حکم الخمس من حیث ملکه للإمام (علیه السلام)

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الفقاهة - کتاب الخمس و الأنفال
فذلکة البحث فی حکم الخمس فی زمان الغیبةحکم سهم السادة فی عصر الغیبة

بقی هنا أمور :

الأمر الأول: ظاهر کلمات الأصحاب بل صریحها أنّ الخمس یقسم ستة أقسام، ثلاثة منها للنبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) فی حیاته الشریفة وللإمام المعصوم القائم مقامه بعد حیاته والثلاثة الاُخرى لبنی هاشم أیتامهم ومساکینهم وأبناء سبیلهم، وقد خالف فیه جماعة من العامّة (کما حکى عن الشافعی وأبی حنیفة) وجعلوه خمسة أسهم بحذف سهم الله وإن افتتحت الآیة به فإنّه فی زعمهم إنّما هو من باب التشریف، فالأمّة متفقة على تقسیمه بالأسهم وإن خالف العامّة فی کون الأسهم ستة.

نعم، حکی عن مالک بأنّ الفیء والخمس واحد یجعلان فی بیت المال، ولکن الفتاوى المحکیة عن غیره فیما وصل إلینا شاهدة على التقسیم.

وقد صرّح صاحب الجواهر بأنّ تقسیمه إلى ستة أسهم مشهور بین الأصحاب شهرة عظیمة کادت تکون إجماعاً بل المسألة إجماعیة، وصرّح فی ذیل السهام الثلاثة الأخیرة بأنّه مقتضى الکتاب والسنّة المستفیضة بل المتواترة بل الإجماع(1).

وکتب القوم مشحونة بهذا التقسیم، ولکن على رغم جمیع ذلک خالف فیه بعض المعاصرین وزعم أنّ الخمس حقّ واحد جعل لمنصب الإمامة والحکم، وحیث إنّ الحکم أوّلاً وبالذات لله تعالى، جعل لله ثمّ جعل للرسول من ناحیته تعالى، ثمّ جعل لذی القربى

(الإمام المعصوم) من قبل الرسول (صلى الله علیه وآله) فالخمس بأجمعه ملک له تعالى وفی المرتبة التالیة بأجمعه للرسول (صلى الله علیه وآله) وفی المرتبة الأخیرة ملک للإمام المعصوم القائم مقامه (صلى الله علیه وآله) کالأنفال ولیس ملکاً لشخص الإمام بل لمنصب الإمامة، وأمّا بنو هاشم فلا ملکیة لهم ولا اختصاص بل هم مصارف له فقط.

وأوّل من قال بهذه المقالة فیما رأینا هو صاحب کتاب «ذخائر الإمامة» العلاّمة الشیخ فیاض الدین الزنجانی، حیث قال فی کلام له فی المقام : «إنّ هذا الحقّ (أی الخمس) لیس إلاّ له تعالى ومنحصر فیه، وأنّ اختصاصه بالرسول (صلى الله علیه وآله) الذی یذکره بعده، عین اختصاصه به تعالى، فالقول بالسهام والاشتراک لا معنى له»(2).

وقال فی مقالة أخرى له : تقدیم الخبر على الاسم فی قوله تعالى : (فَإَنَّ للهِِ خُمُسَهُ)هو لإفادة أنّ الخمس لیس حقّاً مشترکاً حتّى یقسم على سهام، بل إنّما هو مختص به تعالى وما هو مختص به فهو مختص برسوله(3).

وقال فی أواخر کلامه : «خاتمة ـ إعلم أنّ مقتضى الآیة والأخبار المفسرة لها وغیرها أنّ الخمس حقّ وحدانی راجع إلى حیث السلطنة والإماره القائمة بالله سبحانه بالأصالة وبرسوله بالخلافة وبذی القربى المراد منه الإمام (علیه السلام) بعد الرسول(صلى الله علیه وآله) فی زمن الحضور أیضاً بالخلافة وبالفقیه فی الغیبة، فلا وجه للقسمة ولا لکیفیته»(4).

وکأنّه لم تصل إلیه روایات القسمة المتظافرة الصریحة فی ذلک المعمول بها بین الأصحاب، أو وصلت إلیه وحسب أنّه لابدّ من توجیهها، وأمّا کیف یمکن توجیهها مع وضوحها فی معناها فهو غیر معلوم.

وقد وافقه فی ذلک غیر واحد من المعاصرین لاُمور یطول المقام بشرحها.

هذا وفی بعض کلمات صاحب الجواهر جاء ذکره بصورة الاحتمال وأنّه لولا مخافة الانفراد أفتى به.

ثمّ استدلّ لذلک بالآیة والروایات، وأمّا الآیة فذکر فی معناها أنّ اللام للاختصاص التام والملکیة المستقلة ومقتضاه کون جمیع الخمس لله وجمیعه للرسول (صلى الله علیه وآله) وجمیعه للإمام (علیه السلام) وحیث لا یمکن ذلک عرضاً فلا محالة ملکیة طولیة مترتبة، وتقدیم قوله «فإنّ لله» على «خمسه» دلیل على هذا الحصر أیضاً، وأمّا الأصناف الأُخر فلا ملکیة لهم ولذا لم یدخل علیها اللام.

ثمّ استدلّ بأخبار زعم دلالتها على کون الخمس جمیعه حقّاً واحداً ثابتاً لمنصب الإمامة، وأوضحها لمقصوده ما یلی :

1 ـ ما رواه السیّد المرتضى فی (رسالة المحکم والمتشابه) نقلاً من تفسیر النعمانی عن علی (علیه السلام) قال : «وأمّا ما جاء فی القرآن من ذکر معایش الخلق وأسبابها فقد أعلمنا سبحانه ذلک من خمسة أوجه; ووجه العمارة... فأمّا وجه الامارة فقوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْء فَإَنَّ للهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبَى وَالْیَتَامَى وَالْمَسَاکِینِ) فجعل لله خمس الغنائم، والخمس یخرج من أربعة وجوه من الغنائم... ومن المعادن، ومن الکنوز، ومن الغوص»(5). وظاهر هذه الروایة أنّ جمیع الخمس لله.

2 ـ ما رواه عمران بن موسى، عن موسى بن جعفر (علیه السلام) إلى أن قال : «والله لقد یسّر الله على المؤمنین أرزاقهم بخمسة دراهم، جعلوا لربّهم واحداً وأکلوا أربعة أحلاء»(6).

وهذا کسابقه فی الدلالة.

3 ـ ما رواه علی بن مهزیار قال : قال لی أبو علی بن راشد : قلت له : أمرتنی بالقیام بأمرک وأخذ حقّک فأعلمت موالیک بذلک. فقال لی بعضهم : وأی شیء حقّه ؟ فلم أدر ما أجیبه. فقال : «یجب علیهم الخمس» (الحدیث)(7).

وظاهره أنّ جمیع الخمس حقّه (علیه السلام).

وفی معناه أحادیث اُخرى تدلّ على أخذ الوکلاء جمیع الخمس.

4 ـ ما رواه محمّد بن الفضیل، عن أبی الحسن الرضا (علیه السلام) قال : سألته عن قول الله : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْء فَإِنَّ للهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) ؟ قال : «الخمس لله والرسول وهو لن»(8).

وظاهره أنّ مجموعه له (علیه السلام).

واستدلّ له أیضاً بالأخبار الدالّة على التحلیل عموماً أو خصوصاً الظاهرة فی تحلیل جمیعه (انتهى ملخصاً).

ویرد علیه مضافاً إلى ما عرفت من کونه مخالفاً لإجماع الأصحاب أو إجماع علماء الإسلام، ومخالفة مثل هذا الإجماع مشکل ولو کان مدرکیّاً أُمور :

1 ـ ظاهر آیة الخمس دلیل قوی على نفی هذا القول، فإن ذکر اللام وتکراره فی «الله» و«الرسول» و«ذی القربى» دلیل على التشریک کما هو کذلک فی قولنا هذا الدار لزید ولعمرو، أو خمس هذا المال لزید ولعمرو، ولذا لو اعترف واحد بأنّ الدار الذی یسکنه له ولأخیه کان إقراراً بالشرکة بلا إشکال.

2 ـ عدم تکرار اللام فی الثلاثة الأخیرة لا یخرجهم عن الشرکة لأنّه معطوف على المجرور ولا یحتاج إلى تکرار حرف الجر (إلاّ للتأکید کما فی الثلاثة الاُولى).

ویشهد له عدم تکرار حرف الجر فی آیة الأنفال : (یَسْــَلُونَکَ عَنِ الاَْنفَالِ قُلِ الاَْنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ...).

3 ـ هناک روایات کثیرة تبلغ عشر روایات أو أکثر مرویة فی المنابع المعتبرة المشهورة تدلّ على تقسیم الخمس أسداساً، سهم الله وسهم الرسول وسهم ذی القربى وسهام الأصناف الثلاثة، وهی صریحة أو کالصریحة فی هذا المعنى :

منها : ما رواه حمّاد بن عیسى، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح (علیه السلام) وفیها : «ویقسم بینهم الخمس على ستة أسهم: سهم لله وسهم لرسول الله (صلى الله علیه وآله) وسهم لذی القربى وسهم للیتامى وسهم للمساکین وسهم لأبناء السبیل، فسهم الله وسهم رسول الله لاُولی الأمر من بعد رسول الله وراثة وله ثلاثة أسهم... وله نصف الخمس کملاً، ونصف الخمس الباقی بین أهل بیته...»(9).

والعجب أنّه استدلّ بذیل الروایة وقال : إنّه جعل جمیع الخمس للنبی والوالی، فیجب توجیه التقسیم مع أنّه صریح فی التقسیم، ولو فرض لذیله ظهور فی غیره فلابدّ من توجیه ذلک لا توجیه هذا المعنى الصریح.

ومنها : ما رواه البزنطی عن الرضا (علیه السلام) قال : سئل عن قول الله عزّوجلّ : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْء فَإِنَّ للهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبَى) فقیل له : فما کان لله فلمن هو ؟ فقال : «لرسول الله (صلى الله علیه وآله) وما کان لرسول الله (صلى الله علیه وآله) فهو للإمام...» الحدیث(10).

ومنها : ما رواه عبدالله بن بکیر، عن بعض أصحابه عن أحدهما (علیهما السلام) فی قول الله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْء فَإِنَّ للهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبَى وَالْیَتَامَى وَالْمَسَاکِینِ وَابْنِ السَّبِیلِ)قال : «خمس الله للإمام، وخمس الرسول للإمام، وخمس ذوی القربى لقرابة الرسول الإمام، والیتامى یتامى الرسول، والمساکین منهم، وأبناء السبیل منهم، فلا یخرج منهم إلى غیرهم»(11).

ومنها : ما رواه زکریا بن مالک الجعفی، عن أبی عبدالله (علیه السلام) أنّه : سأله عن قول الله عزّوجلّ : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْء فَإِنَّ للهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبَى وَالْیَتَامَى وَالْمَسَاکِینِ وَابْنِ السَّبِیلِ) فقال : «أمّا خمس الله عزّوجلّ فللرسول یضعه فی سبیل الله، وأمّا خمس الرسول فلأقاربه وخمس ذوی القربى فهم أقرباؤه وحدها، والیتامى یتامى أهل بیته، فجعل هذه الأربعة أسهم فیهم وأمّا المساکین وابن السبیل فقد عرفت أنّا لا نأکل الصدقة ولا تحلّ لنا فهی للمساکین وأبناء السبیل»(12).

ومنها : ما رواه ربعی بن عبدالله بن الجارود، عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال : «کان رسول الله(صلى الله علیه وآله) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وکان ذلک له، ثمّ یقسم ما بقی خمسة أخماس ویأخذ خمسه ثمّ یقسم أربعة أخماس بین الناس الذین قاتلوا علیه، ثمّ قسّم الخمس الذی أخذه خمسة أخماس یأخذ خمس الله عزّوجلّ لنفسه، ثمّ یقسم الأربعة أخماس بین ذوی القربى والیتامى والمساکین وأبناء السبیل یعطی کلّ واحد منهم حقّاً، وکذلک الإمام أخذ کما أخذ الرسول (صلى الله علیه وآله)»(13).

وما ورد فیه من تقسیم الخمس أخماساً إنّما هو لإعطائه (صلى الله علیه وآله) سهم نفسه لسائر المستحقین، ولذا ورد التصریح فیه بأنه یأخذ سهم الله لنفسه الذی هو دلیل على تقسیمه أسداساً کما هو واضح للخبیر.

ومنها : ما رواه أحمد بن محمّد، عن بعض أصحابنا رفع الحدیث إلى أن قال : «فأمّا الخمس فیقسّم على ستة أسهم: سهم لله، وسهم للرسول(صلى الله علیه وآله) ...» الحدیث(14).

ومنها : ما رواه ریان بن الصلت عن الرضا (علیه السلام) وفیها أنّه قرن (الله) سهم ذی القربى مع سهمه وسهم رسول الله (صلى الله علیه وآله)(15).

إلى غیر ذلک من أشباهه(16) بل الظاهر أنّ الروایات الدالّة على أنّه لو فضل من سهم السادة کان للإمام (علیه السلام) ولو نقص عنهم کان علیه أن یتمّ من عنده (الواردة فی الباب 3 من أبواب قسمة الخمس) المعمول بها بین الأصحاب أیضاً دلیل على الأخذ بالسهام.

وأنت إذا تأملت فی هذه الروایات الصریحة فی مسألة التقسیم لعلمت أنّه یمکن الجمع بینها وبین الروایات السابقة التی قد تظهر منها أو من بعضها (لا سیّما روایات التحلیل) أنّ جمیع الخمس ملک للإمام (علیه السلام) بحمل تلک الطائفة على أنّ الخمس وإن انقسم إلى ستة أسهم ولکن الإمام (علیه السلام) هو المتولى لأمر الجمیع فهو ولی على جمیعه وإن کان نصف منها ملکاً للأصناف الثلاثة والباقی ملکاً للحکومة الإلهیة التی یکون الإمام (علیه السلام) فی قمّته.

والحاصل : أنّ حاله (علیه السلام) حال سائر الأولیاء على الأموال فهو ولی على جمیع الخمس وإن لم یکن مالکاً للجمیع، نظیر ولایته على أموال الغیب أو مجهول المالک، ونظیر ولایة المتولى بالنسبة إلى الموقوفة التی تحت یده، وقد یکون المتولى بنفسه من الموقوف علیهم وله سهم منه فهو متول لسهم نفسه ومتول على سائر السهام.

ومن هنا تظهر الثمرة بین هذا القول وسابقه فإنّه لو قلنا بأن الخمس ملک وحدانی وسهم واحد لله، ثمّ یکون جمیعه للنبی (صلى الله علیه وآله) ثمّ من بعده للإمام (علیه السلام) وإن کان علیه الانفاق على بنی هاشم، لم یجب علیه انفاق نصف الخمس کملاً علیهم بل یجوز له ذلک وغیره من مصارف الحکومة، فلیس لهم حدّ معین کما لیس لسائر المصارف حدّ خاص.

أمّا لو قلنا بمقالة المشهور المجمع علیه کان جمیعه تحت یده (علیه السلام) ولکن یجب علیه انفاق نصفه على بنی هاشم.

إن قلت : فلماذا یکون له ما یزید علیهم وعلیه ما ینقص عنهم ؟

قلنا : هذا لا ینافی ملکیة السادة للنصف لأنّه من قبیل الملک المشروط بشرط، ویمکن التمثیل له بملک الوقف بأنّ شرط الواقف للوقف الخاصّ بأنّ نصف غلته للمتولی الذی هو ولده الکبیر ونصفه الآخر لسائر أولاده، وشرط أیضاً أنّه لو نقص سهم إخوتهم عن حاجتهم کان على الولد الأکبر أن یزید علیهم ما یرفع حاجتهم وأنّه لو زاد سهمهم على حاجتهم کان للولد الأکبر، وکذا شرط فی عقد الوقف أنّه لو وقع عمال الوقف (مثلاً الزارعون فی ملک الزراعة) فی عسر شدید وحرج أکید کان للمتولى أن یهب لهم فوائد الأرض فی برهة خاصة من الزمن أو فی نوع خاصّ من النماءات، وهذا کلّه شرط سائغ یجوز للواقف شرطه فی عقد الوقف.

وحال الإمام (علیه السلام) بالنسبة إلى سهمه وسهم الأصناف الثلاثة من هذا القبیل تقریباً، فله سهمه الخاصّ به وله الولایة على الأصناف وعلیه تتمیم ما نقص وله زیادة ما زاد، وله أیضاً تحلیل الخمس بأجمعه أو ببعضه لشخص أو لجماعة أو فی برهة من الزمان لمصلحة من المصالح الإلهیّة.

والحاصل : أنّ هناک روایات تدلّ على أنّ الخمس حقّ للإمام، وروایات تدلّ على جواز التحلیل من قبله، وروایات تدلّ على وجوب التتمیم من عنده وأخذ ما زاد له.

کما أن هناک روایات تدلّ على تقسیم الخمس إلى ستة أسهم وقد عرفت صراحتها فی ذلک، وأنه لا یمکن حملها على المصرف لأنها تصرّح بأن سهم الله للرسول کما أنّ سهم الله

وسهم رسوله (صلى الله علیه وآله) للإمام (علیه السلام) فی عصره وأنّ سهم السادة لابدّ أن یدفع إلیهم، وشیء من هذا لا یناسب حملها على المصرف کما هو واضح، مضافاً إلى تأییده بفهم الأصحاب وإجماعهم علیه قدیماً وحدیثاً بل موافقة أکثر العامة له.

وأحسن طریق للجمع بین روایات هذا الباب بعد ضمّ بعضها ببعض هو ما ذکرنا من قبول السهام کلّ واحد فی محلّه مع ولایة الإمام (علیه السلام) على السادة، وعلى التتمیم والتحلیل وشبه ذلک.

والعجب من بعض القائلین بالمقالة الشاذة أنّه ذکر أنّ أخبار السهام تحمل على الجدل أو تحمل على بعض المحامل من دون تصریح به مع أنّها مشتملة على أُمور لا تناسب مقالة المخالفین، فلا یمکن حملها على الجدل بل لا معنى للجدل هنا کما لا یخفى على من تدبّر فیها.

ولنتم هذا المقال بکلام للمحقّق النراقی (رحمه الله) فی مستند الشیعة حیث قال : «الخمس یقسم أسداساً: لله ولرسوله ولذی القربى والیتامى والمساکین وأبناء السبیل على الحقّ المعروف بین أصحابنا، بل علیه الإجماع عن صریح کلام السیّدین والخلاف، وظاهر التبیان ومجمع البیان وفقه القرآن للراوندی، بل هو إجماع حقیقة لعدم ظهور قائل منّا بخلافه سوى شاذ غیر معروف، ولا تقدح مخالفته فی الإجماع»(17).

الأمر الثانی: هل النصف المبارک الذی سهمه (علیه السلام) ملک شخصه أو ملک له لمقام الإمامة ؟ وتظهر الثمرة بینهما :

1 ـ فیما یبقى عن کلّ إمام (علیه السلام) فإن کان ملکاً له بشخصه ینتقل إلى وارثه وإلاّ ینتقل إلى من بعده من الأئمّة (علیهم السلام) وهذه الثمرة وإن لم تکن تفیدنا فی هذا الزمان ـ کما هو ظاهر ـ ولکن هناک ثمرات أخرى تأتی.

2 ـ ما عرفت من ملاحظة مجهول المالک (أی متعذر الوصول) معه لأنّه مال شخصی کسائر الأموال لابدّ فیه عند تعذر وصوله إلى مالکه من الصدقة، أمّا لو کان له بمقامه ینتقل إلى نوابه القائمین مقامه فی جمیع شؤون الحکومة أو فی بعضها.

3 ـ ما مرّ أیضاً من أنّه هل یکفی للعامی احراز رضاه عند صرفه فی مصارفه أم یجب إیصاله إلى الفقیه ؟ فإن قلنا بالأوّل فقد یکون له ذلک لأنّ سبیله کسبیل الأموال الشخصیة، وأمّا إن قلنا بالثانی فلا یجوز ذلک بل لا یحرز رضاه إلاّ بإیصاله إلى نوابه(علیه السلام)إلى غیر ذلک من أمثاله.

قال صاحب الشرائع ما حاصله : إنّ ما کان للنبی (صلى الله علیه وآله) من سهمه وسهم الله ینتقل بعده للإمام القائم مقامه (علیه السلام) نعم ما کان قبضه النبی (صلى الله علیه وآله) أو الإمام (علیه السلام) ینتقل إلى وارثه (انتهى).

وزاد صاحب الجواهر ضرورة صیرورته حینئذ کسائر أمواله التی فرض الله تقسیمها على الوارث، واحتمال اختصاص الإمام (علیه السلام) به أیضاً لقبض النبی (صلى الله علیه وآله) له مثلاً بمنصب النبوة أیضاً باطل قطعاً، إذ هو وإن کان کذلک لکنه صار ملکاً من أملاکه بقبضه، وإن کان سببه منصب النبوة وفرق واضح بینه وبین انتقال الاستحقاق السابق للإمام (انتهى)(18).

وتبعه المحقّق الهمدانی (رحمه الله) فی مصباح الفقاهة حیث قال : «إنّه کغیره ممّا ترکه بعد وفاته ینتقل إلى وارثه حسب ما تقتضیه آیة المواریث لا آیة الخمس»(19).

واستدلّ المحقّق الأردبیلی (رحمه الله) فی بعض کلماته فی مجمع الفائدة عند شرح قول العلاّمة(رحمه الله) : «لا یجوز لغیره التصرف فی حقّه (علیه السلام) إلاّ بإذنه» بأنّه لا یحل مال امرء مسلم إلاّ عن طیب نفسه(20) وهذا الاستدلال وما أشبهه دلیل على أنّ غیر واحد منهم عاملوا مع سهم الإمام (علیه السلام) معاملة الملک الشخصی.

وقال العلاّمة المیلانی (رحمه الله) فی محاضراته : «إنّ ما قبضه النبی (صلى الله علیه وآله) والإمام (علیه السلام)ینتقل إلى وارثه لأنّه بالقبض قد صار ملکاً لشخصه»(21).

هذا والإنصاف أنّ الأمر لیس کذلک، بل الظاهر أنّ جمیع ما قبضه من سهمه ینتقل إلى الإمام (علیه السلام) من بعده (إلاّ ما أخذه لصرفه فی مصارفه الشخصیة وحاجاته الیومیة أمّا غیره فلا) وذلک لأُمور :

1 ـ قد عرفت أنّ سهمه المبارک مقدار عظیم غایة الکثرة لا یحتاج هو (علیه السلام) إلى عشر من أعشاره فی حیاته الشخصیة المقدّسة، ومن البعید جدّاً فی حکمة الحکیم جعله له (علیه السلام)بلا حاجة منه إلیه، ولا إمکان جذبه فی حیاته (علیه السلام) الشخصیة، بل القرائن الواضحة شاهدة على أنّه إنّما جعله له (علیه السلام) بمقامه السامی، وهو الولایة على الخلق.

وإن شئت قلت : أنّه یکون لمقام الحکومة العامّة الإلهیة التی جعلها له، فیجعله فی بیت مال المسلمین ویکون ناظراً على صرفه فی مصارفه ووالیاً علیه، وحیث إنّ الحکومة له(علیه السلام)بالجعل الإلهی فهذه الأموال له (علیه السلام).

نعم، ما یأخذه منه لحیاته المقدّسة الشخصیة یکون له کما هو کذلک عند رؤساء الحکومات وإن کان بینهم وبین الإمام (علیه السلام) فرق عظیم، فرئیس الحکومة العادلة یأخذ شیئاً قلیلاً من الأموال العظیمة التی تحت یده لنفسه ولمصارفه الشخصیة فهذا یکون ملکاً له، ویأخذ الباقی لصرفه فی مصارف الناس عموماً.

2 ـ إنّ إطلاق قوله (علیه السلام) : «ما کان لرسول الله (صلى الله علیه وآله) فهو للإمام (علیه السلام)» فی صحیحة البزنطی عن الرضا (علیه السلام)(22) شامل لما أخذه بالفعل ولما لم یأخذه، وحمله على خصوص ما لم یأخذه بأن یکون المراد انتقال الاستحقاق لسهم النبی (صلى الله علیه وآله) إلیه (علیه السلام)غیر واضح.

وکذلک قوله (علیه السلام) : «له ثلاثة أسهم سهمان وراثة وسهم مقسوم له من الله» الوارد فی مرسلة حمّاد بن عیسى(23) إلى غیر ذلک من أشباهه.

سلّمنا أنّ المراد منه انتقال الاستحقاق إلیه (علیه السلام) ولکن یجوز إلغاء الخصوصیة بعد قبضه، فما قبضه (علیه السلام) بهذا العنوان أیضاً ینتقل إلى إمام بعده (علیه السلام) ومجرد القبض لا یوجب فرقاً بعد ظهور هذه الروایات فی أنّ أصل استحقاقه (علیه السلام) لهذه الأموال إنّما هو لمقام الإمامة.

3 ـ ما رواه الصدوق باسناده إلى أبی علی بن راشد قال : قلت لأبی الحسن الثالث : إنّا نؤتى بالشیء. فقال : هذا کان لأبی جعفر (علیه السلام) عندنا فکیف نصنع ؟ فقال : «ما کان لأبی بسبب الإمامة فهو لی وما کان غیر ذلک فهو میراث على کتاب الله وسنّة نبیّه (صلى الله علیه وآله)»(24).

والکلام فیه من حیث السند أنّ أبا علی بن راشد کان من الوکلاء المعروفین لأبی الحسن العسکری (الإمام الهادی (علیه السلام)) وقد ذکر الکشی روایة بلیغة فی مدحه ومقامه العالی(25) وهذا کاف فی وثاقته حتّى أنّ علی بن مهزیار مع جلالته یعتمد فی ظاهر عبارته علیه(26).

وقد صرّح العلاّمة (قدس سره) فی رجاله بوثاقته، وعدّه الشیخ المفید (قدس سره) من الفقهاء الأعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام الذین لا یطعن علیهم بشیء(27).

لکن فی طریق الروایة ضعف، فإنّ أبا علی بن راشد واسمه الحسن بن راشد وإن کان من وکلاء أبی الحسن الهادی (علیهما السلام) وقد ورد فی شأنه ما یدلّ على جلالة شأنه، إلاّ أنّ فی طریق الصدوق (قدس سره) ضعف ـ کما فی جامع الرواة ـ فالاعتماد علیه مشکل إلاّ أنّه یمکن اخراجه مؤیداً للمقصود، وقد یستشکل فی دلالته ـ کما فی محاضرات العلاّمة المیلانی(قدس سره) ـ بأنّ أبا علی وإن کان وکیلاً للإمام أبی الحسن الهادی (علیهما السلام)، ولکن لم یذکر فی الروایة أنّ الشیء الذی کان یؤتى به کان ممّا قبضه الإمام أبو جعفر الجواد (علیه السلام) أو قبضه وکیله، ولعلّ العلّة فی ذلک أنّ السهم حقّ مالی أو أنّ السهم ملک لعنوان الإمامة، ولم یکن أبو جعفر (علیه السلام) قبضه حتّى یکون ملکاً شخصیاً.

هذا وقد رجع فی ذیل کلامه وقال : «لکن للتأمل مجال فإنّ جملة (ما کان لأبی) لها عموم خصوصاً مع اقترانها بجملة (وما کان غیر ذلک فهو میراث) التی مفادها ما یملکه بغیر سبب الإمامة»(28).

أقول : مضافاً إلى إمکان إلغاء الخصوصیة ممّا قبض بلا إشکال فإنّه إذا کان السهم المبارک ملکاً له لعنوان الإمامة، وقد أخذ منه آلافاً وکان عنده ثمّ ارتحل (علیه السلام) من الدنیا فهم من الحدیث کونه للإمام (علیه السلام) من بعده.

وإن شئت قلت : إن قبض الإمام (علیه السلام) أیضاً على قسمین، تارة یکون بعنوان شخصه وأخرى بعنوان ولایة الأمر، کما أنّ قبض الوکیل أو الولی أو الوصی فی سائر المقامات، قد یکون لنفسه وقد یکون من قبل الموکل أو المولى علیه أو الموصى، ومن الواضح اختلاف أحکامه فلا یکون مجرّد قبض شیء دلیلاً على کونه ملکاً شخصیاً.

وبالجملة لا ینبغی الشک فی عدم صرفه فی المیراث ولا یترتب علیه آثار الملک الشخصی والله العالم.


1. جواهر الکلام، ج 16، ص 84 و 88.
2. ذخائر الإمامة، ص 168.
3. المصدر السابق.
4. المصدر السابق، ص 231.
5. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 2 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 12.
6. المصدر السابق، الباب 1، من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 6.
7. المصدر السابق، الباب 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 3.
8. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، ح 18.
9. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، ح 8.
10. المصدر السابق، ح 6.
11. المصدر السابق، ح 2.
12. المصدر السابق، ح 1.
13. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، ح 3.
14. المصدر السابق، ح 9.
15. المصدر السابق، ح 10.
16. فراجع الحدیث 12 من هذا الباب والحدیثین 1 و2 من الباب 2 من أبواب قسمة الخمس.
17. مستند الشیعة، ج 10، ص 83.
18. جواهر الکلام، ج 16، ص 87.
19. مصباح الفقاهة، ج 3، ص 145.
20. مجمع الفائدة والبرهان، ج 4، ص 345.
21. محاضرات فى فقه الإمامیّة للعلامة المیلانی، کتاب الخمس، ص 156.
22. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، ح 6.
23. المصدر السابق، ح 8.
24. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 2 من أبواب الأنفال، ح 6.
25. جامع الرواة، ج 2، ص 404.
26. راجع وسائل الشیعة، ج 6، الباب 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 3.
27. نقله فی معجم رجال الحدیث، ج 4، ص 324.
28. المحاضرات فى فقه الإمامیة، کتاب الخمس، ص 157.

 

فذلکة البحث فی حکم الخمس فی زمان الغیبةحکم سهم السادة فی عصر الغیبة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma