للطوائف الثلاث) وبعد وفاته(صلى الله علیه وآله)یقسم على ثلاثة أسهم أی على الطوائف الثلاث»(39).

وکیف کان فظاهر الآیة وإن کانت تقسِّم الفیىء على ستة أسهم، ولکن یحمل على بیان ما یصرفه (صلى الله علیه وآله) فیه تفضلاً أو بحسب مقامه السامی فإنّه کافل للیتامى وسائر أرباب الحاجة من الناس، وذلک مثل ما یکون لرئیس العشیرة خاصة ولکنه بحسب مقامه یصرفه فی أفراد عشیرته، وتدلّ على هذا الحمل الآیة الاُولى لأنّه اقتصر فیها على ذکر الله والنبی (صلى الله علیه وآله)ویشهد له أیضاً التعبیر بقوله تعالى : (مَّآ أَفَآءَ اللَّهُ) على رسوله لظهورها وإشعارها بأنّ الفیىء کلّه للرسول (صلى الله علیه وآله).

ولذا یحکى عن فعل النبی(صلى الله علیه وآله) أنّها بعدما نزلت الآیة فی أموال یهودبنی النضیر،قسمها(صلى الله علیه وآله)فی المهاجرین ومعدود من الأنصار.

وتدلّ علیه أیضاً الروایات الواردة فی أبواب الأنفال التی هی بمنزلة التفسیر للآیة، والمسألة بعد إجماعیة ظاهراً.

ویؤیده أیضاً ما روى من طرق العامة فی هذه المسألة، قال الواقدی فی المغازی : «قال عمر : یا رسول الله ! ألا تخمس ما أصبت من بنی النضیر کما خمست ما أصبت من بدر ؟ فقال رسول الله (صلى الله علیه وآله) : لا اجعل شیئاً جعله الله عزّوجلّ لی دون المؤمنین بقوله : (مَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ا لْقُرَى) الآیة، کهیئة ما وقع فیه السهمان للمسلمین (وکان المراد بالسهمین سهم له (صلى الله علیه وآله) وسهم للمسلمین»(40).

وهذا ما یؤید ما ذکرنا من أن قوله تعالى : (مَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ) قرینة على أنّه تعالى أرجع الفیء کلّه على رسوله الأکرم (صلى الله علیه وآله).

وما رواه البیهقی فی سننه عن مالک بن أوس عن عمر فی حدیث قال : «کانت أموال بنی النضیر ممّا أفاء الله على رسوله ممّا لم یوجف علیه المسلمون بخیل ولا رکاب فکانت لرسول الله (صلى الله علیه وآله) خالصاً دون المسلمین،وکان رسول الله(صلى الله علیه وآله) ینفق منها على أهله نفقة سنة فما فضل جعله فی الکراع والسلاح عدّة فی سبیل الله»(41) ونحوه ما ذکره الشافعی فی کتاب الاُمّ(42).

وأمّا المقام الثانی: أی حکم الأنفال فی عصر الغیبة فقد وقع الخلاف فیه، کما وقع الخلاف فی حکم الخمس فی ذلک الزمان.

فقال المحقّق الهمدانی (رحمه الله) فی مصباح الفقیه : وقع الخلاف بین الأصحاب فی الأنفال بل فی مطلق ما یستحقه الإمام (علیه السلام) ولو من الخمس فی أنّه هل أبیح ذلک للشیعة مطلقاً أم فی الجملة فی زمان الغیبة أو عدمه مطلقاً على وجوه :

فعن الشهیدین(رحمهما الله)وجماعة التصریح بإباحة الأنفال جمیعها للشیعة فی زمان الغیبة، بل نسبه أصحاب الروضة والمسالک والذخیرة إلى المشهور استناداً إلى أخبار التحلیل.

وعن کثیر من الأصحاب قصر الإباحة على المناکح والمساکن والمتاجر، بل عن الحدائق نسبته إلى المشهور، وعن أبی الصلاح ما یظهر منه الجمیع.

ثمّ اختار هو بنفسه التفصیل بین الأرضین الموات وتوابعها من المعادن والآجام وغیرها ممّا جرت السیرة على المعاملة معها معاملة المباحات الأصلیة، فلا ینبغی الریب فی إباحتها للشیعة فی زمان الغیبة، وأمّا ما عداها وهی الغنیمة بغیر إذن الإمام وصفایا الملوک ومیراث من لا وارث له، فمقتضى الأصل بل ظواهر النصوص الخاصة عدم جواز التصرف فیها إلاّ بإذن الإمام (علیه السلام) انتهى ملخص(43).

وذکر صاحب الجواهر (رحمه الله) فی نجاة العباد تفصیلاً آخر قال : «الظاهر إباحة جمیع الأنفال للشیعة فی زمن الغیبة على وجه یجری علیها حکم الملک من غیر فرق بین الغنی منهم والفقیر، نعم الأحوط من ذلک إن لم یکن أقوى إیصاله إلى نائب الغیبة»(44).

وقد ذکر المحقّق النراقی (رحمه الله) بعد نقل الأقوال الثلاثة فی المسألة (1 ـ المشهور إباحتها للشیعة. 2 ـ إباحة خصوص المناکح والمساکن والمتاجر. 3 ـ ما عن الحلبی والاسکافی من عدم إباحة شیء منها)تفصیلاً آخر فی المسألة فصل بین أقسام الأنفال(45).

فهذه تفاصیل أربعة فی المسألة :

وصرّح صاحب المدارک بأنّ الأصح إباحة الجمیع کما نصّ علیه الشهیدان وجماعة (رحمهم الله).

فتحصل ممّا ذکر أنّ فی المسألة قول بالتحلیل مطلقاً، وقول بعدم التحلیل، وأقوال بالتفصیل، والظاهر أنّ جمیعها ینشر من روایات هذا الباب، فاللازم الرجوع إلیها بعد وضوح أنّ الأصل فی المسألة عدم جواز التصرف فیها إلاّ بإذنهم لأنّها لهم خاصة، فنقول ومنه جلّ ثناؤه التوفیق والهدایة : هناک طوائف من الأخبار :

الطائفة الاُولى : ما دلّ على إباحة حقّهم من الأنفال مطلقاً بحیث یشمل جمیع أقسام الأنفال، سواء الأراضی وبعض الغنائم ومیراث من لا وارث له والمناکح والمتاجر وغیرها.

منها : ما رواه علی بن مهزیار قال : قرأت فی کتاب لأبی جعفر (علیه السلام) من رجل یسأله أن یجعله فی حلّ من مأکله ومشربه من الخمس، فکتب بخطه : «من أعوزه شیء من حقّی فهو فی حلّ»(46).

ومنها : ما عن یونس بن یعقوب قال : کنت عند أبی عبدالله(علیه السلام) فدخل علیه رجل من القماطین فقال : جعلت فداک، تقع فی أیدینا الأموال والأرباح والتجارات نعلم أنّ حقّک فیها ثابت وأنّا عن ذلک مقصّرون ؟ فقال : «ما أنصفناکم إن کلفناکم ذلک الیوم»(47).

ومنها : ما رواه الحارث بن مغیرة وموردها وإن کان خاصّاً إلاّ أنّ قوله (علیه السلام) فی الجواب «وکلّ من والى آبائی فهو فی حلّ ممّا فی أیدیهم من حقّنا فلیبلغ الشاهد الغائب»(48).

ومنها : ما رواه الحارث بن المغیرة أیضاً وقد صرّح فیها بعنوان الأنفال(49).

إلى غیر ذلک ممّا ذکرناه فی مباحث الخمس عند الکلام فی التحلیل وعدمه.

الطائفة الثانیة : ما دلّ على إباحة خصوص المناکح من غیر مفهوم لها، وقد مرّ أیضاً مشروحاً فی أبواب الخمس مثل روایة10 و15 و20 من الباب4 من أبواب الأنفال وغیرها.

الطائفة الثالثة : ما دلّ على تحلیل خصوص الأراضی التی تکون فی أیدی شیعتهم وأنّهم أباحوها لهم دون غیرهم مثل ما رواه أبو سیّار مسمع بن عبدالملک(50) وما رواه یونس بن ظبیان أو المعلى بن خنیس عن الصادق (علیه السلام)(51) وما أشبه ذلک.

الطائفة الرابعة : ما دلّ على أن من أحیا أرضاً میتة فهی له وقد رواها صاحب الوسائل فی الجزء 17 فی کتاب إحیاء الموات فی الباب الأوّل، وقد نقل فیها ثمان روایات کلّها تدلّ على المطلوب وفیها عناوین عامة یشمل الشیعة وغیرهم بل أهل الذمّة أیضاً، مثل قوله(صلى الله علیه وآله) : «من أحیا أرضاً مواتاً فهی له»(52).

وقول أبی جعفر الباقر (علیه السلام) : «أیّما قوم أحیوا شیئاً من الأرض وعمروها فهم أحقّ بها وهی لهم»(53) إلى غیر ذلک.

بل فی بعضها التصریح بأنّ أهل الذمّة إذا عملوها وأحیوها فهی لهم(54).

الطائفة الخامسة : ما دلّ على حرمة أموالهم لغیرهم (علیهم السلام) وأنّه لا یجوز التصرف فیها إلاّ بإذنهم مثل ما یلی :

ما ورد فی توقیع محمّد بن عثمان العمری ابتداءً لم یتقدّمه سؤال : «بسم الله الرحمن الرحیم لعنة الله والملائکة والناس أجمعین على من استحل من مالنا درهم»الحدیث(55).

وما رواه أبو حمزة الثمالی، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال : «سمعته یقول من أحللنا له شیئاً أصابه من أعمال الظالمین فهو له حلال وما حرمناه من ذلک فهو حرام»(56). إلى غیر ذلک.

إنّما الکلام فی طریق الجمع بینها، فإنّ الواجب أوّلاً الجمع بین العام والخاصّ والمطلق والمقید وسائر أنحاء الجمع الدلالی لو کان، وبعد ذلک الأخذ بالمرجحات ولولاها التخییر.

والإنصاف أن یقال أمّا أخبار الإحیاء فهی حاکمة على ما دلّ على أنّها لهم (علیهم السلام)لأنّها إذن فی التملک بالإحیاء إذن من الله ورسوله (صلى الله علیه وآله) والأئمّة الهادین من بعده (علیه السلام)، فلا تعارض بینها وبین ما دلّ على أنّها حقّ لهم.

إنّما الکلام فی أنّه هل یجوز للحاکم الشرعی أو الحکومة الإسلامیة المنع من التملک بالإحیاء ولو فی بعض المناطق أو ببعض الطرق والوجوه ـ کالمنع عن إحیاء المعادن ـ إلاّ بإذنها ؟ لا یبعد ذلک بعد عموم أدلة مالکیتهم وعموم أدلة النیابة، وکون هذه الأموال عوناً للإمام (علیه السلام) فی حکومته الإلهیة.

إن قلت : ألیس قد ورد فی غیر واحد منها أنّ التحلیل فی الأراضی باق إلى ظهور القائم، وذلک مثل روایة مسمع بن عبدالملک(57) وروایة عمر بن یزید(58) فکیف یصحّ للحکومة الإسلامیة أو الفقیه عند بسط یده المنع من ذلک ؟

قلت : أوّلاً: ذلک وارد فی الخمس أیضاً مثل قوله (علیه السلام) : «أمّا الخمس فقد أبیح لشیعتنا وجعلوا منه فی حلّ إلى أن یظهر أمرنا لتطیب ولادتهم ولا تخبث»(59). مع أنّا لا نقول بالإباحة المطلقة، فتأمل.

وثانیاً : أنّ ظهور الأمر أعم من ظهور الحجّة المهدی ـ أرواحنا فداه ـ وظهور الفقهاء من موالیهم (علیهم السلام) فهذا أیضاً ظهور أمرهم.

وإن شئت قلت : التحلیلات الواردة فی الأراضی منصرفة عن مثل ما إذا ظهرت الحکومة الإسلامیة وکانت محتاجة إلى هذه الأراضی وإصلاح أمرها، وکذا ما یتبعها من المعادن وغیرها، هذا بالنسبة إلى ما ورد فیه جواز الإحیاء.

أمّا المناکح وشبهها فهی مباحة بلا إشکال لکون أدلتها أخصّ من أدلة الحرمة بل هی حاکمة علیها لإذنهم فی ذلک، وجوازها مع الإذن لا ینافی کونها ملکاً لهم کما هو ظاهر.

وأمّا غیر ذلک من الصفایا والغنائم بلا قتال أو بغیر إذنهم (علیهم السلام) ومیراث من لا وارث له فلا یبعد أن تکون روایات التحلیل شاملة لها، ولکن العمدة أنّها تدلّ على التحلیل المالکی الحاصل من إذنهم لا التحلیل بعنوان الحاکم الشرعی من الأحکام فحینئذ یجوز للفقیه المنع منه، وأخذ هذه الأموال وصرفها فی مصارفها، بل یمکن أن یقال إنّ التحلیل منهم (علیهم السلام) کان مقطعیاً خاصاً بزمانهم فالأحوط لو لم یکن أقوى، الاستئذان من الفقیه فی هذه الأُمور وعدم التصرف فیها إلاّ بإذنهم.

بقی هنا شیء :

وهو أنّ الإباحة المذکورة إن کانت بمعنى مجرّد جواز التصرف، فلازمها عدم جواز ترتیب آثار الملکیة على موردها من جواز الوطى والبیع والشراء والوقف والوصیّة والارث وغیر ذلک، مع أن الظاهر ترتیب جمیع ذلک علیه بحسب السیرة فی باب المناکح والمتاجر وغیرها ممّا أباحوا لموالیهم (علیهم السلام).

ومن هنا وقع الأعلام فی حیص وبیص ومرج من جهة تطبیق هذه الإباحة على القواعد، قال شیخنا الأعظم فیما حکاه عن المحقّق الهمدانی (رحمه الله) فی مصباح الفقیه بعد أن ذکر وجوهاً من الإشکال فی تطبیق هذه الإباحة على القواعد ما نصّه : «والذی یهون الخطب الإجماع على أنا نملک بعد التحلیل الصادر منهم(علیهم السلام) کلّ ما یحصل بأیدینا تحصیلاً أو انتقالاً، فهذا

حکم شرعی لا یجب تطبیقه على القواعد».

ثمّ ذکر توجیهین لهذا الأمر : أحدهما: أنّ ملکیة الأئمّة (علیهم السلام) لها لیست ملکیة فعلیة لتنافی ملکیة الناس بالتحلیل والإباحة بل هی ملکیة شأنیة من الله سبحانه، فالشارع بملاحظة رضاهم بتصرف موالیهم لم یجعل هذه الأُمور فی زمان قصور أیدیهم ملکاً فعلیاً لهم بل أبقاها على حالتها الأصلیة (من کونها من المباحات الأولیة) فصیرورتها من المباحات إنّما نشأت من رضاهم بذلک.

ثانیهما : أن یقال إنّها ملک لهم فعلاً، ولکن هذه الملکیة لا تنافی ملکیة الموالین لها بالإحیاء والحیازة حتّى تحتاج إلى الانتقال إلیهم بأحد النواقل الشرعیة بل هو معنى یشبه ملکیة الله سبحانه للأشیاء ـ نظیر ما أشرنا إلیه فی المباحث السابقة ـ (انتهى ملخصاً) وقال المحقّق الهمدانی (رحمه الله) بعد ذلک: «لعلّ التوجیه الثانی أوفق بظواهر النصوص والفتاوى وأقرب إلى الاعتبار»(60).

أقول : أوّلاً : أنّ هذه الملکیة کما أشرنا إلیه سابقاً لیست ملکیة فقهیة یبحث عنها فی هذه المباحث بل هی ملکیة فوق هذه الملکیة لها آثار اُخر معنویة وإلهیة.

وإن شئت قلت : إنّها ملکیة طولیة لا ملکیة عرضیة ـ أی فی عرض ملک العباد لبعض الأشیاء ـ مع أنّ ظاهر آیة الخمس وروایاته أنّها من قبیل القسم الثانی، أعنی الملکیة العرضیة ولذا یکون أربعة أخماسه للناس وخمس لهم، وکذا یکون لهم (علیهم السلام)خصوص الموات وشبهها وإلاّ لو کان المراد النوع الثانی ـ أی الملکیة الطولیة ـ فجمیع الدنیا لله تعالى ولرسوله (صلى الله علیه وآله) وخلفائه الهادین(علیهم السلام) من بعده.

والحاصل : أنّ هذا النوع من الملک أمر وراء الملک الذی تترتب علیه الآثار الخاصة فی الفقه نظیر ملک الله التکوینی لجمیع ما فی السماوات والأرض، فحمل روایات الأنفال على هذا النوع بعید جدّاً.

وأبعد منه حمل تلک الروایات الکثیرة الواردة فی هذه الأبواب على الملک الشأنی مع کونها من المباحات الأصلیة بالفعل، بل ظاهرها أو صریحها أنّها ملک لهم بالفعل.

ثانیاً : لا حاجة إلى هذه التکلفات بعد إمکان تطبیق هذا التحلیل على القواعد وذلک من طرق مختلفة.

1 ـ إعراضهم (علیهم السلام) عنها عند إرادة تملک الشیعة لها وقد ذکرنا فی محلّه أنّ الملک یخرج عن عنوان الملکیة بالإعراض، وهذا مثل بعض ما یستغنی عنه الإنسان فیجعله خارج باب داره أو یدفعه إلى خارج البلد أو فی بعض الطرق فیعرض عنه ویأتی آخر فیأخذه ویتملکه، وقد جرت على ذلک سیرة العقلاء وأمضاها الشرع ولو بعدم الردع.

2 ـ إنهم جعلوا لشیعتهم التوکیل عنهم فی تملیکها لأنفسهم وتملکها، وقد ذکر مثل ذلک فی البحث المعروف فی قول الرجل لآخر: اشتر بهذا النقد خبزاً أو ثوباً أو داراً لنفسک، فکلّ ما یقال هناک نقوله هنا.

3 ـ أن تکون الإباحة هنا بمعنى الهبة فهم قد وهبوا لموالیهم کلّ ما أحیوا من الموات أوحازوا من المعادن أو اشتروا من الإماء، والاحیاء والحیازة والإشتراء قبول فعلی من قبل الموالین، وقد ورد التصریح بعنوان الهبة فی بعض روایات هذا الباب، مثل ما عن الإمام العسکری (علیه السلام) عن آبائه(علیهم السلام) عن أمیرالمؤمنین (علیه السلام) قال : «فقد وهبت نصیبی منه لکلّ من ملک شیئاً من ذلک من شیعتی»(61).

وبالجملة : تطبیق هذه الإباحة بما لها من الآثار المترتبة على الملک على القواعد، لیس أمراً صعباً حتّى تحتاج إلى التکلف بالتزام الملکیة الشأنیة أو شبهها والحمد لله ربّ العالمین.


1. جواهر الکلام، ج 16، ص 126.
2. الخلاف، ج 4، کتاب الفیىء، ص 190، المسألة 16.
3. المنتهى، ج 1، ص 554.
4. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 16.
5. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 3.
6. المنتهى، ج 1، ص 553.
7. الخلاف، ج 4، کتاب الفرائض، ص 5، المسألة 1.
8. مصباح الفقیه، کتاب الخمس والأنفال، ص 153.
9. مستند الشیعة، ج 10، ص 162.
10. المصدر السابق، ج 19، ص 427 (کتاب الفرائض).
11. وسائل الشیعة، ج 17، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجریرة والإمامة، ح 1.
12. المصدر السابق، ح 3.
13. المصدر السابق، ح 4.
13. وسائل الشیعة، ج 17، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجریرة والإمامة، ح 5.
14. المصدر السابق، ج 6، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 4.
15. المصدر السابق، ج 17، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجریرة والإمامة، ح 8.
16. المصدر السابق، ج 6، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 20.
17. المصدر السابق، ج 17، الباب 4 من أبواب ولاء ضمان الجریرة والإمامة، ح 1.
18. المصدر السابق، ح 2.
19. المصدر السابق، ح 3.
20. وسائل الشیعة، ج 17، الباب 4 من أبواب ولاء ضمان الجریرة والإمامة، ح 4.
21. ولیعلم أنّه لم یذکر فی هذا التعداد الکثیر شیئاً أزید ممّا ذکرنا ما عدا المجهول مالکه، وإنّما فرق الباقی فی هذا العدد ولم یأت بعنوان جدید فراجع.
22. مستند الشیعة، ج 10، ص 164.
23. سلسلة الینابیع الفقهیة، ج 5، ص 54.
24. المصدر السابق، ص 107.
25. اُصول الکافی، ج 1، ص 538.
26. مستمسک العروة الوثقى، ج 9، ص 604.
27. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 18.
28. بحار الأنوار، ج 57، ص 44.
29. رواها صاحب أصول الکافی، ج 1، ص 407 کتاب الحجّة باب أنّ الأرض کلّها للإمام (علیه السلام).
30. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 12.
31. مستند الشیعة، ج 10، ص 165.
32. سلسلة الینابیع الفقهیة، ج 5، ص 107.
33. جواهر الکلام، ج 16، ص 132.
34. جواهر الکلام، ج 16، ص 133 وما بعده.
35. سورة الأنفال، الآیة 1.
36. سورة الحشر، الآیة 7.
37. مستند الشیعة، ج 10، ص 165.
38. الخلاف، ج 4، کتاب الفیىء، ص 181، المسألة 2.
39. المصدر السابق.
40. المغازی، ج 1، ص 377.
41. السنن الکبرى للبیهقی، ج 6، ص 296.
42. الاُمّ، ج 4، ص 146.
43. مصباح الفقیه، کتاب الخمس والأنفال، ص 154.
44. نجاة العباد، ص 94.
45. مستند الشیعة، ج 10، ص 165.
46. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 2.
47. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 6.
48. المصدر السابق، ح 9.
49. قال (أبو جعفر (علیه السلام)): «یا بخیّة! إنّ لنا الخمس فی کتاب الله ولنا الأنفال ولنا صفو المال وهما والله أوّل من ظلمنا حقّنا فی کتاب الله (إلى أن قال :) اللّهم أنّا قد أحللنا ذلک لشیعتن». وسائل الشیعة، ج 6، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 14.
50. المصدر السابق، ح 12.
51. المصدر السابق، ج 6، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 17.
52. المصدر السابق، ج 17، الباب 1 من أبواب إحیاء الموات، الحدیث 5.
53. المصدر السابق، ح 4.
54. وسائل الشیعة، ج 17، الباب 4 من أبواب إحیاء الموات، ح 1.
55. المصدر السابق، ج 6، الباب 3 من أبواب الأنفال، ح 7.
56. المصدر السابق، ح 4.
57. المصدر السابق، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 12.
58. المصدر السابق، ح 13.
59. المصدر السابق، ح 16.
60. مصباح الفقیه، ج 3، ص 157.
61. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 20.

 

الخامس: من الأنفال ما یصطفیه المعصوم (علیه السلام) من الغنیمةمسائل مهمّة فی إحیاء الموات
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma