أمّا البغاة ـ وهم الخارجون على الإمام (علیه السلام) أو الحکومة الإسلامیة بالحرب کأصحاب الجمل وأشباههم، وهذا غیر الباغی بتعبیر القرآن حیث أطلقه على طائفة من المؤمنین فی قوله تعالى : (وَإِنْ طَـآئَفَتَانِ مِنَ ا لْمُؤْمِنینَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَیْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَیهُمَا عَلىَ ا لاُْخْرَى فَقَـتِلُواْ الَّتىِ تَبْغِى حَتَّى تَفىءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ)(1).

فهم على قسمین : قسم منهم داخلون فی عنوان الناصب کمن خرج بالسیف على الإمام المعصوم (علیه السلام) بغضاً له، فهؤلاء لا إشکال فی حلیة أموالهم قبل الحرب وبعده وفی الأحوال العادیّة، لما عرفت من الدلیل هناک.

وقسم آخر غیر داخلین تحت هذا العنوان کمن تمرد عن قول المعصوم(علیه السلام)طلباً للرئاسة وحرصاً على حطام الدنیا، أو من خرج علیه شبهة، ولعلّ کثیراً من أصحاب الجمل کانوا کذلک، وقد حسبوا أنّ الدفاع عن أُمّ المؤمنین عائشة یکون فریضة علیهم فسلّوا سیف البغی على إمامهم المعصوم(علیه السلام) وهم یحسبون أنّهم یحسنون صنعاً، أو من خرج على الفقیه العادل المتصدی للحکومة الإسلامیة فهؤلاء لیسوا داخلین تحت عنوان الناصب، فحینئذ یقع الکلام فی جواز أخذ مالهم وفی حکم خمسه، وقد وقع الخلاف هنا فذهب الشیخ (رحمه الله) فی (الخلاف) إلى أنّه کالکافر الحربی وادّعى إجماع الفرقة علیه وإخبارهم وتبعه فی ذلک جماعة، ونسبه فی محکی الروضة إلى الأکثر، ولکن عن السیّد المرتضى وابن ادریس والعلاّمة(رحمه الله)، الإجماع على عدم الجواز.

فالإجماعان متعارضان والخلاف ثابت، وذکر المحقّق (رحمه الله) فی (الشرائع) فی کتاب الجهاد : «لا یجوز تملک شیء من أموالهم التی لم یحوها العسکر سواء کانت ممّا تنقل کالثیاب والآلات أو لا تنقل کالعقارات لتحقّق الإسلام المقتضى لحقن الدم والمال»(2).

وقال صاحب الجواهر بعد نقل هذا الکلام، بلا خلاف أجده فی شیء من ذلک ثمّ نقل عن غیر واحد، الإجماع علیه(3).

وذکر صاحب الشرائع بعد نقل هذا الکلام، ما نصّه : «وهل یؤخذ ما حواه العسکر ممّا ینقل ویحول (کالسلاح والدواب وغیرهما) قیل لا»(4) (وذکر صاحب الجواهر أنّ القائل هو المرتضى وابن ادریس والفاضل والشهید فی الدروس على ما حکى عن بعضهم) لما ذکر من العلّة (یعنی حقن دمائهم وأموالهم بالإسلام) وقیل نعم (وذکر صاحب الجواهر أنّ القائل هو العمانی والإسکافی والشیخ فی محکى (الخلاف) و(النهایة) والعلاّمة فی (المختلف) والشهید الثانی والمحقّق الکرکی وجماعة أخرى) عملاً بسیرة علی (علیه السلام) وهو الأظهر(5)

والمراد من سیرة علی (علیه السلام)، سیرته (علیه السلام) فی حرب الجمل، وکیف کان، فالمسألة خلافیة بالنسبة إلى ما حواه العسکر (أی ما هو تحت ید المقاتلین فی جبهة القتال کما یظهر من کلام المحقّق هنا) وأمّا بالنسبة إلى ما خرج عنه فالمنع إجماعی.

والعمدة فیها ما روى من سیرة علی (علیه السلام) فی حرب الجمل مع أهل البصره بعد هزیمتهم وقد اختلفت فیها کلماتهم وهناک روایات (وطرقها غیر نقیة).

ویظهر ممّا عرفت من کلام المحقّق (رحمه الله) أنّ سیرته (علیه السلام) هی تقسیم ما حواه العسکر، ولکن المحکی عن (الدروس) هو العکس حیث قال : «الأقرب، العدم عملاً بسیرة علی(علیه السلام)فی أهل البصرة فإنّه أمر بردّ أموالهم فأخذت حتّى القدور».(6)

وقال الشیخ (رحمه الله) فی المبسوط فیما حکى عنه : روى أصحابنا أنّ ما یحویه العسکر من الأموال فإنّه یقسم (أو یغنم).(7)

وحکى عن موضع آخر من المبسوط : أنّه روى أنّ علیاً لما هزم الناس یوم الجمل، قالوا له : یا أمیرالمؤمنین (علیه السلام) ألا نأخذ أموالهم ؟ قال : لا، لأنّهم تحرموا بحرمة الإسلام، فلا یحلّ أموالهم فی دار الهجرة.

وفیه أیضاً روى أبو قیس : «إنّ علیاً (علیه السلام) نادى من وجد ماله فلیأخذه فمرّ بنا رجل فعرف قدراً نطبخ فیها، فسألناه أن یصبر حتّى ینضج فلم یفعل فرمى برجله فأخذه»(8).

والتحقیق أن یقال : إنّ الروایات الناظرة إلى سیرة علی (علیه السلام) فی البغاة من أصحاب الجمل المرویة فی الوسائل والمستدرک وغیر واحد من الکتب الفقهیة، على طوائف :

الطائفة الاُولى : ما دلّ على أنّ سیرة علی (علیه السلام) کانت على ردّ أموالهم إلیهم وعدم أخذ الغنیمة عنهم، مثل ما یلی :

1 ـ ما رواه فی التهذیب عن مروان بن الحکم قال : لمّا هزمنا علی ـ (علیه السلام) ـ بالبصرة ردّ على الناس أموالهم، من أقام بیّنة أعطاه، ومن لم یقم بیّنة أحلفه. قال: فقال له قائل : ی أمیرالمؤمنین أقسم الفیىء بیننا والسبی، قال: فلمّا أکثروا علیه، قال : «أیّکم یأخذ أُمّ المؤمنین فی سهمه ؟ فکفّوا»(9).

2 ـ مرسلة الصدوق، قال الصدوق : وقد روى أنّ الناس اجتمعوا إلى أمیرالمؤمنین یوم البصرة فقالوا : یا امیرالمؤمنین! أقسم بیننا غنائمهم. فقال : «أیّکم یأخذ أمّ المؤمنین فی سهمه ؟»(10).

3 ـ ما رواه المفید، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبی جعفر (علیه السلام) فی حدیث : إنّ أمیرالمؤمنین (علیه السلام) قال لعبدالله بن وهب الراسبی لما قال فی شأن أصحاب الجمل: إنّهم الباغون الظالمون الکافرون المشرکون، قال : «أبطلت یا ابن السوداء، لیس القوم کما تقول، لو کانوا مشرکین سبینا أو غنمنا أموالهم، وما ناکحناهم ولا وارثناهم»(11).

4 ـ ما رواه أبو قیس : «أنّ علیاً نادى من وجد ماله فلیأخذه، فمرّ بنا رجل فعرف قدراً نطبخ فیها، فسألناه أن یصبر حتّى ینضج، فلم یفعل ورمى برجله فأخذها»(12).

الطائفة الثانیة : ما یدلّ على جواز اغتنام أموالهم دون سبی ذراریهم ما یلی :

5 ـ ما رواه العلاّمة (رحمه الله) فی «المختلف» على ما رواه صاحب المستدرک ـ عن ابن أبی عقیل : أنّه روى أنّ رجلاً من عبدالقیس قام یوم الجمل فقال : یا أمیرالمؤمنین ما عدلت حین تقسم بیننا أموالهم، ولا تقسم بیننا نساءَهم ولا أبناءَهم، فقال له : «إن کنت کاذباً فلا أماتک الله حتّى تدرک غلام ثقیف، وذلک أنّ دار الهجرة حرمت ما فیها، وأنّ دار الشرک أحلّت ما فیها، فأیّکم یأخذ أُمّه فی سهمه! ؟»(13).

الطائفة الثالثة : ما یدلّ على جواز أخذ ما حواه العسکر وعدم جواز ما لم یحوه العسکر من الأموال، مثل :

6 ـ ما رواه صاحب دعائم الإسلام : إنّه ـ أمیرالمؤمنین(علیه السلام) ـ لما هزم أهل الجمل، جمع کلّ ما أصابه فی عسکرهم ممّا اجلبوا به علیه، فخمّسه وقسم أربعة أخماسه على أصحابه ومضى، فلمّا صار إلى البصرة قال أصحابه : یا أمیرالمؤمنین أقسم بیننا ذراریهم وأموالهم، قال : «لیس لکم ذلک». قالوا : وکیف أحللت لنا دماءَهم ولم تحلل لنا سبی ذراریهم ؟ قال : حاربنا الرجال فقتلناهم فأمّا النساء فلا سبیل لنا علیهن، لأنهنّ مسلمات وفی دار هجرة فلیس لکم علیهنّ من سبیل، (وما اجلبوا به) واستعانوا به على حربکم وضمّه عسکرهم وحواه فهو لکم، وما کان فی دورهم فهو میراث على فرائض الله»(14).

7 ـ ما رواه صاحب الدعائم. قال موسى بن طلحة : «کان علی (علیه السلام) قد اغنم أصحابه ما أجلب به أهل البصرة إلى قتاله. اجلبوا به یعنی أتوا به فی عسکرهم ـ ولم یعرض لشیء غیر ذلک لورثتهم، وخمس ما اغنمه ممّا اجلبوا به علیه، فجرت أیضاً بذلک السنّة»(15).

8 ـ ما رواه صاحب الدعائم أیضاً فی شرح الأخبار قال فی ضمنه : «وما کان بالعسکر فهو لکم مغنم، وما کان فی الدور فهو میراث یقسم بینهم على فرائض الله عزّ وجلّ»(16).

9 ـ ما رواه أیضاً صاحب الدعائم عنه (أی عن علی) (علیه السلام) أنّه قال : «ما اجلب به أهل البغی من مال وسلاح وکراع ومتاع وحیوان وعبد وأمة وقلیل وکثیر فهو فیء یُخمّس ویقسّم کما تقسّم غنائم المشرکین»(17).

10 ـ ما رواه أبو بصیر عن الصادق (علیه السلام) فی حدیث طویل فی قضیة أهل النهروان إلى أن قال : «أحللت لنا سبی الکراع والسلاح وحرّمت علینا سبی الذراری، وقلت لنا بصفّین: اقتلوهم مدبرین... واحللت لنا سبی الکراع والسلاح والذراری. الحدیث»(18).

11 ـ ما رواه صاحب المبسوط، قال : «روى أصحابنا أنّ ما یحویه العسکر من الأموال فإنّه یقسّم (أو یغنم)»(19).

الطائفة الرابعة : ما دلّ على أنّه کان له (علیه السلام) اغتنام أموالهم وسبی ذراریهم، ولکنه لم یفعل لعلمه (علیه السلام) بغلبة القوم فی المستقبل على شیعته وفعلهم مثله فلم یفعل ذلک، مثل ما یلی :

12 ـ ما رواه صاحب الدعائم عن علی (علیه السلام) أنّه سأله عمّار حین دخل البصرة فقال : یا أمیرالمؤمنین بأی شیء تسیر فى هؤلاء ؟ قال : «بالمنّ والعفو کما سار النبی (صلى الله علیه وآله) فی أهل مکّة»(20).

13 ـ ما رواه صاحب الدعائم، عن أبی جعفر (علیه السلام) أنّه قال : «سار علی (علیه السلام) بالمنّ والعفو فی عدوّه من أجل شیعته (لأنّه) کان یعلم أنّه سیظهر علیهم عدوّهم من بعده، فأحبّ أن یقتدی من جاء من بعده به، فیسیر فی شیعته بسیرته، ولا یجاوز فعله فیرى الناس أنّه تعدى وظلم»(21).

14 ـ ما رواه درست بن أبی منصور، عن الولید بن صبیح قال: سأل المعلى بن خنیس أبا عبدالله (علیه السلام) قال : جعلت فداک، حدّثنی عن القائم إذا قام یسیر بخلاف سیرة علی (علیه السلام) ؟ قال: فقال له : نعم، قال : فأعظم ذلک معلى وقال : جعلت فداک، ممّ ذاک ؟ قال: فقال : «لأنّ علیاً ـ(علیه السلام) ـ سار بالناس سیرة وهو یعلم أنّ عدوّه سیظهر على ولیّه من بعده وأنّ القائم ـ (علیه السلام)ـ إذا قام لیس إلاّ السیف، فعودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم وافعلوا، فإنّه إذا کان ذاک لم تحلّ مناکحتهم ولا موارثتهم»(22).

15 ـ ما رواه عبدالله بن سلیمان قال: قلت لأبی عبدالله (علیه السلام) : إنّ الناس یروون أنّ علیاً(علیه السلام)قتل أهل البصرة وترک أموالهم، فقال : «إنّ دار الشرک یحلّ ما فیها وإنّ دار الإسلام لا یحلّ ما فیها. فقال : إنّ علیاً (علیه السلام) إنّما منّ علیهم کما منّ رسول الله (صلى الله علیه وآله) على أهل مکّة وإنّما ترک علی (علیه السلام) لأنّه کان یعلم أنّه سیکون له شیعة، وإنّ دولة الباطل ستظهر علیهم، فأراد أن یقتدى به فی شیعته، وقد رأیتم آثار ذلک، وهو ذا یسار فی الناس بسیرة علی(علیه السلام) الحدیث»(23).

16 ـ ما رواه الصدوق، قال : «وقد رُوی أنّ الناس اجتمعوا إلى أمیرالمؤمنین (علیه السلام)یوم البصرة فقالوا : یا أمیرالمؤمنین أقسم بیننا غنائمهم. قال : «أیّکم یأخذ أُمّ المؤمنین فی سهمه ؟»(24).

وطریق الجمع بین الطوائف الثلاث الأُولى، واضح، فإن ما دلّ على حرمة أموالهم یحمل على ما لم یحوه العسکر، وما دلّ على إباحتها یحمل على ما حواه العسکر بقرینة الطائفة الثالثة المفصلة بین الأمرین، مضافاً إلى أنّه یُستبعد جدّاً أن تکون الطائفة الأُولى ناظرة إلى مثل السلاح والکراع(25) التی یکون ردّها سبباً لقوّة العدوّ واستعداده لحرب آخر، بل هی ناظرة إلى مثل القدور وشبهها.

ویؤید ذلک بقوله (علیه السلام) : «إنّ دار الشرک یحلّ ما فیها وإنّ دار الإسلام لا یحلّ ما فیها» (فی صدر روایة عبدالله بن سلیمان).

ولکن التعارض بین الطائفة الرابعة وغیرها باق بحاله، لأنّ ظاهر الأخیر کون سبی نسائهم وأخذ أموالهم التی لم یحوها العسکر کان مباحاً له (علیه السلام) ولم یفعله لعلمه بغلبة الأعداء فی المستقبل على شیعته، فأراد أن یکون هذا سنّة بین الناس فلو لم یکن الخوف من هذه الناحیة کان من الممکن أن یأخذ جمیع أموالهم ویسبی ذراریهم.

هذا، ولکن یظهر من غیر واحد من روایات هذه الطائفة أنّه لا یجوز هذا لأحد حتّى یظهر المهدی (علیه السلام) (فراجع 1 و 2 و 3 / من الباب 25 من جهاد العدو فی الوسائل).

وما رواه صاحب المستدرک(26) فهی من هذه الجهة متهافتة، متعارضة، ساقطة بنفسها.

وعلى کلّ حال فالتعارض والتهافت إنّما هو بالنسبة إلى ما لم یحوه العسکر، وأمّا بالنسبة إلى ما حواه العسکر، فجمیع الروایات متوافقة على جوازها، فلا یبقى إشکال من هذه الناحیة، وأمّا بالنسبة إلى غیرها، فالتعارض ثابت فإنّ الثلاثة الأُولى بعد الجمع تنافی الطائفة الرابعة الدالة على جواز اغتنام ما لم یحوه العسکر أیضاً وأنّه عمل فیهم بالمنّ والعفو (وجاز له ألاّ یمنّ ولا یعفو) أو کان هناک مصلحة خاصة.

ومن الواضح أنّ الترجیح للطوائف الأُولى، لأنّ الأصل فی أموال أهل القبلة، الحرمة، إلاّ ما خرج بالدلیل وأولى من ذلک بالنسبة إلى نفوسهم، وإنّما دلّ الدلیل فی خصوص ما حواه العسکر فهی موافقة للکتاب والسنّة القطعیة من هذه الجهة.

وأمّا إطلاق قوله تعالى : (وَاعْلَمُواْ أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ...) فالظاهر أنّه منصرف إلى غنائم الکفّار، وتؤیده الآیات السابقة واللاحقة فإنّها صریحة فی الکفّار.

هذا مضافاً إلى ضعف الطائفة الأخیرة عن اثبات الجواز لدلالة بعضها على اختصاص الجواز بولی هذا الأمر (المهدی) ـ عجّل الله له الفرج ـ وهو ما رواه صاحب الوسائل عن أبی بکر الحضرمی قال : سمعت أبا عبدالله (علیه السلام) یقول : «لسیرة علی (علیه السلام)فی أهل البصره کانت خیراً لشیعته ممّا طلعت علیه الشمس إنّه علم أنّ للقوم دولة فلو سباهم لسبیت شیعته، قلت : فأخبرنی عن القائم (علیه السلام) یسیر بسیرته ؟ قال : لا، إنّ علیاً (علیه السلام)سار فیهم بالمنّ لما علم من دولتهم، وإنّ القائم یسیر فیهم بخلاف تلک السیرة لأنّه لا دولة لهم»(27).

وعن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن القائم إذا قام بأی سیرة یسیر فی الناس ؟ فقال : «بسیرة ما سار به رسول الله (صلى الله علیه وآله) حتّى یظهر الإسلام. قلت : وما کانت سیرة رسول الله (صلى الله علیه وآله) ؟ قال : أبطل ما کان فی الجاهلیة واستقبل الناس بالعدل، وکذلک القائم إذا قام یبطل ما کان فی الهدنة ممّا کان فی أیدی الناس، ویستقبل بهم العدل»(28).

وعن الحسن بن هارون بیّاع الأنماط قال : کنت عند أبی عبدالله (علیه السلام) جالساً فسأله معلى بن خنیس: أیسیر الإمام (القائم) بخلاف سیرة علی (علیه السلام) ؟ قال : «نعم وذلک أنّ علیاً(علیه السلام) سار بالمنّ والکفّ لأنّه علم أنّ شیعته سیظهر علیهم، وإنّ القائم (علیه السلام)إذا قام سار فیهم بالسیف والسبی، لأنّه یعلم أن شیعته لن یظهر علیهم، من بعده أبداً»(29).

وفی مستدرک الوسائل عن معلى بن خنیس وقد مضى سابقاً.

فتلخص من جمیع ما ذکر أنّ الجواز فیما حواه العسکر لیس ببعید ولا یضره ضعف الاسناد فیها غالباً بعد تظافرها، وإن کان الأحوط استحباباً ترکه.

بل یمکن التمسک بالعناوین الثانیة هنا للجواز فإنّ ردّ السلاح والکراع وما هو موجود فی میدان الحرب إلى البغاة غالباً یوجب قوتهم وقدرتهم على إیقاد نار الحرب والهجمات المستقبلة.

وهذا ممّا لا یساعده العقل واُصول المذهب.

هذا، ولا ینبغی ترک الاحتیاط فی أموال البغاة فی أعصارنا من حیث إنّ جمیع مصارف الحروب من السلاح والکراع وغیرها على عهدة الحکومات، بل کثیراً ما یأخذ المقاتلون أجوراً کثیرة على سعیهم فی هذا الطریق، وقد مرّ الکلام فیه آنفاً.

وعلى کلّ حال فاللازم إخراج خمسه فی صورة التقسیم للتصریح به فی غیر واحد من روایات هذا الباب، مضافاً إلى إطلاق آیة الخمس بالنسبة إلى الغنائم بعد إلغاء الخصوصیة عنها.

المسألة الثالثة : قد تکون الغنیمة مالاً مغصوباً، فإن کان مغصوباً من بعض أهل الحرب (وإن لم یکونوا من المقاتلین) فلا إشکال فی دخوله فی الغنیمة.

وکذا إذا کان أمانة أو عاریة أو شبه ذلک من أهل الحرب عند بعض المقاتلین، کما إذا أخذ سلاحه من غیره عاریة أو إجارة، کلّ ذلک لإطلاق أدلة الغنیمة وعدم وجود دلیل على تقییدها.

أمّا إذا کان غصباً من مسلم أو ذمی أو معاهد محترم المال، فالمحکی عن المشهور وجوب ردّه إلى مالکه، وحکى الخلاف عن شاذ من قدماء الأصحاب کالشیخ فی (النهایة) والقاضی فی بعض کتبه.

ولا شک فی أنّ الموافق للقاعدة والاُصول المعلومة من المذهب هو مقالة المشهور لاحترام مال المسلم وشبهه، فما لم یدلّ دلیل قاطع على الجواز یجب حفظ حرمته.

ویدلّ على مقالة المشهور :

1 ـ ما رواه طربال، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال : سئل عن رجل کان له جاریة فأغار علیه المشرکون فأخذوها منه ثمّ إنّ المسلمین بعد غزوهم فأخذوها فیما غنموا منهم. فقال : «إن

کانت فی الغنائم وأقام البیّنة أنّ المشرکین أغاروا علیهم فأخذوها منه ردّت علیه، وإن کانت قد اشتریت وخرجت من المغنم فأصابها ردّت علیه برمتها، وأعطى الذی اشتراها الثمن من المغنم من جمیعه، قیل له : فإن لم یصبها حتّى تفرق الناس وقسموا جمیع الغنائم فأصابها بعد ؟ قال : یأخذها من الذی هی فی یده إذا أقام البیّنة ویرجع الذی هی فی یده إذا أقام البیّنة على أمیر الجیش بالثمن»(30). ولکن سنده ضعیف لجهالة طربال، اللّهم إلاّ أن یقال بجبره بعمل المشهور.

2 ـ صحیحة هشام بن سالم، عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال : سأله رجل عن الترک یغزون على المسلمین فیأخذون أولادهم فیسرقون منهم أیرد علیهم ؟ قال : «نعم والمسلم أخو المسلم والمسلم أحقّ بماله أینما وجده»(31).

ولکن موردها هو خصوص السرقة لا الغنیمة وقد یعارض ذلک بما رواه هشام بن سالم عن بعض أصحاب أبی عبدالله (علیه السلام)، عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی السبی یأخذ العدو من المسلمین فی القتال من أولاد المسلمین أو من ممالیکهم فیحوزونه، ثمّ إنّ المسلمین بعد قاتلوهم فظفروا بهم وسبوهم وأخذوا منهم ما أخذوا من ممالیک المسلمین وأولادهم الذین کانوا أخذوهم من المسلمین کیف یصنع بما کانوا أخذوه من أولاد المسلمین وممالیکهم ؟ قال: فقال : «أمّا أولاد المسلمین فلا یقامون فی سهام المسلمین، ولکن یردّون إلى أبیهم وأخیهم وإلى ولیهم بشهود، وأمّا الممالیک فإنّهم یقامون فی سهام المسلمین فیباعون وتعطى موالیهم قیمة أثمانهم من بیت مال المسلمین»(32). وهی دلیل على استحقاق القیمة فقط. لکنها مرسلة.

وما رواه الحلبی، عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال : سألته عن رجل لقیه العدوّ وأصاب منه مالاً أو متاعاً ثمّ إنّ المسلمین أصابوا ذلک کیف یصنع بمتاع الرجل ؟ فقال : «إذا کانوا أصابوه قبل أن یحوزوا متاع الرجل ردّ علیه وإن کانوا أصابوه بعد ما حازوه فهو فیء المسلمین فهو أحق بالشفعة»(33).

4 ـ ما رواه جمیل عن رجل عن أبی عبدالله (علیه السلام) (4 / 35) وهو أیضاً دلیل على ردّ الثمن إلیه دون الأصل.

والمتحصّل من الجمیع أنّ الطائفة الاُولى دلیل على وجوب أداء العین إلى صاحبه وقیمته إلى المقاتلین، والطائفة الثانیة على العکس.

ومن المعلوم أنّ الترجیح مع الطائفة الاُولى لموافقتها لعمومات الکتاب والسنّة الدالة على احترام مال المسلم، ولموافقتها للشهرة المحکیة.

ولا فرق فی ذلک بین أن یکون العلم بکونه مال المسلم قبل القسمة أو بعدها کما لا یخفى.

المسألة الرابعة : هل للغنیمة نصاب ؟

ظاهر المشهور وصریح کثیر من الأصحاب عدمه، فیخرج منها الخمس قلیلاً کان أو کثیراً.

قال صاحب الجواهر : «لا أعرف فیه خلافاً سوى ما یحکى عن ظاهر غریة المفید من اشتراط بلوغ مقدار عشرین دیناراً،(ثمّ قال:) وهو ضعیف جدّاً لانعرف له موافقاً ولا دلیلاً»(34).

أقول : وکأنّه فهم العموم من قوله (علیه السلام) فی صحیحة البزنطی(35) ومرسلة المفید(36).

فإنّ قوله (علیه السلام) : «ما یجب الزکاة فی مثله ففیه الخمس» قد یستفاد منه العموم بالنسبة إلى جمیع موارد الخمس، ولکنه کما ترى لأنّ الظاهر منه هو خصوص مورد السؤال وهو الکنز، فتأمل.

المسألة الخامسة : هل فی السلب خمس: (وهو کما فی مجمع البحرین بفتح اللام ما یسلب من المقتول من ثیاب وسلاح وجبة للحرب) ؟

قال الشیخ (رحمه الله) فی الخلاف : «السلب لا یستحقه القاتل إلاّ أن یشترط له الإمام وبه قال أبو حنیفة ومالک، وقال الشافعی هو للقاتل وإن لم یشترط له الإمام وبه قال الأوزاعی والثوری وأحمد بن حنبل، دلیلنا أنّه إذا شرطه إستحقه بلا خلاف وإذا لم یشترط لیس على استحقاقه له دلیل»(37).

ثمّ صرّح فی المسألة 9 أنّه لا خمس علیه ونقل اختلاف فتاوى العامة فی الخمس وعدمه. وصرّح صاحب المبسوط أیضاً بعدم اختصاص السالب بالسلب إلاّ باشتراط الإمام وأنّه لیس علیه خمس حینئذ(38).

وقال الشهید (رحمه الله) فی القواعد : «قوله (علیه السلام) من قتل قتیلاً فله سلبه، فیه تردد من حیث کونه فتوى وعدمه فقیل، فتوى، فیعم، وهو قول ابن الجنید، وقیل تصرف بالإمامة فیتوقف على إذن الإمام، وهو أقوى هنا»(39).

وقال صاحب الجواهر بعد ذکر کلام المحقّق (رحمه الله) : «السلب إذا شرطه (الإمام) للقاتل ولو لم یشترطه لم یختص به بل یکون کباقی مال الغنیمة بلا خلاف أجده فی الأوّل، لعموم «المؤمنون» ولقول رسول الله (صلى الله علیه وآله) یوم خیبر «من قتل قتیلاً فله سلبه» وعلى المشهور فی الثانی، بل لا أجد فیه خلافاً إلاّ عن الإسکافی، لعموم ما دلّ على قسمة الغنیمة بین المقاتلین الذی لا یخصصه ما یظهر من بعض نصوص الجمهور من کون ذلک جعلاً من النبی (صلى الله علیه وآله) لکلّ قاتل فی کلّ غزوة بعد عدم ثبوت حجیته، بل إعراض المشهور، بل الجمیع عداه عنه»(40).

أقول : ففی المسألة مقامان :

أحدهما : کون السلب للقاتل مطلقاً أو یکون له بالإشتراط.

ثانیهما : تعلق الخمس به على التقدیرین.

أمّا الأوّل : فلا دلیل على کونه له مطلقاً، بعد إطلاق أدلّة الغنیمة الظاهرة فی اشتراک جمیع المقاتلین فیها، وعدم دلیل على تخصیصها، وأمّا ما رواه الجمهور فی هذا الباب فإثباته من طرقنا مشکل، کما عرفت من کلام صاحب الجواهر، مضافاً إلى أن قوله (صلى الله علیه وآله) : «من قتل قتیلاً فله سلبه» یمکن أن یکون من باب الجعائل فی غزوات خاصة أو غزواته(صلى الله علیه وآله) فهو حکم ولائی، لا حکم فتوائی دائمی، فإذا کان بحکم الغنیمة دخل فی حکم الخمس أیضاً.

نعم، یجوز اشتراطه للقاتل لما عرفت من کون الجعائل بید ولی أمر المسلمین رعایة لمصالحهم.

أمّا الثانی : (أعنی تعلق الخمس به مطلقاً أو عند جعل الإمام واشتراطه) فهو أیضاً محل إشکال، نظراً إلى ما قد یقال من أنّ أدلّة خمس الغنیمة ناظرة إلى الغنائم التی یقسم خمسها بین المقاتلین لا ما یختص ببعضهم، ولذا ورد فی بعض ما سبق من الروایات أنّه یُخمّس منها الخمس ثمّ یقسم الباقی(41).

هذا، ولکن الإنصاف أنّ سکوت بعضها أو ظهورها فی خصوص ما یقسم من الغنائم لا یمنع عن إطلاق غیره، لصدق الغنیمة على السلب ظاهراً فیشمله قوله تعالى : (وَاعْلَمُواْ أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ...) ولا أقل من الاحتیاط، هذا بالنسبة إلى خمس الغنائم وأمّا خمسه من باب أرباح المکاسب، فسیأتی الکلام فیه إن شاء الله.

1. سورة الحجرات، الآیة 9.
2. شرایع الإسلام، ج 1، ص 257.
3. جواهر الکلام، ج 21، ص 339.
4. شرایع الاسلام، ج 1، ص 257.
5. جواهر الکلام، ج 21، ص 339. ویظهر من هذا الکلام أنّ المراد (بما حواه العسکر) ما هو فی میدان الحرب من السلاح والدواب وشبههما.
6. الدروس، ج 2، ص 42.
7. المبوسط، ج 7، ص 266.
8. جواهر الکلام، ج 21، ص 340 و 341.
9. وسائل الشیعة، ج 11، الباب 25 من أبواب جهاد العدو، ح 5.
10. المصدر السابق، ح 7.
11. مستدرک الوسائل، ج 11، الباب 23 من أبواب جهاد العدو، ح 7.
12. المبسوط، ج 7، ص 266.
13. مستدرک الوسائل، ج 11، الباب 23 من أبواب جهاد العدو، ح 10.
14. مستدرک الوسائل، ج 11، الباب 23 من أبواب جهاد العدو، ح 1.
15. المصدر السابق، ح 5.
16. المصدر السابق، ح 6.
17. المصدر السابق، ح 2.
18. المصدر السابق، ح 9.
19. المبسوط، ج 7، ص 226.
20. مستدرک الوسائل، ج 11، الباب 23 من أبواب جهاد العدو، ح 3.
21. المصدر السابق، ح 4.
22. المصدر السابق، ح 8.
23. وسائل الشیعة، ج 11، الباب 25 من أبواب جهاد العدو، ح 6.
24. وسائل الشیعة، ج 11، الباب 25 من أبواب جهاد العدو، ح 7.
25. الکراع، بالضم هو الخیل والبغال والحمیر وقد یطلق على الأعم منها ومن السلاح.
26. مستدرک الوسائل، ج 11، الباب 23 من أبواب جهاد العدو، ح 8.
27. وسائل الشیعة، ج 11، الباب 25 من أبواب جهاد العدو، ح 1.
28. المصدر السابق، ح 2.
29. المصدر السابق، ح 3.
30. وسائل الشیعة، ج 11، الباب 35 من أبواب جهاد العدو، ح 5.
31. المصدر السابق، ح 3.
32. المصدر السابق، ح 1.
33. وسائل الشیعة، ج 11، الباب 35 من أبواب جهاد العدو، ح 2.
34. جواهر الکلام، ج 16، ص 13.
35. عن أبی الحسن الرضا (علیه السلام) قال : سألته عمّا یجب فیه الخمس من الکنز ؟ فقال : «ما یجب الزکاة فی مثله ففیه الخمس». وسائل الشیعة، ج 6، الباب 5 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 2.
36. قال : سئل الرضا (علیه السلام) عن مقدار الکنز الذی یجب فیه الخمس ؟ فقال : «ما یجب فیه الزکاة من ذلک بعینه ففیه الخمس وما لم یبلغ حد ما تجب فیه الزکاة فلا خمس فیه» المصدر السابق، ح 6.
37. الخلاف، ج 4، کتاب الفىء والغنائم، ص 185، المسألة 8.
38. المبسوط، ج 2، ص 66.
39. القواعد، ج 1، ص 216.
40. جواهر الکلام، ج 21، ص 186.
41. راجع مستند العروة الوثقى، کتاب الخمس، ص 35.