المقام الثالث : هل الأرباح ما یحصل بالتکسب

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الفقاهة - کتاب الخمس و الأنفال
المقام الثانی : استثناء المؤونة منهحقیقة المؤونة ومقدارها وفروعها

فی المراد من الأرباح وهل هی ما یحصل بالتکسب من أنواع المکاسب أو یشمل کلّ فائدة یستفیدها الإنسان ولو لم تکن بالتکسب ؟ المتیقن من کلماتهم هو الأوّل، ولکن المستفاد من تعبیرات غیر واحد منهم کونها أعم، فعلى الأوّل تشمل جمیع الصناعات والزراعات والإجارات وحیازة المباحات وأُجرة العمال والموظفین فی جمیع أنواع الأعمال، بل وأُجرة العبادات الإستیجاریة، فإنّها بأجمعها داخلة فی التکسب والإسترباح التی هی القدر المتیقن من الأدلة دون غیرها.

وأمّا على الثانی فیشمل ما یحصل بغیر التکسب من أنواع الفوائد کالهبة والهدیة والجائزة والمال الموصى به ونحو ذلک من حاصل الوقف الخاصّ والمنذور بل المیراث أیضاً.

وقد اختلفت کلماتهم فیها، فقال شیخ الطائفة (رحمه الله) فی الخلاف فی المسألة 138 من کتاب الزکاة : «یجب الخمس فی جمیع المستفاد من أرباح التجارات والغلات والثمار على اختلاف أجناسها... إلى أن قال : دلیلنا إجماع الفرقة وأخبارهم».

وظاهره خصوص أرباح المکاسب، بل عن السرائر : التصریح بالعدم فی غیرها قال فیما حکى عنه : «یجب الخمس فی أرباح التجارات والمکاسب وفیما یفضل من الغلات والزراعات على اختلاف أجناسها... وقال بعض أصحابنا إنّ المیراث والهدیة والهبة فیها الخمس ذکر ذلک أبو الصلاح الحلبی فی کتاب الکافی الذی صنفه ولم یذکره أحد من أصحابنا إلاّ المشار إلیه ولو کان صحیحاً لنقل نقل أمثاله متواتراً والأصل براءة الذمّة». (انتهى)(1).

وصریحه عدم عمومیة الحکم ولکن عن الغنیة وجوب الخمس فی الفاضل عن مؤونة الحول من کلّ مستفاد بتجارة أو صناعة أو زراعة أو غیر ذلک من وجوه الاستفادة، أی وجه کان بدلیل الإجماع المشار إلیه وطریقة الاحتیاط.

بل وهو ظاهر کلّ من استدلّ بآیة الغنیمة وفسّرها بمطلق الفائدة، فإنّه یدلّ على عموم الحکم فی المقام فلو کان مقیداً بأرباح المکاسب بخصوصها کان علیهم إقامة الدلیل على التخصیص، وهذا من أظهر ما یدلّ على عموم الحکم عندهم.

وعلى کلّ حال لا تخلو کلمات الأصحاب فی المقام عن إبهام وأنّ مرادهم من الأرباح مطلق الفوائد أو خصوص أرباح المکاسب وشبهها، فهم بین ساکت عن التصریح بالشمول وعدمه وبین مصرح بالعدم وبین من یظهر منه العموم، بل یشکل تعیین المشهور عن غیر المشهور فی المقام فالأوْلى صرف عنان البحث إلى الأدلة فنقول ومنه جلّ ثناؤه نستمد التوفیق والهدایة: یدلّ على عموم الحکم أُمور :

1 ـ الآیة الشریفة، فقد عرفت تفسیر الغنیمة فیها فی اللغة والعرف بکلّ فائدة لا خصوص أرباح المکاسب، سواء من فسّره بأنّها إفادة شیء لم یملکه من قبل (کما فی المقاییس) أو کلّ مال مظفور به (کما فی المفردات) أو فسّر بالفوز بالشیء من غیر مشقة (کما فی لسان العرب وتاج العروس) لما قد ذکرنا فی محلّه من أنّ عدم المشقّة لو فرض أخذه فی مفهوم الغنیمة فهو غیر معتبر فیها بإجماع الأصحاب، فمفهوم الآیة عام شامل لجمیع المنافع سواء کانت من ناحیة أرباح المکاسب أم غیرها.

أضف إلیه روایات کثیرة متظافرة تدلّ على العموم أیضاً وهی :

1 ـ موثقة سماعة قال : سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن الخمس. فقال : «فی کلّ ما أفاد الناس من قلیل أو کثیر»(2).

2 ـ صحیحة علی بن مهزیار قال : کتب إلیه أبو جعفر (علیه السلام) وقرأت أنا کتابه إلیه فی طریق مکة قال : «... فالغنائم والفوائد یرحمک الله فهی الغنیمة یغنمها المرء، والفائدة یفیدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التی لها خطر، والمیراث الذی لا یحتسب من غیر أب ولا

ابن ومثل عدو یصطلم فیؤخذ ماله، ومثل مال یؤخذ ولا یعرف له صاحب» الحدیث(3).

3 ـ ما رواه أبو بصیر عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال : کتبت إلیه فی الرجل یهدی إلیه مولاه والمنقطع إلیه هدیة تبلغ ألفی درهم أو أقل أو أکثر هل علیه فیها الخمس ؟ فکتب(علیه السلام) : «الخمس فی ذلک وعن الرجل یکون فی داره البستان فیه الفاکهة یأکله العیال إنّما یبیع منه الشیء بمأة درهم أو خمسین درهماً هل علیه الخمس ؟ فکتب أمّا ما أکل فلا وأمّا البیع فنعم هو کسائر الضیاع»(4).

4 ـ ما رواه أحمد بن محمّد بن عیسى عن (بن) یزید قال : کتبت جعلت لک الفداء تعلّمنی ما الفائده وما حدّها ؟ رأیک أبقاک الله أن تمن علیّ ببیان ذلک لکی لا أکون مقیماً على حرام لا صلاة لی ولا صوم. فکتب : «الفائدة ممّا یفید إلیک فی تجارة من ربحها وحرث بعد الغرام أو جائزة»(5).

5 ـ ما رواه عیسى بن المستفاد عن أبی الحسن موسى بن جعفر عن أبیه (علیهما السلام) أنّ رسول الله (صلى الله علیه وآله) قال لأبی ذرّ وسلمان والمقداد : «أشهدونی على أنفسکم... وإخراج الخمس من کلّ ما یملکه أحد من الناس حتّى یرفعه إلى ولیّ المؤمنین وأمیرهم ومن بعده من الأئمّة من ولده» الحدیث(6).

6 ـ ما رواه السکونی عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال : أتى رجل أمیرالمؤمنین (علیه السلام)فقال : إنّی کسبت مالاً أغمضت فی مطالبه حلالاً وحراماً وقد أردت التوبة ولا أدری الحلال منه والحرام وقد اختلط علیّ، فقال أمیرالمؤمنین (علیه السلام) : «تصدّق بخمس مالک فإنّ الله (قد) رضى من الأشیاء بالخمس وسائر المال لک حلال»(7).

7 ـ ما رواه علی بن الحسین بن عبد ربه قال : سرح الرضا (علیه السلام) بصلة إلى أبی فکتب إلیه أبی هل علیّ فیما سرحت إلیّ خمس ؟ فکتب إلیه «لا خمس علیک فیما سرح به صاحب الخمس»(8).

إلى غیر ذلک ممّا یعثر علیه المتتبع، وقد عرفت صحّة بعض أسنادها وتضافرها وصحّة دلالتها، وفیها غنى وکفایة، ولم یثبت إعراض الأصحاب عنها، لأنّ أقوالهم فیها مختلفة بعضهم ساکت وبعضهم مصرّح بالعموم وبعضهم مصرّح بعدم العموم.

وممّا یؤید قویاً ما ذکرنا أنّ ثبوت الخمس فی التجارات والزراعات وغیرها، ربّما یدلّ على ثبوت فی ما وصل إلى الإنسان مجاناً، فإذا کانت من کدّ یده کان فیها الخمس فکیف بما إذا لم یکن کذلک.

والحاصل : أنّ إطلاق الآیة من جانب والروایات المتظافرة الکثیرة الواضحة الدلالة (فیها بعض صحاح السند) تدلّ على المطلوب، مضافاً إلى الأولویة الظنیة التی تکون مؤیدة للمطلوب ودعوى إعراض الأصحاب عن الحکم بالعموم دعوى بلا بیّنة، وقد عرفت سکوت بعضهم مع تصریح کثیر منهم بالعموم بل قد عرفت أنّ ظاهر کلّ من استدلّ بالآیة الشریفة هو عدم الفرق بین أرباح المکاسب وغیرها من الفوائد، والحکم بالعموم قوی جدّاً.

 

بقی هنا أُمور :

ذکرها المحقّق الیزدی (رحمه الله) فی العروة نتکلم فیها ثمّ نتبعها بأُمور أخرى لم یتعرض لها.

1 ـ الهبة والهدیة والجائزة فیها الخمس والظاهر أنّ الفرق بینها أنّ الهبة لها معنى عام، والهدیة هی الهبة الناشئة عن المودة والمحبّة، والجائزة، هی العطاء من العالی إلى الدانی، وفی وجوب الخمس فیها أقوال ثلاثة ثالثها بالتفصیل بین ما له خطر وما لیس له خطر، والأقوى هو العموم لما عرفت من الأدلة، وأمّا التقیید بکونها ممّا له خطر یمکن حمله على القید الغالبی لأنّ الغالب أنّ ما لیس له خطر لا یبقى إلى السنة بل یصرف فی المؤونة، فتأمل.

2 ـ المیراث : وهو وإن کان داخلاً فی العمومات المذکورة إلاّ أنّ جریان السیرة المستمرة على عدم إعطاء الخمس منه بل مضافاً إلى المفهوم المستفاد من صحیحة علی بن مهزیار فی المیراث ممّن یحتسب یکون مخصصاً للعموم فی المیراث فإنّ المیراث الذی لا یحتسب قلل الابتلاء جدّاً، ولو کان الخمس فیه ثابتاً لظهر وبان لکلّ أحد لشدّة الابتلاء به.

والعجب ممّن استدلّ بهذا المعنى على العکس، وقال إنّه لو کان المیراث مستثنى من المنافع لظهر وبان لشدّة الابتلاء به ولیت شعری أنّ إثبات شیء یحتاج إلى الدلیل أو نفیه مع ما عرفت من استقرار السیرة قدیماً وحدیثاً على عدم دفع الخمس منه.

3 ـ المال الموصى به فی الوصیة التملیکیة لا العهدیة فإنّها وصیة بفعل ولا تملیک فیها. أمّا التملیکیة فقد ذهب بعض إلى کونها غیر محتاجة إلى القبول فتکون کالمیراث وبعض آخر إلى احتیاجها به فتکون کالهبة.

وعلى کلّ ففیها الخمس.

4 ـ الوقف الخاصّ وهو سواء کان عقداً أم إیقاعاً لا یحتاج تملک البطون اللاحقة فیه إلى قبول منهم، وعلى کلّ فلا إشکال فی صدق الغنیمة على ما تحصل علیه هذه البطون من فوائد الوقف. وأمّا الوقف العام فالمالک فیه هو الجهة لا الأشخاص فیحتاج تملکهم لحاصله إلى قبول منهم فإذا قبلوه وجب علیهم الخمس.

5 ـ النذر وهو محتاج إلى قبول المنذور له فیکون کالهبة مشمولاً لعمومات الخمس، وهکذا نذر النتیجة لاحتاجه إلى قبول المنذور له فإنّه لیس للناذر تملیک المنذور له بدون رضاه.

6 ـ المهر أو الصداق : وقد استدلّ على عدم وجوب الخمس فیه بسیرة المتشرعة حیث

لم یعرف منهم أداء خمسه، وبعدم صدق الفائدة علیه إذ هو فی مقابل البضع وحریة الزوجة ولا أقل من الشک فی صدقها علیه فلا یشمله دلیل الخمس.

اللّهمّ إلاّ إذا کان المهر کثیراً جدّاً خارجاً عن الحدّ المتعارف.

ومن هنا یظهر أن عوض الخلع الذی تدفعه الزوجة لزوجها کی یطلّقها لیس ممّا یجب فیه الخمس أیضاً، وذلک لعدم صدق الفائدة علیه إذ الزوج قد حصل على شیء (وهو عوض الخلع) وخسر شیئاً آخر (وهی زوجته).

إن قلت : على هذا لا تصدق الفائدة على أجرة العامل أیضاً، لأنّها فی مقابل عمله فیحصل على شیء وهو الأجرة ویخسر شیئاً آخر وهو عمله فی ذاک الیوم مثلاً.

قلت : عمل العامل لا یبقى أکثر من یوم واحد، فإن لم یبعه فقد ذهب من کیسه وخسر، بخلاف المرأة حیث إنّ رأس مالها قبل التزویج محفوظ فلا یجوز قیاس أحدهما بالآخر.

7 ـ الدیة : وقد ظهر حکمها ممّا أسلفناه فإنّها کالمهر لا تصدق علیها الفائدة.

8 ـ من آجر نفسه لسنین أو آجر داراً له کذلک وأخذ مال الاجارة کلّها فی أوّل الأمر، فهل یتعلق الخمس بالجمیع أو خصوص ما کان لسنته ممّا یفضل عن المؤونة ؟

یحکى عن بعض الأعلام وجوب الخمس فیه، لأنه واجب فی کلّ فائدة.

والإنصاف عدم تعلق الخمس بما زاد على فائدة السنة، لأنّ المفهوم عرفاً من روایات خمس الفوائد إذا انضمت إلى روایات المؤونة أنّ متعلق الخمس هو المنافع الباقیة من سنته بعد وضع مؤونتها، وأمّا المنافع المتعلقة بالسنین الآتیة فهی موقوفة متروکة لمؤونتها فإن فضل عنها فقد یتعلق به الخمس.

ویؤید ما ذکرنا بل یدلّ علیه ما مرّ من کون وضع مؤونة الإنسان عن منافع تکسباته على القاعدة، وأنّ الفائده لا تصدق إلاّ بعد إخراج مؤونة الإنسان أیضاً، فإنّه بذلها حتّى یقدر على الاکتساب فهو من هذه الجهة کمؤونة الأجیر الذی یأخذه فی استرباح مکاسبه ومن الواضح أنّ اجارة نفسه للسنین الآتیة والعمل بها لا یمکن إلاّ ببذل النفقات لنفسه وعیاله فهذا المقدار لا یعد منفعة.

9 ـ إذا أبیح التصرف فی شیء لإنسان، کما إذا اعطى الوالد ولده مائة دینار وقال ولیکن

هذا عندک فی السفر والحضر، فإن احتجت إلیها فاصرفها فصرف بعضه وبقی بعضه فلا ینبغی الشک فی عدم تعلق الخمس بالباقی، لأنّ المفروض عدم دخولها فی ملکه، بل کان مباحاً فإذا لم یصرفها بقی على ملک صاحبه، فلیس من قبیل الهدیة والهبة والجائزة.

ومنه یظهر الحال فی أمر الاستنابة للحجّ، فلو أعطاه المال بعنوان الإجارة وجب الخمس فیما یفضل عنه وعن مؤونة سنته، وإن أعطاه بعنوان اباحة التصرفات فلا یجب الخمس علیه وإن کانت الاباحة مستمرة إلى أن تنفد النقود.

ولعلّ ما ورد فی روایة علی بن مهزیار(9) أیضاً ناظر إلى هذا المعنى، وإلاّ لم یکن له وجه ولم یفت بمضمونها ظاهراً أحد على فرض الاجارة کما لا یخفى.

10 ـ ما یأخذه الإنسان بعنوان القرض لا یتعلق به الخمس وإن بقی سنین، لأنّه لا یعدّ فائدة وغنیمة بل هو مال یجب أداء مثله أو قیمته، نعم إنّما یتعلق به الخمس فی صورتین:

الأُولى : ما إذا کان من قبیل العروض ـ کالثیاب والحبوبات وغیرها ـ وارتفعت قیمتها السوقیة أو استقرض بیضاً وصار دجاجاً، لا ینبغی الإشکال فی وجوب الخمس فی الزائد.

الثانیة : ما إذا کان قرضاً نجومیاً فأدّى بعض نجومه من منافع تلک السنة وبقی ما بإزاء هذه النجوم إلى آخر السنة، فمثل هذا تعدّ منفعة یجب خمسها.

بقی هنا مسائل :

وهی مختلفة بعضها تیتبط بفروع الأرباح وبعضها بفروع المؤونة والقسم الأوّل عشرة مسائل.

المسألة الاُولى : إذا علم أنّ مورثه لم یؤد خمس ما ترکه فهو لا یخلو عن إحدى ثلاث صور : إمّا تکون العین التی تعلق بها الخمس موجودة شخصها، أو عوضها، أو لا یکون شیء منهما موجوداً، بل یکون فی الذمّة فقط.

أمّا الأوّل : فلا إشکال ولا کلام فی وجوب أداء الخمس منه لما سیأتی أنّ الخمس حقّ متعلق بالمال على نحو الإشاعة أو غیر ذلک، فما دام المال موجوداً یجب أداؤه منه فلا یدخل مقداره فی الخمس.

وأمّا الثانی : فجواز التبدیل لا یکون إلاّ فی أوساط السنة، لأنّ المالک فی سعة حینئذ من هذه الناحیة یتصرف فیه کیف یشاء، وأمّا بعد مضیها فهو أیضاً کذلک إذا لم یناف فوریة الخمس، أو کان بإذن الحاکم الشرعی، وفی غیر ذلک یکون البیع وسائر التصرفات المشابهة له فضولیاً، فاطلاق کلام المحقّق الیزدی (قدس سره) فی العروة بوجوب إخراج الخمس عن العوض محمول على ما ذکرنا.

وأمّا إذا تلفت العین والعوض وانتقل الخمس إلى ذمّته کان کسائر الدیون التی یکون الارث بعد إخراجها بمقتضى قوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِیَّة یُوصى بِها أَو دَین)ودعوى انصراف الدین إلى غیره ممنوع، ولو فرض انصرافه إلى الدیون الشخصیة فلا ینبغی الارتیاب فی إلغاء الخصوصیة وتنقیح المناط، هذا کلّه فی موارد الیقین والدلیل على ذلک کلّه شمول إطلاقات وجوب الخمس ثمّ إطلاق استثناء الدین من الترکة، فلا تصل النوبة إلى استصحاب بقاء وجوبه علیه کما فی کلمات بعضهم.

وقد یتمسک بما ورد فی غیر واحد من روایات التحلیل من تحلیل المیراث بعدم وجوب إخراج الخمس منه، مثل ما ورد فی روایة أبی خدیجة فی سؤاله : «أو میراثاً یصیبه» مع قوله (علیه السلام) فی جوابه : «هذا لشیعتنا حلال»(10). وما ورد فی روایة یونس بن یعقوب قال : کنت عند أبی عبدالله (علیه السلام) فدخل علیه رجل من القماطین فقال : جعلت فداک تقع فی أیدینا الأموال والأرباح وتجارات نعلم أن حقّک فیها ثابت وإنا عن ذلک مقصرون. فقال أبو عبدالله (علیه السلام) : «ما أنصفناکم إن کلفناکم ذلک الیوم»(11).

وروایة الحارث بن المغیرة النصری عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال : قلت له : إنّ لنا أموالاً من غلات وتجارات ونحو ذلک وقد علمت أنّ لک فیها حقّاً. قال : «فلِمَ احللنا إذاً لشیعتنا إلاّ لتطیب ولادتهم وکلّ من والى آبائی فهو فی حلّ ممّا فی أیدیهم من حقّنا فلیبلغ الشاهد الغائب»(12). من عدم وجوب الخمس فیما یقع فی أیدینا من الأموال التی نعلم بثبوت حقّهم (علیهم السلام) فیها.

لکن سیأتی إن شاء الله أنّ جمیع ذلک ناظر إلى موارد خاصة، أمّا التحلیل فی المناکح کما هو ظاهر روایة أبی خدیجة، أو تحلیل فی زمان خاصّ کما هو ظاهر روایة یونس وغیرها أو غیر ذلک فانتظر.

أمّا إذا شک فی تعلق الخمس بالترکة فلا شک أنّ مقتضى ظهور الید عدمه، ولا تصل النوبة إلى الأصل حتّى یقال : الأصل عدم دخول مقدار الخمس فی ملکه من أوّل الأمر (لأنّ الأصل فی الأموال عدم الملکیة، والخمس یکون من أول الأمر).

ولو شک فی أدائه مع العلم بتعلقه بها فالاظهر أیضاً عدم وجوب أدائه منه حملاً لفعل المسلم على الصحّة وأخذاً بظاهر الید، مضافاً إلى استقرار السیرة على عدم إخراج الخمس من المیراث، مع أنّ هذا الشک موجود فی غالب موارده، فالأمر فی موارد الشک سهل.

المسألة الثانیة : هل یجب الخمس فیما ملک بالخمس أو الزکاة أو الصدقة المندوبة إذا اجتمع فیه شرائط الوجوب إذا زاد عن مؤونة سنته أم لا ؟

صرّح صاحب العروة بعدمه عن جماعة، وخالفه کثیر من المحشّین وأشکلوا علیه أو احتاطوا بوجوب الخمس فیها.

هذا وسیأتی إن شاء الله أنّه لا یجوز إعطاء ما زاد على مؤونة السنة من جهة الزکاة أو خمس السادة على الأقوى، لأنّ المدار على إخراجه من الفقر إلى أوّل حدّ الغنى وهو ملک مؤونة السنة، فلا تتصور هذه المسألة إلاّ فی سهم الإمام (علیه السلام)الذی لیس ملاکها الفقر، أو فیما أعطى مقدار مؤونة سنته ثمّ قتر على نفسه، أو صار ضیفاً لغیره أو ما أشبه ذلک، بناءً على عدم رجوع ما أخذه إلى بیت المال حینئذ کما هو الظاهر، فللمسألة مصادیق کثیرة حتّى على المختار.

وعلى کلّ حال فغایة ما یمکن الاستدلال به على عدم الوجوب أُمور :

1 ـ إنّ الخمس والزکاة ملک للسادة وأربابها، فإذا دفعت إلیهم کان من قبیل إعطاء الدین إلى صاحبه، فکما لا یجب الخمس فی إعطاء الدین، فکذلک فیما نحن فیه، فلا تصدق

الفائدة والغنیمة علیها.

وفیه مضافاً إلى عدم جریانه فی الصدقة المندوبة ولا المجهول مالکه، أنّ ملکیة الزکاة أو الخمس بناءً على الإشاعة أو الکلی فی المعین إنّما هو للعنوان الکلی ولیس ملکاً لشخص خاصّ، فالملکیة له إنّما تتجدد بالاعطاء کما لا یخفى، وحینئذ تصدق على تملکه الفوائد والمنافع، أضف إلى ذلک أنّه لو أخذ الطلب إذا لم یؤد خمسه من قبل، یجب علیه أداء خمسه فصدق هذا العنوان علیه لا یمنع عن صدق عنوان الفائدة علیه.

2 ـ لیس هذا من قبیل الفائدة المکتسبة فلا یتعلق به الخمس ـ وفیه أنّه قد عرفت عدم اعتبار عنوان الاکتساب والاحتراف بل الموضوع مطلق الفائدة سواء کانت مکتسبة أم لا.

3 ـ ما رواه ابن عبد ربه قال : سرّح الرضا (علیه السلام) بصلة إلى أبی فکتب إلیه أبی : هل علیّ فیما سرّحت إلیَّ خمس ؟ فکتب إلیه : «لا خمس علیک فیما سرّح به صاحب الخمس»(13).

وأورد علیه: أوّلاً : بضعف السند لاشتماله على سهل بن زیاد، وثانیاً : أنّ موردها الصلة وهی الهبة فلا دخل له بما نحن فیه وقد عرفت وجوبه فی الصلة الخطیرة، وثالثاً : عدم وجوب الخمس فیه لعلّه من جهة کون الصلة من ناحیة صاحب الولایة المطلقة.

أقول : والأوّل وإن کان لا یخلو من وجه، ولکن یمکن دفع الثانی والثالث بأنّ لحن الروایة یدلّ على کون الاستدلال فیه بأمر ارتکازی وهو، أنّه لا خمس فیما یأتی من الخمس ولا زکاة فی مال الزکاة، فلا یرد علیه إشکال من هذه الناحیة.

4 ـ إنّ الحکم لا یثبت موضوعه فإنّ الحکم فرع ثبوت موضوعه، بل هو من قبیل المعلول له والمعلول لا یسبق علّته، فهو من قبیل قولنا کلّ خبری کاذب فإنّه لا یشمل نفسه، فکذلک فیما نحن فیه فإنّ دلیل الخمس لا یوجد موضوعه.

توضیح ذلک : إنّ الخمس قد دفع إلى أربابه بدلیل الوجوب المستفاد من أدلّة الخمس فلا یمکن له أن یوجد موضوعاً جدیداً لنفسه لتأخر رتبة الحکم عن رتبة الموضوع، وبعبارة اُخرى هذا المال الذی دفع بعنوان الخمس إلى أربابه قد وجد بعد العمل بدلیل الخمس فرتبته متأخرة عن رتبة الحکم فلا یصلح أن یکون موضوعاً جدیداً لدلیل الخمس، وذلک للزوم تقدّم الموضوع على الحکم بینما هو متأخر فیما نحن فیه.(وقد تعرضوا له فی باب الأخبار مع الواسطة فی مبحث حجیّة خبر الواحد).

وفیه : إنّ الإشکال إنّما هو فیما إذا کانت القضیة من قبیل القضایا الخارجیة، أمّا إذا کانت من قبیل القضایا الحقیقیة التی یجری الحکم فیها على عنوان جامع، فلا مانع من شمولها للمصادیق السابقة واللاحقة من دون أی تفاوت، وقد أجابوا به عن شبهة عدم شمول أدلة حجیّة خبر الواحدللأخبار مع الواسطة فراجع.

5 ـ وهو العمدة من انصراف أدلّة وجوب الخمس فی الأرباح والمنافع عمّا نحن بصدده، کما ذکروا نظیره فی قولنا کلّ خبری کاذب، فإنّه وإن لم یکن هناک مانع عن العموم إلاّ أنّ الإنصاف انصراف عنوان الخبر عن نفس هذا الخبر فانصراف عموم المنافع والفوائد عمّا ینشأ من قبل أدلّة الخمس أو الزکاة أو ما أشبههما قریب جدّاً، ولو شک فالأصل عدمه.

ویؤیده ما مرّ فی روایة ابن عبد ربه من أنّ التعلیل بأمر ارتکازی فی الأذهان من عدم شمول الحکم لما ینشأ من قبله لا سیّما مع ما هو الحقّ من أنّ وجوب الخمس فی المنافع إنّما هو بمجرّد حصولها، وأمّا إخراج المؤونة فهو من قبیل التوسعة فی الحکم وتجویز عدم المبادرة إلى تخمیس الأموال إلى آخر السنة احتیاط للمؤونات المتجددة، وإلاّ فبمجرّد حصول الربح والفائدة یجب علیه الخمس.

فالفقیر إذا أخذ شیئاً من الزکاة أو سهم السادة أو الصدقة وجب علیه الخمس من حینه، وکذا غیر الفقیر إذا أخذ من سهم الإمام (علیه السلام) فلو أراد التعجیل بإخراج خمسه کان صحیحاً.

فهل ترى من نفسک أن نقول بوجوب الخمس على کلّ فقیر یأخذ من الزکاة أو الخمس أو غیرهما شیئاً بمجرّد حصوله فی یده وأنّها داخلة فی عموم الغنائم والفوائد وإن کان أداؤه علیه موسعاً طول السنة ؟ الإنصاف أنّه لا نظن بأحد الالتزام به بعد ملاحظة هذا التعلیل، فاحتمال انصراف إطلاقات أدلّة الأخماس عن محلّ الکلام قوی جدّاً.

نعم، إذا بقیت هذه الأُمور عنده ونمت نماء أمکن الحکم بوجوبه فی نماءات، کما إذا انتجت غنم الصدقة عنده نتاجاً لعدم ثبوت وجه للانصراف هنا.

وبالجملة فالدلیل الوحید على إثبات الحکم هو ما ذکرناه من الانصراف مع تحلیله بما

ذکر وتأییده بروایة ابن عبد ربّه(14).

المسألة الثالثة : إذا اشترى شیئاً ثمّ علم أنّ البائع لم یؤد خمسه کان البیع بالنسبة إلى مقدار الخمس فضولیاً، والدلیل علیه ما سیأتی إن شاء الله من أنّ مقدار الخمس مملوک لأربابه بالإشاعة أو الکلی فی المعیّن أو أنّه حقّ مالی مثل حقّ الرهانة أو غیرها، فعلى أی مبنى کان البیع فضولیاً فی مقدار الخمس، بل یمکن القول بکونه فی الجمیع فضولیاً بناءً على القول بکون الجمیع کالعین المرهونة فی مقابل حقّ أرباب الخمس، وعلى کلّ حال فإن أجازه الحاکم الشرعی صحّ البیع وانتقل الخمس إلى المشتری بحصة من الثمن، وحینئذ إن کان البیع بثمن شخصی یرجع إلى البائع ویأخذ منه خمس الثمن، وإن کان بثمن کلی یرجع إلى المشتری فیأخذ منه مقداره ویرجع المشتری إلى البائع بمقداره لو دفعه إلیه.

وعلى کلّ حال کان للمشتری مع جهله خیار تبعض الصفقة لعدم صحّة البیع فی بعض الثمن، بل وفی صورة العلم على احتمال.

وهکذا الحال فی غیر البیع من المعاوضات، وأمّا إذا کان الانتقال منه بعنوان الهبة وشبهها بطل فی مقدار الخمس إلاّ أن یکون الموهوب له ممّن یستحقّه فیجوز للحاکم الشرعی إجازته بالنسبة إلى مقدار الخمس أیضاً، وأمّا إذا لم یجزه فعلى المنتقل إلیه دفع عین الخمس أو بدله.

هذا کلّه إذا کان البائع ممّن یعتقد الخمس، وأمّا إذا کان ممّن لا یعتقد فسیأتی فی أحکام التحلیل أنّه یحل الأخذ منه بالمعاوضات وغیرها ولا یجب علیه شیء.

بل فی کلام بعض الأعلام جریان هذا الحکم فی فساق الشیعة ممّن یعتقد الخمس ولا یعمل به، ولکن ستأتی المناقشة فیه إن شاء الله فی محلّه.

المسألة الرابعة : فی حکم النماءات المتصلة والمنفصلة والحکمیة.

إذا کان هناک عین لا یتعلق به الخمس ـ کالمیراث ـ أو تعلق به وأداه ثمّ نمت نماء، هل فیه الخمس ؟

قد اضطربت فیه کلماتهم واختلفت آراؤهم، وقبل نقل الأقوال والآراء لابدّ من تحریر محلّ البحث.

 

فأعلم أنّ النماء على أقسام :

تارة : تکون منفصلة مستقله کنتاج الحیوانات ولبنها وفواکه الأشجار.

وأُخرى : تکون متصلة بحسب الکمیة کزیادة الحیوان فی السمن والأشجار فی غلظة أُصولها وفروعها وامتدادها.

وثالثة : متصلة بحسب الکیفیة کنضوج الأثمار التی أدّى خمسها من قبل ثمّ زادت قیمتها لنضوجها، ومن هذا القبیل ارتفاع قیمة ما یکون عتیقه مرغوباً فیه.

ورابعة : ما نسمیه بالزیادة المعنویة کزیادة علم العبد وتعلم أنواع الفنون ومهارته فی الطب وغیره مثلاً، وکذا الأمة فی تدبیر المنزل وغیره، وهکذا فی الحیوانات المعلمة للصید والحراسة وکشف الغائبات ودفع السراق ومعرفتهم لأنّه لا شک فی ارتفاع قیمتها بذلک بأضعاف مضاعفة.

وخامسة : ما تکون حکمیة فقط أی لم یزد فی شیء من کمیته ولا کیفیته ولا معنویاته ولکن ازدادت قیمته السوقیة باختلاف الأحوال والأزمنة والأمکنة وغیر ذلک.

کلّ ذلک قد یکون فی موارد قصد الاسترباح وقد لا یکون، وقد یکون قبل بیعها وقد لا یکون.

فهل یکون الجمیع داخلاً فی الأرباح التی یتعلق بها الخمس، أو لا یکون شیء منها کذلک، أو یفصل بین هذه الأُمور ؟

قال الشهید الثانی (قدس سره) فی المسالک : «ولو زاد ما لا خمس فیه زیادة متصلة أو منفصلة وجب الخمس فی الزائد، وفی الزیادة لارتفاع السوق نظر وقطع العلاّمة فی التحریر بعدم

الوجوب فیه»(15).

وقال الفقیه الماهر صاحب الجواهر (قدس سره) : «ثمّ لا فرق فی الربح بین النماء والتولد وارتفاع القیمة ولو للسوق کما صرّح به فی الروضة وغیرها لصدق الربح والفائدة، لکن فی المنتهى واستجوده فی الحدائق «لو زرع غرساً فزادت قیمته لزیادة نمائه وجب علیه» الخمس فی الزیادة، أمّا لو زادت قیمته السوقیة من غیر زیادة فیه ولم یبعه لم یجب علیه وکذا فی التحریر إلاّ أنّه لم یقیده بعدم البیع»(16).

وقال المحقّق الهمدانی (قدس سره) : «وأمّا نماء الارث والهبة ونحوها فالأشبه أنّه کأصله لا یتعلق به الخمس ما لم یقصد بابقائه الاسترباح والتکسب کما صرح به بعض خلافاً لآخرین، فکلما اتخذه للاکتساب فظهر فیه ربح بنماء أو أثمار أو انتاج تعلق به الخمس ولو أراد الاکتساب والاسترباح بفوائده لا بأصله دخلت فوائده دون زیادة أعیانه کما صرّح بهما کاشف الغطاء ولا عبرة بزیادة القیمة السوقیة لأنّها أمر اعتباری لا یعدّ ربحاً بالفعل... فمتى باعه بأکثر من رأس ماله دخلت حینئذ فی الأرباح»(17).

إلى غیر ذلک وهی کما تراها مختلفة متفاوتة.

أقول : أمّا الزیادة المنفصله فلا إشکال فی دخولها فی الغنائم بالمعنى الأعم والفوائد والمنافع، وقد عرفت عدم اشتراط قصد التکسب والاسترباح فیجب الخمس فی نتاج الحیوان والأثمار إذا زادت عن المؤونة، وقد عرفت ما رواه أبو بصیر فیمن یکون فی داره البستان فیبیع من أثماره وأنّ علیه الخمس وهو باطلاقه یشمل ما نحن فیه(18).

أمّا الزیادة المتصلة المادیة فی الکمیة والکیفیة أو الزیادة المعنویة، فإن کان بقصد الاسترباح وعد من قبیل الزیادة فی أموال التجارة فلا إشکال أیضاً فی تعلق الخمس بها بعد مضی السنة، وإن لم یبعها فإنّه یقال کان رأس ماله کذا وکذا، والآن زاد علیه بکذا أو کذا، لأن الأغنام المعدة للاسترباح سمنت وکبرت وزاد وزنها، أو ارتفعت کیفیتها بمضی الزمان أو العمل علیها، أو رُوّضت الدابة ترویضاً ما ارتفعت به قیمتها مع کونها معدّة لذلک وقصد بها الاسترباح فیجب حینئذ خمسها بمضی السنة، کلّ ذلک لصدق الفائدة.

وأمّا إذا لم یکن بقصد الاسترباح، کما إذا حصلت هذه الأُمور فیما وصل إلیه من طریق الارث وشبهه فزادت فیه هذه الزیادات من دون قصد الإسترباح، فیشکل حینئذ صدق الفائدة فعلاً، نعم، هی فوائد بالقوّة بمعنى أنّه إذا باعها وحصل الثمن فی یده صدق علیه الفائدة، بل یمکن دعوى استقرار السیرة علیه فی الجملة، فکثیر من الناس یبقى لهم أموال مختلفة من آبائهم وإخوانهم وغیر ذلک من أقربائهم وتکون هذه الأموال من قبیل الحیوانات أو البساتین أو شبه ذلک ومن المعلوم أنّها لا تبقى على حالها، بل کثیراً ما تنمو وتزداد زیادة فی الکمیة أو الکیفیة فتزید قیمتها عمّا کانت علیه، ومع ذلک لا یلزمون أنفسهم بمحاسبتها کلّ عام لیعلم مقدار زیادتها فی القیمة حتّى یدفع عنها الخمس (إلاّ إذا کانت کرأس المال قصد بها الاسترباح) والظاهر أنّ هذه السیرة أیضاً نشأت عن عدم صدق عنوان الفائدة علیها إلاّ بالقوّة القریبة لا بالفعل، ولکن هذه السیرة على الظاهر مستمرة إلى زمن المعصومین.

وإن شئت قلت : لو کان الخمس واجباً فی مثل هذه الأموال لظهر واشتهر لشدّة الابتلاء بها لا سیّما مع موارد الارث أو المهور، فإنّ کثیراً منها تکون من قبیل الأشجار والبساتین وشبهها، مع أنّه لا یحاسب کلّ عام حتّى یدفع عنها الخمس.

وما قد یقال من أنّ هذه السیرة إنّما نشأت عن قلّة المبالاة فی الدین، عجیب، فإنّ جمیع المبالین بالدین من المؤمنین أیضاً على هذه السیرة کما هو واضح.

وتبقى الزیادة السوقیة المجردة عن زیادة الکمیة أو الکیفیة وقد عرفت اختلاف کلماتهم فیها، فقد صرّح العلاّمة (رحمه الله) فی التحریر بعدم وجوب الخمس فی الزیادة السوقیة(19).

وقیده صاحب المنتهى بعدم البیع فقال : «أمّا لو زادت قیمته السوقیة من غیر زیادة فیه ولم یبعه لم یجب علیه شیء»(20).

وعن الحدائق أیضاً ترجیح الثانی.

وفی المستند للنراقی (رحمه الله) أیضاً التفصیل بین بیعها وعدم بیعها، بل صرّح بعدم کفایة ظهور الربح حتّى فی أمتعة التجارة بل یحتاج إلى الإنقباض والبیع (أی تبدیل السلعة بالأثمان)(21).

أقول : تارة یفرض الکلام فیما أرید به الاسترباح فیشتری التاجر بأموال أدّى خمسها من قبل متاعاً فیبیع بعضه ویبقى بعض إلى رأس السنة حال کونه زیدت قیمته السوقیة، والإنصاف تعلق الخمس به وإن کان قبل الانضاض إذا کان قابلاً له من دون أی مانع وذلک لصدق الربح علیه قطعاً، فإنّ المتداول بین التجار عند محاسبة الأموال فی کلّ سنة محاسبة الأموال الموجودة بقیمة یرغب فیها إذا کانت ممّا یمکن بیعها فی الأسواق من دون مانع وعلیه مدار محاسبة الربح والضرر، ولا ینتظرون فی محاسبتها عند رأس السنة انضاض جمیع ما فی مخازنهم من الأموال، بل الانضاض بهذا الشکل نادر فی أعمالهم فلا یزالون یشترون ویبیعون، وکذلک الزارع وصاحب الحیوان إذا أراد محاسبة ربح مکسبه على رأس الحول ولو مع قطع النظر عن مسألة الخمس یُقیِّم ما هو الموجود من الحنطة والشعیر فی مخازنه أو الأغنام فی حضائرها بقیمته السوقیة ثمّ یرى أنّه ربح أو خسر وبأی مقدار هذا الربح، ولا ینتظرون.

فهذا دیدنهم فی محاسباتهم فی ربح السنة وخسرانها مع قطع النظر عن حکم الأخماس، فلیکن الأمر فی الخمس وصدق الفائدة والغنیمة کذلک.

نعم، إذا لم یکن حین انضاضها فلا شک فی کونها منفعة بالقوّة لا بالفعل کما سبق نظیره فی المسائل السابقة.

أمّا إذا لم یرد الاسترباح بها کمن ورث من أبیه أرضاً أو بستاناً ولم یرد بیعها لعلّه یحتاج إلیها فی المستقبل أو یحتاج إلیه أبناؤه فیبقى سنین وقد تزداد قیمته کلّ سنة، فلیس من المتداول محاسبة قیمته السوقیة کلّ سنة وأداء خمسه منه، ففی مثله أیضاً قد جرت سیرة الکلّ على عدم أداء الخمس منه کذلک حتّى من المتمسّکین بأُمور الدین.

وإن شئت قلت : إنّه أیضاً لا تصدق علیه الغنیمة والمنفعة والفائدة بالفعل فلا تشمله أدلتها، نعم، هی فائدة بالقوّة فإذا باع الأرض أو غیرها صدق علیها الفائدة بالفعل ووجب علیه خمسها لعدم قصور فی العمومات من شمول أمثالها.

هذا هو القول الفصل فی ازدیاد القیم السوقیة ولیعلم أنّها تدور مدار العرض والطلب، فإن کان العرض أکثر من الطلب رخصت الأسعار وإن کان أقل غلت، وذلک قد یکون بتفاوت فصول السنة کغلاء المبردات فی الصیف ومنابع الحرارة فی الشتاء والألبسة المختلفة فی فصولها، وقد یکون بسبب بعض الحوادث غیر المترقبة کبعض الحروب الموجبة لغلاء الأسعار أو شیوع بعض الأمراض الموجبة لغلاء الأدویة الخاصة بها، إلى غیر ذلک من أشباهه.

 

نعم هنا مسألة مهمّة :

وهی أنّه قد تزداد القیم السوقیة فی جمیع الأجناس کلّ سنة بنسبة واحدة، أو بنسب مختلفة متقاربة، ففی المسکن أکثر مثلاً وفی غیره أقل، ویعبر عنه بأنّه قد هبطت قوّة الشراء فی النقود، فهل تعدّ هذه الزیادة السوقیة هنا أیضاً منفعة یجب فیها الخمس ؟ أو هذه منفعة صوریة أسمیة لا واقعیة ؟ فالقیمة وإن إزدادت وحصل فی یده أموال ضعف ما کان رأس ماله من قبل، ولکنّها فی الواقع أمر ظاهری صوری، لأنّ جمیع الأشیاء أو أکثرها غلت بهذه النسبة أو ما یقاربها.

ومنشأ ذلک کلّه الاعتماد على النقود الورقیة، فلو کانت المعاملات تدور مدار النقدین ـ الذهب والفضة ـ مثلاً لما کانت هذه الزیادة التی قد تکون أسرع من حرکة الشمس فی السماء وفی کلّ صباح ومساء.

وفی الحقیقة هذه النقود الورقیة لا مالیة لها إلاّ بالاعتبار، ولیست إلاّ قراطیس، فإن طبعت واخرجت بمقدار الأموال المتولدة فی المصانع وغیرها کانت القیم ثابتة فی الجملة، وإن طبعت أکثر من ذلک غلت الأسعار یوماً بعد یوم، وفیه بحث طویل لیس هنا محلّ ذکره.

وعلى کلّ حال قد یشکک فی صدق المنفعة على هذه الزیادة لما عرفت من أنّها لیست زیادة إلاّ فی الصورة لا فی الواقع، بل قد یتعدى من ذلک ویقال أنّه لو کان مهر امرأة مثلاً

ثلاثة آلاف تومان فی أربعین سنة من قبل فلا یمکن أداؤه بهذا المقدار، بل لابدّ من ملاحظة تفاوت قوّة الشراء فی النقود فیه، وکذا فی غیره من الدیون.

وهذا الکلام وإن کان یساعده بعض الاعتبارات ویوافقه الطبع إجمالاً، ولکن دون الالتزام به خرط القتاد، لأنّه یتفرع علیه ما لا یظن من أحد الالتزام به فی العمل.

منها : جواز أخذ الربا بمقدار هبوط قدرة الشراء فی النقود، فمن أقرض واحداً ألف تومان یجوز له أخذ ألف ومائة مثلاً على رأس السنة، فإن هذا المقدار من التفاوت فی قوّة الشراء أمر عادی، وهکذا فی أمثال المقام من جمیع الأمثلة، وفتح هذا الباب یوجب الحکم بجواز الربا فی أعصارنا غالباً، لأنّ هبوط قوّة الشراء فی عصرنا أمر دائمی فی جمیع السنین.

منها : الحکم فی جمیع الدیون فی المعاملات والاتلافات والمهور وغیرها من أشباهها أن یحاسب کلّ سنة مقدار هبوط قوّة الشراء ویؤخذ التفاوت، فمن اشترى شیئاً بعشرة آلاف تومان ولم یوفق لدفع ثمنه إلاّ بعد حین فعلیه أن یدفع أحد عشر ألف مثلاً وفقاً لهبوط قوّة الشراء.

وکذا من کان علیه دین مطالب وقد أعسر وکان من مصادیق (فنظرة إلى میسرة)فبعد الیسار لابدّ من أداء أکثر منه.

بل، وکذا فی الدیون المؤجلة فهی وإن کان التأجیل مأخوذاً فیها، ولکن لا یجوز أداؤها بمثلها فی أوانها (إذا تغیرت قوّة الشراء) لأنّ الواجب فی القرض ردّ مثله والمفروض أنّه لیس محل الکلام مصداقاً لردّ المثل، بل هو انقص منه فلا یؤدی الدین به، وکذا أجرة العمال والموظفین فلابدّ من تغییرها کلّ حین.

وإن شئت قلت : المماثلة هنا لیست مماثلة فی الکمیة الظاهریة بل فی المالیة التی هی قوّة الشراء، فاللازم ملاحظة المماثلة من هذه الجهة.

إن قلت : إنّ العامل أو المؤجر للدار إذا عقد الإجارة على ثمن معلوم إلى ثلاث سنوات مثلاً، لازمه إلغاء تفاوت قوّة الشراء الحاصل کلّ سنة.

قلت : أوّلاً : إنّ طرفی المعاملة غالباً غافلان عن هذا المعنى کی یوقع العقد مبنیاً علیه.

 

وثانیاً : لازم ذلک هو الغرر فی عقد الاجارة، لأنّ مقدار هبوط قوّة الشراء فی کلّ سنة غالباً غیر معلوم لتفاوت الأحوال السیاسیة والاجتماعیة وغیرهما فی ذلک فیوجب البطلان فی العقد، فلابدّ من تغییر مقدار النقود کلّ سنة بمقدار تفاوت قوّة الشراء حتّى یصحّ العقد.

إن قلت : إنّ النقود الورقیة فی الحقیقة حوالة إلى الذهب والفضة الموجودین فی البنک المرکزی المسمیین بالرصید (پشتوانه) فالتضخم یجری فیه دون النقود.

قلت : إنّ النقود الورقیة الاعتباریة کما حققناه فی بعض أبحاثنا ذات مالیة مستقلة، ولذلک لا یلتفت العقلاء إلى الرصید الموجود فی قبالها فی البنک المرکزی ولا یعاملون معها کحوالة، مضافاً إلى أنّ الرصید فی الواقع هو قدرة الدولة التی أقدم على طبع النقود ولذلک لو احتلت أو خفضت على الصعید الاقتصادی لسقطت نقودها الورقیة عن الاعتبار ولو کان فی مقابلها آلاف الاُلوف من الذهب والفضة فی البنک المرکزی.

وبالجملة فإنّ فتح هذا الباب یوجب الهرج والمرج فی جمیع المعاملات والإجارات، وأن تکون هناک جماعة مأمورین بتعیین مقدار تفاوت قوّة الشراء فی کلّ سنة بل فی کلّ شهر ثمّ یؤخذ بمقتضى ارتفاعها أو انخفاضها فی جمیع الدیون وأثمان المعاملات واجارة المساکن والعمال، وحینئذ لا یستقر حجر على حجر.

إن قلت : هذا المعنى حاصل الیوم، لأنّ البنوک المرکزیة تبیّن مقدار التورم وهبوط قوّة الشراء کلّ شهر أو کلّ سنة.

قلت : نعم، ولکن لا أثر له فی الدیون والقروض والأثمان وأجور العمال وغیرها وإنّما ینتفع به فی المطالعات الاقتصادیة والبرامج المالیة.

وإن شئت قلت : هذه دقّة عقلیة أو عقلائیة فی علم الاقتصاد، ولکن المدار على العرف، فالعرف یرى أداء الدین بمثله فی الکمیة لا غیر.

وبتعبیر أوضح هناک عرف عام وعرف خاص، فالعرف الخاص یرى مقدار ألف تومان الیوم غیر مساو لمقدار ألف تومان بعد سنة حقیقة لما فیها من هبوط قوّة الشراء، ولکن العرف العام یرى الألف مساویاً للألف کما أنّه لو کان الأمر بالعکس فارتفاع قوّة الشراء لا یقبل أقل من ألف فی مقابل الألف، ومن الواضح أنّ الأمر فی المساواة المعتبرة فی أداء

الدیون وشبهها إنّما هو موکول إلى نظر العرف العام ولا أثر للعرف الخاصّ فی ذلک أصلاً، ولیس هذا من الأُمور التی یرجع فیها إلى أهل الخبرة بل العرف العام یرى نفسه من أهل الخبرة فی تشخیص المساواة وعدمها فی أبواب الدیون وشبهها.

نعم، قد یقال إنّ هناک بنوک فی بعض البلاد تقوم بأداء ربحین لما یودع عندها من الأموال، أحدهما : ربح صوری وهو ما یعادل هبوط قوّة الشراء. والثانی : ربح واقعی للمال بناءً على مبناهم من جواز الربا، فلو عمّت هذه الفکرة فی المجتمع حتّى صارت ممّا یعرفه الصغیر والکبیر وأهل السوق ویبنون علیه فیما دار بینهم من المعاملات، أمکن القول بعدم کون الربح الصوری فائدة وغنیمة حقیقة، ولکن من المعلوم أنّه لم یبلغ الأمر إلى هنا لا أقل فیما نعرفه من أهل هذه البلاد التی نشاهدها فلا یمکن بناء المعاملات علیه.

المسألة الخامسة : إذا اشترى عیناً للتکسب بها فزادت قیمتها السوقیة ولم یبعها غفلة أو طلباً للزیادة ثمّ رجعت قیمتها إلى رأس مالها أو أقلّ، فقد فصل المحقّق الیزدی(رحمه الله)فیها فی العروة بین ما إذا کان ذلک قبل تمام السنة فحکم بعدم ضمان حکم ملک الزیادة (وعلّله بعدم تحققها فی الخارج) وبین ما إذا کان بعد تمام السنة واستقرار الخمس فحکم فیه بالضمان.

أقول : أمّا عدم الضمان فی أثناء السنة فهو حقّ، لکن تعلیله بعدم تحقق الزیادة فی الخارج غیر مرضی، لأنّ الزیادة قد حصلت بالفعل بعد کون المقصود بالعین التکسب بها وقد مرّ نظیره فی المسائل السابقة حیث عرفت عدم اشتراط الانضاض فی تحقق المنفعة، نعم، له حقّ التأخیر بملاحظة استثناء مؤونة السنة منها، ولذا حمله بعض الأعلام على أنّ مراده عدم تحقق الزیادة على مؤونة السنة، ولکنه مخالف لظاهر کلامه، والمناسب لظاهر کلامه فی الشق الثانی للمسألة هو أن یقال لعدم استقرار الوجوب على الزیادة (لا لعدم الزیادة).

وعلى کلّ حال فالحکم بعدم الضمان حقّ لا ریب فیه، ودلیله هو عدم وجوب أداء الخمس علیه فوراً، بل موسع علیه إلى آخر السنة ومعه لا ضمان، نعم یمکن استثناء صورة واحدة من هذا الفرض وهو لو عدّ تأخیره تفریطاً بالنسبة إلى تلک المنفعة، کما إذا بأنّه

ستنقص القیمة لو لم یبعها مع حاجة الناس إلیها وتوفر الدواعی مثل عدم بیع المبردات فی فصل الصیف، وما هو مفید للتسخین فی فصل الشتاء أو عدم بیع الغنم فی مِنى یوم العید فلا یبعد حینئذ الضمان لتعلق حقّ السادة بالمال، وجواز تأخیر الخمس إلى آخر السنة احتیاطاً للمؤونة إنّما یقتضی جواز تأخیره وعدم أدائه بعد بیعه وتحصیل المنفعة لا عدم بیعه وتضییع المنفعة.

وإن شئت قلت : لا دلیل على جواز ترک البیع هنا بالنسبة إلى سهم السادة، مع أنّه کالقیم والولی بالنسبة إلى سهمهم، فکما أنّ الولی لو أخر بیع مال الیتیم عن أوانه فنقصت قیمته إلى حدّ کثیر جدّاً مع علمه بذلک من قبل ضمن، فکذلک هنا، والقول بأنّ زیادة القیمة غیر مضمون سیأتی الکلام فیه فی الشق الثانی.

أما إذا کان رأس السنة فنقصت القیمة فیما لا ینافی الفوریة العرفیة الواجبة فی أداء الخمس کان الحکم کالصورة السابقة لعدم المنع من حفظه حینئذ.

أمّا إذا مضى زمان ینافی الفوریة ولم یؤد الخمس فنقصت القیمة، فقد یقال بعدم الضمان هنا لأنّ الضمان إنّما هو فی صورة تلف العین أو بعض أوصافها أمّا تلف زیادة القیمة (أی بعض مالیتها) فلا دلیل علیه، ولذا لو غصب إنسان مالاً فأبقاه عنده حتّى نزلت قیمته السوقیة لم یکن ضامناً إلاّ لنفس العین.

نعم، حقّ السادة تتعلق بالعین بعد تمام السنة بنسبة خاصة فلو کانت قیمة العین عشرین فزادت مائة فصارت مائة وعشرین کان خمس الزیادة عشرین دیناراً، والعشرون سدس مجموع قیمة العین بالفعل (سدس مائة وعشرین) فیجب علیه دفع سدس العین الموجودة سواء نقصت قیمتها بعد ذلک أم لا.

قلت : أمّا عدم ضمان الزیادة السوقیة على إطلاقه فمشکل جدّاً، ففی الأمثلة السابقة لو غصب غاصب الغنم عنه یوم العید فی منى أو المبردات فی الصیف ووسائل الحرارة فی الشتاء ثمّ ردّه علیه فی غیر فصله بما یوجب نقص مالیتها کثیراً ولم یمکن حفظها إلى السنة الآتیة (فرضاً) فالإنصاف الضمان فی هذه الصورة بحکم العقلاء، بل یمکن الاستدلال علیه بأدلّة لا ضرر لأنّ الغاصب هو الذی أوجب الضرر والخسارة الشدیدة علیه، وقد قلنا فی

محلّه أنّ أدلّة لا ضرر کما تنفی الأحکام الضرریة تثبت أحکاماً یکون الضرر فی نفیها.

نعم التفاوت الیسیر فی القیمة السوقیة لا ضمان فیه عندهم، فالأقوى هو الضمان فی هذه الموارد.

وقد یقال : إنّ الضمان إنّما یدور مدار مقدار الواجب من الخمس فی أوّل تعلقه، مثلاً إذا کانت قیمة العین مائة دینار فزادت قیمته عشرین دیناراً، فالواجب من العشرین أربعة دنانیر بعنوان الخمس ونسبة الأربعة إلى المجموع (وهو مائة وعشرون دیناراً) هی نسبة الواحد إلى الثلاثین، فهذا الجزء المشاع من هذه العین إنّما هو لأرباب الخمس فإذا نقصت القیمة فی الکلّ وجب هذا الجزء من المجموع أیضاً.

وفیه : ما قد عرفت من أنّ الضمان بالنسبة إلى مقدار الخمس بقیمته الأصلیة ثابت لا وجه لتغیره فتأمل.

المسألة السادسة : إذا عمّر بستاناً وغرس فیه أشجاراً ففیه صور :

تارة یرید الاکتساب بأصل البستان ولا إشکال حینئذ فی وجوب الخمس فی نمو أشجاره، بل لا یحتاج إلى الانضاض لما عرفت سابقاً من صدق المنفعة علیها وإن لم یبعه (ولکن بلغ أوان بیعه) فالواجب فی رأس السنة تقویمه وأداء خمسه.

وأُخرى، لا یرید إلاّ الاکتساب بثمرها وحینئذ لا یجب الخمس فی نمو أشجاره فعلاً، نعم، إذا باعه وجب علیه ذلک الخمس، والعجب من المحقّق الیزدی أنّه اطلق القول بعدم وجوب الخمس فیه مع أنّه صرّح فی المسألة 53 بوجوبه فی الزیادة المتصلة، ویمکن حمل کلامه على صورة کونها فی سبیل مؤونته، وعلى کلّ حال یجب علیه الخمس فی ثمرتها إذا زادت على مؤونة سنته کما هو ظاهر.

وثالثة، یرید الانتفاع بثمرها فی مؤونته کما هو المتداول بین الناس من غرس بعض الأشجار فی باحات دورهم لانتفاع العیال بثمارها، وحینئذ لا یتعلق الخمس لا بنفس الأشجار ولا بثمارها ما لم تکن الثمرة زائدة على حاجتها لأنّها بتمامها من المؤونة، نعم، إذا کثرت الأشجار ونمت وبلغت إلى حدّ تکون ثمارها أزید من مؤونته وجب الخمس فیها وفی ثمارها، ولکن لا یجب خمس الأشجار إلاّ إذا باعها لما قد عرفت من عدم قصد

الاکتساب بها فهی منفعة بالقوّة لا بالفعل کما مرّ آنفاً.

المسألة السابعة : إذا کان له أنواع من الاکتساب والاستفادة وکان له رأس مال یتجر به وخان یؤجره وأرض یزرعها وعمل ید مثل الکتابة أو نحو ذلک، هل یلاحظ فی آخر السنة ما استفاده من المجموع فیجب علیه خمس ما حصل منها بعد إخراج المؤونة، أم یکون لکلّ واحد عام مستقل برأسه ؟

والحاصل: أنّه هل العام واحد فی الجمیع أو لکلّ واحد من أنواع تجاراته عام بعینه ؟

ذهب فی الدروس والحدائق وکشف الغطاء (فیما حکى عنهم) إلى الأوّل، واستجوده صاحب الجواهر، ومال إلیه صاحب المدارک والسبزواری فی الکفایة فیما حکى عنهما، ولکن الشهید الثانی(رحمه الله) صرّح فی الروضة، فالقول : «ولو حصل الربح فی الحول تدریجاً اعتبر لکلّ خارج حول بانفراده، نعم توزع المؤونة فی المدّة المشترکة بینه وبین ما سبق علیهما ویختص بالباقی»(22) ونحوه ما فی المسالک(23).

بل یظهر من عبارته عدم الفرق بین اتحاد النوع وتعدده، فلو کان خطیباً وحصلت المنافع عنده فی أیّام عاشوراء وأواخر شهری صفر ورمضان کان لکلّ حول برأسه وکذا أشباهه، أو کانت له تجارات فی فترات مختلفة.

وظاهر کلام صاحب العروة کجماعة کثیرة من المحشّین هو القول الأوّل وهو الأقوى.

وتظهر الثمرة بین القولین فی کیفیة توزیع المؤونة علیها ـ کما عرفت فی کلام الشهید(رحمه الله)ـ وفی لزوم الخمس من جمیع المنفعة من دون إخراج المؤونة إذا حصلت بعض أنواعه فی آخر السنة ولم تکن علیه مؤونة حینئذ.

وکیف کان فقد یستدلّ على المختار أعنی القول الأوّل بأُمور :

الأوّل : إنّ المتعارف بین العقلاء من أهل العرف هو ذلک، فإنّهم إذا أرادوا محاسبة الربح والمصارف لکلّ إنسان حاسبوا مجموع ما انتفع به طول السنة وأخرجوا منه مصارفه وکان الزائد ربحاً خالصاً، وکذلک بالنسبة إلى الشرکات التی فرقت رأس مالها فی أنواع من المکاسب فبعضها فی التجارة وبعضها فی التنمیة الزراعیة وبعضها فی المصانع وغیرها فیحاسبون الجمیع، ثمّ یعلنون الربح والخسران، وکذلک فی مصارف الحکومات ومنافعها فإنّ المعمول فیها أیضاً محاسبة جمیع المنافع طول السنة والمصارف کذلک ثمّ محاسبة کسر المیزانیة.

وإطلاق قوله (علیه السلام) : «الخمس بعد المؤونة» یرجع إلى هذا الأمر المتداول بین أهل العرف فیما بینهم.

إن قلت : بل نراهم یحاسبون کلّ واحدمن هذه الأُمور مستقلاً من حیث الربح والخسران، فیقولون ربحنا فی تجارتنا وخسرنا فی زراعتنا.

قلت : هذا إذا أرید محاسبة نفس المکاسب من حیث الربح والخسران لا محاسبة ربح الإنسان وخسرانه بعنوان شخصه، ففی الأوّل یقولون خسرت هذه الصفقة وربحت تلک الصفقة، ولکن إذا أرید مصارف الشخص ومنافعه یقول ربحه طول السنة هذا ومصرفه هذا فبقی هذا المقدار الذی هو الربح الخالص الزائد، وأنت إذا راجعت أحوالهم تراهم لا یتعدون هذا الأمر.

الثانی : جریان السیرة من المتشرعة علیه، فإنا نراهم على ملاحظة المجموع من حیث المجموع دون ملاحظة کلّ فائدة برأسها، فعلى رأس السنة یحاسبون مجموع أموالهم الموجودة بعد وضع المؤونات، ویقایسونه مع رأس مالهم فی السنة الماضیة فیأخذون بالتفاوت بینهما ویخمّسون أموالهم، ولکلّ واحد منهم وقت معین معلوم لتخمیس أمواله فی کلّ سنة.

مع أنّ کثیراً من الناس لهم أنواع مختلفة من المکاسب فعندهم زراعة وتجارة أو حرفة یدویة أو غلة دار أو دکان وغیر ذلک، ولو کان لکلّ واحد من هذه الأنواع، بل لکلّ مصداق من مصادیق النوع الواحد حول برأسه (لعدم الفرق بین تعدد الأنواع أو الأفراد) لکان سنة تخمیس الأموال فی کلّ شهر أو کلّ اسبوع ولو کان ذلک لاشتهر وبان، لا سیّما إذا قلنا بوجوب الخمس فی الهدایا، فلابدّ من ملاحظة کلّ هدیة وجعل سنة خاصة لها، وهذا

مقطوع العدم بینهم.

ولذا قال صاحب الجواهر فی ردّ هذا القول ـ فیما حکى من عبارته : «کأنّه معلوم العدم من السیرة والعمل»(24).

وعدم وقوع السؤال عنها أیضاً دلیل على ما ذکرنا.

وهذه السیرة وإن کانت مأخوذة من بناء العقلاء، ولکنها دلیل مستقل بعد ظهور جریانها إلى زمن المعصومین (علیهم السلام).

هذا مع استلزام القول الثانی للهرج الشدید فی کثیر من الأوقات فإن جعل سنة خاصة لکلّ منفعة جدیدة (لا سیّما إذا قلنا بعدم الفرق بین اتحاد النوع وعدم اتحاده) ثمّ توزیع مؤونة السنة على کلّ واحد فی وقته بعضها على واحد منها وبعضها على اثنین وبعضها على الثلاثة مشکل جدّاً، ومن المعلوم عدم تداوله بین المتشرعة أصلاً.

الثالث : ظهور إطلاق قوله (علیه السلام) فی صحیحة علی بن مهزیار : «فأمّا الغنائم والفوائد فهی واجبة علیهم فی کلّ عام» فإنّ ظاهره ملاحظة المجموع فی کلّ عام، ولیس جعل عام لکلّ واحد مستقلاً وما قد یقال من عدم کونها بصدد البیان من هذه الجهة ممنوع بعد ظهور قوله : «فی کلّ عام» فی محاسبة الأموال کلّ سنة مرّة واحدة مع أنّ کثیراً من الناس لهم منافع ومداخل مختلفة من غلة دار وربح تجارة وعمل ید إلى غیر ذلک، وبالجملة فإنّ ظاهر الصحیحة أنّ المال یحسب فی کلّ عام مرة واحدة ویؤخذ منه الخمس سواء کان موزعاً على أعمال مختلفة أو عمل واحد.

ومن هنا یظهر الجواب عمّا استدلّ به للقول الثانی من قیاس المقام بباب الغوص والمعدن والکنز تارة حیث یحسب کلّ إخراج مستقلاً والأخذ بالاطلاقات الأخرى، لأنّ تقییدها بکون المجموع فی سنة واحدة یحتاج إلى دلیل.

وأصالة البراءة ثالثة، فإنّ مقتضاها عدم وجوب الفور فی خمس ما اکتسبه فی آخر السنة.

فإنّ قیاس المقام علیها قیاس مع الفارق (مع عدم صحّة القیاس فی مذهبنا) لأنّ الغوص وشبهه لا یعتبر فیها السنة، واستثناء المؤونة حتّى یتکلم فی وحدة الجمع وعدمها فلا ربط بین المقامین.

وأمّا الأخذ بالإطلاقات فهو غیر تام بعدما عرفت من الدلیل على التقیید، وکذا أصالة البراءة إنّما تصحّ عند فقدان الدلیل على وجوب الخمس فوراً بعد مضی السنة، الظاهر فی المجموع من حیث المجموع.

إن قلت : إنّ الالتزام بهذا القول قد یوجب الضرر کما إذا حصد زرعاً فی آخر السنة ولم یربح منه شیئاً، لکنّه قد وجب علیه (بناءً على هذا القول) تخمیسه إذ خمس المجموع یلاحظ فی آخر السنة دفعة واحدة، وبهذا قد یلزم تحمل ضرر علیه بینما لو قلنا بوجوبه فی کلّ مهنة على حدة لم یلزم ذلک، بل جاز له التأخیر فی دفع خمس الزراعة إلى مضی الحول.

قلت : مضافاً إلى أنّ هذا الکلام مجرّد استحسان وهو لیس بحجّة عندنا، أنّه لا یجب علیه دفع جمیع ما حصده من الزراعة حتّى یلزم ضرراً علیه، بل إنّما یجب تخمیسه على أنّ الحاکم الشرعی مبسوط الید فی الأخذ والعفو فله أن ینظر إلى وضع المکلّف الذی وجب علیه الخمس فیهبه أو بعضه له إذا رآه مصلحة.

المسألة الثامنة : قال صاحب العروة : «یشترط فی وجوب خمس الربح أو الفائدة، استقراره فلو اشترى شیئاً فیه ربح وکان للبائع الخیار لا یجب خمسه إلاّ بعد لزوم البیع ومضى زمن الخیار».

أقول : محل الکلام هو زیادة القیمة السوقیة أو الزیادات المتصلة، أمّا المنفصلة فهی خارجة عن محلّ الکلام فإن تزلزل العقد لا یوجب تزلزلاً فی ملکیتها، وعلى کلّ حال فالوجه فیما ذکره عدم صدق الفائدة على محلّ الکلام وهو کذلک بناءً على عدم جواز البیع فی زمن الخیار، وأمّا لو قلنا بجوازه مع انتقال حقّ الخیار معه واعلام المشتری الثانی به وجد لهذا العین مع هذه الصفة طالب یشتریها بأکثر ممّا اشتراه به، کما إذا اشتراه بعشرین دیناراً مع الخیار للبائع فوجد من یشتریه منه بثلاثین مع هذه الصفة فإنّ المنفعة هنا صادقة بالفعل إذا کان من قصده الاسترباح بهذا المتاع، فعلى رأس السنة و بعد إخراج المؤونة

یجب علیه خمس هذه العشرة لوجود الطالب له مع وصفه هذا.

وکان کلامه مبنیّاً على عدم جواز البیع فی زمن خیار البائع.

وممّا ذکرنا یظهر أنّه إذا مضى زمن الخیار ولم یفسخ واستقر الربح، صدقت المنفعة من حینه لا من حین العقد ولا معنى للکشف هنا لأنّ المفروض عدم جواز بیعه، نعم بناءً على جواز البیع فی زمان الخیار کانت المنفعة صادقة من أوّل الأمر، ولبعض المحشّین تفصیلات یظهر ضعفها ممّا ذکرنا.

المسألة التاسعة : لو اشترى ما فیه ربح ببیع الخیار، فصار البیع لازماً (بمضی زمن الخیار مع عدم الفسخ) فاستقاله البائع فأقاله لم یسقط الخمس، إلاّ إذا کان من شأنه أن یقیله کما فی غالب موارد بیع شرط الخیار إذا ردّ مثل الثمن (هکذا ذکره المحقّق الیزدی(رحمه الله) فی العروة).

قلت : والوجه فیه عدم صدق الفائدة حینئذ، وإن شئت قلت : الفائدة وإن کانت ثابتة بحکم الشرع بلزوم البیع مع حصول الربح، کما إذا اشترى ما یساوی بألف دینار بأقل منه مع شرط الخیار وانقضى زمانه، ولکن العرف قد لا یراه منفعة لائقة بشأنه ولکن ذلک ثابت فی بعض فروض المسألة لا فی غالب فروضها، فإنّه إنّما یکون إذا أتى بثمنه مع تأخیر قلیل کیوم أو ساعة، لعدم قدرته أو لبعض الموانع غیر المترقبة، أو کان التفاوت بین الثمن الواقعی للمتاع وثمن المعاملة کثیراً ـ کما هو المتعارف فی من یرید القرض مع الفرار من الربا ـ فیبیع داره بثمن رخیص مع خیار الشرط لعلمه بأنّه یقدر على أداء الثمن وأخذ ماله، فلو لم یقدر علیه لبعض الموانع کان للمشتری أخذ الدار بحسب ظاهر حکم الشرع، ولکن العرف لا یرى مثل ذلک کمنفعة لائقة بشأنه بل یراه کسمّ الحیات والعقارب.

ثمّ قد یقال : إنّه لا یصحّ إقالة المشتری بعد مضی زمن الخیار بالنسبة إلى خمس المبیع، لأنّ الشارع حکم بکونه ملکاً لأرباب الخمس، فلا یجوز للمشتری الإقالة إلاّ بالنسبة إلى ملک نفسه وهو أربعة أخماس المبیع.

ولکن لقائل أن یقول : إنّ العرف لا یرى الزیادة الحاصله للمشتری فی أمثال هذه المعاملات الخیاریة (التی تنفقد فی کثیر من الأوقات للفرار من الربا) منفعة واقعیة، بل یرى

تحصیلها من جانب المشتری وعدم إقالته البیع مخالفاً للانصاف جدّاً ویذمّه على ذلک، وحینئذ یجوز للمشتری إقالة المبیع بتمامه ولا یجب علیه خمس لعدم صدق المنفعة عرفاً.

المسألة العاشرة : هل یجب خمس رأس المال أم لا ؟ فیه أقوال أو احتمالات أربعة :

1 ـ وجوب إخراجه مطلقاً کما اختاره صاحب العروة بعنوان الاحتیاط أفتى به بعض المحشّین.

2 ـ عدم وجوب إخراجه کذلک وأنّ ما یحتاج إلیه الإنسان فی رأس ماله من قبیل المؤونة.

3 ـ التفصیل بین رأس مال یعادل مؤونة سنته فلا خمس فیه وبین الزائد علیه ففیه الخمس (کما اختاره صاحب مستند العروة).

4 ـ بین ما یحتاج إلیه لمؤونة سنته وما لا یحتاج إلیه کما اختاره بعض آخر وهو الأقوى.

والعمدة فی ذلک أنّ لفظ المؤونة فی بدء النظر ظاهر فیما یصرف فی مصارف الحیات من القوت والملبس والمسکن والمناکح والتداوی وعباداته وغیر ذلک من أشباهه، وأمّا وسائل التنمیة والتولید والتجارة وکذلک آلاتها فلیست من المؤونة، وهذا دلیل القائلین بوجوب الخمس فیه إذا کان من منافع کسبه.

وأمّا دلیل القول بعدم الخمس، أنّه أی فرق بین رأس المال وآلات العمل وسائر المؤونات التی یحتاج إلیه فی حیاته، فکلّ ما یحتاج إلیه الإنسان فی معاشه ومعاده مؤونة، حتّى ما یحتاج إلیها فی السنین الآتیة سواء کان مثل المأکل والملبس أم لا.

هذا ولکن الإنصاف أنّ المسألة ذات شقوق.

أحدها : إذا کان الإنسان یقدر على اجارة نفسه لبعض الأعمال ویقدر على تحصیل مؤونة سنته من هذه الناحیة ولکن لیس هذا الشغل لائقاً بشأنه ولو لم یکن له رأس مال یکتسب به کان شیئاً علیه، فلا ینبغی الشک فی کونه من المؤونة أو بحکم المؤونة لإلغاء الخصوصیة عنها قطعاً، فبالمقدار الذی لا یرتفع الشین عنه بأقلّ منه کان مستثنى عن حکم الخمس، وأی فرق بینه وبین السیارة التی یحتاج إلیها أو الدار الذی یسکنه أو الخادم أو غیر

ذلک ممّا یحفظ به عرضه وجاهه.

ثانیها : ما إذا لم یقدر على تحصیل مؤونة سنته إلاّ بالآلات أو برأس المال فلیس له مهنة إلاّ من طریق الزراعة أو الصناعة أو التجارة، فأخذ أقلّ ما یکفیه لمؤونة السنة بحیث لو کان أقل منه لم یف منافعه بمؤونة سنته فهذا أیضاً بحکم المؤونة سواء صدق علیه عنوانها أم لا.

وذلک لأنّ ظاهر أدلة استثناء المؤونة أنّ الخمس إنّما هو بعد أخذ حاجات الحیاة أیّاً ما کانت، ففی المقام یکون ایجاب الخمس علیه سبباً لعدم وفاء منافعه بمؤونة سنته وصیرورته فقیراً محتاجاً إلى بیت المال أو إلى غیره من أبناء نوعه، ومن المعلوم من أدلّة استثناء المؤونة أنّها لا ترضی الشارع بذلک.

ثالثها : ما إذا کان رأس المال والآلات بمقدار لو أدّى خمسها کان قادراً على اکتساب مؤونة سنته بالباقی، کمن کان له رأس مال یعادل مائة ألف دینار لو أعطى خمسها فصارت ثمانین ألف کان قادراً على الاکتساب اللائق بشأنه بهذا المقدار، فلا إشکال حینئذ فی وجوب الخمس علیه لصدق المنفعة على المجموع وعدم منافاة الخمس لاکتساب مؤونة سنته، فتدبّر.

المسألة الحادیة عشرة : مبدأ السنة ماذا ؟ هل هو ابتداء الاکتساب، أو ابتداء ظهور المنافع، أو یقال أنّ المبدأ هو زمان حصول الربح، أو التفصیل بین من کان مکتسباً ؟

فالأوّل : ومن لم یکن مکتسباً کمن حصل له فائدة اتفاقاً فالثانی، أو أن مبدأه هو مبدأ السنة المتعارفة فی بلاده کعید النیروز فی بلاد العجم وأوّل المحرم فی بلاد العرب. والأوّل ظاهر کلام صاحب الحدائق(25) ومحکى عن شیخنا الأنصاری.

والثانی : محکی عن المدارک والروضة.

والثالث : ظاهر کلام صاحب الجواهر وغیره.

والرابع : اختاره صاحب العروة.

والخامس : مال إلیه بعض المعاصرین.

والأقوى هو القول الثالث الذی اختاره صاحب الجواهر واختاره غیر واحد من المحشّین على العروة، والوجه فیه أنّه لا خمس إلاّ فی المنفعة والغنیمة فمتى حصلت فی یده وجب علیه الخمس.

وبعبارة أخرى : مبدأ السنة هو ما إذا ظهر أوّل مصداق لقوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْء) وذلک بحصول الربح فی یده.

 


1. السرائر، ج 1، ص 486 ـ 490.
2. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 6.
3. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 5.
4. المصدر السابق، ح 10. وفی طریقه أحمد بن هلال وربّما یقال إنّه ثقة فی الروایة وإن کان متهماً فی دینه، ولکن المراجع إلى کتب أرباب الرجال یعرف أنّ حال الرجل مبهم جدّاً، بل وردت فی ذمّه روایات تدلّ على أشدّ الذمّ، ویظهر من بعض هذه الروایات اللعن علیه مراراً من ناحیة الإمام العسکری (علیه السلام) لکونه صوفیاً متصنعاً أو لکونه وقف على أبی جعفر (الجواد) (علیه السلام) ورجوعه عن الإمامة إلى النصب، وقد یظهر من بعضها انکاره على أبی جعفر محمّد بن عثمان وکیل الناحیة المقدّسة ویظهر أیضاً أنّه کان متصنعاً جدّاً بحیث حجّ 54 حجة، عشرون منها على قدمیه وقد روى کثیراً من أُصول أصحابنا، فلذا لمّا ورد الذمّ علیه من الإمام العسکری (علیه السلام) والتشکیک فیه من کثیر من أصحابنا حتّى ورد قوله (علیه السلام) : «لا عذر لأحد من موالینا فی التشکیک فیما یروى عنّا ثقاتنا قد عرفوا بأننا نفاوضهم سرّنا إلى غیر ذلک».
ویروى عن ابن الغضائرى التوقف فی حدیثه إلاّ فیما یرویه عن الحسن بن محبوب من کتاب المشیخة ونوادر محمّد بن أبی عمیر، نظراً إلى سماع هذین الکتابین جلّ أصحاب الحدیث واعتمادهم علیهما.
وصرّح فی الخلاصه بعد نقد هذا الکلام : وعندی روایته غیر مقبولة کما صرّح فی فهرست تنقیح المقال بأنّ الرجل فی غایة الضعف ومع ذلک توثیقه فی مستند العروة عجیب، وعلى کلّ حال یشکل الاعتماد علیه جدّاً ولمزید التحقیق راجع تنقیح المقال للعلاّمة المامقانی (رحمه الله).
5. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 7.
6. المصدر السابق، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 21.
7. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 10 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 4.
8. المصدر السابق، الباب 11 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 2. ومنها یظهر أنّه لو کان الخمس غیر واجب فی شیء من الهبات لم یقیده الإمام (علیه السلام) بما سرح به صاحب الخمس وهو فی مقام البیان.
9. قال : کتبت إلیه : «یا سیّدی رجل دفع إلیه مال یحج به هل علیه فی ذلک المال حین یصیر إلیه الخمس أو على ما فضل فی یده بعد الحجّ ؟ فکتب (علیه السلام) : لیس علیه الخمس». وسائل الشیعة، ج 6، الباب 11 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 1.
10. راجع وسائل الشیعة، ج 6، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 4.
11. المصدر السابق، ح 6.
12. المصدر السابق، ح 9.
13. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 11 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 2.
14. ولا یخفى أن هنا طریقاً آخر لعدم وجوب الخمس فیما ملک بالخمس أو الزکاة حتّى بناءً على قول القائلین بوجوبه فیه، وهو عدم قصد التملک حین أخذ الخمس والزکاة بقصد إباحة التصرف إلاّ إذا شاء أن یتصرف فیه تصرفاً متوقفاً على الملک کالبیع.
15. مسالک الافهام، ج 1، ص 465.
16. جواهر الکلام، ج 16، ص 57.
17. مصباح الفقیه، ج 3، ص 129.
18. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 10.
19. التحریر، ج 1، ص 74.
20. منتهى المطلب، ج 1، ص 548.
22. شرح اللمعة، ج 2، ص 78 من الطبع الحدیث.
23. مسالک الافهام، ج 1، ص 67.
24. جواهر الکلام، ج 16، ص 81.
25. الحدائق الناضرة، ج 12، ص 354.
21. مستند الشیعة، ج 10، ص 33.

 

المقام الثانی : استثناء المؤونة منهحقیقة المؤونة ومقدارها وفروعها
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma