6 ـ الأرض التی اشتراها الذمی من المسلم

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الفقاهة - کتاب الخمس و الأنفال
المقام الثالث : فی مصرف هذا الخمسبقی هنا مسائل عشر أشار إلیها صاحب العروة الوثقى:

المعروف بین الأصحاب، وجوب الخمس فی الأرض التی اشتراها الذمّی من المسلم، ولکن هذه الفتوى غیر معروفة عند من تقدم على الشیخ (رحمه الله)، ولذا قال المحقّق النراقی(رحمه الله)فی المستند : «وجوب الخمس فیها مذهب الشیخ وأتباعه وهو المشهور بین المتأخرین وعن الغنیة والمنتهى: الإجماع علیه وهو کذلک... خلافاً لظاهر کثیر من القدماء حیث لم یذکروا هذا النوع، ومال إلیه الشهید الثانی فی بعض فوائده لتضعیف الروایة ـ وهو ضعیف ـ أو لمعارضتها مع ما مرّ من الأخبار الحاصرة للخمس فی خمسة»(1).

لذا قال صاحب الجواهر(رحمه الله) بعد ذکر وجوب الخمس فیه : «عند ابنی حمزة وزهرة وأکثر المتأخرین من أصحابنا، بل فی الروضة، نسبته إلى الشیخ والمتأخرین أجمع»(2).

وقال صاحب المعتبر : «روى جماعة من الأصحاب أنّ الذمّی إذا اشترى أرضاً من مسلم، فإنّ علیه الخمس، ذکر ذلک الشیخان ومن تابعهما» ثمّ قال : «وقال مالک: یمنع الذمّی من شراء أرض المسلم إذا کانت عشریة، لأنّه تمنع الزکاة، فإن اشتروها ضوعف علیهم العشر، فأخذ منهم الخمس، وهو قول أهل البصرة وأبی یوسف... وقال الشافعی وأحمد: یجوز بیعها من الذمّی، ولا خمس علیه ولا زکاة، کما لو باع السائمة من الذمّی... والظاهر، أنّ مراد الأصحاب، أرض الزراعة، لا المساکن»(3).

وقال العلاّمة (رحمه الله) فی المنتهى : «الذمّی، إذا اشترى أرضاً من مسلم، وجب علیه الخمس، ذهب إلیه علماؤنا»(4).

فقد تحصّل ممّا ذکرنا، أنّ وجوب الخمس هو المعروف بین الشیخ، ومن تأخر عنه، ولکن غیر معروف بین من تقدّم علیه، ولیکن هذا على ذکر منک.

واستدلّ على هذا الحکم بصحیحة أبی عبیدة الحذّاء عن الباقر (علیه السلام) قال : «أیّما ذمّی اشترى من مسلم أرضاً، فإنّ علیه الخمس»(5). والروایة صحیحة الأسناد، لا وجه لتضعیفها، وقد یؤید ذلک بمرسلة المفید عن الصادق (علیه السلام) قال : «الذمّی إذا اشترى من المسلم، الأرض، فعلیه فیها الخمس»(6). وهذه روایة أُخرى لاختلاف المروى عنه.

أقول : والذی یوجب الوهن فی الاستدلال والإبهام فی مفهوم الروایة، ما عرفت من ذیل کلام المحقّق (رحمه الله) عند نقل الأقوال، حیث یظهر منه أنّ کلام العامة واختلافهم فی تعلق الخمس بهذه الأرض، إنّما هو تعلق الخمس بعوائدها، لا بعینها، وإن الکلام فی الأراضی العشریة التی یؤخذ منها العشر بعنوان الزکاة، فالذمّی لا یعاف عن الزکاة، بل یؤخذ منه عشران، بدل العشر، خلافاً لبعضهم، حیث قال : لا یؤخذ منه خمس ولا عشر، ومن الواضح أنّه لا ربط له بما نحن بصدده من خمس الأعیان، والعجب أنّ المحقّق (رحمه الله)نقل هذه الأقوال عنهم فی مقابل أقوال الأصحاب، بحیث یستفاد منه أنّ مصبّ أقوال الأصحاب أیضاً هذا، وإلاّ کان علیه التنبیه على هذا الاختلاف الفاحش.

وأوضح حالاً منه ما أفاده شیخ الطائفة (رحمه الله) فی کتاب الزکاة من الخلاف فی هذا الباب فی المسألة «85» : «إذا اشترى الذمّی أرضاً عشریة، وجب علیه فیها الخمس، وبه قال أبو یوسف، فإنّه قال : علیه فیها عشران. وقال محمّد : علیه عشر واحد. وقال أبو حنیفة : تنقلب خراجیة. وقال الشافعی : لا عشر علیه ولا خراج».

ثمّ قال : «دلیلنا : إجماع الفرقة، فإنّهم لا یختلفون فی هذه المسألة وهی مسطورة لهم منصوص علیها، روى ذلک أبو عبیدة الحذّاء...»(7).

(وفی المسألة 85 و 86 أیضاً ما یدلّ على المقصود) وظاهر هذه العبارة أنّ ما أجمع علیه الأصحاب، هو خمس عوائد الأرض، لا خمس عینها، لأنّه ذکر هذا القول، ثمّ قال : وبه قال أبو یوسف. مع أنّ قول أبی یوسف، إنّما هو فی عوائد الأرض.

ولصاحب المدارک، أیضاً فی المقام، کلام یؤید ما عرفت، حیث قال : «وقال بعض العامة إنّ الذمّی إذا اشترى أرضاً من مسلم، وکانت عشریة، ضوعف علیه العشر وأخذ منه الخمس، ولعلّ ذلک هو المراد من النصّ». انتهى(8).

وللمحقّق الهمدانی (رحمه الله) فی مصباح الفقیه، کلام أوضح من هذا، حیث إنّه بعد ذکر کلام المدارک، قال : «والإنصاف أنّ هذا الاحتمال هو فی حدّ ذاته ـ بعد الإلتفات إلى خصوصیات المورد... ـ فی غایة القوة» ولکن رجع عنه فی آخر کلامه لإطلاق النصّ، واستلزامه للحمل على التقیة الذی هو مخالف للأصل(9).

وقال صاحب المعالم (رحمه الله) فی منتقى الجمان : «ظاهر أکثر الأصحاب، الاتفاق على أنّ المراد من الخمس فی هذا الحدیث، معناه المعهود، وللنظر فی ذلک، مجال، ویعزى إلى مالک القول بمنع الذمّی من شراء الأرض العشریة، وأنّه إن اشتراها، ضوعف (علیه) العشر، فیجب علیه الخمس، وهذا المعنى یحتمل أرادته من الحدیث... ومع قیام هذا الاحتمال، بل قربه، لا یتجه التمسک بالحدیث فی إثبات ما قالوه»(10).

والعجب من بعض الأعلام فی محاضراته، حیث قال : أنّ الشائع فی زمن الباقر(علیه السلام)کان هو مذهب أبی حنیفة، على ما ذکره صاحب الحدائق، وإنّما اشتهر مذهب مالک والشافعی والحنبلی فی سنة 550.

أقول : أوّلاً : قد عرفت نقل هذا القول عن أبی یوسف وهو تلمیذ أبی حنیفة.

وثانیاً : الأقوال الجاریة على لسان أئمّتهم الأربعة، لم تکن ممّا ظهر فی خصوص زمانهم، بل کانت جاریة على ألسن فقهائهم، من قبل، غالباً، فلا یرد إشکال من هذه الناحیة، مضافاً إلى أنّه لیس الکلام فی خصوص الخمس، بل الکلام فی أنّ مصبّ جمیع فتاواهم هو على عوائد الأرض، لا رقبته، وهذا أمر لا سترة علیه.

نعم، الإشکال الذی قد یبدو فی الذهن ـ کما أشار إلیه سیّدنا الاُستاذ العلاّمة البروجردی ـ رضوان الله تعالى علیه ـ هو أنّ کتاب المبسوط للشیخ، متأخر عن الخلاف، وقد اختار فیه کون الخمس فی رقبة الأرض، کسائر الأخماس(11).

ولکن الإنصاف،أنّ کلامه فی الخلاف أصرح وأوضح،فلا یمکن رفع الید عنه، فتأمل.

وقال صاحب الحدائق بعد نقل کلام صاحب المعالم فی المنتقى وذکر قرائن له، ما نصّه : «وبالجملة فما ذکره المحقّق المشار إلیه، لا یخلو عن قرب»(12).

فإشکال هؤلاء الأعلام أو تضعیفهم، إمّا هو المشهور بین المتأخرین، دلیل على عدم کون الحکم إجماعیاً، ولا من قبیل المسلمات بینهم، وإن فتح باب الخلاف فیه، ممکن جدّاً.

وکان المحقّق العلاّمة المجلسی (رحمه الله) لمّا رأى هذا الاختلاف وإمکان احتمال صحیحة أبی عبیدة على وجهین مختلفین، جمع بینهما، وقال : «والظاهر أنّ الاختیار إلى الإمام أو نائبه فی أخذ العین أو القیمة أو خمس الحاصل کلّ سنة، ویحتمل أن یکون الاختیار إلى الذمّی»(13).

فالخمس، یتعلق بالعین أوّلاً بالذات، بنظره، ولکن للحاکم الشرعی، عدم أخذ الخمس منه، ویبقیها بحالها، ویأخذ الخمس من عوائدها، ولا ربط لهذا الخمس بالزکاة، بل خمس منافع العین، لاشتراک أرباب الخمس فیها.

والحاصل : إنّ العمدة فی المقام، هی حدیث أبی عبیدة، وهو وإن کان ظاهراً فی بدء النظر فی المعنى المشهور للخمس، إلاّ أنّ وروده فی جوّ یحکم علیه ما عرفت من فتوى العامة، یشهد على حمله على هذا المعنى.

وممّا یؤیده أُمور :

1 ـ عدم تعرض قدماء الأصحاب له، غالباً مع کونهم، فی مقام بیان ما یتعلق به الخمس، فعدم ذکرهم لذلک، دلیل على خلافهم فی المسألة.

2 ـ مصححة عبدالله بن سنان عن أبى عبدالله(علیه السلام) : «لیس الخمس إلاّ فی الغنائم خاصة»(14).

بناءً على کون المراد منه، المعنى الأعم، کما مرّ فی صدر أبحاث الخمس، وأنّ المراد من الآیة، أیضاً هو الأعم، وهذا المعنى شامل لجمیع موارد الأخماس، لا یشذ منه شاذ (وقد عرفت الإشکال فی کون خمس المختلط من قبیل الخمس، بالمعنى المعروف) ومن الواضح أنّ محل الکلام لیس من الغنائم والفوائد دائماً، فإنّ الذمّی، کثیراً ما لا ینتفع بالأرض، أزید ممّا بذل فی مقابلها من الثمن.

3 ـ الروایات الحاصرة للخمس فی خمسة، مثل ما رواه حمّاد بن عیسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح (علیه السلام) قال : «الخمس من خمسة أشیاء: من الغنائم والغوص ومن الکنوز ومن المعادن والملاحة». الحدیث(15). وظاهرها،نفی الخمس فی محلّ الکلام.

ومثله ما رواه حمّاد بن عیسى قال : رواه لی بعض أصحابنا ذکره عن العبد الصالح أبی الحسن الأوّل(علیه السلام) قال : «الخمس من خمسة أشیاء: من الغنائم ومن الغوص والکنوز ومن المعادن والملاحة»(16).

وکذا، ما رواه علی بن الحسین المرتضى، فی «رسالة المحکم والمتشابه»، نقلاً عن تفسیر النعمانی بإسناده عن علی (علیه السلام) : «... والخمس یخرج من أربعة وجوه من الغنائم التی یصیبها المسلمون من المشرکین ومن المعادن ومن الکنوز ومن الغوص»(17). (والحصر فی الأخیر فی الأربعة، إنّما هو لاندراج الملاحة فی المعادن، بمعناه الأعم).

4 ـ ما یظهر من بعض روایات الجزیة، أنّه کان من المتداول بین العامة وحکامهم، أخذ الخمس من أراضی أهل الذمّة (سوى الجزیة المعمولة على رؤوسهم) وهی ما روى عن محمّد بن مسلم عن الصادق (علیه السلام) قال : قلت لأبی عبدالله (علیه السلام) : أرأیت ما یأخذ هؤلاء من هذا الخمس من أرض الجزیة، ویأخذ من الدهاقین جزیة رؤوسهم، أما علیهم فی ذلک شیء موظف ؟ فقال : «کان علیهم ما أجازوا على أنفسهم ولیس للإمام أکثر من الجزیة إن شاء الإمام وضع ذلک على رؤوسهم، ولیس على أموالهم شیء، وإن شاء فعلى أموالهم ولیس على رؤوسهم شیء. فقلت : فهذا الخمس ؟ فقال : إنّما هذا شیء کان صالحهم علیه رسول الله (صلى الله علیه وآله)»(18).

وهذه الروایة، وإن لم تخلُ من بعض الابهامات فی ناحیة سندها ودلالتها، ولکن یمکن جعلها مؤیدة للمقصود.

وقد ذکر العلاّمة المجلسی (رحمه الله) فی روضة المتقین : «إنّ هذا الخمس وضعه الخلیفة الثانی وأنّ قول الإمام (علیه السلام): «هذا شیء صالحهم علیه رسول الله (صلى الله علیه وآله)» إنّما هو من أجل التقیة.

فمن هذا کلّه، تشکل الفتوى بوجوب الخمس بمعناه المعروف فی هذه الأراضی، فالأحوط، المصالحة مع الذمّی بالنسبة إلى رقبة الأرض، وبالنسبة إلى عوائدها، للعلم الإجمالی بتعلق الخمس بأحدهما من غیر تعیین خاص، نعم، مقتضى الأصل، وجوب الاحتیاط علیه بالجمع بینهما، ولکن مقتضى الأصل، أیضاً، عدم جواز أخذ الزائد من القدر المتیقن من قِبل الحاکم الشرعی فالطریق هو المصالحة، فتدبّر جیّداً.

ولکن الأقوى، تعلق الخمس بخصوص العوائد، لما مرّ من المؤیدات الموجبة للاطمئنان بالحکم.

بقی هنا أُمور :

قد عرفت، أنّ الحکم بوجوب الخمس فی رقبة الأرض التی اشتراها الذمّی، محلّ إشکال من أصله، ویحتمل قویاً، تعلق الخمس بعوائد الأرض، أی، یضاعف علیه العشر (أی الزکاة) ویؤخذ منه الخمس، ولکن على کلّ حال فهنا أُمور تتفرع على کلّ من القولین، (القول بتعلقه برقبة الأرض والقول بتعلقه بعوائد الأرض) وبعضها یتفرع على القول المشهور ـ أی تعلقه برقبة الأرض، لابدّ من ذکرها، فنقول ومنه جلّ ثنائه نستمد التوفیق والهدایة:

1 ـ هل الحکم عام شامل لکلّ أرض ـ سواء کانت أرض مزرع أو مسکن أو دکان أو خان أو غیرها ـ أو خاصّ بأرض المزرع ؟

قد یقال، کما فی الجواهر : «إنّ ظاهر النصّ والفتوى، بل هو صریح جماعة، عدم الفرق بین أرض المزرع والمسکن وغیرهما، خلافاً لما عن المعتبر فخصّها بالمزرع دون المسکن، وتبعه علیه فی المنتهى بعد اعترافه بأنّ إطلاق الأصحاب یقتضی العموم» ثمّ استجود الاختصاص فی المدارک، کما أنّ صاحب الجواهر قوّاه أوّلاً، ثمّ رجع عنه أخیراً، وقال: «الأولى، ثبوت الخمس سواء کانت مزرعاً أو مسکناً»(19).

وأختاره أیضاً، صاحب العروة وجمع من محشّیها، بینما اختار غیر واحد منهم، التفصیل بین ما إذا وقع البیع على المسکن وشبهه بعنوان الأرض (کما إذا قال اشتریت أرض هذه الدار بکذا وکذا) وبین ما إذا وقع على عنوان الدار أو الدکان، فالمسألة ذات أقوال ثلاثة :

وحیث قد عرفت أنّ العمدة فی المسألة هی صحیحة أبی عبیدة الحذّاء(20) فاللازم الرجوع إلیها، والإنصاف أنّ قوله (علیه السلام) : «أیّما ذمّی اشترى من مسلم أرضاً فإنّ علیه الخمس»، ظاهر فی شراء الأرض بعنوآنها لا بعنوان أنّها جزء من الدار أو الدکان، وهذا الظهور ممّا لا ینبغی الریب فیه.

لا أقول إنّ الأرض تبع کتبعیة المسامیر والأسلاک الکهربائیة وشبهها حتّى یقال : إنّ الأرض لیست کذلک قطعاً، بل هی من أجزاء المثمن، ولذا یقسط علیها الثمن، ولو ظهرت مملوکة للغیر تبعّضت الصفقة (کما ذکره صاحب مستند العروة «ص 177»)، بل أقول إنّ النصّ ظاهر فیما إذا کانت الأرض مستقلة فی عنوان المعاملة لا جزءً لشیء آخر.

نعم، یمکن دعوى إلغاء الخصوصیة، ولکن القطع به مشکل جدّاً، لأنّ حکمة هذا الحکم غیر واضحة عندنا، فهل هی المنع عن استیلاء غیر المسلمین على أراضیهم الزراعیة أم هی أعمّ منها ؟

نعم، إذا صرّح فی المعاملة بأنّه إنّما یشتری أرض المسکن فی المعاملة بکذا، فشمول الإطلاق غیر مانع له.

هذا کلّه إذا قلنا بمقالة المشهور، وأمّا على المختار من کون الخمس فی العوائد، فلا ریب فی اختصاصه بالأراضی الزراعیة کما هو ظاهر.

2 ـ هل مصرف هذا الخمس مصرف غیره من الأخماس، أم لا ؟

ظاهر فتاوى المشهور هو الأوّل کما ذکره النراقی (رحمه الله) فی المستند حیث قال : «الأظهر ـ موافقاً لظاهر الأصحاب ـ أنّه کسائر الأخماس»(21).

وما ذکره المحقّق الهمدانی (رحمه الله) حیث قال : «أمّا مصرفه، فالمعروف بین من أثبته هو مصرف خمس الغنیمة»(22).

ولکن مع ذلک یظهر من جماعة من متأخری المتأخرین (على ما حکاه المحقّق النراقی(رحمه الله) فی المستند) خلافه فجوّزوا أن یکون المراد تضعیف العشر على الذمّی إذا کانت الأراضی عشریة کما هو مذهب مالک (انتهى).

واستدلّ صاحب مصباح الفقیه بانصراف إطلاق الخمس إلى إرادة الخمس المعهود، أمّا بدعوى صیرورته حقیقة فیه فی عصر الصادقین (علیهما السلام)... أو المعهودیة الموجبة لصرف الإطلاق إلیه حیث لو کان المراد غیره لوجب بیانه(23).

وما ذکره، حسن، ولکنه مبنی على ما ذهب إلیه المشهور من تعلق هذا الخمس بعین الأرض لا بعوائدها، وأمّا على الثانی وهو المختار، فلا ینبغی الشک فی کون المصرف، مصرف الزکاة بعینه لأنّه زکاة مضاعفة فیصرف فی مصارفها، فکلّ من هذین القولین ناظر إلى مبنى، ولا ینبغی جعلهما قولین مختلفین فی محلّ واحد کما یظهر من بعض ما مرّ آنفاً.

3 ـ هل الحکم خاصّ بالاشتراء فی البیع، أم یشمل مطلق المعاوضات، أم هو أعم منها فیشمل جمیع الانتقالات حتّى مثل الهبة والصلح، بلا عوض وغیرهما ؟

نسب إلى ظاهر المشهور، الأوّل، والثانی، إلى کاشف الغطاء(رحمه الله)، والثالث، إلى ظاهر کلام الشهیدین(قدس سرهما).

قال صاحب مصباح الفقیه : «مقتضى الجمود على ظاهر النصّ والفتوى قصر الحکم المزبور على خصوص ما لو اشتراها الذمی من مسلم، ولکن صرّح کاشف الغطاء بعمومه لما تملکها منه بعقد معاوضة کائنة ما کانت دون الانتقال المجانی وعن ظاهر الشهیدین عمومه حتّى فی الانتقال المجانی»(24).

وصرّح صاحب الحدائق بعدم جواز التعدی عن مورد النصّ، وهو ظاهر بعض محشّی العروة وإن اختار هو التعدی إلى مطلق المعاوضات.

أقول : لا ینبغی الشک فی ظهور النصّ وهو صحیحة أبی عبیدة فی الشراء، إنّما الکلام فی أنّه هل یمکن إلغاء الخصوصیة عنها وتنقیح المناط بالنسبة إلى مطلق المعاوضة، أم مطلق الانتقال ؟ فإن قلنا: إنّ العلة فی هذا الحکم هی عدم تسلط الکفّار على أراضی المسلمین، فالتعدی إلى مطلق المعاوضات، بل مطلق الانتقالات، ظاهر، ولکن أنى لنا إثبات ذلک بدلیل قطعی، وإن کان مظنوناً، فالظنّ لا یغنی من الحقّ شیئاً، وحینئذ یشکل القول بالتعدی مطلقاً، اللّهم إلاّ أن یقال : إنّ إلغاء الخصوصیة العرفیة هنا حاکم وإن لم یعلم المناط، فإنّ العرف لا یفرق بین الاشتراء والصلح مع العوض وشبهه ولا شغل له بمناطات الأحکام، بل بظواهر الأدلّة، فقد لا یفهم لبعض القیود ظهوراً فی تقیید الحکم، بل یراه من قبیل ذکر المصداق(25).

هذا کلّه على فرض القول المشهور، وأمّا على القول المختار، فالظاهر التعدی منه إلى مطلق الانتقال، لأنّ ظاهره حفظ حقّ الفقراء من زکاة الأرضین، فإلغاء الخصوصیة أو تنقیح المناط هنا أوضح.

وقد ذکر صاحب العروة، أن الأحوط اشتراط الخمس علیه فی عقد الشراء، وهل یصحّ هذا الشرط ؟ الظاهر أنّه لا مانع منه، ولکن هل یکفی هذا الشرط عن الخمس الواجب علیه (على القول به) أم یجب علیه خمس آخر؟ فیه إشکال(26).

فالأوْلى، ترک الشرط والمصالحة مع الذمی فی هذه الموارد، على القول المشهور، أمّا على المختار، فقد عرفت أنّ التعمیم قوی، فتأمل.

4 ـ هل یتعلق الخمس بالأرض فقط أم هی مع الأشجار والأبنیة وغیرها ؟

لا ینبغی فی ظهور النصّ فی الأوّل لخروجها عن معنى الأرض، فلا موجب للخمس فیها بعد کون الخمس على خلاف القاعدة، لأنّ أخذ مال الغیر یحتاج إلى دلیل، هذا على القول المشهور، أمّا على القول الآخر، فالأمر أوضح لأنّ الخمس فیه بمعنى الزکاة المضاعفة.

5 ـ یتخیر الذمّی بین دفع الخمس من الأرض أو من قیمتها، لجوازه فی سائر موارد الخمس بما یأتی فیها من الدلیل، فینصرف إلیه إطلاق الحکم فی المقام ـ سواء على قول المشهور وغیره ـ لکن هنا إشکال یجری على القول بوجوب الخمس فی جمیع الانتقالات، وهو أنّه إذا دفع الذمّی القیمة بدل العین، فقد انتقل إلیه خمس الأرض، فیجب علیه خمس هذا الخمس، وهکذا.

وإن شئت قلت : أرباب الخمس یملکون هذا المقدار من العین بالإشاعة، ولکن للمالک أن یبدله بالقیمة ویتملک سهم أرباب الخمس، فهذا تملک جدید، فلو قلنا بوجوب الخمس فی کلّ تملک جدید یأتی فیه ما ذکر ولا مناص له إلاّ إعطاء العین فی بعض المراحل، فتدبّر.

ولم أر مَن تعرض لهذه المسألة عدا المحقّق الهمدانی (رحمه الله) حیث أشار إلیها فی بعض کلماته وقال : «فهل هو بمنزلة شرائه منه ثانیاً حتّى یثبت فیه الخمس، وجهان أوجههما العدم، فإنّ هذا لا یُعدّ فی العرف شراء الخمس الذی هو من الأرض... فلا یندرج عرفاً فى المعاوضات، فضلاً عن أن یطلق علیه اسم الشراء». (انتهى)(27).

أقول : ما أفاده من عدم صدق الشراء علیه عرفاً حقّ لا ریب فیه، ولکن لا ریب فی أنّه نوع انتقال للملک إلیه بعوض، فلو قلنا بهذه المقالة فی جمیع الانتقالات لِمَ لا یدخل فی الحکم ؟ لا سیّما إذا قلنا إنّ الحکمة فیه عدم المنع عن سلطة الکفّار على أراضی المسلمین مهمّا أمکن.

وعلى کلّ حال، فإن اختار الذمّی بذل القیمة وکانت مشغولة بالزرع أو الغرس أو البناء (على القول به فی مثله) تکون مشغولة بهذه الأُمور مع الأجرة لما سیأتی من عدم جواز قلعها من ناحیة ولیّ الخمس کما أنّه لا وجه لبقائها فیها بدون الأُجرة، فالجمع بین الحقّین یقتضی بقاءَها مع الاُجرة کما هو ظاهر.

6 ـ لیس لولیّ الخمس کما عرفت قلع أشجارها ولا تخریب بنیانها، إذا کانت هذه الأُمور فیها عند اشترائها، لأنّ المفروض أنّ الأرض انتقلت إلیه مشغولة بهذه، فله حقّ فیها من هذه الجهة، فکیف یجوز له قلعها، فإذا انتقل خمس الأرض إلى أربابه، کان علیه الأُجرة، وإلاّ لم یکن للأرض فائدة غالباً، نعم، لا یجوز له إحداث هذه الأُمور بعد الانتقال إلیه لتعلق حقّ أرباب الخمس بها (على قول المشهور).

7 ـ یجوز لولیّ الخمس أخذ الأرض أو قیمتها وإیصالها إلى أرباب الخمس، فهل یجوز له ابقاؤها فی ید الذمّی أو غیره بعنوان الاجارة فیأخذ مال الإجارة ویوصلها إلى أرباب الخمس ؟

ولا یختصّ الحکم بمحل الکلام، بل یجری فی جمیع موارد الخمس من أنّ الواجب على ولیّ الخمس تفریقها بین أهلها، أو یجوز له إیجارها وأخذ ارتفاعها وتقسیمها بینهم، لا سیّما إذا کانت مشغولة بشیء ممّا ذکر.

صرّح صاحب الجواهر فی المقام بتخییر الحاکم فی ذلک، وصرّح غیر واحد منهم أیضاً بذلک، کصاحب الحدائق والمسالک والروضة، وکاشف الغطاء والشهید، فی الحواشی المنسوبة إلیه فیما حکى عنهم، إلى غیر ذلک.

بل لم أر مَن خالف فی ذلک عدا بعض أعلام العصر (دام ظلّه) صاحب مستند العروة حیث أشکل فی هذا الحکم بالنسبة إلى سهم السادة، فإنّ سهم الإمام (علیه السلام)یجوز التصرف فیه

بما هو رضاه، وإحراز رضاه فی هذا الأمر ممکن، أمّا بالنسبة إلى سهم السادة، فلیس لولیّ الأمر إلاّ الولایة علیهم فی قبض حقوقهم من الأرض وصرفها فیهم، أمّا الایجار، فلم یثبت ولایته علیه، نعم لو أخّر الذمّی دفع الأرض، فله أخذ أجرة المثل منه(28).

أقول : الإنصاف کما فهمه الأصحاب، عموم أدلة الولایة من هذه الجهة، فالحاکم الشرعی بالنسبة إلى الزکوات والأخماس وأموال المسلمین من الخراج وغیره، کالوالد للولد، بل یستفاد من أدلة ولایة الفقیه أکثر من ذلک، فقد تکون المصلحة فی حفظ هذه الأموال وارتزاقهم من ارتفاعها، لا تفریق نفس هذه الأموال بینهم، فعلیه ملاحظة مصالحهم فی کلّ مورد، بل قد یکون تفریقها بینهم سبباً لتضییعها فی مدّة قلیلة، بینما یکون إیجارها سبباً لبقائها مدّة طویلة مع الانتفاع بمنافعها، ولا یبعد القول بذلک حتّى فی مثل زکاة الفطرة وزکاة الأموال أیضاً، فتدبّر.

والحاصل : أنّ الفقیه بما أنّه ولی المسلمین، وولیّ أرباب الخمس، فیجب علیه تدبیر أُمورهم بما هو الأصلح لحالهم، وتدبیر الأُمور بما هو معروف بین العقلاء من أوضح مصادیق الولایة، کما لا یخفى، وفتح هذا الباب یوجب رفع المضائق الکثیرة عن المسلمین عامة وعن الحوزات العلمیة خاصة، کما لا یخفى على الخبیر.

8 ـ لا نصاب فی هذا القسم من الخمس، لما عرفت من إطلاق دلیله وهو صحیحة أبی عبیدة الحذّاء، سواء قلنا بمقالة المشهور، أم قلنا إنّ المراد الزکاة المضاعفة کما لا یخفى، بل لم ینقل عن أحد احتمال النصاب فیها، نعم، یجری فیه نصاب الزکاة على المختار.

9 ـ هل یعتبر فیه نیّة القربة من ناحیة الحاکم الشرعی بعد عدم إمکانها من ناحیة الذمّی، لعدم إمکان التقرب له لمحل کفره ؟

ظاهر کلام صاحب الجواهر(رحمه الله) وغیره عدم وجوبه لإطلاق الدلیل، ولکن حکی عن الدروس وظاهر المسالک وغیره، وجوبه للحاکم، وظاهر العروة وأکثر حواشیها أیضاً عدم الوجوب.

نعم، احتاط بعضهم کسیّدنا الحکیم (رحمه الله) بوجوبها عند الدفع إلى السادة.

والعمدة ما عرفت من إطلاق الدلیل هنا، وعدم وجود دلیل على وجوب نیّة القربة من ناحیة الفقیه، بل ذکرنا فی باب الزکاة التی هی الأصل فی المسألة، أنّه لا دلیل على وجوب نیّة القربة على الحاکم الشرعی لو أخذها من الممتنع فضلاً عن الکافر، وکونها عبادة إنّما هو بالنسبة إلى مؤدیها، لا بالنسبة إلى الحاکم.

10 ـ هل هذا الحکم ثابت فی غیر الذمّی من الکفّار، أم لا ؟ مثلاً إذا لم یعمل أهل الکتاب الموجودون فی البلاد الإسلامیة بشرائط الذمّة، کدفع الجزیة (على ما هو المعروف من أنّه من أهم شرائطه) أو کان هناک رجال من سائر البلاد الإسلامیة بذلوا رؤوس أموالهم للتجارات والصنائع فی البلاد الإسلامیة ولم یکونوا حربیین ،بل کانوا مهادنین یعاشرون المسلمین بالمعروف، فاشتروا بعض الأراضی لهذه المقاصد غیر المحرمة، على الفرض، فهل یقتصر الحکم على الذمی العامل بشرائط الذمة ویستثنى هؤلاء، أم یقال بشموله لهم أیضاً ؟

ظاهر صحیحة أبی عبیدة فی بدء النظر، الاختصاص بهم وعدم التعدی عنهم لعدم دخولهم تحته، ولکن لقائل أن یقول بشمول الحکم لهم بالأولویة القطعیة، ویؤیده ما ذکروه فی حکمة هذا الحکم وأنّ الغرض عدم استیلائهم على هذه الأراضی أو قلّة استیلائهم علیها، ولم أر مَن تعرض للمسألة فیما نظرته عاجلاً، ولکن الشمول لیس ببعید من جهة الأولویة أو إلغاء الخصوصیة القطعیة، والله العالم بحقائق أحکامه.

 


1. مستند الشیعة، ج 10، ص 34.
2. جواهر الکلام، ج 16، ص 65.
3. المعتبر، ج 2، ص 624.
4. المنتهى، ج 1، ص 549.
5. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 9 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 1.
6. المصدر السابق، ح 2.
7. الخلاف، ج 2، ص 73.
8. مدارک الأحکام، ج 5، ص 386.
9. مصباح الفقیه، ج 3، ص 132.
10. منتقى الجمان، ج 2، ص 443.
11. المبسوط، ج 1، ص 237.
12. الحدائق الناضرة، ج 12، ص 361.
13. روضة المتقین، ج 3، ص 121.
14. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 2 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 1.
15. المصدر السابق، ح 4.
16. المصدر السابق، ح 9.
17. المصدر السابق، ح 12.
18. وسائل الشیعة، ج 11، الباب 68 من أبواب جهاد العدو، ح 2.
19. جواهر الکلام، ج 16، ص 66.
20. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 9 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 1.
21. مستند الشیعة، ج 10، ص 34.
22. مصباح الفقیه، ج 3، ص 133.
23. المصدر السابق.
24. مصباح الفقیه، ج 3، ص 133.
25. کقوله (علیه السلام) رجل شک بین الثلاث والأربع حیث لا یرى العرف خصوصیة لرجولیة الشاک، فیرى الحکم ثابتاً بالنسبة إلى المرأة أیضاً.
26. من أنّ الخمس تکلیف إلهی، أمر وضعه ورفعه بید الشارع، فلا یمکن اشتراطه ضمن عقد، کما لا یصحّ اشتراط اتیان الصلوات الیومیة فی أوّل أوقاتها. لکن لقائل أن یقول إنّه من قبیل شرط الفعل بأن یدفع الذمّی خمس الأرض إلى أربابه على کلّ حال سواء کان الخمس لهم واقعاً أم لا. فتأمل.
27. مصباح الفقیه، ج 3، ص 134.
28. مستند العروة، کتاب الخمس، ص 180.

 

المقام الثالث : فی مصرف هذا الخمسبقی هنا مسائل عشر أشار إلیها صاحب العروة الوثقى:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma