حقیقة المؤونة ومقدارها وفروعها

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الفقاهة - کتاب الخمس و الأنفال
المقام الثالث : هل الأرباح ما یحصل بالتکسبمستحقو الخمس

قد عرفت أنّ استثناء المؤونة من هذا القسم ممّا لا ریب فیه ولا شبهة تعتریه، إنّما الکلام فی حقیقتها وخصوصیاتها فنقول ومنه سبحانه نستمد التوفیق والهدایة :

المؤونة على قسمین : مؤونة التجارة والکسب ومؤونة الإنسان نفسه أمّا الأوّل فلا ینبغی الکلام فی استثنائه بجمیع أقسامه، ممّا یرتبط بمحل الکسب وأجرة العمال والدلال وأجرة الحمل ومصارف الماء والکهرباء بل والضرائب التی تؤخذ من التجار وغیرهم.

والدلیل علیه واضح فإنّ عنوان الربح والفائدة والغنیمة الوارد فی الآیة والروایات لا یصدق إلاّ بعد إخراج هذه الأُمور، هذا مضافاً إلى ما ورد من التصریح به فی بعض روایات هذا الباب مثل ما رواه إبراهیم بن محمّد الهمدانی فی مکاتبته إلى أبی جعفر الجواد(علیه السلام)حیث قال : «اختلف من قبلنا فی ذلک (أی الخمس) فقالوا : یجب على الضیاع الخمس بعد المؤونة، مؤونة الضیعة وخراجها لا مؤونة الرجل وعیاله، فکتب وقرأه علی بن مهزیار، علیه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عیاله وبعد خراج السلطان»(1).

وقریب منه ما ورد من التعبیر فی روایة ابن شجاع النیسابوری من کلام الراوی فی سؤاله لأبی الحسن الثالث (علیه السلام) أنّه : ذهب منه بسبب عمارة الضیعة ثلاثون کراً (من الحنطة)» وجوابه (علیه السلام) : «الخمس ممّا یفضل من مؤونته»(2) فالراوی نفسه استثنى مؤونة الکسب حیث عبّر عن ذلک بقوله : (ذهب منه ثلاثون کرّاً) ومنه یظهر أن استثناءَها کان موضع وفاق بین أصحاب الأئمّة (علیهم السلام) فلا نحتاج للاستدلال على ذلک إلى الإطلاق فإنّه أقوى دلالة من الإطلاق. وهکذا غیرهما من الأخبار الدالة علیه.

وأمّا القسم الثانی أعنی مؤونة الإنسان نفسه فهی على أقسام :

1 ـ قد یکون من الأُمور الحیویة التی لا مناص للإنسان منها، کما یرتبط بالمأکل والمشرب والملبس والمسکن والمرکب والتداوی عند المرض.

2 ـ ما یرتبط بالحقوق اللازمة علیه، کأداء الدیون وأروش الجنایات ومصارف الحجّ والوفاء بالنذر وشبهه.

3 ـ ما یرتبط بأمر نکاح نفسه وأولاده ومن یکون فی عیلولته، بل قد یکون هذا القسم من مصادیق القسم الأوّل.

4 ـ ما یرتبط بغیر حوائجه اللازمة فی حیاته، کالهدایا والضیافة والهبات والزیارات المستحبة والتنزه وشبهها والحلّى وأنواع التزیین، وکذا ما یصرف لأداء الاحترام إلى الأموات من الأُمور المستحبة وغیر المستحبة.

فهل استثناء المؤونة یشمل جمیع ذلک أم یختص ببعضها دون بعض ؟

واللازم قبل کلّ شیء الرجوع إلى معنى المؤونة ومفهومها، فإنّها العنوان الذی تدور مداره أحکام الباب، فقد صرّح باستثناء المؤونة على الاطلاق أو مؤونته ومؤونة عیاله فی کثیر من روایات هذا الباب(3).

بل قد ورد التصریح بعدم وجوب الخمس من الفاکهة التی یأکلها العیال فی حدیث أبی بصیر عن الصادق (علیه السلام)(4).

هذا والمؤونة کما ورد فی کثیر من کتب اللغة مثل القاموس ولسان العرب وغیرهما هی القوت (والقوت هو ما یؤکل)، فعلى هذا لا تشمل غیر المأکول من حوائج الحیاة من ضروریاتها وغیر ضروریاتها، بل لا یشمل مثل المسکن والملبس وأشباههما، ولکن صرّح غیر واحد من أکابر الأصحاب بأنّ معناه فی العرف عام یشمل جمیع ما ذکر.

قال صاحب کشف الغطاء : کلّ ما یتعارف بین الناس صرف المال فیه فهو مؤونة.

وقال صاحبا المسالک والروضة فیما حکى عنهما : المؤونة ما ینفقه على نفسه وعیاله الواجبی النفقة وغیرهم کالضیف والهدیة والصلة لإخوانه...(5).

وقال صاحب الجواهر : «الأولى إیکاله إلى العرف»(6). وصریح کلامه أنّ مفادها فی العرف عام یشمل جمیع ما ینفقه على نفسه وعلى عیاله.

وقال صاحب المستمسک : «المؤونة مطلق ما یحتاج إلیه عرفاً فی جلب المحبوب أو دفع المکروه»(7).

وقال صاحب مستند العروة : «هی کلّ ما یحتاج إلیه الإنسان فی جلب المنفعة أو دفع المضرة»(8).

وظاهر کلام الجمیع أن مفادها فی العرف عام لا یختصّ بالقوت وشبهه، والإنصاف أنّه کذلک، فإنّ المتبادر منه مفهوم عام لا یختصّ بالقوت بل یشمل جمیع ما ینفقه الإنسان فی حیاته ممّا یتعارف صرف المنافع فیه فی جمیع الأقوام والملل(9).

ویدلّ على ذلک أیضاً ملاحظة أخبار الباب، فإنّها لا تقبل الحمل على خصوص القوت بل الظاهر منها إلغاء الخصوصیة من هذه الجهة ولو کانت المؤونة ظاهرة فی خصوص القوت.

أضف إلى ذلک ما تقدّم من مسألة کون مصارف الشخص فی أبواب المکاسب من مصارف الکسب وإن هو إلاّ من قبیل العمال الذین یأخذون الاُجور على أعمالهم، فلو کانت نفقة صاحب الکسب فی السنة ألف دینار وکانت منفعة کسبه بهذا المقدار لم یصدق علیه فی الواقع أنّه حصل على منفعة أو غنیمة، فلا وجه حینئذ للخمس المتعلق بالغنائم.

وعلى کلّ حال فالحکم عام شامل لجمیع مصادیق المصارف الواجبة والمستحبة، والضروری وغیر الضروری ممّا یتداول بین الناس صرف المنافع فیها.

هذا ولو شک فی بعض مصادیقها ولم یعلم دخوله فی عنوان المؤونة وعدمه فقد یقال مقتضى إطلاقات وجوب الخمس تعلقه به لعدم ثبوت خروجه عنها، لأنّ أمر المخصص دائر بین الأقل والأکثر فیؤخذ بالقدر المتیقن.

اللّهم إلاّ أن یقال : إنّ هذه العمومات والإطلاقات من قبیل المحفوف بما یحتمل القرینیة، وبعبارة أخرى إجمال المخصص یسری إلى العام فی المخصص المتصل حتّى إذا دار أمره بین الأقل والأکثر فلا یصحّ التمسک بالعموم لإجماله.

ولکن یدفعه : إنّ هناک عمومات أو إطلاقات لا تشتمل على المخصص المتصل، فلا یجری هذا الإشکال فیها، ولا مانع من الأخذ بعمومها والحکم بوجوب الخمس فی موارد الشک(10).

بقی هنا أُمور :

1 ـ قد صرّح غیر واحد من الأصحاب بتقیید المؤونة بکونها لائقة بحاله موافقة لشأنه کما فی مصباح الفقیه(11)، وفی الحدائق بعد ذکر مصادیق المؤونة : «کلّ ذلک ینبغی أن یکون على ما یلیق بحاله وإن أسرف حسب علیه ما زاد»(12).

وقد سبقهم إلى ذلک الشهید الثانی(رحمه الله) فی المسالک : «ویعتبر فی ذلک ما یلیق بحاله عادة»(13).

ولذا صرّح المحقّق الیزدی (رحمه الله) فی العروة الوثقى بأنّه لو زاد على ما یلیق بحاله ممّا یعد سفهاً وسرفاً بالنسبة إلیه لا یحسب منها.

وقد أوضح ذلک سیّدنا الاُستاذ البروجردی (رحمه الله) کما فی تقریراته بأنّه : «یجب على کلّ أحد أن یراعى حدّ الاعتدال فی مؤونته على ما یقتضیه شأنه بحیث لا یبلغ حدّ الاسراف والتبذیر وذلک یختلف بحسب اختلاف الأشخاص بالغنى والفقر وبالمناصب على اختلاف مراتبها... وباختلاف الأمکنة والبلدان والأزمنة والأعصار» ثمّ مثل ذلک من یکفیه من المسکن استیجاره ومن لا یکفیه بحسب شأنه إلاّ تملکه انتهى ملخص(14).

والدلیل على ذلک هو انصراف الاطلاقات إلیه کما فی نظائره، مثل انصراف إطلاق الوجه والأصابع فی باب الوضوء إلى الوجه والأصابع المتعارفة، فلا اعتبار بمن نبت شعره من أعلى حاجبیه، أو نبت شعره من وسط رأسه، أو کانت أصابعه قصیرة بحیث لا یدور الابهام والوسطى إلاّ على نصف وجهه عرضاً، إلى غیر ذلک ممّا ذکروه فی باب الکر من حیث الأشبار والذراع فی الأبواب المختلفة.

فإطلاقات المؤونة لا تشمل المسرف ولا المبذر، بل الخروج عن الشأن حتّى وإن لم یعد إسرافاً کمن اشترى داراً وسیعة لها طبقات وغرف کثیرة، خارجة من شأنها وإن لم یتلف ماله بل یمکنه بیعه بأکثر ممّا بذله عند الشراء.

ومن هنا یظهر أنّ المراد من الاعتدال لیس إلاّ عدم التجاوز عن الحدّ اللائق بحاله لا الاعتدال بمعنى الأخذ بحدّ الوسط، فلو زاد على ذلک وجب علیه خمسه أیضاً، والعجب من المحقّق الهمدانی (رحمه الله) فی مصباح الفقیه حیث قال (بعد نقل التقیید بعدم الاسراف عن شیخنا الأنصاری (قدس سره)) : «إنّ المتبادر من مثل قوله (علیه السلام): «الخمس بعد المؤونة» إرادته فیما یفضل عمّا ینفقه فی معاشه بالفعل... فالعبرة على الظاهر بما یتفق حصوله فی الخارج کیفما اتفق ودعوى أنّ المتبادر من الروایات إنّما هو إرادة ما ینفقه فی مقاصده العقلائیة على النهج المتعارف لا على سبیل الاسراف قابلة للمنع إلاّ أنّه ربّما یظهر من کلماتهم دعوى الإجماع علیه»(15).

وفیه : أنّ انصراف الإطلاقات إلى الأفراد المتعارفة واضح لا یختصّ بهذا الباب، والظاهر أنّ مستند المجمعین أیضاً لیس إلاّ هذا.

2 ـ هل هناک فرق فی العیال بین واجبی النفقة وغیرها ؟

قد صرّح غیر واحد منهم بعدم الفرق کما فی المسالک والروضه والمدارک والریاض، وحکی عن صاحب الجواهر عن السرائر أنّه اقتصر على الأوّل ولکن قال هو نفسه : «لعلّه لا فرق فیه على الظاهر بین واجبى النفقه و غیرهم مع صدق إسم العیلولة علیه عرف»(16) وهذا التعبیر لا یخلو من إشعار بالتردید فی المسألة.

ولکن الإنصاف شمول الإطلاقات للجمیع من غیر فرق بین القسمین لعدم وجود ما یصلح للتقیید لا سیّما مع شیوع بذل الأموال على غیر واجبی النفقة فیما بین الناس کما هو ظاهر، فلو کان قید من هذه الناحیة لوجب بیانه.

3 ـ هل هناک فرق بین أروش الجنایات والاتلافات العمدیة وغیرها أم لا ؟

ظاهر کلام صاحب العروة بل صریحه عدم الفرق ووافقه المعلقون علیها فیما رأینا، ولکن الإنصاف أنّه قابل للإشکال لأنّه یمکن أن یقال : أی فرق بینه وبین الاسراف والتبذیر ؟

غایة الأمر أنّ الاسراف یکون فی المنافع وهذه الأُمور فی ما یکون جبرانه بسبب المنافع، فالأحوط لولا الأقوى عدم استثناء هذه الأُمور.

4 ـ صرّح بعض السادة الأعلام بعدم جریان التفصیل بین اللائق بشأنه وغیره، فی خصوص العبادات والأُمور القربیة ـ کما هو ظاهر متن العروة وصریح غیرها ـ فإنّ شأن کلّ مسلم التصدی للمستحبات الشرعیة والقیام بالأفعال القربیة طلباً لمرضاته تعالى، من دون فرق بین مسلم ومسلم آخر، فلو صرف جمیع منافعه بعد إعاشة نفسه فی سبیل الله ذخراً لآخرته فی سبیل الانفاقات والحجّ والعمرة وزیارة الحسین (علیه السلام)وغیرها، لا یعدّ من الاسراف والتفریط والخروج عن الشأن. (انتهى ملخصاً)(17).

أقول : ما ذکره جید فی بادىء النظر إذا ثبت الاستحباب فی أمر،أمّا إذا کان مصداقاً لقوله تعالى : (وَلاَ تَبْسُطْهَا کُلَّ ا لْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا)(18) فلا للنهی عنه شرعاً.

هذا، وما ذکره من ظهور عبارة المتن فی جریان التفصیل فی هذه الأُمور أیضاً (من اللائق بالشأن وغیره) غیر ظاهر، لأنّه (قدس سره) ناظر إلى ما یحتاج إلیه فی معاشه ولیس فی کلامه ما یدلّ على أمر المعاد فراجع، وتدبّر.

هذا، ولکن لقائل أن یقول : إنّ صرف المال فی المستحبات وإن کان جائزاً من دون التقیید باللیاقة بحاله فإنّه لائق لکلّ أحد، ولکن صدق المؤونة علیه إذا کان خارجاً عن المتعارف مشکل جدّاً، بل الظاهر عدم صدق المؤونة علیه فکأنّه وقع الخلط فی کلامه دام علاه بین جواز الصرف، وبین صدق المؤونة علیه.

وإن شئت قلت : وقع الخلط بین عنوان عدم الاسراف وعنوان المؤونة المتعارفة، فربّما لا یکون شیئاً اسرافاً، ولکن مع ذلک لیس من مصادیق المؤونة المتعارفة، فإذا قلنا بانصراف عنوانها إلى المتعارف لم یشمل أمثال هذه المصادیق. فهل یمکن أن یقال : مؤونة زید فی السنة آلاف الألوف لأنّه یبذل جمیع أمواله الزائدة فی سبیل الله ؟

فحینئذ یمکن القول بوجوب أداء الخمس الزائد إذا کان خارجاً عن المتعارف وکان المال من أرباح المکاسب، اللّهمّ إلاّ أن یقال باستقرار السیرة على خلافه، وهو مشکل لندرة تحققه بین الناس فیشکل دعوى السیرة علیه، فالأحوط لولا الأقوى وجوب إخراج الخمس عن الزائد.

فهذا القول فی جهة الافراط، وفی مقابله فی جهة التفریط ما حکاه المحقّق النراقی(رحمه الله)فی المستند عن بعض الأجلة من الإستشکال فی احتساب الصلة والهدیة اللائقتین بحاله وأنّه لا دلیل على احتسابه (من المؤونة) وکذا الإشکال فی مؤونة الحجّ المندوب وسائر سفر الطاعة المندوبة»، ثمّ قال : «هما فی موقعهما بل الظاهر عدم کونها من المؤونة»(19).

أقول : لازم ما ذکرناه تخصیص المؤونة بالضروریات والواجبات وهو عجیب لأنّ نفقات الإنسان مرکبة منهما، ولم نسمع أحداً یکتب جمیع ما یصرفه من المصارف فی دفتر مخصوص ثمّ عند المحاسبة رأس السنة للخمس یحسب الواجبات والضروریات ولا یحسب الهبات والانفاقات المستحبة وأسفار الطاعة کذلک، فإن حفظ حسابه غیر ممکن إلاّ بالتسجیل فی الدفاتر أو أداء خمس الأرباح یوماً بیوم، وکلاهما ممّا استقرت السیرة على خلافهما.

بقی هنا مسائل:

المسألة الاُولى : قد مرّ آنفاً حکم رأس المال وأنّه هل هو من المؤونة أم لا ؟ ولما أعاد القول فیه صاحب العروة فی المسألة 62 بغیر ما مضى منه فی المسألة 59 کان المناسب توضیحاً أکثر فی هذه المسألة المبتلى بها لغالب الناس، فإن غالب المحن یحتاج إلى رأس مال ولا أقل من آلات مثل آلات التجارة والنسیج والزراعة، وکذا المعامل والمصانع الکبیرة والصغیرة فی عصرنا فإنّها غالباً تحدث أو توسع من المنافع الحاصلة من نفس العمل، فهل جمیع ذلک متعلق للخمس أم لا، أم فیه تفصیل ؟

فنقول ومن الله التوفیق والهدایة : إنّ المسألة غیر معنونة فی کلمات کثیر من الأصحاب ولعلّ عدم التعرض لها کان لوضوح عدم عدّ رأس المال من المؤونة عندهم أو لأمر آخر.

نعم، صرّح المحقّق النراقی(رحمه الله) فی المستند فی أحکام المؤونة بأنّه لیس من المؤونة الضیاع والعقار والمواشی للانتفاع بمنافعها ولو لمؤونة السنة، ولا رأس مال تجارته لعدم التبادر وصحّة السلب ولعدم الاضطرار بها ولا اللزوم والحاجة إلى رقباتها فی ذلک العام للمؤونة فیه(20).

ومن الغنائم للمحقّق القمی(رحمه الله) : «الظاهر أنّ تتمیم رأس المال لمن احتاج إلیه فی المعاش من المؤونة کاشتراء الضیعة لأجل المستغل»(21) بعد أن حکم بعدم کون رأس المال من المؤونة بلا إشکال، وظاهر التفصیل بین صورة الحاجة وعدمها لمؤونة سنته.

وعن رسالة شیخنا الأعظم (قدس سره) موافقة ما ذکره صاحب الغنائم فی عدّه من رأس المال إذا احتاج إلیه فی سنته، بل وزاد علیه انتفاعه بمنافعه فی السنین الآتیة(22).

واختار هذا المسلک ـ أعنی عدم وجوب الخمس إذا احتاج إلیه لمؤونة سنته ـ غیر واحد من أعلام المحشّین على العروة بعد أن احتاط المحقّق الیزدی (رحمه الله) فیه بوجوب الخمس فیه.

أقول : وتحقیق الحال فیه أن یقال : إنّ المسألة ذات صور مختلفة لکلّ منها حکمه.

1 ـ قد تجعل الأرباح الحاصلة من السنین السابقة رأس مال للسنة الحاضرة، أو من السنة الحاضرة للسنین المقبلة.

فهذا ممّا لا إشکال فی تعلق الخمس بها سواء احتاج إلى هذا فی السنة المقبلة بحیث لم یمکنه الاکتساب بدونه أم لا ؟ فإنّ المفروض أنّه زائد على مؤونة سنة الربح فیجب فیه الخمس حتّى لو احتاج إلیه فی نفقته فی الیوم الآتی بعد السنة.

2 ـ إذا جعلت أرباح السنة رأس مال لتلک السنة وهذا على أقسام :

تارة یمکنه الإعاشة بدونه ویکون أخذ رأس المال لتوسعة منافعه من غیر أن یکون محتاجاً إلى هذه التوسعة، وهذا أیضاً ممّا لا إشکال فی تعلق الخمس به.

وأُخرى یمکنه الإعاشة بدون ذلک، ولکن یکون کسبه دون شأنه فمقتضى شأنه أن لا یکون مثلاً عاملاً بسیطاً بل لابدّ أن یکون له رأس مال یکتسب به ویکون المبلغ الموجود بحیث لو أدّى خمسه لم یقدر على ما ذکر، فهذا یعد من المؤونة لما عرفت من أنّ المؤونة هی جمیع ما یصرفه الإنسان فیما یحتاج فی حاجات حیاته حتّى ما یتعلق بحفظ شؤونه ومکانته.

وثالثة ما إذا احتاج إلیها لمؤونة سنته أو لتتمیمها مثل ما إذا حصل له فی ستة أشهر من سنته أرباح من طریق العمل بالید، ولکن فی باقی السنة لا یوجد له هذا العمل ولابدّ له من أن یجعل تلک الأرباح رأس مال أو آلات حتّى یتمکن من تحصیل مؤونته فی الباقی من سنته بل وفی ما بعدها من السنة المقبلة، فهل هذا ممّا یتعلق به الخمس أم لا ؟

وعمدة دلیل القائلین بوجوب الخمس فیها (فتوى أو احتیاطاً) هو انصراف لفظ المؤونة منها، لأنّها ظاهرة فیما یصرف عینها فعلاً أو یکون من قبیل الفرش والدار وغیرها ممّا ینتفع بها فی عیشه وحیاته لا ما یستفاد منه لتحصیل الربح.

هذا، ولکن یمکن الجواب عنه بأنّه وإن فرض صحّة هذا الانصراف بالاعتبار المذکور، ولکن یمکن إلغاء الخصوصیة عنها بعد کونه ممّا یحتاج إلیه فی حیاته ولو بالواسطة، وأی فرق بین ما یحتاج إلیه بدون الواسطة أو یحتاج إلیه بسبب أنّه سبب للمؤونة ؟

بل یمکن أن یقال بصدق عنوان المؤونة لها، وإنْ هذا إلاّ مثل ما إذا احتاج إلى لبن الشاة أو البقرة ولا یحصل إلاّ بابتیاع شاة أو بقرة، أو احتاج إلى غرس أشجار للانتفاع بثمرتها ولا یمکن الوصول إلى الثمرة بدونها، فهل یشک أحد فی کون البقرة أو الشجرة من المؤونة وإن کان یبقى عینها وینتفع بثمرتها ؟

وکذلک ما تداول فی أیّامنا من الحاجة إلى رهن الدار بمبلغ کثیر أو الاستئجار بقیمة قلیلة بشرط قرض هذا المبلغ، فإنّ هذا المبلغ وإن کان یبقى عنه ولکنه یعدّ من المؤونة ولا یتعلق به الخمس، فکذلک رأس المال فی محلّ الکلام وإن أبیت إلاّ عدم صدق المؤونة على رأس المال وإن احتاج إلیه، ففی إلغاء الخصوصیة عنها بما عرفت غنى وکفایة.

المسألة الثانیة : المؤونة على أقسام، قسم منها یصرف عینه ولا یبقى کالمأکول والمشروب، وقسم منها ینتفع بمنافعه ویبقى عینه کالدار والمرکب والظروف والفرش وشبهها، وهی على أقسام :

1 ـ قسم منها لا یبقى بعد مضی السنة کبعض الألبسة ولا کلام فیها.

2 ـ قسم یبقى بعد ذلک ولا خمس فیه إذا احتاج إلیه فی المستقبل، وذلک لإطلاقات روایات استثناء المؤونة مع کون کثیر من أفرادها ممّا یبقى بعد السنة، أضف إلى ذلک استقرار السیرة علیه فی جمیع الأعصار والأمصار.

3 ـ قسم منها یبقى ولکن سیستغنى عنه بعد السنة کالأشیاء التی اشتراها للحجّ مثلاً ثمّ حجّ واستغنى عنها، أو حلی المرأة بعد کبر سنها واستغنائها عنها، وغیر ذلک ممّا یختص

بمکان أو زمان أو ظروف خاصة، وسیأتی الکلام فیها إن شاء الله عند ذکر المصنّف لها (فی المسألة 67).

4 ـ قسم منها یکون من نوع غال یبقى سنین کثیرة لا یحتاج بقاؤها إلى مثل تلک السنین، مثلاً إذا کان هناک ظروف تبقى مئات سنین وظروف تبقى مدّة حیاته وکانت الاُولى غالیة جدّاً فاشتراها، یشکل استثناؤها من الخمس (لا أقل بالنسبة إلى ما زاد على الفرد المتعارف) وذلک لانصراف الاطلاقات عن مثله.

5 ـ قسم منها یحتاج إلیه فی بعض الأوقات فقط ویمکن استئجارها حینئذ وکان متعارفاً بین الناس کالظروف والفرش لمجالس العرس وشبهها فاشتراها وادخرها، یشکل استثناؤها من المؤونة، اللّهم إلاّ إذا کان متعارفاً أنّها لیست شؤونه.

أمّا إذا کان الاشتراء والاستئجار کلاهما متعارفین وداخلین فی شؤونه کما هو کذلک فی الدار فله اختیار أی واحد منهما، ففی الاستئجار یکون مال الاجارة مستثنى وفی الاشتراء یکون الثمن کذلک والوجه ظاهر.

6 ـ إذا کان الدار وسیعاً جدّاً له غرف کثیرة لا یحتاج إلیها فی الحال والمستقبل القریب، کان الزائد عمّا یحتاج إلیه خارجاً عن المؤونة ویحتسب فی رأس السنة ویؤدّی عنها الخمس، والوجه فیه أیضاً ظاهر.

المسألة الثالثة : إذا کان له أموال بعضها ممّا یتعلق به الخمس کأرباح سنته، وبعضها ممّا لا یتعلق به الخمس کالإرث، أو تعلق به وأداها کالأرباح السابقة، فهل تؤخذ المؤونة من الأوّل، أو الثانی، أم یوزع علیهما بالنسبة، أم هو بالخیار من أی واحد أخذ ؟ فإن أخذها من الأوّل فلا خمس فیها.

وقد حکى فی المسألة أقوال ثلاثة :

1 ـ ما عن الأردبیلی (رحمه الله) فی مجمع الفائده من وجوب الأخذ من الأموال التی لا یتعلق بها الخمس قال : الظاهر أنّ اعتبار المؤونة من الأرباح مثلاً على تقدیر عدمها من غیرها، فلو

کان عنده ما یمون به من الأموال التی تصرف فی المؤونة عادة فالظاهر عدم اعتبارها ممّا فیه الخمس، بل یجب الخمس من الکلّ، لأنّه أحوط ولعموم أدلة الخمس وثبوت اعتبار المؤونة عند الحاجة إلیها، ولأنّه قد یؤل إلى عدم الخمس فی أموال کثیرة ویحتمل التقسیط ولکنه غیر مفهوم من الأخبار إلاّ أنّه أحوط بالنسبة إلى إخراجها من الأرباح بالکلیة (انتهى ملخصاً)(23).

2 ـ احتسابهما من کلیهما بالنسبة کما قال صاحب المسالک : «لو کان له مال آخر لا خمس فیه... فالمؤونة مأخوذة منه فی وجه، ومن الأرباح فی آخر، والأوّل أحوط، والأعدل احتسابها منها بالنسبة»(24).

3 ـ ما اختاره کاشف الغطاء من احتسابه عن الربح المکتسب فقط حیث قال : «ویحتسب من الربح المکتسب دون غیره على أصح الأقوال»(25).

وظاهر هذه العبارة احتسابها عن أرباح السنة وإن صرف غیرها فی المؤونة عملاً، فیوضع عنها مقدارها عند محاسبتها فی رأس السنة.

ویظهر من المحقّق الهمدانی (رحمه الله) فی مصباح الفقیه، کون القول الثالث هو المشهور بین من تعرض للمسألة وأنّها ظاهر کلّ من عبر عن عنوان المسألة بما یفضل من الأرباح عن مؤونة سنته(26).

واختاره المحدّث البحرانی فی الحدائق أیض(27).

واختاره أیضاً صاحب الجواهر فی رسالته نجاة العباد، فقال : «لو کان عنده مال آخر لا خمس فیه، فالأقوى إخراج المؤونة من الربح دونه خاصة»(28).

4 ـ ویمکن ابداء قول رابع فی المسألة وهو أنّه تابع لصرفها خارجاً، فلو أخذها من أرباح السنة تحسب منها، ولو أخذ من مال أدّى خمسه تحسب منه، ولو وزعها کان المقدار الذی أخذه من أرباح السنة یوضع من تلک الأرباح عند المحاسبة رأس السنة.

5 ـ وهنا احتمال خامس وهو محاسبة ما کان موجوداً عنده من قبل من دار ونحوه من المؤونة بأن یضع من أرباح السنة بمقدارها، فإن کان له دار من ارث أبیه یساوی مائة ألف درهم واستفاد فی تلک السنة بهذا المقدار لم یجب علیه خمس لأنّه یحسب مقداره من المؤونة، کما أشار إلیه صاحب نجاة العباد وإن لم یقبله، فقال : «نعم، الظاهر عدم احتساب ما عنده من دار أو عبد ونحوهما ممّا هو من المؤونة مع عدمه، من الربح بل یقوى ذلک فیمن قام غیر بمؤونته لوجوب أو تبرع وکذا ما بقی من مؤونة السنة الماضیة ممّا کان مبنیاً على الدوام کالدار»(29).

وعمدة ما یمکن أن یستدلّ به للقول المنسوب إلى المشهور أعنی القول الثالث، هو قوله(علیه السلام) : «الخمس بعد المؤونة» الواردة فی روایات عدیدة بناءً على أنّ ظاهره هو البعدیة فی المحاسبة لا فی الإخراج، نظیر قوله تعالى فی آیات سهام الارث : (مِن بَعْدِ وَصِیَّة یُوصِى بِهَآ أَوْ دَیْن)(30) فلیس المراد لیس منه إخراج الوصیة والدین أو لا من ناحیة الزمان بل من ناحیة المحاسبة، فلو کانت وصیته تتعلق بأمر متأخر فی الوجود یجوز للوراثین أخذ سهامهم بعد محاسبة الوصیة ومقدارها، وکذلک الدین لو أخّر إخراجها بسبب جاز أخذ الوراثین سهامهم، ففی المقام أیضاً یقال إنّ المراد البعدیة فی المحاسبة فیخرج مقدار المؤونة عن الأرباح ولو صرف مالاً آخر فیها.

ویؤید ذلک بل یدلّ علیه ما مرّ سابقاً من أنّ استثناء المؤونة یمکن أن یکون من باب التخصص لا التخصیص، لعدم صدق الربح إذا اشتغل بنفسه بکسب ولم ینتفع إلاّ بمقدار مؤونة سنته، وإنْ هو من هذه الجهة إلاّ کالعمال الذین یستأجرهم لاُمور تجارته وزراعته وینقص أُجورهم من أرباح السنة ولیس هو نفسه أقل من أجیر یستأجره.

ولکن ذلک إنّما یصحّ فی خصوص ما إذا اشتغل هو بنفسه بالاکتساب، أمّا لو کان له دار مثلاً أو ضیعة من ارث أبیه وأجّرها وانتفع بثمنها من دون أی عمل فیها أو وهبه بعض أصدقائه هبة (بناءً على وجوب الخمس فی الهبة)، فهذا دلیل أخص من المدعى، اللّهم إلاّ أن یقال : إنّ الغالب من القسم الأوّل ولاحظه الشارع فی حکمه، فتأمل.

وعمدة الدلیل على القول الأوّل الذی ذهب إلیه المحقّق الأردبیلی (رحمه الله) فی مجمع الفائدة هو إطلاقات أدلّة الخمس المقتصر فی تخصیصها بالنسبة إلى المؤونة فی صورة الحاجة إلیها، وأمّا کونه أحوط، وکذلک کون القول الثالث، سبباً لعدم الخمس فی أموال کثیرة مع عدم الاحتیاج إلى صرفها أصلاً کما عند أکابر التجار، (وقد عرفت الاستدلال بهما فی کلام المحقّق الأردبیلی(رحمه الله)) فهو ممّا لا یعتمد علیه لأنّ الأصل هو البراءة، والثانی مجرّد استبعاد کالقول بالتقسیط الوارد فی کلام صاحبی المسالک والمدارک لکونه أعدل، فإنّه مجرّد استحسان لا یمکن الاعتماد علیه.

هذا ویمکن دفع الاطلاقات بما مرّ من ظهور قوله : «بعد المؤونة» فی تقییدها بإخراج المؤونة عند المحاسبة وظهور القید مقدم.

ویمکن الذهاب إلى القول الرابع نظراً إلى أن إخراج المؤونة بمعنى الصرف فلو لم یصرف منها تعلق به الخمس، ولکن القول الثالث أقوى.

ولا وجه للاحتمال الخامس وهو اردأ الوجوه فی المسألة.

وأمّا الوجه الثانی فقد عرفت أنّ غایة ما یدلّ علیه هو قاعدة العدل، ولم تثبت هذه القاعدة فی المقام لا سیّما مع ملاحظة شمول العمومات التی عرفتها للمقام.

وممّا یمکن الاستدلال به على المطلوب هو روایة علی بن محمّد بن الشجاع النیسابوری وغیرها ممّا ورد فی باب الضیاع، فإن ظاهرها أخذ المؤونة بالنسبة إلى السنة الآتیة عن محصول ضیعته وهو ستّون کراً من الطعام، فإن هذا هو المعمول به بالنسبة إلى الضیاع بخلاف التجارات والمکاسب التی تنفع شیئاً فشیئاً کلّ یوم فتؤخذ المؤونة منها.

وإن شئت قلت : أخذ المؤونة ممّا فضل له من ضیعته أمّا ما یعادل ما صرفه فی السنة الماضیة، أو ما یعادل مؤونة السنة الماضیة التی انفقها من مال آخر، أو ما یعادل مؤونة السنة اللاحقة کما هو المتداول بین أهل الزراعات. وعلى کلّ حال یکون استثناؤه بمعنى إخراج ما یعادله، وإن کان عنده مال آخر (کما هو الغالب ولا أقل أنّه کثیر) وحینئذ یقوى الاعتماد

على القول الثالث.

المسألة الرابعة : هل المناط فی المؤونة ما یصرف فعلاً فی مصارف الحیاة، أم مقدارها وإن لم یصرفه بالفعل، وتظهر النتیجة فی ما إذا قام متبرع بمؤونته أو کان ضیفاً فی بعض الأیّام أو الشهور، وکذلک إذا قتر على نفسه وصرف ما دون شؤونه.

صرّح کاشف الغطاء (رحمه الله) بالأوّل حیث قال : «ولو اقتصر فی قوت أو لباس أو آلات أو مساکن أو أوضاع ولم یفعل ما یناسبه لم یحسب التفاوت من المؤونة على الأقوى»(31).

وقد صرّح بذلک أیضاً تلمیذه صاحب الجواهر (قدس سره)(32).

وقال المحقّق الهمدانی (رحمه الله) : «لو تبرع متبرع بنفقته فالظاهر أنّه لا یحسب له ما یقابله من الربح فضلاً عمّا لو قتر فیه کما صرّح به غیر واحد من مشائخن»(33).

ولکن حکى فی صدر کلامه عن غیر واحد ـ کالعلاّمة والشهیدین والمحقّق الثانی(رحمهم الله) ـ التصریح بأنّه لو قتر على نفسه حسب له، بل عن صاحب المناهل أنّه استظهر عدم الخلاف فیه.

وما أبعد بین ما حکاه هنا وما اختاره نفسه من نفی الاستبعاد عن تعلق الخمس بما یفضل، لو قصر فی أداء بعض التکالیف الواجبة کما إذا ترک الحجّ الواجب ففضل شیء من أرباحه وجب علیه خمسه، ولکن لو صرف فی أداء ذلک الواجب لم یبق له شیء.

وعلى کلّ حال فالعمدة فیه ما ذکروه من أنّ المتبادر من أخبار استثناء المؤونة إنّما هو استثناء ما ینفقه فعلاً ـ کما هو کذلک فی مثل مؤونة المعادن والغوص وشبه ذلک ـ لا استثناء مقدارها، ولا ینافی ذلک ما مرّ من ظهور البعدیة فی قوله : «الخمس بعد المؤونة» فی البعدیة بحسب المحاسبة، فإنّ محاسبة المقدار أیضاً إنّما هی بالنسبة إلى ما یصرفه من الأموال فی الآتی أو ما مرّ علیه فی الماضی.

فعلى هذا لو قلنا بجواز أخذ مؤونة السنة الآتیة ممّا یفضل من الزراعات وشبهها ـ کما هو المعمول به فیها ـ فأخذها ثمّ لم یصرفها بسبب الامساک والتقتیر، أو وجود متبرع أو حصول الرخص والخصب فی البلاد، وجب علیه أداء مقدار خمس الزائد لعدم صرفه فعلاً فی مؤونته.

إن قلت : المعروف فی باب نفقة الزوجة أنّها لو بذل لها باذل أو قترت على نفسها أنّها تملکها على الزوج، فما الفرق بین المقامین.

قلت : کأنّهم رأوا معاوضة بین تمکینها من نفسها والنفقة، ولذا تدور مداره نفیاً واثباتاً، وعدم قولهم بذلک فی باب نفقة الأولاد والأبوین أیضاً شاهد على ما ذکرنا.

المسألة الخامسة (66 من العروة) : قد یستقرض من ابتداء السنة لبعض مصارف کسبه فلا إشکال فی وضع مقداره عند ظهور الربح، لما عرفت من أنّ الربح لا یصدق إلاّ بعد إخراج جمیع مؤونات الکسب، وهذا ظاهر.

أمّا إذا استقرض لمؤونة شخصه فإن کان بعد ظهور الربح وشروع سنة الخمس (ولکن لم یصرف من الربح لمصلحة بل إذا استقرض لمؤونته) فلا إشکال أیضاً فی وضع مقدارها من الربح لما عرفت من أنّ الخمس بعد مؤونة الشخص.

وأمّا إذا کان قبل ظهور الربح وشروع سنة الاکتساب ـ لأنّ مبدء السنة وقت ظهور الربح لا الأخذ فی الاکتساب على الأقوى ـ فهذا لا یعد من مؤونة سنة الاکتساب حتّى یوضع من ربحه، نعم، یجوز له أداء دینه من أرباحه فإن أداء الدین یعد من المؤونة وإن کان من السنین السابقة، غایة الأمر أنّه إنّما یحتسب منها إذا أداه، وأمّا إذا لم یؤده لا یمکن وضع شیء من الربح فی مقابله، بل یکون من مؤونة السنین الآتیة التی تؤدی فیها لعدم الصدق العرفی بدون الأداء، اللّهم إلاّ إذا کان مشتغلاً.

ومنه یظهر الحال فیما إذا أکل من رأس ماله قبل ظهور الربح.

فالمناسب للمختار أن یقال:«یجوز له صرف مقداره من الربح لا وضع مقداره من الربح».

هذا کلّه إذا کان یؤدّی الدین دفعة، أمّا لو کان یؤدّی نجوماً فإنّما یحسب النجم الحاضر

من الدیون السابقة (لا من دین السنة) فإنّ الدیون النجومیة لا تحسب من المؤونة إلاّ بالنسبة إلى مقدار الحاضر منها، کما سیأتی الکلام فیها إن شاء الله فی المسائل الآتیة عند تعرض المصنّف لمسألة أصل الدین وکونه من المؤونة.

المسألة السادسة (67 من العروة) : لو زاد ما اشتراه وأدخره للمؤونة عن مؤونة سنته فإن کان ممّا یصرف ـ کالحنطة والشعیر والإرز وسائر المأکولات ـ فلا إشکال فی وجوب خمسه، وقال صاحب المستمسک: بلا خلاف ظاهر لعدم کونه من المؤونة وهو کذلک، ولازم ذلک محاسبة ما یبقى حتّى من الملح وزیت السراج وشبهه من الأشیاء القلیلة عند تمام السنة. اللّهم إلاّ أن یقال : إنّ أمثال ذلک من الأشیاء اللطیفة ممّا جرت السیرة على خلافه، لکونها مغفولاً عنها فلو کان الخمس واجباً فی أمثال ذلک کان اللازم على الشارع المقدّس توجیه الناس فیها، ولکن الأحوط لا سیّما لأهل الورع والتقوى محاسبة شیء فی مقابل جمیع هذه الأُمور الجزئیة، أمّا الأشیاء الکثیرة الزائدة على المؤونة فوجوب الخمس فیها ممّا لا غبار علیه.

وأمّا إذا کان ممّا یبقى عینه ـ کالفرش والظروف وغیرها ـ فلها صورتان :

تارة: لا یستغنى عنه فی السنة المقبلة کما هو کذلک فی کثیر من هذه الأشیاء فلا ینبغی الشک أیضاً فی عدم وجوب الخمس منه لاطلاق الأدلة أوّلاً، واستقرار السیرة علیه ثانیاً، بل کأنه من الواضحات وإن کان قد یظهر من بعض کلمات صاحب الجواهر(قدس سره)وجود القول بوجوب الخمس فیها أیضاً وإنْ لم یستغن عنها، حیث قال : «نعم قد یقال إنّ ظاهر تقیید المؤونة بالسنة یقتضی وجوب إخراج خمس ما زاد منها علیها من غیر فرق بین المأکل وغیره من ملبس أو فرش أو أوانی أو غیر ذلک إلاّ المناکح والمساکن... ولعلّه لهذا استثنیت المناکح والمساکن»(34).

بل یظهر من کلامه هذا، المثل إلى هذا القول ولیت شعری کیف یمکن انکار السیرة المستمرة من أهل الشرع على خلافه وأی فرق بین المناکح والمساکن وغیرهما من الفرش والأوانی، وما سیأتی استثناؤه فی باب المناکح وشبهها لا دخل له بما ذکره.

وأُخرى: یستغنى عنه بعد حین إمّا فی السنة الآتیة أو فی نفس سنة الخمس، وله أمثلة کثیرة :

منها: حلى النساء بعد کهولتهنّ والاستغناء عنها.

ومنها: الدور العدیدة إذا کان له أفراد أُسرة کثیرون ثمّ تزوجوا وذهبوا من عنده ولم یحتج هو نفسه إلى غیر دار واحدة.

ومنها: ما إذا تبدّل شغله وکان له آلات خاصة بالشغل السابق وکانت من مؤونته ثمّ استغنى عنها فی الشغل الجدید.

ومنها: ما إذا احتاج إلى ظروف الماء ومراکب للاستقاء، ثمّ بعد نصب الأنابیب واتصالها إلى داره استغنى عنها، إلى غیر ذلک.

فهل یجب فی جمیع ذلک الخمس أم لا یجب ؟ الذی یظهر من کلمات المعاصرین وبعض من تقدّم علیهم أنّ فی المسألة أقوالاً ثلاثة :

أحدها : وجوب الخمس فیها مطلقاً کما یظهر من کلمات بعض المعاصرین.

ثانیها : عدم وجوبه کذلک کما هو المصرّح به فی المستند(35).

ثالثها : التفصیل بین الاستغناء عنه فی سنته، فیجب، والاستغناء عنه بعدها، فلا، کما یظهر من بعض الحواشی.

وعمدة دلیل القول بالوجوب أمران :

أحدهما : أنّ استثناء المؤونة هو ما کان دائمیاً فإذا استغنى عن بعضها دخل تحت عموم أدلة الخمس.

ثانیهما : أنّه لو شک فی المقام فالمرجع عموم العام بعد اجمال المخصص وابهامه.

أقول : وکلاهما محل إشکال. أما الأوّل : لأنّه مجرّد دعوى لأنّ إطلاقات استثناء المؤونة عن أدلة الخمس لیست ناظرة إلاّ إلى إخراجها عنها من غیر تعرض لحال الاستغناء عنها، ومن یدّعی أنّ الحکم على ما کان دائمیاً فعلیه إقامة الدلیل.

أمّا الثانی : فما ذکر فی أبواب العام والخاص أنّ المرجع فی أمثال المقام إلى استصحاب حکم الخاصّ، أو الاُصول العملیة وهو البراءة فی المقام.

توضیح ذلک : أنّ العام قد یکون له عموم زمانی کما إذا قال: أکرم العلماء کلّ یوم، ثمّ قال لا تکرم زیداً یوم الخمیس. ثمّ شک فی یوم الجمعة وما بعده أنّه یجب إکرامه فیها أم لا ؟ فالمرجع هنا هو عموم العام لأنّ المفروض کون إکرام العالم فی کلّ یوم فرداً مستقلاً للعام، أمّا إذا قال: أوفوا بالعقود. فخرج العقد الغبنی أوّل ظهور الغبن منه ثمّ شککنا أنّه على الفور أم لا ؟ فلا مجال للأخذ بالعموم لعدم عموم زمانی فیه، بل له عموم إفرادی فإذا خرج منه عقد من العقود خرج أحد أفراده من غیر فرق بین خروجه إلى الأبد أو خروجه فی بعض الأحیان.

وحینئذ فإن قلنا بحجّیة الاستصحاب فیرجع إلى استصحاب حکم المخصص وهو فی المقام عدم الوجوب، وإلاّ فالمرجع هو الاُصول العملیة وهو هنا البراءة والنتیجة واحدة.

أضف إلى ذلک کلّه أنّ وجوب الخمس لو کان ثابتاً فی هذه الأُمور لوجبت الإشارة إلیه فی الأدلّة، لغفلة عامة الناس عنه سواء فی مثل حلیّ المرأة أو غیرها.

نعم، إذا استغنى عنه فی السنة ولم یحتج إلیه بعد ذلک أمکن القول بوجوب الخمس فیه، لأنّه فی رأس السنة إذا أراد احتساب أرباحه عدّه منها لا سیّما إذا أراد بیعها، وفی هذه الصورة لو لم یکن الخمس أقوى فلا أقل من أنّه أحوط.

بقی هنا شیء :

وهو أنّه إذا لم یستغن عن بعض هذه الأشیاء مثل الدار والمرکب والکتاب وغیرها ولکن أراد تبدیلها بما هو انفع وألیق بحاله فباع داره أو سیارته واشترى بالثمن داراً أو مرکباً آخر (أو جعل هذا بعض ثمنه) فالمحکی عن بعض أعلام العصر، وجوب الخمس فیه فوراً (والظاهر أن قوله به إنّما هو بعد مضی السنة وأمّا إذا کان فی وسط السنة فإنه لا یزید على رجوعه إلى عنوان الأرباح، ومن المعلوم جواز اشتراء المؤونة من أرباح السنة).

ولازم ما ذکره وجوب الخمس من ثمن هذه الدار مثلاً، حتّى إذا لم یقدر على شراء دار آخر بباقی الثمن وبقى محتاجاً !

وفی المسألة وجهان آخران :

أحدهما: عدم الوجوب مطلقاً سواء أراد صرف الثمن فی دار آخر مثلاً أم لا.

ثانیهما: الفرق بین ما إذا أراد ذلک فلا یجب الخمس، وبین ما إذا لم یصرفه فی المؤونة مجدداً فیجب (فالمسألة ذات وجوه ثلاثة).

أما القول بالوجوب فهو یبتنی على ما مرّ من أحد الأمرین :

أحدهما : کون استثناء المؤونة عن حکم الخمس ما کان دائمیاً فإذا خرج عن کونه مؤونة وجب الخمس فیها، وقد عرفت أنّه دعوى بلا دلیل، ومجرّد کون تعلیق الحکم على الوصف مشعراً بالعلیة غیر کاف کما هو ظاهر، مضافاً إلى أنّه لو صحت هذه الدعوى لوجب الخمس حتّى فی صورة عدم الاستغناء عنها ومع عدم بیعها مثل داره ولباسه وفرشه وظروفه التی یحتاج إلیها، فإنّ المستثنى من حکم الخمس هو خصوص مؤونة تلک السنة، لا السنین الآتیة، والحکم على ما کان دائمیاً على هذا القول فما دام یکون شیء موصوفاً بأنّه من مؤونة السنة یجب فیه الخمس، وأمّا إذا خرج عن عنوان المؤونة مطلقاً (کما إذا باعه) أو خرج عن عنوان مؤونة السنة ودخل فی مؤونة السنة الآتیة وإن لم یبعه وجب فیها الخمس، مع أنّک قد عرفت أنّ القول بذلک باطل بل بطلانه کالضروری.

ثانیهما : الرجوع إلى عموم أدلة خمس الأرباح أو عموم الغنیمة (على فرض الشک) لکن قد عرفت أنّه لا یجوز التمسک بها بعد عدم وجود عموم أزمانی فیها، فإنّ هذه الدار مثلاً لیس فرداً جدیداً للعام بعد خروجها عن کونها مؤونة حتّى یتمسک بعموم العام.

وأوضح من ذلک ما إذا أراد مجرّد تبدیله بدار آخر فإنّ العرف لا یرى هذا الثمن غنیمة وربحاً ربحه، بل یراه واسطة فی تبدیل دار بدار آخر ومؤونة بمؤونة أخرى، فلو قلنا: إنّ المؤونة المستمرة طول السنین ـ کالدار ـ لا یجب فیها الخمس، تکون الدار الجدیدة الحاصلة من بیع داره السابقة فی نظر العرف من استمرار المؤونة السابقة، وأی فرق بین ما إذا باع الدار بالدار أو باعه بثمن ثمّ اشترى بالثمن داراً آخر ؟ مع أنّه لا یظن من أحد القول

بالوجوب فی الصورة الاُولى.

أضف إلى ذلک کلّه غفلة العامة عن مثل ذلک فإنّ أحداً منهم لا یرى الثمن هنا إلاّ واسطة فی التبدیل لا ربحاً داخلاً فی أدلة الخمس، فلو وجب الخمس فیها بمجرّد البیع لوجب البیان مع کثرة الابتلاء به، فإذا لم یبینه الشارع کشف عن عدم وجوبه، فتدبّر جیّداً.

فالأقوى عدم وجوب الخمس فیها بل الاحتیاط فیها ضعیف جدّاً.

ومن هنا یظهر دلیل الوجه الثانی.

وأمّا الوجه الثالث : فدلیله صدق الربح فی إحدى الصورتین دون الأخرى فإذا أراد التبدیل لم یصدق الربح لما عرفت وإذا لم یردّه صدق علیه، والإنصاف أنّ إطلاق أدلّة الغنائم والأرباح وعمومها للمقام مشکل، سواء الصورتان، ولیت شعری لو صدق على الحلیّ مثلاً الربح بعد بیعها عند الاستغناء عنها فلیصدق علیها ذلک حتّى قبل بیعها، فالإنصاف عدم وجوب الخمس فی شیء من هذه الصور.

وأولى ممّا ذکرنا إذا کان الاستغناء عنها مؤقتاً ـ کالاستغناء عن الملابس الصیفیة فی الشتاء وبالعکس ـ فلا تحاسب رأس السنة، فلا یقال إنّها من الأرباح لاستغنائه عنها فی هذه السنة. وأمّا مؤونة السنة الآتیة فلا یؤخذ من هذه السنة، لما عرفت من استقرار السیرة على خلافه، وانصراف إطلاقات الأرباح عن مثله، وعلى القائلین بوجوب الخمس فی بیع الدار القول به هنا، وکذا الحال فیما إذا استغنى عنه سنة أو سنتین کما إذا سافر إلى بعض البلاد سنة أو سنتین ولا یحتاج إلى بعض ألبسته هناک لأنّها مثلاً مختصة بالبلاد الباردة وتلک البلاد حارة ویعلم برجوعه بعد ذلک إلى وطنه وحاجته إلیها، کلّ ذلک لا یدلّ على وجوب الخمس فیها لما عرفت من الدلیل.

والله العالم بحقائق أحکامه.

المسألة السابعة (68 من العروة الوثقى) : إذا مات المکتسب فی أثناء الحول بعد حصول الربح وقبل التمون به کلاً أو بعضاً قال فی المستند : «یخمّس ما بقى منه لظهور أنّه لا مؤونة له غیر ما تموّن»(36).

وبه قال صاحب الجواهر أیضاً فی نجاة العباد : «ولو مات المکتسب فی أثناء الحول بعد الربح سقطت المؤونة فی باقیه وأخرج الخمس فیه»(37).

وبه أفتى صاحب العروة وحواشیها، بل صرّح بأنّه لا یوضع من الربح مقدارها على فرض الحیاة، ولم نجد من خالفه فیما رأینا عن الحواشی.

والوجه فیه ظاهر لعدم صدق المؤونة إلاّ على ما صرفه حال حیاته، والمراد من استثناء مؤونة السنة هو ما یحتاج إلیه فی طولها على فرض الحیاة، حتّى إذا کان حیّاً ولم یحتج إلیها لکونه ضیقاً لا یخرج مقدارها من أرباحه فکیف ما نحن فیه.

بل لو کان الملاک فی استثناء المؤونة کونها من مؤونة الکسب غالباً وعدم صدق الربح بدون إخراجها کما ذکرناه سابقاً کان الأمر أوضح.

المسألة الثامنة (69 من العروة) : إذا لم یحصل له ربح فی سنة وحصل فی السنة التالیة فهل یخرج مؤونة السنة السابقة من اللاحقة، وهکذا إذا حصل ربح ولم یکفه لمؤونة سنته ؟ فقد صرّح فی العروة وحواشیها بعدم جواز الإخراج، وقال صاحب نجاة العباد: فی المسألة وجهان لا یخلو ثانیهما (أی عدم الإخراج) من قوّة.

والوجه فیه عدم الدلیل على إخراج المؤونة السابقة من السنة التالیة، بل تخرج مؤونة کلّ سنة من أرباحه.

أقول : لو کانت الأرباح نتیجة سعیه طول السنتین لم یبعد إخراج مؤونتهما بل مؤونة جمیع السنین الماضیة منها، بناءً على ما عرفت من أنّ مؤونة الشخص ترجع فی الحقیقة إلى مؤونة الکسب غالباً ولا یصدق الربح بدون إخراجها.

هذا وفی أصل تصویر المسألة إشکال لأنّه إن استدان فی السنة السابقة للمؤونة جاز له إخراج الدین من أرباح السنة الجدیدة على کلّ حال لما ستأتی الإشارة إلیها من جواز إخراج الدین الحاضر عن أرباح السنة ولو کان مبدء الدین من السابق، وإن تبرع له متبرع فقد عرفت التصریح بعدم جواز إخراج مقداره ولو کان فی نفس سنة الربح، ولو صرف فی المؤونة ما لا خمس فیه فی المؤونة اشکل إخراج مقداره حتّى من ربح تلک السنة.

نعم، إنّما یتصور ذلک إذا صرف مقداراً من رأس ماله فی نفقاته الماضیة، فقد أفتى صاحب العروة بجواز إخراجه من مؤونة نفس السنة فیبقى الکلام فی إخراجه من ربح السنة الآتیة ولکن خالف فیه أیضاً بعض المحشّین، فتصویر فرض المسألة لا یخلو من صعوبة على کلّ حال.

المسألة التاسعة (70 من العروة) : هل تحتسب مصارف الحجّ من المؤونة أم لا ؟ المسألة ذات وجوه خمسة :

1 ـ تارة یحصل له الاستطاعة من أرباح سنته ویحجّ بها فلا شک أنّه یحسب له من مؤونته، لما عرفت من إطلاق أدلّة المؤونة وشمولها لکلّ ما یلیق بحاله من الانفاقات والعبادات وغیرها، بل یجوز له الحجّ المستحب أو احجاج الغیر من أرباحه وکلّها تحسب من المؤونة.

2 ـ إذا حصل له الاستطاعة المالیة من أرباح سنته ولم تحصل له الاستطاعة البدنیة أو من ناحیة الطریق أو الوقت (فإنّ الاستطاعة لها فروع أربعة) الاستطاعة من ناحیة المال والجسم، والطریق، والوقت، فإن انعدمت واحدة منها فلم یحجّ، فلا شک فی وجوب خمس الأرباح ما یزید من سائر نفقاته، لما عرفت أنّ المعتبر من المؤونة هی المؤونة الفعلیة لا التقدیریة.

3 ـ إذا حصل له الاستطاعة من جمیع الجهات ولم یحجّ عصیاناً فقد احتاط صاحب العروة بوجوب إخراج الخمس منه، ولکن صرّح کثیر من المحشّین بأنّ إخراجه هو الأقوى، وقد یقاس ذلک بما إذا قتر على نفسه فإنّ الواجب علیه الخمس فیما یبقى له، والوجه فی جمیع ذلک أنّ المعتبر فی المؤونة أن تکون فعلیة ومجرّد الوجوب الشرعی غیر کاف فیها بل لابدّ من صرفها وإلاّ یخرج منها الخمس.

أقول : هذا الحکم بإطلاقه محلّ إشکال فإنّه إذا وجب علیه الحجّ بالاستطاعة وعصى

وجب علیه الحجّ من قابل، فإن قدر على الحجّ تسکّع(38) فلا کلام، أمّا إذا لم یقدر إلاّ بحفظ هذا المال إلى القابل وجب علیه حفظه ولا یجوز له إخراج خمسه، وإن هو إلاّ مثل نذر بعض أمواله لمصرف خاصّ ولکن لم یأت وقت صرفه وسیأتی فی العام القابل، کما إذا نذره لحجاج بیت الله الحرام وقد مضى وقته هذا العام (مثلاً کان النذر فی وسط ذی الحجّة) أو نذره مثلاً للاطعام فی أیّام العاشوراء ولم یأت وقتها.

فالواجب حینئذ حفظها وعدم التصرف فیها حتّى تصرف فی موردها، فوجوب الوفاء بالنذر أو الحجّ به من قابل یکون بحکم مصرفه ولا یمکن قیاسه على التقتیر کما هو واضح، فاستثناء هذه الصورة قوی.

4 ـ ما إذا حصلت الاستطاعة من أرباح سنین، لا شک فی وجوب إخراج خمس ما حصل من السنین الماضیة، لعدم المانع من شمول أدلة الخمس له، لعدم تمام الاستطاعة على المفروض وعدم صرفه بالفعل فی الحجّ، وهکذا الکلام إذا جمع أرباح السنین لاشتراء الدار أو المرکب أو التزویج أو غیر ذلک، فإنّ الواجب إخراج الخمس عمّا حصل من السنین السابقة.

نعم، لا یجب علیه إخراجه ممّا تمّمه من هذه السنة إلاّ إذا عصى ولم یحجّ فیأتی فیه ما ذکرناه فی الصورة الثالثة.

5 ـ ما إذا توقف أمر الحجّ على إعطاء النقود مقدّماً، کما تعارف فی عصرنا وبلادنا من أخذ مصارف الحجّ عن الناس ثمّ یقرع بینهم ثمّ یرسل کلّ طائفة منهم فی سنة من السنین لکثرة الحجاج بحمد الله، فهل یعد إخراج هذا المال من المؤونة حتّى لا یجب إخراج خمسه، أم هو من قبیل المؤونة التقدیریة لا الفعلیة ؟ لم أر من تعرض من القدماء له لکونه من المسائل المستحدثة (إلاّ بعض المعاصرین).

والإنصاف أنّه من قبیل المؤونة، لأنّ المعیار فیها صرفها وإخراج المال من یده وقد صرفه وأخرجه من یده، فلذا یحسبه فی دفاتره من مصارف هذه السنة وإن حصلت آثاره فی السنین الآتیة، وإن هو إلاّ کمن اشترى أرضاً من أرباح هذه السنة لبناء الدار ولکن یعلم أنّه لا یقدر على بنائها إلاّ فی السنین المستقبلة.

لا یقال : إن المال الذی یؤدیه فی الحقیقة من قبیل الأمانة عندهم ولذا یقدر على استرجاعه إذا أراد.

لأنّا نقول : لیس کذلک بل هو کالثمن فی البیع الجائز، ومن الواضح أنّ جواز الفسخ لا یمنع عن صدق المؤونة إذا اشتراه لحاجته، والمفروض أنّه مستطیع مستعد للحجّ ولو فی سنته هذا ولو سمح له بالحجّ یحجّ فوراً.

نعم، إذا لم یکن قادراً من حیث البدن (مثلاً) وأراد الحجّ من قابل وبذل النقود من هذه السنة لیقدر علیه فی القابل لم یکن من مؤونة هذه السنة.

وهکذا الکلام فی أمثاله مثل ما إذا بذل مالاً لأن یجعل فی النوبة من جهة معالجة مرضه أو مرضى أهل بیته، أو فی النوبة لأمر الدار فقد لا یتمکن منه إلاّ ببذل أموال من قبل، کلّ ذلک یعدّ من انفاقاته إذا کان محتاجاً إلى هذه الأُمور فعلاً، وهکذا بالنسبة إلى مشروع الماء والکهرباء والتلفون وما ینفق فی سبیلها من قبل.

نعم، إذا لم یحتج بالفعل إلى الدار أو العلاج أو التلفون مثلاً وبذل شیئاً لیکون فی النوبة لم یعد من مؤونة سنته، أمّا إذا احتاج إلیه ولم یکن له طریق إلاّ هذا فهو من مؤونة سنته بلا إشکال، وهکذا الکلام فی أمر الحجّ فلو لم یکن مستطیعاً من ناحیة البدن مثلاً وأعطى النقود وأخذ النوبة للسنین الآتیة لم یجز محاسبته من مؤونة هذه السنة کما مرّ.

والعمدة أنّ هذه الأموال لیست من قبیل الأمانة بل من قبیل ما یصرف فی مصارفه.

نعم، إذا کان طریق الوصول إلى حوائجه ولو فی المستقبل منحصراً فی بذل النقود من قبل بحیث إذا لم یبذله فاتت حوائجه عنه، أمکن عدّه من مؤونة سنته لأنّ المفروض أنّه لا یرى بداً من صرفها، فتأمل.

والحاصل: أنّ المسألة ذات شقوق ثلاثة : تارة یحتاج إلى شیء بالفعل ولکن لا یصل إلیه إلاّ ببذل الأموال فعلاً وإن کان لا یقدر علیه إلاّ فی المستقبل، وأخرى لا یحتاج إلیه إلاّ فی المستقبل ولکن طریق الوصول إلیه منحصر فی بذل المال من قبل، وثالثة لا یحتاج إلیه إلاّ

فی المستقبل وطریقه غیر منحصر فی ذلک. فالأوّل لا ینبغی الشک فی عدّه من المؤونة، والثانی کذلک على إشکال، والثالث لا یعد من مؤونة سنته، والله العالم بحقائق أحکامه.

وهاهنا إشکال آخر فی أمر الاستطاعة للحجّ مع وجوب الخمس علیه، وحاصله أنّه إذا کان الربح بمقدار نفقة الحجّ فقط فقد یقال إنّه لیس مستطیعاً، لأنّ المفروض تعلق الخمس بالمال من لدن ظهور الربح فخمس هذا الربح لیس داخلاً فی ملکه فهو مالک لأربعة أخماس فقط والمفروض عدم کفایته للحجّ.

ولکن یدفعه أنّ الاستطاعة ـ کما ذکرنا فی محلها ـ لا تتوقف على ملک نفقات الحجّ، بل المراد هو الاستطاعة العرفیة وهی حاصلة هنا، لأنّ المفروض جواز صرف الربح فی مؤونة السنة والخمس واجب موسع مشروط ببقاء الربح إلى آخر السنة وعدم صرفه فی المؤونة، فحینئذ لا مانع من جواز صرفه فی مصارف حجّه وبذلک یکون مستطیعاً.

المسألة العاشرة (71 من العروة) : وهی مسألة هامة ترتبط بالدیون، وحاصلها أنّ أداء الدین هل هو من المؤونة أم لا ؟ والدین على أقسام :

تارة یستدین لسنته وأُخرى باق من السنین السابقة.

وکلّ واحد منهما إمّا لأمر مؤونته أو لغیره من قبیل التوسعة فی الکسب.

وکلّ من هذه الأربعة إمّا أن یکون ما یقابله موجوداً أو لا. فهذه صور ثمانیة :

أما إذا کان ما یقابله باقیاً، مثلاً استدان ألف درهم لمؤونة سنته أو السنین الماضیة ولکن بقی خمسون درهماً منه فی آخر السنة، فهذا الدین لیس من المؤونة قطعاً لعدم صرف مقابله وإمکان أدائه منه، نعم لا یعد الباقی من المنافع لعدم کونه ربحاً فلا یخرج منه الخمس کما لا یستثنى هذا الدین من سائر أرباح سنته وهذا أمر واضح.

وأولى منه ما إذا کانت الاستدانة لأمر التجارة وبقی مقابله من أموال التجارة وعروضها فهذا لیس من المؤونة فی شیء، وبذلک تخرج أربعة صور من محل الکلام.

وأمّا إذا استدان لمؤونة شخصه فی سنة اکتسابه ولیس فی مقابله شیء، فلا إشکال فی إخراجه عند المحاسبة على رأس السنة سواء کان الدین مُطالباً به أم لا بالفعل.

أمّا على ما ذکرنا من کون مؤونة الشخص مؤونة للکسب غالباً فهو واضح، وأمّا على غیر هذا القول فلظهور أدلة استثناء مؤونة السنة عن الأرباح، وأی فرق عرفاً بین إخراجها منه أو إخراج بدلها من الدین وهذا أمر واضح.

وأمّا إذا کان الدین من السنین الماضیة وقد استدانه لمؤونة شخصه فیها ولم یقدر على أدائه، فالظاهر جواز أدائه من أرباح هذه السنة لصدق عنوان المؤونة علیه عرفاً، بل کثیر من الناس یقدمون أداء الدیون على سائر نفقاتهم حفظاً لأعراضهم، نعم یستثنى منه صورتان.

إحداهما : ما إذا کان الدین نجومیاً فما حان حینه من هذه النجوم عد من المؤونة وما لیس کذلک لم یعد منها، فتدبّر.

والأخرى: ما إذا صبر على الدین ولم یخرجه من أرباح سنته فعلیه أداء خمس تلک الأرباح فإنّه من قبیل من قتر على نفسه، وهذا بخلاف ما لو استدان لمؤونة السنة فإنّه یکسر من أرباحها ـ سواء أدّى دینه أم لا ـ لما عرفت من ظهور أدلة استثناء مؤونة السنة فی ذلک.

أمّا إذا کان الدین لتوسعة الکسب وازدیاد المنافع بأن استدان لها ولکن تلف ولم یبق مقابله وبقى الدین فی ذمّته، فالظاهر أیضاً عدّها من المؤونة إذا لم یکن نجومیاً، لوجوب أدائه علیه شرعاً وتوقف حفظ عرضه علیه عرفاً، وقد عرفت أنّ کلّ ما یصرف فی أداء الواجبات أو حفظ الأعراض یعد من المؤونة(39).

فقد تحصّل من ذلک أنّ المسألة ذات صور مختلفة ولکلّ حکمها، فما فی بعض الکلمات من عدّ الدین من المؤونة مطلقاً غیر وجیه.

قال المحقّق النراقی (رحمه الله) فی المستند : «من مؤونة الرجل ما یصرف فی الأکل... والحقوق اللازمة علیه من النذر والکفّارات والدین... ومنهم من قید الدین بصورة الحاجة إلیه ومنهم من قید المتأخر عن الاکتساب الواقع فی عامه بالحاجة دون المتقدم... ولو کان لغرض غیر صحیح، والکلّ لأجل اختلاف الفهم فی الصدق فی مصداق المؤونة والعرف یعاضد الأخیر جدّ»(40).

والإنصاف أنّ استثناء الدین الذی استدانه لغرض غیر صحیح ـ کما إذا استدان لشرب الخمور ـ وبقیت علیه دیونه، مشکل جدّاً وقد عرفت نظیره فی دیة قتل العمد إذا صولح القصاص بالدیة.

وقال صاحب الجواهر فی نجاة العباد : «یعتبر فی احتساب الدین والنذور والکفّارة ونحوها من المؤونة سبقها على عام الربح أو حصولها فیه کغیره من المؤونة دون المتجدد منها بعد مضی الحول». (انتهى)(41) وظاهره کون الدیون السابقة کدین السنة کلّها مستثناة، ولکن قد عرفت لزوم التفصیل فی المسألة.

المسألة الحادیة عشرة (72 من العروة) : المعروف بین الأصحاب أنّه لا یعتبر الحول فی شیء من أنواع الخمس حتّى أرباح المکاسب، لکن یجوز تأخیر أدائه فی خصوص الأرباح إلى آخر السنة احتیاطاً لتجدد بعض المؤونة ولیس هذا بمعنى عدم تعلق الوجوب بل الوجوب متعلق به من لدن ظهورها.

وقد حکى صاحب الجواهر تصریح جماعة به، بل قال : «لا أجد فیه خلافاً بل الظاهر الإجماع علیه»(42).

وقال العلاّمة (رحمه الله) فی التذکرة : «ولا یراعى الحول فی غیره ولا فیه (فی ربح المکسب) إلاّ على سبیل الرفق بالمکتسب».

وقال فی عبارة أخرى له : «ولا یجب فی الفوائد من الأرباح والمکاسب على الفور بل یتربص إلى تمام السنة ویخرج خمس الفاضل لعدم وجود دلیل على الفوریة، مع أصالة براءة الذمّة ولأنّ تحقیق قدر المؤونة إنّما یثبت بعد المدّة لجواز تجدید ما لم یکن کتزویج بنت وعمارة منزل وغیرهما من المتجددات»(43).

فقد استدلّ فی کلامه هذا بأدلة ثلاثة یأتی البحث عنها إن شاء الله.

قال المحقّق النراقی (رحمه الله) فی المستند : «لا یعتبر الحول فی وجوب الخمس فی غیر الأرباح إجماعاً محقّقاً ومحکیاً... وفی اعتباره فی الأرباح وعدمه قولان : فظاهر کلام الحلی الأوّل بل ادّعى الإجماع علیه»(44).

وظاهر هذه العبارة کون المسألة خلافیة، ولکن قد عرفت من کلام صاحب الجواهر خلافه.

وقد نسب إلى الحلی (رحمه الله) فی السرائر کما عرفت من کلام صاحب المستند أنّه اعتبر الحول فی تعلق الخمس بالأرباح، ولکن قال صاحب الجواهر : «إنّ عبارتها لیست بتلک الصراحة بل ولا ذلک الظهور کما اعترف به بعضهم»(45).

والأولى نقل عبارة السرائر حتّى یعلم حالها، قال : «أمّا ما عدا الکنوز والمعادن من سائر الاستفادات والأرباح والمکاسب والزراعات فلا یجب فیها الخمس بعد أخذها وحصولها بل بعد مؤونة المستفید ومؤونة من تجب علیه مؤونته سنة هلالیة...».

ثمّ استدلّ على ذلک بـ «أنّ الأصل براءة الذمّة وإخراجه على الفور أو وجوبه ذلک الوقت یحتاج إلى دلیل شرعی والشرع خال منه بل إجماعنا منعقد بغیر خلاف أنّه لا یجب إلاّ بعد مؤونة الرجل طول سنته... وأیضاً فالمؤونة لا یعلمها ولا یعلم کمّیّتها إلاّ بعد مضی سنته»(46).

وهذه الأدلة الثلاثة شبیهة بما ذکرها العلاّمة (رحمه الله) فی التذکرة.

أقول : ظاهر هذه العبارات کلّها عدم وجوبه فوراً لا عدم وجوبه أصلاً، نعم قوله: إخراجه على الفور، أو وجوبه ذلک الوقت، یحتاج إلى دلیل قد یشعر أو یدلّ على عدم الوجوب أصلاً قبل حلول الحول، ولکن یشکل الاعتماد على هذا الاستظهار، فالحق ما ذکره صاحب الجواهر فی المقام وقد مرّ کلامه(47).

وکیف کان ینبغی التکلّم هنا فی مقامات :

أحدها : عدم اشتراط الوجوب هنا بمضی الحول.

ثانیها : عدم وجوب أدائه فوراً، بل هو واجب موسع.

ثالثها : أنّ بقاء الوجوب إلى آخر السنة هل هو من قبیل الاشتراط بالشرط المتأخر أم غیر ذلک.

 

أمّا المقام الأوّل : عدم اشتراط الوجوب هنا بمضی الحول

فقد استدلّ له بإطلاق أدلة وجوبه، فإنّ الآیة الشریفة بناءً على ما هو الحقّ من دلالتها على وجوب الخمس فی الأرباح مطلقة تدلّ على وجوب الخمس بمجرّد ظهور الربح وشمول عنوان الغنیمة، وکذا قوله (علیه السلام) فی روایة عبدالله بن سنان عن أبی عبدالله (علیه السلام) : «على کلّ أمرىء غنم أو اکتسب الخمس ممّا أصاب... حتّى الخیاط لیخیط قمیصاً بخمسة دوانیق فلنا منه دانق»(48).

وما رواه حکیم مؤذن بنی عیس عن أبی عبدالله (علیه السلام) أیضاً قال : قلت له : (وَاعْلَمُواْ أَ نَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) قال : «هی والله الإفادة یوماً بیوم....»(49).

وأوضح من ذلک من بعض الجهات ما رواه علی بن محمّد النیسابوری بعد سؤاله عمّا علیه فیما بقی له ممّا أصاب من ضیعته من ستین کراً من الحنطة قال(علیه السلام) : «الخمس ممّا یفضل من مؤونته»(50).

إلى غیر ذلک من الإطلاقات.

وأمّا ورود التقیید فی روایات کثیرة بأنّه بعد المؤونة فلا یدلّ على أنّ الوجوب مشروط بإخراجها، بل ظاهره کما عرفت سابقاً أنّ محاسبة مقداره إنّما هو بعد کسر مقدار المؤونة فالبعدیة هی البعدیة بلحاظ المحاسبة فی المقدار کما فهمه الأصحاب لا البعدیة فی الوجوب کما هو کذلک فی مسألة سهام الارث فی قوله تعالى : (مِن بَعْدِ وَصِیَّة یُوصِى بِهَآ أَوْ دَیْن).

ومن هنا یعلم أنّه لا یجوز التمسک بأصالة البراءة عن أصل وجوب الخمس، ولا الاستناد إلى عدم الدلیل، ولا أنّ المؤونة لا یعلم کمیتها إلاّ بعد مضی السنة التی قد عرفت الإشارة إلیها فی کلام بعض الفقهاء، فإنّ الأولین ممنوعان بما عرفت من الإطلاقات.

ویجاب عن الثالث بأنّ تعیین مقدارها تخمیناً أمر ممکن بل یمکن الاحتیاط لها بجعل شیء أکثر لها، بل قد یکون هناک أُناس تکون منافعهم أضعاف مضاعفة بالنسبة إلى مؤونة سنتهم، فهذا الوجه الاستحسانی لا قیمة له فی مقابل الإطلاقات.

نعم، قد یستند إلى قوله (علیه السلام) فی روایة علی بن مهزیار : «أمّا الغنائم والفوائد فهی واجبة علیهم فی کلّ عام»(51) بدعوى أنّ ظاهرها کون الوجوب على رأس السنة فلا یجب من أوّل ظهور الربح.

وفیه : أنّ الناظر فی تلک الصحیحة یعلم أنّ هذه العبارة لیست بصدد البیان من هذه الجهة، بل فی مقابل الخمس الخاصّ الذی أوجبه علیهم فی سنة خاصة إضافة إلى الخمس الواجب فی کلّ عام، فهو واجب فی کلّ سنة وهذا واجب فی سنة خاصة، فالمقابلة إنّما وقعت بین الخمسین.

 

أمّا المقام الثانی: عدم وجوب أدائه فوراً، بل هو واجب موسع

فالقاعدة فیه تقتضی کون وجوبه على الفور لما ذکرنا فی محلّه من أنّ الأمر ظاهر فی الفور، فإذا أمر المولى عبده بشیء کان معناه بعثه إلى الفعل فی تلک الحالة، أمّا تأخیره فهو مخالف لظاهر البعث، لأنّ البعث نحو العمل یدعو إلى الانبعاث وإن هذا إلاّ نظیر البعث الفعلی بأنّ یأخذ بیده ویبعثه نحو عمل، فکما أنّه ظاهر فی الفور فکذا البعث القولی، هذا مضافاً إلى أنّ مقتضى أدلة شرکة أرباب الخمس فی المال عدم جواز التصرف فیه بعد ظهور الربح، بل عدم جواز إمساکه فی یده بدون إذن صاحبه فهذا دلیل آخر على وجوب أدائه فوراً.

هذا، ولکن ظاهر کلماتهم کون جواز التأخیر فی مسألة الخمس من المسلّمات عندهم، لکن الظاهر أنّه لیس إجماعاً تعبدیاً حتّى یقال إن تمّ هذا وإلاّ فمقتضى القاعدة عدم جواز التصرف فیه، بل الظاهر أنّ الإجماع مستند إلى السیرة العملیة.

توضیحه : إنّ السیرة قد استمرت على حساب الأموال فی کلّ سنة لا فی کلّ یوم ولو کان أداء الخمس واجباً یوماً بیوم لاشتهر وبان وظهر ظهوراً تاماً لأنّه أمر یرتبط بحیاة جمیع الناس، ولم یعهد من وکلاء الأئمّة الهادین (علیهم السلام) حتّى فی زمان أخذ الخمس من الناس أخذ أخماسهم یوماً بیوم، ولو کان أداء الخمس علیهم واجباً فوریاً لوجب إعلام شیعتهم بذلک وأخذه منهم کی لا یکونوا مقیمین على حرام.

وبالجملة فالسیرة فی المقام من أوضح المصادیق وأظهرها ولذا یظهر من الأصحاب إجماعهم علیه.

وقد یستدلّ مضافاً إلى ذلک بأُمور ضعیفة :

منها : ما مرّ من روایة علی بن مهزیار بدعوى ظهورها فی کون المحاسبة کلّ عام، ولکن قد عرفت الجواب عنه آنفاً.

ومنها : التعبیر بـ «بعد المؤونة» خصوصاً فی روایة البزنطی(52) حیث سأل هل یخرج الخمس قبل المؤونة أم بعدها ؟ فقال (علیه السلام) : «بعد المؤونة» وفیه أیضاً ما عرفت من أنّ البعدیة لیست زمانیة بل بملاحظة افرازها وکسرها عن مجموع الأرباح. ولا أقل من الإجمال فلا یصحّ الاستدلال مضافاً إلى أنّ البعدیة المحاسبیة موافقة لإطلاق أدلة وجوب الخمس.

ومنها : أنّ المؤونة لا تعلم إلاّ بمضی السنة لا سیّما بالنسبة إلى الهبات والضیافات والانفاقات المستحبة اللائقة بشأنه ممّا لا یمکن تعیینها من قبل، هذا ولکن الإنصاف أنّه یمکن أن یکون من قبیل الحکمة لجواز التأخیر، فإنّه أمر غالبی ولیس بدائمی لجواز العلم بمقدار المؤونة ولیس تخمیناً من قبل.

فالمستند فی المقام هو السیرة القطعیة لا غیر.

نعم، هنا إشکال یجب الجواب عنه وهو أنّه لو کان حقّ أرباب الخمس متعلقاً بالمال من لدن ظهور الربح بناءً على الإشاعة لکانوا شرکاء فی ماله، فلو اتّجر بذاک المال تجارة جدیدة مکرّرة ـ کما هو معمول به عند أهل التجارة ـ کان تمام ربح الخمس الأوّل لأرباب الخمس بمقتضى کون المال مشترکاً، وخمس ربح الباقی أیضاً لهم، ولو اتّجر بها ثالثاً ورابعاً کانت الأخماس مضاعفة بحیث یشکل حسابها جدّاً، ونذکر هنا مثالاً واضحاً وهو أنّه : لو کان رأس ماله 1000 دینار وربح 1000 دینار فی معاملة واحدة، ثمّ عامل معاملة أخرى بالمجموع وهو 2000 فربح 2000 فصار 4000 دینار، فالمعمول به فی المحاسبة أنّه یؤدی خمس 3000 دینار وهو 600 دینار، أمّا بناءً على کون ربح حقّ أرباب الخمس له یزید على ذلک بـ «160» دیناراً، لأنّ الربح الأوّل یکون خمسه لهم وهو 200 دینار، وأمّا المعاملة الثانیة فیکون ربح ذلک وهو 200 دینار لهم (وذلک 400 دینار) مضافاً إلى خمس الربح الجدید أعنی خمس 1800 دینار وهو 360 دیناراً، فیکون المجموع على هذا الحساب 760 دیناراً فیزید على 600 دینار بـ «160» دیناراً.

هذا إذا کان هناک معاملتان فقط، ولو زادت على ذلک إزداد حقّ السادة کذلک.

وتدلّ بعض کلمات صاحب الجواهر على میله إلى کون الربح الثانی مشترکاً بین المالک وأرباب الخمس،لأنّه ذکره تحت عنوان«بل قد یقال...»وشرحهولم یورد علیه شیئ(53).

هذا، ولکن الإنصاف أنّ هذه الأخماس ساقطة جدّاً، فإنّ السیرة کما تدلّ على جواز التأخیر تدلّ على عدم محاسبة الربح لأرباب الخمس، وهذا أمر واضح ظاهر لکلّ أحد ولا یرتاب فیه، فکان الشارع وهو ولی الخمس أرفق بهم فی تأخیر أدائه إلى آخر السنة وأرفق بهم فی عدم محاسبة ربح هذا السهم علیهم، وسیأتی مزید بیان فی شرح المسألة 77.

 

وأمّا المقام الثالث : هل الوجوب من قبیل الاشتراط بالشرط المتأخر؟

أعنی أنّ هذا الوجوب على نحو المشروط بالشرط المتأخر أو من قبیل الواجب المعلق أو من باب رفق الشارع المقدس أو ولی الخمس فی ذلک، فحاصل الکلام فیه أنّه على الأوّل یکون تجدد المؤونة کاشفاً عن عدم تعلق الخمس به من الأوّل، فهذا مع عدم الدلیل علیه مخالف لظاهر ما عرفت من الاطلاقات، ومن إمکان دعوى الإجماع على جواز البدار فی إعطاء الخمس وأنّه یحسب خمساً، فتأمل(54).

وأمّا الثانی فمعناه أنّ وجوب الخمس بعد ظهور الربح وإن کان حالیاً إلاّ أنّ الواجب أی اعطائه لولی الخمس أو للمستحق استقبالی یکون بعد تمام الحول، وفیه مضافاً إلى ما ذکرنا فی محلّه من عدم معقولیة هذا القسم من الوجوب وأنّه من قبیل التناقض فی الإنشاء، فإنّ قول القائل: أرید منک الآن وهو یوم السبت إکرام زید یوم الأحد ممّا لا معنى له فإنّ البعث والانبعاث مثلاً زمان فی الزمان فالبعث یوم الأحد یلازم الانبعاث فیه وکذا یوم السبت.

فالقول: إنّ الوجوب فی الواجب المعلق حالی والواجب استقبالی بمنزلة أن یقال تکلّمه حالی وسماع صوته استقبالی !

اللّهمّ إلاّ أن یقال : هذا کنایة عن ایجاب الاستعداد للوجوب الآتی بتهیئة مقدماته.

سلّمنا کونه معقولاً، ولکنه لا دلیل علیه فی المقام، بل الدلیل على خلافه، لظهور تسلّم الأصحاب وفاقاً لظواهر الأدلّة بجواز أداء الخمس بمجرّد ظهور الربح، وکونه امتثالاً لوجوب الخمس علیه، مع أنّه بناءً على صحّة الواجب المعلق لا یجزی دفع الخمس فی أوّل السنة لکون الواجب استقبالیاً لا فعلیاً.

والأُوْلى هو الوجه الثالث بأن یقال إنّ الوجوب مطلق فعلی، ولکن الشارع وهو ولی الخمس أرفق بهم وأجاز لهم صرفه فیما یتجدد بعد ذلک من المؤونة، کما أرفق بهم فی غیره من المناکح وشبهها.

ولکن هذا کلّه مع قطع النظر عمّا ذکرنا سابقاً من رجوع مؤونة الشخص غالباً إلى مؤونة الکسب،وإلاّ فمعه یکون من قبیل المنتفی بانتفاء الموضوع لعدم وجود الغنیمة،فتأمل.

 

بقی هنا شیء :

وهو أنّه کما ذکر صاحب العروة أنّ تمام الحول لیس شرطاً فی وجوب الخمس وإنّما هو رفق، ثمّ فرع علیه بأنّه لو أسرف أو أتلف ماله فی أثناء الحول لم یسقط الخمس، وکذا لو وهبه أو اشترى بغبن حیلة فی أثنائه.

قلت : الظاهر أنّ مراده الهبة غیر اللائقة بحاله وکذا الاشتراء بالغبن، فقد یجوز بیع شیء بأقل من قیمته کثیراً لبعض أصدقائه أو أقربائه بحیث یُعدّ من شؤونه وإن هو من هذه الجهة إلاّ مثل الهبة، ویلحق بذلک کلّ ما یبذله فی المعاصی کثمن الخمر والقمار وآلات اللهو والمواد المخدرة وشبهه(55)، فالخمس یتعلق بثمن کلّ ذلک سواء إذا تاب من أعماله أم لم یتب ولکن أراد أداء الخمس.

المسألة الثانیة عشرة (73 من العروة الوثقى) : إذا تلف بعض أمواله فإن کان من مال التجارة فسیأتی حکمه وإن لم یکن منه، وکذا لو سرق أو أخذ منه غصباً وقهراً فهل یجبر بالربح وإن کان فی عامه، أم لا یجبر ؟

صریح کلام صاحب العروة وظاهر کلام جماعة من المحشّین، عدم الجبران لعدم صدق المؤونة علیه، وهو کذلک لشمول عمومات خمس الأرباح للمقام، والتلف وشبهه إذا کان خارجاً عن دائرة کسبه لا یمنع عن صدق عنوان الربح علیه، نعم، إذا کان المال ممّا یحتاج إلیه فی حیاته واشتراه من أرباحه عدّ من المؤونة، ولو لم یشتره کان من قبیل التقتیر على النفس.

ولکن یظهر من حواشی سیّدنا الاُستاذ الحکیم(رحمه الله) الإشکال فی ذلک واحتمال کونه مانعاً عن صدق الفائدة، ولکنه ممنوع جدّاً بعد خروجه عن دائرة اکتسابه وتجارته.

المسألة الثالثة عشرة (47 من العروة) : لو کان له رأس مال وفرقه فی نوع واحد أو أنواع من التجارة فربح بعض وخسر آخر، فللمسألة صور ثلاث :

1 ـ إذا فرقه فی أنواع من التجارة فخسر بعض أو تلف شیء من رأس ماله.

2 ـ إذا فرقه فی نوعین مختلفین من الکسب کالتجارة والزراعة، أو التجارة والضیعة، أو غیر ذلک فربح واحد وخسر الباقی.

3 ـ ما إذا کان فی تجارة واحدة کما إذا اشترى خمسین سجادة معاً وباعها کذلک فخسر فی عشرین منها وربح فی ثلاثین، فهل یجبر خسارة بعضها ببعض ؟

قد اختلفت فیها کلمات الأصحاب، فقد اطلق صاحب المدارک جبران خسارة التجارة وجعله من قبیل المؤونة المتجددة فی کونها مستثناة من الربح(56).

وعن الشهید(رحمه الله) فی الدروس: القطع بجبران الخسارة بالربح بنحو الاطلاق(57).

وعن شیخنا الأعظم الأنصاری(رحمه الله): التفصیل بین ما إذا کان الخسران والربح فی مال واحد فی تجارتین متعاقبتین فیجبر،وما إذا کان فی مالین ففیه إشکال أقربه ذلک(أی الجبران)(58).

وقال صاحب مصباح الفقیه : «ولا یعد على الظاهر جبر الخسارات أو تدارک النقص الوارد علیه بسرقة أو غصب ونحوه ولو فی هذه السنة فضلاً عن السنین السابقة من المؤونة عرفاً، نعم قد یتجه الجبر والتدارک فیما یتعلق بتجارة واحدة لا لکونه معدوداً من المؤونة بل لعدم صدق الاستفادة والربح فی تجارة إلاّ إذا حصل له منها أزید ممّا استعمله فیها... بل لا یبعد أن یدعى أنّ المنساق إلى الذهن من مثل قوله(علیه السلام): «إذا أمکنهم بعد مؤونتهم» إرادته فی الزیادة الحاصلة فی أموالهم بالتجارة والصناعة ممّا لا یحتاجون إلى صرفه فی معیشتهم فی عامهم فیتّجه حینئذ جبر الخسارة والنقصان الواردة علیه فی هذه السنة ولو فی غیر هذه التجارة، ولکنه لا یخلو عن تأمل فالأشبه ما عرفت»(59).

فقد تحصّل من ذلک أنّهم بین من أطلق الجبران ومن فصل بین صور المسألة حتّى أنّ بعضهم ـ کالمحقّق النراقی (رحمه الله) فی المستند ـ بیّن ما إذا اشترى أشیاء دفعة وإن باعها مراراً، وما إذ  اشترى متعدد و إن باعها دفعة واحتمل أو اعتقد بالجبران فیالأوّلدونالثانی(60).

وصرّح کاشف الغطاء(رحمه الله): «الأحوط أن لا یجبر خسران تجارة بربح أُخرى بل یقتصر على التجارة الواحدة»(61).

والمحقّق الیزدی (رحمه الله) فی العروة فصّل بین التجارة الواحدة فقوّى الجبران، وأنواع مختلفة کالتجارة والزراعة فقوّى عدم الجبران، وما إذا کان فردان من التجارة فاحتاط بعدم الجبران فی خسارة أحدهما بالآخر وإن قوى ذلک أخیراً، کما أنّه یظهر من صدر کلامه الفرق بین التلف والخسارة.

أقول : العمدة فی المسألة هی صدق الربح مع الخسران أو عدمه، وأنّ المدار على صدق الربح فی مجموع السنة بالنسبة إلى مالک واحد أو صدقه على کلّ معاملة من معاملاته، بعبارة أُخرى : هل المدار على وحدة المعاملة وتعددها، أم وحدة المالک وتعدده ؟

وحیث إنّ استثناء المؤونة فی طول السنة إنّما هو بحسب المالک الواحد فحصول الربح أیضاً بحسبه کذلک، لا أقول إنّ جبران الخسارة أو التلف من المؤونة کلاً، بل أقول إنّ مسألة المؤونة قرینة على جمع جمیع أرباح السنة طول السنة وملاحظتها شیئاً واحداً ثمّ إخراج المؤونة منها، فإن بقی شیء فعلیه خمسه.

وعلى هذا إذا ربح فی تجارة وخسر فی أُخرى أو ربح فی تجارته وخسر فی زراعته بمقداره لم ینتفع بشیء فی تلک السنة ولم یکن مصداقاً لقوله تعالى : (وَاعْلَمُواْ أَ نَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْء...) أو قوله (علیه السلام) : «إذا أمکنهم بعد مؤونتهم».

فإذا کان المدار على صدق انتفاع المالک فی طول السنة لا صدق الربح على نتیجة کلّ تجارة من تجاراته، لم یبق فرق بین الصور الثلاث أعنی ما إذا کان الربح والخسران فی تجارة واحدة أو تجارتین، أو تجارة وزراعة وغیر ذلک.

هذا کلّه بالنسبة إلى الخسارات الواقعة فی مکاسبه، أمّا التلف أعنی تلف بعض رأس ماله بحرق أو غرق أو سرقة فإن کان بسبب التجارة وفی أثنائها، کما إذا اشترى فواکه کثیرة وباعها فربح فیها ولکن فسد بعضها عند الحمل وغیره بمقدار الربح أو کسر بعض الأمتعة التی تنکسر أحیاناً، فلا یقال إنّه ربح فی تجارته، فالجبران واضح.

أمّا إذا تمّت التجارة وحصلت الأرباح ثمّ جاءه سارق فسرق بعض تلک الأرباح أو رأس ماله أو تلف بالحرق أو الغرق، فالجبران محل الکلام والأحوط عدم الجبران.

وهذا بخلاف ما ذکرنا سابقاً من وقوع الخسارة فی بعض أمواله الموجودة من السنین

الماضیة وقد خمسها، أو لم یتعلق به الخمس أصلاً فإنّ جبران الخسارة فیها مشکلة لأنّ المفروض أنّه انتفع فی تجارته ومکاسبه فی هذه السنة وبقیت أرباحه بعد صرف المؤونة وإنّما الخسارة وقعت فی أمواله السابقة، فتدبّر.

هذا ولو فرض الشک فی هل أنّ الخسارة أو التلف تجبر من الأرباح أم لا ؟ فمقتضى القاعدة هو الجبران لأصالة البراءة عن الخمس فیما یقابلها من الأرباح.

إن قلت : الأصل عدم دخول مقدار الخمس فی ملکه بناءً على القول بالاشاعة بین المالک وأرباب الخمس من أول الأمر.

قلت : الأصل أن تکون النماءات تابعة للمال فإذا ملک زید هذا المال کان له منافعه ونماءاته ـ سواء کانت من الزیادات العینیة أم القیمیة أم غیر ذلک ـ وشرکة أرباب الخمس فیها یحتاج إلى دلیل ومع عدمه تکون تابعة لأصل المال. اللّهمّ إلاّ أن یقال : تعلق الخمس بالمال من أوّل ظهور الربح ثابت وسقوطه غیر معلوم، فالاستصحاب هنا مقدم ولا وجه للتمسک بتلک القاعدة ـ أی قاعدة التبعیة ـ ولکن الکلام فی الوجوب الحاصل بنفس ظهور الربح فإنّه وجوب موسع مراعى، وکفایة مثله فی المقام غیر معلوم(62).

المسألة الرابعة عشرة (75 من العروة) : هل الخمس یتعلق بالعین وعلى القول بتعلقه بها فما هی کیفیة تعلقه والمسألة عامة فی جمیع أنواع الخمس لا تختص بباب الأرباح.

وهذه مسألة مهمّة ذات فروع کثیرة کما أشار إلیها صاحب العروة فی المسألة 75، ثمّ فرع علیها فی نفس المسألة الأُمور التالیة :

1 ـ یتخیر المالک بین دفع الخمس من العین أو دفع قیمته من مال آخر.

2 ـ لا یجوز له التصرف فی العین قبل أداء الخمس وأنّ خمسه فی ذمّته.

3 ـ لو أتلفه بعد استقراره ضمنه.

4 ـ لو اتّجر به قبل إخراج الخمس کانت المعاملة فضولیة ثمّ رتب علیه آثار البیع الفضولی من اجازة المالک (وهو هنا الحاکم الشرعی النائب عن أرباب الخمس) وعدمها، وأخذ العین إن کانت موجودة، وأخذ قیمتها إن کانت تالفة إلى غیر ذلک من أحکام البیع الفضولی.

إذا عرفت ذلک فاعلم أنّ الاحتمالات فی المسألة خمسة :

1 ـ أن یکون الخمس حکماً تکلیفیاً محضاً.

2 ـ أن یکون الخمس حکماً وضعیاً ثابتاً فی الذمّة لا تعلق له بالعین أصلاً، مثل الدیة والکفّارات.

3 ـ أن یکون الخمس حقّاً عینیاً خارجیاً له تعلق بالمال من قبیل حقّ الرهانة أو غیرها على أقسامها.

4 ـ أن یکون الخمس من باب ملکیة العین على نحو الکلی فی المعین.

5 ـ أن یکون الخمس من باب ملکیة العین على نحو الإشاعة.

والفرق بین الإشاعة والکلی فی المعین واضح، فعلى الإشاعة لو تلف بعض العین کان التلف من المالک وأرباب الخمس بالنسبة، وعلى فرض الکلی فی المعین کان حقّ أرباب الخمس ثابتاً فیها ما دام مقدار خمس مجموع الربح باقیاً. وهذا الفرق ثابت أیضاً فیما لو اشترى صاعاً من صبرة على نحو الکلی فی المعین، فما دام مقدار الصاع موجوداً کان حقّه باقیاً.

والإنصاف أنّ ظاهر الأدلّة هو الملکیة على نحو الإشاعة، وذلک لاُمور :

1 ـ ظاهر قوله تعالى : (وَاعْلَمُواْ أَ نَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ...)وظاهر الکلام هو الملکیة لا سیّما مع تعقبه بالکسر المشاع وهو قوله «خمسه» فإنّه أظهر فی الملکیة على نحو الإشاعة، مضافاً إلى قرینة المقابلة، فإنّه لا شک فی أنّ کون أربعة أخماسه للمالک إنّما هو على نحو الملکیة فالخمس أیضاً کذلک.

وما قد یقال(63) من «أنّ مفاد اللام هو الاختصاص سواء کان من باب الملک أم الحق أم المصرف أو لاضافة خاصة غیرها، وظهورها فی الأوّل یحتاج إلى قرینة وهی مفقودة فی المقام لو لم نقل بقیامها على أنّها فی مقام بیان مجرّد الاختصاص والمصرفیة فقط» ففیه أنّ ظاهر کلمة اللام إذا أضیفت إلى مال هو الملکیة، ولذا لو أقر واحد بأنّ هذا المال لزید کان اقراراً بالملکیة له، وحملها على الاختصاص والحق والمصرف وشبهها یحتاج إلى قرینة فی أبواب الأموال.

2 ـ الأخبار المشتملة على کلمة اللام، مثل ما ورد فی روایة عبدالله بن سنان عن الصادق (علیه السلام) : «حتّى الخیاط لیخیط قمیصاً بخمسة دوانیق فلنا منه دانق»(64) وکذا قوله(علیه السلام)فی صدرها : «على کلّ امرء غنم أو اکتسب الخمس ممّا أصاب لفاطمة (علیها السلام)ولمن یلی أمرها من بعده» إلى غیر ذلک، والکلام فیه إشکال وجواب کما عرفت.

3 ـ الأخبار المشتملة على کلمة «فی» وهی کثیرة، مثل الروایات الثانیة والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة من الباب الثالث من أبواب ما یجب فیه الخمس، ومضمون الجمیع أنّ فی المعادن الخمس.

وقوله (علیه السلام) فی ما رواه سماعة بعد سؤاله عن الخمس: «فی کلّ ما أفاد الناس من قلیل أو کثیر»(65) بناءً على أنّ کلمة «فی» إذا استعملت فی أبواب الأموال لا سیّما مع الکسر المشاع، ظاهرة فی الشرکة والملکیة المشاعة وکلمة (ولیس ببعید) لا أقول، لا یجوز استعمال مثل هذه العبارة فی الحقّ وشبهه، بل أقول ظاهره عند إطلاقه هو الملک.

4 ـ ما یدلّ على لزوم إخراج الخمس عن أشیاء مثل قول علی (علیه السلام) فیما رواه صاحب تفسیر النعمانی : «والخمس یخرج من أربعة وجوه من الغنائم... ومن المعادن ومن الکنوز ومن الغوص»(66).

بل وکلّ ما ورد فیه التعبیر بکلمة «من» (مثل الروایات التاسعة والرابعة والحادیة عشرة من الباب الثانی من أبواب ما یجب فیه الخمس وغیر ذلک) بناءً على ظهور کلمة «من» فی هذه المقامات فی التبعیض لا سیّما بعد انضمامها إلى کلمة (ولیس ببعید).

5 ـ ما ورد فیه عطف الأنفال على الخمس، فإنّ الأنفال ملک له(علیه السلام) فالخمس أیضاً ملکه لاتحاد السیاق، مثل ما عن العبد الصالح (علیه السلام) : «وله (أی للإمام) بعد الخمس الأنفال»(67).

وکذا ما عن أبی جعفر (علیه السلام) حیث قال : «إنّ لنا الخمس فی کتاب الله ولنا الأنفال»(68).

6 ـ ما دلّ على التعبیر بالسهام، مثل قوله (علیه السلام) : «ویقسم بینهم الخمس على ستة أسهم سهم لله وسهم لرسول الله...» إلى قوله «وله ثلاثة أسهم»(69). وقوله (علیه السلام) : «فأمّا الخمس فیقسم على ستّة أسهم»(70) فإنّ هذا التعبیر منصرف إلى سهام الملک کما لا یخفى على من راجع موارد استعمالاته، وکذا ما ورد فیه التعبیر بالنصیب الظاهر فی الملکیة، مثل الروایتین العاشرة، والعشرین من الباب الرابع من أبواب الأنفال، فراجع.

7 ـ ما دلت على أنّ من أکل من الخمس فهو داخل فیمن أکل مال الیتیم ونحن والله الیتیم، مثل الروایة الاُولى من الباب الأوّل من أبواب ما یجب فیه الخمس، فإن جعله مصداق أکل مال الیتیم ظاهر فی ملکیة الخمس لأربابه.

8 ـ ما دلّ على أنّه (علیه السلام) صاحب الخمس وظاهر هذا التعبیر الملکیة، مثل ما ورد فی تفسیر العیاشی عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال : «إنّ أشدّ ما فیه الناس یوم القیامة إذا قام صاحب الخمس فقال : یا ربّ خمسی وإنّ شیعتنا من ذلک فی حلّ»(71).

فتحصّل من جمیع ذلک مع انضمام هذه الجهات الثمان بعضها ببعض، أنّ الأقوى تعلق الخمس بالأموال على نحو الملک المشاع، وأمّا احتمال کونه من قبیل الکلی فی المعین فهو ضعیف جدّاً لأنّه، لا یساعد التعبیر بالکسر المشاع أوّلاً، وهذا القسم من الملکیة بالنسبة إلى الملک المشاع (فی الأملاک المشترکة) قلیل جدّاً، تنصرف عنه الاطلاقات ثانیاً.

وأمّا أدلة القائلین بالخلاف ممّا یظهر من کلماتهم بعد ضمّ بعضها ببعض أُمور :

1 ـ المتبادر ممّا ذکر فیه کلمة «على» کون الخمس مفروضاً على العین فتکون حقّاً لا ملکاً، وهو مرسلة ابن أبی عمیر : «أنّ الخمس على خمسة أشیاء: الکنوز والمعادن والغوص والغنیمة ونسى ابن أبی عمیر الخامسة»(72).

وفیه : أنّ هذه المرسلة مضافاً إلى عدم إسنادها إلى المعصوم هی بعینها ما روى عن بعض أصحابنا رفع الحدیث قال : «الخمس «من» خمسة أشیاء: من الکنوز والمعادن والغوص والغنم الذی یقاتل علیه ولم یحفظ الخامس» (73) مع ذکر «من» بدل «على» فیه، فلا یعلم أنّ أصل الحدیث کان مع «من» أو «على».

وفی معناهما فی ذکر الخمسة بعض أحادیث أُخر ذکر فیها «الخمس من خمسة أشیاء»، مثل روایتی حمّاد(74).

2 ـ وکذا المتبادر ممّا ذکر فیه لفظه «فی» أیضاً ذلک مثل ما رواه عمّار بن مروان عن أبى عبدالله(علیه السلام) : «فیما یخرج من المعادن والبحر... الخمس»(75).

وکذا ما رواه زرارة عن أبی جعفر (علیه السلام) : سألته عن المعادن ما فیها ؟ فقال : «کلّ ما کان رکازاً ففیه الخمس وقال : ما عالجته بمالک ففیه ما أخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفى الخمس»(76). ومحمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن الملاحة... ؟ فقال : «هذا المعدن فیه الخمس. فقلت : والکبریت والنفط یخرج من الأرض ؟ فقال: فقال : هذا وأشباهه فیه الخمس»(77). وغیرهما، فإنّ المتبادر من الظرفیة تباین الظرف والمظروف.

وفیه : أنّه لو قلنا بتباین الظرف والمظروف هنا ورد الإشکال على الحقّ أیضاً، فإنّ لازمه کون الحقّ مبایناً للمال داخلاً فی جوفه، مع أنّ الواضح کون المال نفسه متعلقاً للحقّ، وکم فرق بین المظروف والمتعلق.

والحاصل: أنّه لا تباین هنا بینهما بل الخمس إمّا جزء للمال فبهذا الاعتبار یکون مظروفاً له، لأنّ الجزء داخل فی الکلّ، أو خمس المال متعلق لحقّ أرباب الخمس فیکون أیضاً من قبیل دخول الجزء فی الکلّ الذی لا تباین بینهما.

هذا، والمتبادر من ذکر الکسر المشاع فی الأموال لیس إلاّ الملک على نحو الشرکة کما مرّ آنفاً.

3 ـ الزکاة والخمس من واد واحد وهما کفرسی رهان، بل الخمس بدل الزکاة ولذا یجری فیه کثیر من أحکامها، فکما أنّ الزکاة حقّ ثابت فی العین فکذا الخمس.

وفیه : أنّه قیاس واضح ومجرّد اشتراکهما فی بعض الأحکام أو کون حکمة تشریع الخمس البدلیة غیر کاف فی إثبات ذلک لا سیّما مع اختلاف أحکامهما فی کثیر من الموارد، مثل اشتراط النصاب فی جمیع أجناس الزکاة وعدم اشتراطه فی جمیع أصناف الخمس، أو اعتبار الحول فی کثیر منها وعدم اعتباره فی الخمس مطلقاً، واختلاف مصارفهما من الأصناف الثمانیة فی الزکاة دون الخمس، وعدم استثناء مؤونة الشخص فی الزکاة دون خمس أرباح المکاسب إلى غیر ذلک.

وفیه : أنّ هذا الإشکال وارد بعینه على القول بالحقّ أیضاً، فإنّه إذا تعلق حقّ زید مثلاً بمالی وجب علیّ أداؤه ـ سواء کان مع قصد القربة أم لا ـ فاعتبار القربة فیه مخالف للقاعدة، کما أنّه لایجوز لی إخراجه بدون إذنه وکذلک تبدیله بشیء آخر کذلک.

والعجب أنّ المستشکل غفل عن ورود مثل ذلک علیه.

والإنصاف أنّ هذا من قبیل إذن ولی الخمس والزکاة وهو النبی(صلى الله علیه وآله) والإمام(علیه السلام)ولولا إذنهما لم یجز ذلک لا فی الخمس ولا فی الزکاة، لا على القول بالملک ولا على القول بالحقّ.

5 ـ وممّا تمسک به بعضهم تأیید عدم الملکیة فی المقام : أنّ التبرعات والصدقات مطلقاً لا تتحقق الملکیة فیها إلاّ بالقبض، بل وکذا منذور التصدق به، وکذا الهدى المتعین للذبح لا تخرج عن ملک مالکه بمجرّد ذلک(78).

قلت : ولیت شعری أی ربط بین التبرعات والصدقات والهدى وبین الخمس، وهل هذا إلاّ من أظهر مصادیق القیاس، بل القیاس هنا قیاس مع الفارق، وکم فرق بین التبرعات وشبهها وبین ما نحن فیه.

6 ـ أنّه قد اطلق الحقّ على الخمس فی کثیر من روایات هذا الباب، مثل ما رواه أبو بصیر عن أبی جعفر (علیه السلام) قال : «کلّ شیء قوتل علیه على شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله (صلى الله علیه وآله) فإنّ لنا خمسه ولا یحلّ لأحد أن یشتری من الخمس شیئاً حتّى یصل إلینا حقّن»(79). وهذا دلیل على کونه حقّاً لا ملکاً.

وفیه : أنّ جعل الحقّ مقابلاً للملک إنّما هو من اصطلاح الفقهاء، فإنّ الحق یُطلق عندهم على ما یقابل الملک فی کثیر من المقامات (لا فی جمیعها) ولکن إطلاقه على الملک فی اللغة والعرف والآیات والروایات کثیر جدّاً. قال الله تعالى فی آیة کتابة الدّین (وَلُْیمْلِلِ الَّذِى عَلَیْهِ الحَقُّ وَلْیَتَّقِ اللَّهَ... فَإِنْ کَانَ الَّذِى عَلَیْهِ الحَقُّ سَفِیهًا أَوْ ضَعِیفًا أَوْ لاَیَسْتَطِیعُ أَن یُمِلَّ...)(80).

والحقّ هنا هو الدّین، وقال تعالى : (وَءَاتِ ذَا ا لْقُرْبَى حَقَّهُ)(81) وقد ورد فی تفسیرها روایات عدیدة تدلّ على أنّها ناظرة إلى قضیة فدک (أو أنّ فدک أحد مصادیقها البارزة) مع أنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) ملَّکها فاطمة(علیها السلام).

وقد ورد فی روایات الارث إطلاق الحقّ علیه مع أنّه ملک(82).

وتقسیم الحقّ إلى قسمین وإطلاق حقّ الناس على ما یکون ملکاً لهم، معروف.

7 ـ أنّ ثبوت الحقّ فی العین هو المتیقن بخلاف الملک فإنّه مشکوک والأصل عدمه، فإنّ الحقیقة والملکیة من صغریات الأقل والأکثر(83).

وفیه : أنّه أوهن من الجمیع، لأنّ الحقّ والملک أمران متباینان اعتباراً وحکماً، مثلاً إذا شککنا هل أنّ هذا الدار ملک لزید أم رهن له، فقد دار الأمر بین المتباینین لا الأقلّ والأکثر، وکیف یکون حقّ الرهانة مرحلة ضعیفة من الملکیة مع أنّه لا یتعلق إلاّ بملک الغیر ومحال أن یتعلق بملک نفسه وهذا دلیل على تباینهما، وکذا حقّ التحجیر وغیره.

وبالجملة لا یجوز رفع الید عن المحکمات التی أشرنا إلیها فی دلیل القول الأوّل بمثل هذه الوجوه الضعیفة جدّاً، فالحقّ ما عرفت من القول بالملک على نحو المشاع.

فذلکة : وهاهنا قول آخر اختاره بعض مَن عاصرناه، وحاصله أنّ أرباب الخمس یشترکون فی الملک لکن لا فی خصوصیته بل فی مالیته، ولذا لا یلزم على المالک أداء الخمس من نفس العین ویجوز له تبدیله إلى شیء آخر لا نحافظ المالیة بذلک، وغیره من الأحکام.

واستدل له تارة: بظهور تعبیرات الأدلة فی ذلک حیث عبر فیها بالمال والفائدة والربح، وهی ظاهرة فی أنّ النظر هنا إلى المالیة لا إلى الخصوصیات.

وأُخرى: بأنّ الارتکاز العرفی فی الضرائب والمالیات المأخوذة منهم إنّما هو على المالیة لا الخصوصیات العینیة، ویکون ذلک قرینة لصرف أدلة الخمس إلیه.

وثالثة: بأنّ سیرة المتشرعة استقرت على عدم الالتزام بأداء الخمس من نفس العین، وهذه قرینة أُخرى على ما ذکر.

ورابعة: بأنّ الظاهر من أدلة الزکاة تعلقها بمالیة العین لا بخصوصیتها، مثلاً قوله فی خمس من الإبل شاة ینادی بذلک بعدم وجود الشیاه فی نفس الإبل بل تکون قیمتها فی قیمته وکذلک أشباهه،فلیکن الخمس أیضاً کذلک (لاتحادهما فی کثیر من الأحکام).

أقول : وفی کلامه مواقع للنظر :

أوّلاً : أن تفکیک المالیة عن الخصوصیات العینیة إنّما هو فی عالم الذهن والخیال وإلاّ فهما متحدان فی الخارج نظیر اتحاد الکلی مع أفراده ووجوده بعین وجودها، والشاهد الظاهر على ذلک أنّه لا یصحّ لمالک أن یقول وهبت خصوصیة هذا الدار لزید ومالیتها لعمرو، أو وهبت مالیتها لعمرو وجعلت الخصوصیة لنفسی، فإنّ هذا التفصیل والتفکیک ممّا لا عرفیة له ولیس ذلک إلاّ لاتحادهما فی الخارج، إنّما الفرق بینهما فی الاغراض المترتبة على الأموال، فالتاجر ینظر إلى الثیاب بما أنّها مال وتجلب له أموالاً أُخرى، ولکن المشتری ینظر إلیها بما أنّه یمکن خیاطة الألبسة منها وما یقی الإنسان من الحَرّ والبرد.

وثانیاً : فقد ظهر الجواب عن دلیله الأوّل ممّا ذکرنا، فإنّ تعبیرات الروایات أیضاً ناظرة إلى الأموال بخصوصیاتها لا المجرّدة عنها لعدم وجودها فی الخارج.

وثالثاً : أنّ الضرائب والمالیات العرفیة إنّما هی من قبیل الدیون فی ذمّة من تعلقت به وتکون أموالهم کالعین المرهونة فی مقابلها، ولذا یصرّحون عنها بالدیون المالیة ودیون الضریبة وتراهم الحکومة مدیونین وترى المالیات دیناً فی ذمّتهم کما هو واضح لمن راجع تعابیرهم فی ذلک وحمل جمیع ذلک على المجاز کماترى.

ورابعاً : ما أفاده من السیرة حقّ لا ریب فیه کما سیأتی إن شاء الله مشروحاً، ولکنّه أعم من أن یکون بسبب تعلق الخمس بمالیة العین أو تعلقه بخصوصیتها، ولکن الشارع المقدّس رخص للمالک فی تبدیله کسائر ترخیصاته فی هذه الأبواب.

وخامساً : قیاس ما نحن فیه على الزکاة قیاس مع الفارق (مضافاً إلى أنّ القیاسات الظنیة لیست من مذهبنا أصلاً) فإنّ تعلق الزکاة بالأموال لیست بعنوان الملک، بل هی نوع حقّ کما ذکرناه فی محلّه.

هذا کلّه مع مخالفة هذا القول للأدلة الکثیرة التی أسلفناها عند بیان المختار من الشرکة فی العین على نحو الإشاعة.

وبالجملة فإنّ هذا القول مع کونه غیر معقول فی نفسه، لا یساعده شیء من الأدلة.

إن قلت : کیف لا یعقل تملک المالیة دون الخصوصیات العینیة مع أنّ له بعض الأمثله فی الفقه مثل عدم إرث الزوجة من أعیان البناء وإرثه من قیمته، ولیس ذلک إلاّ بمعنى أنّها مالکة لمالیتها ولیست مالکة لخصوصیاتها.

قلت : أوّلاً : کونها مالکة لمالیة العین أوّل الکلام، فقد صرّح بعضهم هناک بأنّ المرأة تملک قیمتها فی ذمّة سائر الورثة، وهذا صاحب الجواهر الفقیة الماهر قال فی هذا المقام ما نصّه : «الظاهر ثبوت ذلک فی ذمّة الوارث من غیر فرق بین بذل الوارث العین وعدمه ولا بین امتناعه من القیمة وعدمه، وإن کان مع الامتناع یبقى فی ذمّته إلى أن یتمکن الحاکم من إجباره على أدائها أو البیع علیه قهراً، کغیره من الممتنعین من أداء الحقّ ولو تعذر ذلک کلّه یبقى فی ذمّته إلى أن تتمکن الزوجة من تخلیصه ولو مقاصة»(84).

وذکره هذا المعنى مع عدم إشارته إلى قول مخالف، دلیل على عدم وجدانه مخالفاً فی المسألة. نعم لا یبعد کون عین المال من قبیل الرهن فی مقابل هذا الحقّ، أی الدین وأین ذلک من ملک المالیة.

ثانیاً : لو فرضنا ظهور بعض أدلة تلک المسألة فی ذلک، فاللازم صرفه إلى ما ذکر من الدین بعد عدم کون ملکیة المالیة معقولاً فالحقّ ما عرفت والحمد لله.

 

بقی هنا أُمور أشار إلیها صاحب العروة فی ذیل المسألة:

الأمر الأوّل : لا إشکال عندهم فی تخییر المالک بین أداء الخمس من العین أو من قیمته، ومحلّ الکلام بعد استقرار الخمس ومضی السنة فی أرباح المکاسب، وأمّا فی طول السنة فلا إشکال ولا کلام.

ولا شک فی أنّه على القول بالشرکة على نحو الإشاعة، الأصل عدم جواز التصرف والتبدیل فی العین إلاّ بإذن ولی الخمس لعدم جواز التصرف فی المال المشترک، وکذا على القول بتعلّقه به بعنوان الکلی فی المعین، وکذا إذا کان بعنوان الحقّ کحقّ الرهانة وشبهها، نعم، على القول إنّه من قبیل التعلق بمالیة العین، فقد یقال إنّ الأصل فی المسألة الجواز لانحفاظ المالیة بذلک، لکن قد عرفت أنّ المالیة بمعنى أمر کلی موجود فی الخارج غیر متحد مع الخصوصیة العینیة، غیر معقول.

وعلى کلّ حال فإنّ تخییر المالک فی ذلک کأنّه ممّا لا خلاف فیه بینهم.

وعن شیخنا الأنصاری(رحمه الله) أنّ جواز أداء القیمة مذهب الأصحاب.

هذا، ولکن المصرّح به فی کلماتهم فی خمس الأرض التی اشتراها الذمّی أنّ ولی الأمر مخیّر بین أخذ عین الأرض أو ارتفاعها، وهذا ینافی تخییر المالک هنا، فراجع کلماتهم فی هذین البابین تجدهما متخالفین ظاهراً.

اللّهمّ إلاّ أن یقال : إنّ ذلک الحکم مختص بغیر المسلم، أمّا المسلم فهو مخیّر بین الأمرین ولا یجبرهما الحاکم على شیء.

وأمّا دلیل المسألة : فالدلیل الوحید الذی تمسک به صاحب المستند، هو ما استدلّ به

الفقهاء فی باب الزکاة وهی صحیحة أحمد بن محمّد بن خالد البرقی قال : کتبت إلى أبی جعفر الثانی (علیه السلام) هل یجوز أن أخرج عمّا یجب فی الحرث من الحنطة والشعیر وما یجب على الذهب، دراهم قیمة ما یسوى أم لا یجوز إلاّ أن یخرج من کلّ شیء ما فیه ؟ فأجاب(علیه السلام) : «أیّما تیسّر یخرج»(85).

نظراً إلى إطلاق قوله (وما یجب على الذهب) فإنّه یشمل الزکاة والخمس جمیعاً، وکون صدرها فی خصوص الزکاة لا ینافی إطلاق الذیل.

أقول : الإنصاف أنّ الذهب بما هو ذهب ـ أعنی بهذا العنوان ـ لا یجب فیه شیء إلاّ الزکاة، وأمّا کونه من مصادیق المعدن أو أرباح المکاسب فهو عنوان آخر غیر الذهب، ولیس الحدیث بصدد بیانه لا سیّما مع ملاحظة صدره فالأخذ بإطلاقه بعید جدّاً.

وقد یتمسک بأخبار خاصة وردت فی موارد معیّنة یمکن اصطیاد العموم من مجموعها أو إلغاء الخصوصیة من کلّ واحد منها مثل ما یلی :

1 ـ ما رواه ریان بن الصلت قال : کتبت إلى أبی محمّد(علیه السلام)، ما الذی یجب علیّ یامولای فی غلة رحى أرض فی قطیعة لی وفی ثمن سمک وبردی (البردی نبات کالقصب) وقصب أبیعه من أجمة هذه القطیعة ؟ فکتب (علیه السلام) : «یجب علیک فیه الخمس إن شاء الله تعالى»(86).

2 ـ ما ورد فی خبر أبی بصیر فیمن کان فی داره البستان فیأکل شیئاً من الفواکه ویبیع بعضها، فسأل الصادق (علیه السلام) : هل یجب علیه فیه الخمس ؟ فکتب (علیه السلام) : «أما ما أکل فلا وأمّا البیع فنعم هو کسائر الضیاع»(87).

3 ـ ما رواه أبو سیّار حین ولی الغوص ببحرین واصاب أربعمائة ألف درهم وأتى بخمسها ثمانین ألف درهم أبا عبدالله (علیه السلام)(88).

4 ـ ما رواه الحرث بن حصیرة الأزدی فیمن وجد رکازاً على عهد أمیرالمؤمنین(علیه السلام)فأبتاعه أبی منه بثلاثمائة درهم ومائة شاة متبع ثمّ وقع التنازع بینهما، فقال (علیه السلام)لصاحب الرکاز : «ادّ خمس ما أخذت (أی ما أخذت من القیمة) فإنّ الخمس علیک»(89).

ففی ذلک دلالة على جواز إعطاء القیمة بدل العین.

أقول : الإنصاف أنّ الأخیر دلیل على جواز اجازة ولی الأمر بالنسبة إلى البیع الفضولی الواقع على سهم أرباب الخمس (إذا اقتضت مصلحتهم) ولا ربط بتخییر المالک فإنّه لا إشکال فی جواز البیع والشراء طول السنة، وإنّما الکلام فی تبدیله بعد سنة الربح وکذا الثانی، فلعلّ بیع الثمرة أیضاً کان فی طول سنة الخمس وجواز بیعها وتبدیلها بالثمن فی هذا الحال جائز قطعاً کما عرفت.

نعم روایة أبی سیّار دلیل على عدم وجوب أداء الخمس من عین المال الذی حصل بالغوص وجواز تبدیله بعد إخراجه، ولکن التعدی منه إلى غیر الغوص حتّى ارباح المکاسب أوّل الکلام.

والحاصل : أنّ شیئاً منها غیر روایة أبی سیّار غیر واف بإثبات المطلوب، ومجرّد روایة واحدة واردة فی باب الغوص لا یمکن استفادة العموم منها.

کما أنّ التمسک بجواز التبدیل فی باب الزکاة فیتعدى منها إلى الخمس أیضاً غیر کاف بعد کونه من القیاس الممنوع.

والعمدة هنا هی السیرة المستمرة الجاریة على ذلک.

الثالث : وهو العمدة، استقرار سیرة المتشرعة على ذلک، فإنّ المتداول فی أداء خمس المعادن أو الغوص أو مثل ذلک لیس أداء عین المعدن أو الجواهر بل المتعارف أداء قیمتها، وکذلک بالنسبة إلى أرباح مکاسب التجار بعد مضی الحول مع عدم الانضاض کما هو کثیر، فلیس المتعارف إخراج الثیاب والفرش والظروف وغیر ذلک من أشباهها بل والمواد المأکولة أیضاً، وإنّما المتعارف إخراج قیمتها.

وأوضح حالاً من الجمیع ما إذا کان بلد المالک بعیداً نائیاً وأراد حمل الخمس إلى الإمام(علیه السلام) أو وکیله، فلا یحملون فی هذه الحال إلاّ النقود لا الأعیان التی تعلق بها الخمس کما هو ظاهر.

وکذلک الکلام بالنسبة إلى ما یبقى فی البیت من زیادات المواد الغذائیة من الحبوبات والدهن وأمثالها، فلا یؤخذ من کلّ واحد جزء صغیر بعنوان الخمس بل یؤدی مبلغاً من الجمیع.

وأوضح حالاً من ذلک ما إذا کانت العین التی تعلق الخمس بها ممّا لا یمکن إخراج خمسه کثوب واحد أو کفرش کذلک.

ومن هذا کلّه نعلم بإجازة ولی الخمس فی تبدیله بالأموال.

إنّما الکلام فی أنّه هل یجوز دفع جنس آخر غیر النقود، کدفع الحنطة بدل الثیاب أو بالعکس أم لا یجوز ؟ صرّح غیر واحد بعدم جوازه أو الإشکال فیه، وهو کذلک، لأنّ الأدلة السابقة سواء روایة البرقی، أم الروایات الخاصة أو السیرة هو دفع القیمة من النقود فقط لا الأجناس الاُخر، لا سیّما إذا لم یکن الجنس ممّا یحتاج إلیه أرباب الخمس، کدفع الخمس من بعض الأدویة والآلات التی لیست ممّا تتعلق بها حاجتهم، أو دفع کتاب الجواهر لفقیر یسکن البادیة کما مثّل به بعض الأعلام.

وقد عرفت أنّ مقتضى القاعدة عدم الجواز، ولکن مقتضى القول بتعلقه بمالیته جوازه لانحفاظ المالیة بذلک.

نعم، یمکن أن یقال إذا کان لأرباب الخمس حاجة إلى شیء معین جاز تبدیله به، کما إذا کان متعلق الخمس من الفرش وکان الفقیر محتاجاً إلى الحنطة جاز دفعها إلیه بدله ولا یمکن أن یقال: لا یکفی هنا دفع النقود، للعلم بأنّه أولى منه، فتدبّر.

هذاوفی کلام بعض الأعلام استثناء الحلال المختلط بالحرام من مسألة تخییر المالک، حیث قال : «لا یترک الاحتیاط فیه بإخراج خمس العین»(90) مع تصریحه فی مصرف هذا الخمس بأنّه کمصرف غیره من أقسام ما یتعلق به الخمس(91).

ولعلّ الوجه فیه ما ورد فی بعض روایاته من الأمر بإخراج الخمس من ذلک المال، فإنّ الله عزّوجلّ قد رضى من ذلک المال بالخمس(92) وهکذا قوله (علیه السلام) : «فلیبعث بخمسه إلى اهل البیت (علیهم السلام)»(93) إلى غیر ذلک.

أو یقال : إنّ الوجه فیه کونه من قبیل مجهول المالک وقد صالحه الشارع المقدّس بالخمس وعین صرفه فی مصارف الخمس، فمال الغیر صار مشاعاً فی هذا المال وإن وجب صرفه فی ذاک المورد الخاصّ.

ولکن الإنصاف أنّ الراوی لا یفهم منه وجوب بعث خمس الحنطة والظروف والفرش لا سیّما إذا کان نائیاً لا للحرج والعسر، بل یفهم منه ما یفهم من سائر موارد الخمس من تخییر المالک بین دفع العین أو القیمة، والحاصل أنّ السیرة المستمرة التی ذکرنا تجری هنا أیضاً.

هذا ویمکن الاستشکال فی أداء العین فی بعض فروض المسألة وهو ما إذا علم المالک أنّ أداء العین لا یفید أرباب الخمس ولا یمکنهم الانتفاع بها کبعض الأجناس العتیقة التی لا ینتفع بها غالب الناس، وتبدیله بالقیمة أیضاً مشکل ولا یتمکن من بیعها إلاّ بائع العتائق، فعلى المالک هنا بذل قیمتها إذا کان یقدر على تبدیلها بالقیمة بسهولة، على الأحوط.

الأمر الثانی : لا یجوز له التصرف فی مجموع العین بعد مضی السنة فی الأرباح وفی غیرها مطلقاً قبل أداء الخمس وإن ضمنه فی ذمّته، وهذا هو المشهور بین المعاصرین ومن قارب عصرنا فیما رأینا من کلماتهم.

ولکن صاحب الجواهر فی غیر مورد رأى جواز ضمان الخمس وجعله فی الذمّة ثمّ التصرف فی مجموع المال، فقد قال فی بعض کلماته : «لو ضمنه وجعله فی ذمته جاز له ذلک لکن لیس فی الأدلة هنا تعرض لبیان أنّ له ضمانه مطلقاً أو بشرط الملائة أو الاطمئنان من نفسه بالأداء، أو غیر ذلک، بل لا تعرض فیها لأصل الضمان وجواز التأخیر أعم من ذلک»(94).

ولکن الظاهر أنّه ناظر إلى التصرفات قبل مضی الحول بقرینة صدر کلامه الذی هو شرح کلام صاحب الشرائع (لکن یؤخر ما یجب فی أرباح التجارات احتیاطاً للمکتسب) بل ذیل کلامه أعنی قوله : «وجواز التأخیر أعم» أیضاً شاهد على ما ذکرنا، فهو خارج عن محل الکلام بل جواز التصرف فی أثناء الحول بلا حاجة إلى ضمان الخمس فی الذمة ممّا لا ینبغی الإشکال فیه.

نعم فی بعض کلماته فی مسألة وجوب خمس المعادن ما یظهر منه جواز نقله إلى الذمّة حیث قال : «لکن له ضمانه على أن یؤدیه من مال آخر»(95).

أقول : تبدیل الخمس بعد استقراره إلى ما فی الذمّة مشکل جدّاً، أمّا بحسب القواعد فلما عرفت من أنّه من قبیل المال المشترک ولا یجوز لأحد الشریکین التصرف فی جمیعه ونقل السهم الآخر إلى ذمّته حتّى على القول بکونه من قبیل الکلی فی المعین، أو تعلق الخمس بالمالیة، بل وکذا على القول بکونه حقّاً متعلقاً بالعین أیضاً لا یجوز ذلک، لعدم الدلیل علیه، بل الدلیل على العدم، لعدم جواز ذلک فی الحقوق.

هذا مضافاً إلى النصوص الخاصة الدالة على عدم شراء شیء من الخمس حتّى یؤدی حقّ أربابه، فقد روى أبو بصیر عن أبی جعفر الباقر (علیه السلام) قال : «...لا یحلّ لأحد أن یشتری من الخمس شیئاً حتّى یصل إلینا حقّن»(96).

وفی روایة أُخرى له قال: سمعته یقول : «من اشترى شیئاً من الخمس لم یعذره الله، اشترى ما لا یحلّ له»(97).

فلو جاز ضمانه فی الذمّة والتصرف فی المال، لوجبت الإشارة إلیه کما لا یخفى.

الأمر الثالث : قال صاحب العروة: لو أتلفه بعد استقراره ضمنه. والدلیل علیه واضح لقاعدة الاتلاف الشاملة للمقام أیضاً، ولأنّه مال الغیر، وعلى الید ما أخذت حتّى تؤدی، ولیعلم أنّ الاتلاف هنا أعمّ من العمد والخطأ لعموم أدلة الضمانات، بل هو أعمّ من صرفه فی مؤونته أو اتلافه بلا فائدة فیه، لعموم الأدلة، ولکن قد مرّ سابقاً أنّه لو کان الاتلاف بلا فائدة أو فی طریق المعصیة کان ضامناً للخمس ولو فی أثناء السنة.

الأمر الرابع : لو اتّجر به قبل إخراج الخمس (کما هو المشاهد فی أموال الذین لا یؤدون الأخماس فهی باقیة فی أموالهم یتجرون بها دائماً إلى أن تشملهم العنایة الإلهیة بالتوبة وأداء ما علیهم من الأخماس) قال صاحب العروة : المعاملة فضولیة بالنسبة إلى مقدار الخمس، فإن أمضاه الحاکم الشرعی أخذ العوض، وإلاّ رجع بالعین بمقدار الخمس إن کانت موجودة وبقیمته إن کانت تالفة...، هذا إذا کانت المعاملة بعین الربح، وأمّا إذا کانت فی الذمّة ودفعها عوضاً، فهی صحیحة ولکن لا یبرء ذمته بمقدار الخمس، ویرجع به إلى الحاکم إن کانت العین موجودة وبقیمته إن کانت تالفة... .

کلّ ذلک موافق للقواعد بناءً على القول بالإشاعة، أو الکلی فی المعین، أو کونه حقّاً متعلقاً بالعین نفسها کالعین المرهونة.

فالمعاملة تارة تکون شخصیةً بأن یکون المثمن أو الثمن عین المال الذی تعلق به الخمس (والبیع الشخصی من ناحیة المبیع والمثمن کثیر ولکن فی ناحیة الثمن غالباً کلی) وحینئذ تکون المعاملة فضولیة تجری فیها جمیع أحکام الفضولی، ولیعلم أن أمضاء الحاکم لها منوط بکونها مصلحة لأرباب الخمس، وإلاّ وجب علیه ردّ المعاملة وأخذ المال بعینه.

وأمّا إذا کان المثمن کلیاً کمن باع مائة مَنّ من الحنطة کلیاً فی الذمّة ثمّ أداه من عین تعلق بها الخمس، أو الثمن کذلک بأن اشترى داراً أو لباساً أو مرکباً لثمن فی ذمته ثمّ أداه من مال فیه الخمس، فمن الواضح أنّ المعاملة صحیحة لیست فضولیة لکونه مالکاً لذمّته، ولکن أداءَه من مال تعلق به الخمس لا یکون مبرءاً لذمته فی مقدار الخمس، إلاّ أن یأذن الحاکم الشرعی وکان مصلحة وحینئذ یؤخذ مقداره من المالک المثل فی المثلی والقیمة فی القیمی، وإن لم یأذن به أخذ الخمس من عین الثمن من ید البائع، وأحکام تعاقب الأیدی والرجوع إلى کلّ منها هو ما ذکروه فی محلّه لیس هنا موضع ذکرها.

هذا کلّه إذا لم نقل باستثناء المتاجر فی أبواب الخمس، أمّا إذا قلنا بحلیة المتاجر مطلقاً أو فی خصوص من لا یعتقد بالخمس، فالبیع مع هؤلاء حلال للمسلم المعتقد به فیملک العین التی فیها الخمس ویبقى الخمس فی عوضها، وذلک بإذن من ولی الخمس وهو الإمام المعصوم(علیه السلام).

وأمّا المعاملات المتعددة الفضولیة الواقعة على ما تعلق به الخمس على فرض إذن الحاکم الشرعی وحکم أرباحها، فسیأتی الکلام فیه إن شاء الله فی ذیل المسألة 77.

المسألة الخامسة عشرة (76 من العروة) : کان الکلام فی المسألة السابقة فی التصرف فی جمیع المال الذی تعلق به الخمس بعد استقراره بالاتجار وغیره، أمّا لو تصرف فی بعضه بحیث کان مقدار الخمس باقیاً، سواء کان بنیّة أدائه عمّا بقی أو غافلاً من ذلک أو بانیاً على العدم، فقد صرّح صاحب العروة بجواز ذلک إذا کان قصده إخراج الخمس من البقیة، لأنّ شرکة أرباب الخمس مع المالک إنّما هی على وجه الکلی فی المعین على مختاره.

قلت : قد عرفت أنّ الکلی فی المعین إنّما هو فی مقابل الکلی فی الذمّة، فمن باع صاعاً من صبرته أو مائة منّ من الحنطة من مخزنه، فإنّما یبیع شیئاً خارجیاً لکن یوصف بالکلیّة فی دائرة معیّنة فهو کلی من جهة وجزئی إضافی من جهة أُخرى، وهذا البیع جائز إذا لم یکن فیه الغرر، کما یجوز تعلق الإرادة والحب وغیر ذلک من أشباهها بمثل هذا فکذلک فی المعاملات، ومثل هذا جائز فی الأُمور الاعتباریة وشبهها وإن لم توجد الکلی بوصف الکلیة فی الخارج حقیقةً، والفرق بینه وبین الشرکة فی العین یظهر فی مقام التلف، فالکلی فی المعین موجود ما دام صاع من الصبرة موجوداً مثلاً، لأنّه یوجد ولو بوجود فرد منه، ولکن فی الشرکة یتلف من المالین بحسب مقدار الشرکة کلّما تلف منها شیء وهذا واضح.

إنّما الکلام فی دلیله فی المقام، وقد عرفت أنّه لا دلیل إلاّ على الشرکة على نحو الإشاعة. نعم، التعبیر بقوله «فیه الخمس» أو «علیه الخمس» قد یوهم بذلک، ولکن قد عرفت أنّها بضمیمة غیرها من التعبیرات دلیل على الشرکة.

هذا، ولو قلنا بهذا القول جاز التصرف فی المال ما دام مقدار الخمس باقیاً، قصد أداءَه من الباقی أم لا، إنّما الحرام هو التصرف فی خصوص مقدار الخمس الباقی بعد صرف مقدار الأربعة أخماس، کما هو کذلک فیما إذا باع صاعاً من صبرة، فیجوز له التصرف فیها ما دام مقدار الصاع باقیاً، فتقییده بقوله: (مع قصد إخراجه من الباقی) ممّا لا وجه له.

وهنا طریق آخر لجواز التصرف فی البعض ولو على المختار من الشرکة، وهو أن یقال

إنّ المالک مخیر فی تعیین مقدار الخمس فی أی جزء من أجزاء أمواله أمّا بالعزل أو بمجرّد النیة، ولکن الکلام فی إقامة الدلیل على هذا الاختیار لأنا لم نجد له دلیلاً فی أبواب الخمس، نعم قد یستدلّ ببعض الأدلة فی أبواب الزکاة من جواز العزل وغیره، ولکن عرفت أنّ قیاس الخمس على الزکاة فی جمیع الأحکام قیاس ظنی لا نقول به.

المسألة السادسة عشرة (77 من العروة) : إذا حصل الربح فی ابتداء السنة أو فی أثنائها فلا مانع من الصرف فیه بالاتجار، وإذا حصل من هذا الربح ربح آخر فهل یجب خمس ما یقابل هذا الربح لأرباب الخمس، بأن یکون لهم خمس الربح الأوّل وسهم من الربح الثانی بإزاء هذا الربح وخمس الباقی أم لا ؟

وقد مثلنا له سابقاً بما إذا کان له رأس مال 1000 دینار فربح 1000 دینار، ثمّ اتجر بمجموع الألفین فربح 2000 دینار أُخرى، فجاء رأس السنة فهل یجب علیه خمس 3000 دینار، لأنّ المجموع 4000 دینار یخرج منه رأس ماله الأوّل فیبقى ثلاثة آلاف وخمسه 600 دینار؟ أم یجب إخراج الخمس الأوّل 200 دینار، ثمّ یخرج من التجارة الثانیة 200 دینار ربح الخمس الأوّل، فیبقى له 1800 دینار ویخرج منه خمسه 360 دیناراً، فالحاصل لأرباب الخمس من التجارة الثانیة 560 دیناراً، والحاصل من الاُولی 200 فیبلغ 760 دیناراً یزید على الحساب الأوّل 160 دیناراً.

ظاهر کلمات القوم هو الأوّل، أی ملاحظة خمس مجموع الربح رأس السنة لا جعل کلّ معاملة مستقله وأخذ الربح منها ثمّ أخذ الربح من الربح لأرباب الخمس وهکذا، نعم قد یظهر من بعض کلمات صاحب الجواهر المیل إلى الأخیر حیث ذکر هذا القول واستدلّ له بتبعیة النّماء لأصل المال ولم یستشکل علیه، بل ذکر فی آخر کلامه قوله : «فتأمل جید» الذی یدلّ على ارتضائه ظاهراً بهذا القول(98).

والعجب أنّه (قدس سره) صرّح فی نجاة العباد أیضاً بذلک فقال : «ولو تحقّق الربح فی أثناء الحول ثمّ اتّجر به فربح أیضاً، فالأحوط إن لم یکن أقوى إخراج ما یختصّ به الخمس من الربح الأوّل... ویتبعها نماؤها من الربح الثانی (مضافاً إلى خمس الباقی)»(99).

لکن قد عرفت أنّ هذا القول ممّا استمرت السیرة القطعیة على خلافه، فإنا لم نجد أحداً یحاسب أرباحه رأس السنة إلاّ بملاحظة المجموع وإخراج رأس المال والمؤونة ثمّ أداء الخمس منه، لا محاسبة الربح وربح الربح وهکذا.

بل لو کانت المعاملات کثیرة بحیث کان یتجر أو یکتسب ویربح کلّ یوم، کان حساب هذه الأرباح المتداخلة کلّ یوم صعباً جدّاً محتاجاً إلى وقت کثیر أو استخدام الکمبیوتر.

بل ظاهر صحیحة علی بن مهزیار من وجوب إخراج خمس الفوائد کلّ عام، والروایات الأُخرى الدالّة على إخراج المؤونة الظاهرة فی مؤونة السنة لیس إلاّ ما ذکرنا.

أمّا إذا اتّجر به بعد مضی السنة واستقرار الخمس، فقد صرّح صاحب العروة بأنّه إن حصل منه ربح کان ما یقابل الخمس من الربح لأربابه مضافاً إلى أصل الخمس فیخرجهما (أی الخمس الأوّل وربح هذا الخمس) ثمّ یخرج خمس الباقی إن زاد عن مؤونة السنة، ووافقه کثیر من المحشّین وخالف فیه بعضهم.

ولازم ذلک أنّ من ترک حساب خمس أمواله سنین متعددة أو لم یؤد شیئاً فی عمره ثمّ شملته العنایات الإلهیة فأراد تطهیر أمواله وجب ملاحظة الأخماس المضاعفة فی أمواله، ومحاسبة کلّ تجارة مستقلة وربحها ثمّ یشارکه أرباب الخمس فی التجارة الثانیة من حیث رأس المال، مضافاً إلى وجوب خمس ربحها لهم ثمّ فی المعامله الثالثة کذلک، ففی کلّ معاملة تمر علیه یکثر سهم أرباب الخمس فی أمواله ویغلب علیها شیئاً فشیئاً.

ولا شک أنّه مقتضى القول بالملک على نحو الإشاعة بل على نحو الکلی فی المعین أو ملک المالیة، لأنّ المفروض استقرار الخمس فی الجمیع.

نعم، على القول بکونه حقّاً متعلقاً بالمال من دون المشارکة فی الملکیة،لم یجب علیه غیر الخمس الأوّل.

وعلى جمیع الأقوال فإنّ کلّ هذه المعاملات فضولیة بالنسبة إلى حقّ أرباب الخمس، ولکن الحاکم الشرعی إذا رأى مصلحتهم ینفذها.

هذا مقتضى القاعدة ولکن السیرة هنا أیضاً على خلافه، فلم نر عند محاسبة أموال الذین لم یخمِّسوا أموالهم طول سنین إلاّ محاسبة رأس مالهم الأوّل ثمّ محاسبة الأرباح الحاصلة وتخمیسها.

مضافاً إلى ما عرفت من الصعوبة الکثیرة، بل العسر والحرج الشدید فی محاسبة هذه الأرباح المتداخلة إذا کانت کثیرة، اللّهم إلاّ أن یقال إنّ طریق حلّه واضح وهو التوسل إلى الصلح بین المالک والحاکم الشرعی الذی یکون ولیاً أو وکیلاً لأرباب الخمس، والعمدة ما عرفت من کونه أیضاً مخالفاً لما هو المعهود من سیرة المتشرعة، فلعلّ هذا أیضاً من رِفق الشارع فی المتاجر، ولا أقل من عدم ترک الاحتیاط بالمصالحة مع المالک فی هذا الأمر.

المسألة السابعة عشرة (78 من العروة) : قد عرفت أنّه لیس للمالک نقل الخمس إلى ذمّته لعدم ولایته على ذلک، ولو أراد المالک التصرف فی جمیع المال ونقل الخمس إلى ذمّته یجوز له ذلک بالتوسل بأحد أُمور :

أحدها : إخراجه واعطاؤه بید الحاکم الشرعی ثمّ استقراضه منه وهو المسمّى عندنا بـ «دستگردان کردن» وفی الحقیقة هذا مصداق لأداء الخمس، والاستقراض من الحاکم الشرعی یوجب اشتغال ذمّته بأموال بیت المال وأرباب الخمس، وهو أمر آخر، ولکن لا یجوز ذلک للحاکم إلاّ إذا اقتضت المصالح، کما إذا کان المال المتعلق به الخمس من الاعراض وتبدیلها إلى النقود یحتاج إلى زمان، أو کان المالک لا یستطیع أداء الخمس مرّة واحدة ویرید أداءَه نجوماً، أو کان یقدر على ذلک ولکن نفسه تأبى عنه بحسب المال، أو لغیر ذلک من الأسباب ولا یمکن للحاکم استیفاء حقّ أرباب الخمس إلاّ من هذا الطریق.

ثانیها : المصالحة مع الحاکم بمعنى مصالحة الخمس الموجود فی المال مع مبلغ خاصّ فی ذمّته، بأن یقول له: صالحتک على هذا المقدار من الخمس مثلاً مائة مَنٍّ من الحنطة بمائة دینار فی ذمّتک ویقبله المالک، وهذا أیضاً منوط بالمصلحة، وهذا هو ما ذکره صاحب العروة، وفی هاتین الصورتین تکون منافع المال فی المستقبل له.

ثالثها : اجازة الحاکم الشرعی له فی التصرف فیه والاتجار به، لکن یکون سهم أرباب

الخمس من المنافع لهم کما لا یخفى.

هذا، وقد ذکر صاحب العروة بعد الحکم بجواز تصرف المالک بعد المصالحة مع الحاکم الشرعی بأنّه : «لو فرض تجدد مؤن له فی أثناء الحول على وجه لا یقوم بها الربح انکشف فساد الصلح».

ومفهوم هذا الکلام غیر معلوم ـ کما أشار إلیه کثیر من المحشّین ـ فإنّه لو کان فی أثناء الحول،فهو غیرمحتاج فی تصرفاته إلى المصالحة مع الحاکم الشرعی لجواز تصرف المالک قبل انقضاء السنة فی أمواله کیفما کان والمنافع الحاصلة له کما عرفت آنفاً، وإن کان بعد مضی الحول لم یکن معنى لقوله : «لو فرض تجدد المؤن له فی أثناء الحول».

أمّا احتمال کشف وجود مؤن فی الحول الماضی مثل بعض دیونه التی لم تظهر له من قبل ثمّ علم بها فهو أیضاً بعید جدّاً عن سیاق کلامه، والأولى أن یقال: إنّه سهو من قلمه الشریف (قدس سره).

المسألة الثامنة عشرة (79 من العروة) : قد عرفت أنّه یجوز له تعجیل إخراج خمس الربح إذا حصل له فی أثناء السنة، ولا یجب التأخیر إلى آخرها (لما عرفت من أنّه من قبیل الواجب الموسع ویتضیق بعد تمام السنة) فإنّ التأخیر من باب الرفق کما مرّ.

وقد فرع على ذلک صاحب العروة بأنّه : «لو أخرجه بعد تقدیر المؤونة بما یظنه فبان بعد ذلک عدم کفایة الربح لتجدد مؤن لم یکن یظنّها (کما إذا مرض مرضاً شدیداً یحتاج إلى مصارف کثیرة أو خربت داره فی زلزلة وشبهها) کشف ذلک عن عدم صحته خمس».

ثمّ فصل فی جواز رجوعه بین ما إذا کانت العین باقیة فله الرجوع لأنّ ذلک کشف عن عدم صحته خمساً، وما إذا کانت تالفة فلا یجوز (لأنّ المستحق کان مغروراً من هذه الجهة لا یجوز رجوع المالک إلیه) إلاّ فی صورة واحدة وهو ما إذا کان المستحقّ عالماً بالحال (یعنی کان عالماً بإمکان تجدد بعض المؤن للمالک بحیث یکشف عن عدم کون هذا المال خمساً) فإنّ الظاهر ضمانه فی هذه الصورة (هذا تمام کلامه مع توضیح منّا).

لکن صرّح صاحب المسالک بأنّه : «لو عجل الإخراج فزیادة المؤونة لم یرجع على

المستحق مع عدم علمه بالحال وتلف العین، وفی جواز رجوعه علیه مع بقاء العین أو علمه بالحال نظر، وقد تقدّم مثله فی الزکاة إلاّ أنّ عدم الرجوع هنا مطلقاً متوجه»(100).

اختاره صاحب الجواهر حیث قال : بل (لا یجوز الرجوع) مع العلم وبقاء العین فی وجه قوی(101).

وعن شیخنا الأعظم الأنصاری (رحمه الله) أیضاً أنّه حکم بعدم جواز الرجوع مطلقاً، فلا تسوغ له المطالبة مع بقاء العین فضلاً عن التلف (على ما حکاه عنه صاحب مستند العروة)(102).

أقول : أمّا وجه جواز الرجوع فی صورة بقاء العین وفی صورة تلفه إذا لم یکن المستحق مغروراً لکونه عالماً بالحال، فهو أنّ وجوب الخمس علیه کان مشروطاً بشرط متأخر وهو عدم تجدد مؤن له والمفروض أنّ هذا الشرط لم یحصل فلا یصحّ خمساً، وبعبارة أُخرى کان وجوب الخمس علیه مراعى بعدم ذلک.

وأمّا وجه عدم جواز الرجوع فهو أنّ الخمس واجب علیه مطلقاً وجوباً موسعاً ولیس مشروطاً بشرط متأخر ولا مراعى بشیء لعدم الدلیل علیه، غایة الأمر أنّه لو لم یخرجه وبقی فی ماله ثمّ تجددت له مؤن جاز له صرفه فیها، وهذا هو مقتضى الوجوب الموسع، فما أخرجه قبل تجددها فهو مصداق للواجب، وبعد التجدد لم یکن الموضوع باقیاً، وفی الواقع جواز تأخیر الخمس رِفقاً لا أنّه مشروط بشیء.

ولکن یرد علیه: أنّ ظاهر الأدلة أنّ المؤونة المستثناة هی مؤونة مجموع السنة بقرینة ما مرّ فی مبحث اعتبار السنة، فالواجب من أوّل الأمر مشروط ومقید به، فانظر إلى قوله (علیه السلام) : «إذا أمکنهم بعد مؤونتهم» فإنّ ظاهره اشتراط الوجوب من أوّل الأمر بما زاد على المؤونة، وکذا قوله (علیه السلام) : «الخمس بعدالمؤونة»، وأمّا الِرفق والوجوب الموسع فإنّما هو بالنسبة إلى ما یزید ربحه على مؤونة مجموع سنته، فإنّه لا یجب علیه إخراج الخمس فوراً وله ابقاؤه احتیاطاً لبعض ما لا یعلم به من المؤن المتجددة، فمن لم تقم أرباحه بمؤونة سنته لم یکن الخمس واجباً علیه موسعاً ولا مضیقاً، فالحکم من هذه الناحیة مشروط بحسب ظاهر الأدلة.

المسألة التاسعة عشرة (80 من العروة) : إذا اشترى شیئاً بالربح قبل إخراج الخمس لایجوز له التصرف فیه، لما عرفت من عدم صحّة البیع بالنسبة إلى سهم أرباب الخمس، فلو کان جاریة لم یجز وطؤها وإن کان لباساً لم تصحّ الصلاة فیه بناءً على بطلان الصلاة فی المغصوب، وکذا إذا کان داراً أو أرضاً، وحرّم أکله لو کان مأکولاً والحرمة هنا وضعیة وتکلیفیة کما هو ظاهر، ولذا توصلنا فی المسألة 78 بطرق التخلص للمالک من هذا الأمر إذا لم تسمح له الظروف بأداء الخمس فوراً.

نعم، على القول بکون الخمس فی المال من قبیل الکلی فی المعین جاز له التصرفات والبیوع ما دام مقداره موجوداً ـ سواء قصد أداءَه منه أم لم یقصد ـ فما ذکره صاحب العروة من اشتراط القصد على مبناه فهو ممّا لا وجه له، وأمّا على المختار فلا یجوز مطلقاً.

بل لازم القول بتعلق الخمس بمالیة المال أیضاً جوازه، لأنّ المالیة محفوظة فی الجنس المشترى بعد مساواتهما من هذه الناحیة والمفروض عدم تعلق الخمس بالخصوصیات.

إن قلت : إنّ المیزان فی المالیة هو النقود فلا یجوز تبدیله إلاّ بها.

قلنا : هذا ممنوع لأنّ النقود إنّما هی المقیاس للمالیة لا الملاک لها وفرق بین المقیاس والملاک، فالطول مثلاً فی جمیع الأشیاء موجود وإن کان مقیاسه الأمتار وکذا الوزن، وإن کان مقیاسه خصوص الوزنة الخاصة وهو ظاهر.

هذا، وقد ذکر صاحب العروة أنّه : لو بقی منه بمقدار الخمس فی یده وکان قاصداً لإخراجه منه جاز وصحّ، (انتهى) وهذا الکلام مضافاً إلى ما أوردنا علیه سابقاً من الإشکالات ممنوع بأنّ الجواز إن کان بمعنى الحکم التکلیفی هنا کان مقیداً بعدم منافاته لفوریة وجوب أداء الخمس بعد مضی السنة وإلاّ فلا یجوز ـ کما لا یخفى ـ اللّهمّ إلاّ أن یقال إنّ الحکم هنا حیثی، أی جاز من حیث التصرف فی البعض.

المسألة العشرون (81 من العروة) : قد مرّ أنّ مصارف الحجّ الواجب والمستحبّ وسائر الزیارات تعدّ من مؤونة السنة، إنّما الکلام فی أنّ المدار على وقت إنشاء السفر فإن کان إنشاؤه فی عام الربح فمصارفه من مؤونته ـ ذهاباً وإیاباً ـ وإن تمّ الحول فی أثناء السفر فلا

یجب إخراج خمس ما یصرفه فی العام الآتی فی الإیاب وغیره، أو المقدار على زمان المصرف فما صرفه فی عام الربح یکون من مؤونته وما صرفه بعد العام فلا، بل یجب فیه الخمس ؟

ویجری مثل هذا فی غیر الأسفار أیضاً أحیاناً ممّا یطلب مصارف تدریجیة.

والظاهر أنّ دلیله على ما ذکره هو عدّ الجمیع عرفاً من مؤونة هذه السنة، ولکن الإنصاف أنّه لیس کذلک کما ذکره أعلام المحشّین من المعاصرین ومن قارب عصرنا.

والحق فی المسألة التفصیل فإنّ هذه المصارف على أقسام :

1 ـ ما یعطیه للحکومة أو مدیر القافلة من النقود لجمیع مصارف الحجّ بحیث لا یمکنه الحجّ بدون إعطاء هذه النقود من قبل، أو یمکنه ذلک ولکن الأرفق بحاله أن لا یتصدى بنفسه لأمر المصرف بل یکون داخلاً فی بعض القوافل التی تأخذ جمیع الاُجرة من قبل.

فهذا ممّا لا ینبغی عدّه عرفاً من مصارف العام الذی فیه إنشاء السفر، بل قد عرفت سابقاً أنّه لو احتاج للحجّ أو بعض الزیارات أن یؤدی مصارفه من قبل بسنة أو سنتین أیضاً یعدّ من مصارف سنة الأداء.

فهنا لا إشکال فی عدم تعلق الخمس بالنسبة إلى ما یحاذی المصارف بعد مضی السنة.

2 ـ ما یشتریه من المراکب أو الملابس بل وثوبی الإحرام والخیام مثلاً التی یحتاج إلیها فی عرفات ومنى وإن وقع حجّه بعد مضی السنة، بأن کان رأس سنة خمسه أوّل ذی الحجّة وکان إنشاء السفر مع إعداد هذه الأُمور من ذی القعدة، هذا أیضاً لا یتعلق به الخمس لصدق المؤونة علیه عرفاً، اللّهم إلاّ إذا أمکنه تحصیل هذه الأُمور فیما بعد بسهولة.

3 ـ ما یصرف تدریجاً کالطعام والکراء للسیارات والمساکن ذهاباً وإیاباً وکان صرف هذه الأُمور بیده لا بید مدیر القافلة وشبهه، والحقّ أنّ المؤونة هی خصوص ما صرف فی عام الربح، أمّا الزائد والباقی فیعدّ من مؤونة العام المقبل ولا وجه لعدّ الجمیع من مؤونة عام الربح وإن کان هذا ممّا لابدّ منه.

وهکذا الأمر إذا سافر لبعض حوائجه فکان ذهابه فی عام الربح وعوده فی العام الثانی، فما صرفه فی الذهاب یعدّ من مؤونة هذا العام وما یصرف فی العود من مصارف العام

المقبل، وإن أخذ بطاقة الذهاب والإیاب فی عام الربح إلاّ إذا لا یبیعونها إلاّ مرجّعاً.

وقد یکون الأمر فی سائر الأُمور التدریجیة مثل بناء الدار کذلک، فإن کان لابدّ له من إعطاء کلّ نقوده من قبل بما یسمّى الکنترات لم یجب علیه الخمس وإن وقع بعض البناء أو الإصلاح بعد ذلک بل وإن وقع جمیعه بأن أخذ منه النقود وجعله فی النوبة.

أمّا إن أمکنه إعطاء النقود تدریجاً ولکن أعطاه دفعة للفرار عن الخمس أو بغیر هذا القصد لم یجز له، بل وجب علیه خمس المصارف التی تکون بعد مضی السنة إلى غیر ذلک من الأمثلة.

المسألة الحادیة والعشرون (82 من العروة) : لو جعل الغوص أو المعدن مکسباً له فهل یجب علیه خمس واحد بعنوان الفائدة، أم یجب علیه خمسان، خمس من حیث المعدن أو الغوص ولا یعتبر فیه استثناء المؤونة، وخمس آخر من حیث الکسب وتستثنى منه المؤونة.

صرّح صاحب العروة بوجوب خمس واحد ووافقه المحشّون فیما رأینا، وکان تصریح صاحب مستند العروة «خلافاً لجماعة حیث ذهبوا إلى تعدد الخمس نظراً إلى تعدد العنوان.» انتهى(103).

هذا، ولکن لم نعثر على هذه الجماعة بأعیانهم، وکیف کان فاللازم أوّلاً الرجوع إلى القواعد والعمومات الأولیة وملاحظة مقتضاها، ثمّ ملاحظة ما ورد فی بعض الروایات الخاصة وأدلة أُخرى.

أمّا الأوّل فإنّه وإن کان قد یدعى أنّ لازم تعدد العنوان تعدد المعنون وتعدد الأسباب یوجب تعدد المسبب على القاعدة لاستدعاء کلّ سبب مسبباً خاصاً به، ولکن الظاهر أنّ جمیع عناوین الخمس تندرج فی عنوان الغنیمة والفائدة، کما یدلّ او یشعر به قوله (علیه السلام) : «لیس الخمس إلاّ فی الغنائم خاصة»(104) وتدلّ علیه الروایة المفسرة للغنیمة بأنّها «الافادة یوماً بیوم»(105) وکذا عطف الفوائد على الغنائم فی صحیحة علی بن مهزیار(106).

الظاهر فی عطف التفسیر، فکلّ واحدمن العناوین الخمسة للخمس، أو أکثرها أحد مصادیق هذا العنوان الجامع.

ولا ینافی ذلک اختلاف مصادیقها فی بعض الأحکام الخاصة ـ کالفوریة ـ فی غیر أرباح المکاسب والوجوب الموسع فیها، وکذا استثناء مؤونة الشخص من الأخیر دون غیره.

هذا مضافاً إلى أنّه لو کان الواجب خمسین فی المعدن والغوص وغنائم الحرب لبان فی أخبارهم (علیهم السلام) وفی سیرة أصحابهم مع أنا لم نسمع أخذ الخمسین من أحد، نعم صرّحوا بوجوب الخمسین فی مسألة المال المختلط بالحرام (ذکره المصنّف فی المسألة 36 وتعرضنا له هنا) ولکن قد عرفت هناک أنّ وجوب الخمس فی المال المختلط لیس من جهة دخوله فی المنافع والفوائد، لعدم وجود منفعة هناک، بل إنّما هو من باب المصالحة والتخلیص فی الأموال المشترکة کما لا یخفى، فراجع.

أضف إلیه ما ورد فی روایة تحف العقول عن الرضا (علیه السلام) فی کتابه إلى المأمون، قال : «والخمس من جمیع المال مرّة واحدة»(107).

وأضف إلى ذلک ما ورد فی روایة أبی سیّار حیث استفاد 400 ألف درهم من الغوص، فأخذ خمسه ثمانین ألف درهم وأهداه إلى أبی عبدالله (علیه السلام) مع أنّ الغوص کان کسباً له ظاهراً فلم ینکر علیه الإمام (علیه السلام) بأنّ الواجب علیک إنّما هو خمسان(108).

بل الظاهر أنّ قول المحقّق الیزدی(رحمه الله) فی العروة من فرض المسألة فیما إذا جعل الغوص أو المعدن مکسباً، له لا وجه له، فإنّ خمس أرباح المکاسب إنّما یترتب على مطلق الفائدة ـ سواء جعله کسباً له أو لم یجعله کسباً له ـ ومن هنا یمکن التمسک ـ لتأکید هذه المسألة ـ بکثیر من الروایات الواردة فی باب خمس المعدن والغوص، فإنّ الراوی إذا سأل عنه وقال(علیه السلام) فیه خمس، فالظاهر فی الخمس الواحد علم منه عدم وجوب غیر هذا الخمس (لا سیّما فی مثل ما روى من وجدان رجل رکازاً ـ أی معدناً ـ على عهد أمیرالمؤمنین(علیه السلام)وأنّه(علیه السلام) لم یأخذ منه إلاّ الخمس).

إن قلت : هذا کلّه لیس فی مقام البیان إلاّ من حیث المعدن والغوص.

قلنا : لکن لو کان هناک خمسان بعنوانین، وجبت الإشارة إلیه بعد عدم انفکاکهما وغفلة العامة عن مثله 

والمسألة بحمد الله من الواضحات.

ولو شک فی ذلک، فمقتضى أصالة البراءة أیضاً عدم وجوب الأزید من الخمس لأنّه من قبیل الأقل والأکثر الاستقلالیین.

المسألة الثانیة والعشرون (83 من العروة) : المرأة التی تکتسب فی بیت زوجها (أو فی غیر بیتها کما هو المتداول الیوم بالنسبة إلى کثیر من النساء الموظفات فی قسم التعلیم أو الإدارات أو غیرها) ویتحمل زوجها مؤونتها، یجب علیها خمس ما حصلت علیه من غیر اعتبار إخراج المؤونة... إلاّ أن لا یتحمل، هکذا ذکره صاحب العروة.

والوجه فیه ظاهر بعد ما عرفت من أنّ المؤونة المستثناة من الربح إنّما هی المؤونة الفعلیة لا ما هی بالقوّة، ومنه یظهر الحال فی الأبناء المجرّدین الذین یعیشون عند آبائهم، وکذا کلّ من کان له أرباح وکانت نفقته على غیره بالفعل وإن لم یکن واجباً علیه.

نعم، إذا لم یتحمل الزوج النفقة، أو تحمل ولکن أرادت الزوجة طعاماً أو ثیاباً أو زینة بحسب شأنها فوق القدر الواجب على الزوج ممّا لا یعدّ إسرافاً فی حقّها فصرفت فوائدها فیها، لم یکن علیها خمس، وکذا إذا أرادت إعانة زوجها ـ وإن لم یکن محتاجاً ـ فصرفت أرباحها فی هذا الطریق، لم یکن علیها شیء.

هذا، ولو لم یتحمل الزوج نفقتها کان فی ذمّته، فإن صرفت المرأة أرباحها فی النفقة فهل یجب علیها الخمس فیما تأخذه من الزوج من باب دیونه فی هذا السبیل أم لا ؟ لا یبعد ذلک لأنّها فی الواقع بدل الأرباح التی صرفتها فی نفقتها فیجب فیها الخمس، بل النفقة أیضاً فیها الخمس بذاتها إذا لم تصرفها تقتیراً على نفسها، أو لاستغنائها عن صرفها بأن تعیش مدّة فی بیت أبیها مثلاً، بناءً على وجوب الخمس فی مطلق المنافع لا فی خصوص أرباح المکاسب.

المسألة الثالثة والعشرون (84 من العروة) : هل یشترط البلوغ والتکلیف فی الخمس أم لا یشترط، أم فیه تفصیل بین موارده ؟ هنا وجوه أو أقوال :

قال صاحب الشرائع : «الخمس یجب فی الکنز سواء کان الواجد له حرّاً أو عبداً، صغیراً أو کبیراً، وکذا المعادن والغوص»(109).

ویظهر منه التفصیل (لا أنّه مشعربه کما ذکره صاحب الجواهر).

وقد أشکل على ذلک صاحب الجواهر (قدس سره) فی غیر الغنیمة إن لم ینعقد الإجماع علیه نظراً إلى اشتراک الأدلة وشمولها للمکلّف وغیره، وظاهر کلامه المیل إلى وجوب الخمس فی الجمیع غیر الغنیمة(110) مع أنّ الآیة عامة، ولعلّه لعدم شرکة غیر المکلف بالجهاد.

وقال النراقی (رحمه الله) فی المستند : «هل یشترط فی وجوب الخمس فی الأموال، البلوغ والعقل والحریة أم لا ؟».(111)

صرّح أصحاب الشرائع والإرشاد والقواعد بعدم اشتراطها فی خمس المعادن والکنز والغوص، وصاحب التحریر بعدمه فی الأوّل (أی المعادن) وصاحب الدروس بعدمه فی الأولین (أی المعادن والکنز) وفی المنتهى والتذکرة بعدمه فی الثانی (أی الکنز) مدعیاً فی المنتهى أنّه قول أهل العلم کافة.

ثمّ ذکر فی آخر کلامه أنّ الظاهر عدم ثبوت الخمس فی مال الیتیم والعبد مطلقاً إلاّ أن یثبت الإجماع کلیاً أو فی بعض الأنواع(112).

وقال صاحب مصباح الفقیه بعد ذکر بعض الأقوال والاستدلالات :

«الأظهر عدم الفرق فی شیء من هذه الأنواع بین أصناف الناس، نعم، ثبوته فی الأرض المشتراة لطفل الذمی لا یخلو عن تردّد لإنحصار مستنده فی الروایة المشتملة على لفظة «على» الظاهرة فی التکلیف مع أنّ إطلاق الذمّی علیه مبنّی على التّوسّع، ولکنه مع ذلک لعلّه الأظهر إذ الغالب فی مثل هذه الموارد استعمال لفظة «على» فی مجرّد الثبوت والاستقرار کما فی قوله: علیه دین وعلى الید ما أخذت»(113).

أقول : یظهر ممّا ذکرنا أنّ المسألة ذات أقوال کثیرة :

1 ـ ظاهر کلام بعضهم عدم اعتبار البلوغ والتکلیف فی شیء منها (کما فی مصباح الفقیه) وذکر صاحب مستند العروة : «الظاهر أنّ المشهور هو ثبوت الخمس مطلقاً إمّا فی هذه الثلاثة (الکنز والمعدن والغوص) أو فی الجمیع».

2 ـ اشتراط التکلیف مطلقاً فلا یجب فی مال الصبی والمجنون خمس کما لا تجب الزکاة فیه، ذکره صاحب مستند العروة ونسبه إلى المدارک أیضاً ثمّ قال : «نعم یجب الخمس بالنسبة إلى المال المختلط بالحرام لأنّ مقداراً من المال حینئذ لم یکن للصبی والتخمیس طریق للتطهیر»(114).

3 ـ ظاهر کلام بعض آخر عدم اعتباره فیما عدا الغنیمة (کصاحب الجواهر حیث یظهر میله إلیه).

4 ـ ظاهر کلام آخر عدم اعتباره فی خصوص الثلاثة، الکنز والغوص والمعدن کصاحب الشرائع وغیره.

5 ـ ظاهر کلام بعض آخر استثناء خصوص الکنز.

6 ـ ظاهر کلام بعض آخر استثناء اثنین منها ـ أی الکنز والمعدن ـ کما مرّت علیک کلماتهم والعمدة فی المقام هو الاستظهار عن العمومات والإطلاقات الواردة فی العناوین المختلفة ممّا یجب فیه الخمس، وإلاّ لم یرد فی المسألة نصّ خاصّ حتّى یتمسک به.

دلیل القائلین بوجوبه فی مال الصغیر والمجنون مطلقاً، إطلاقات الأدلة مثل قوله : «کلّ شیء قوتل علیه على شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً(صلى الله علیه وآله) رسول الله فإن لنا خمسه»(115).

وقوله(علیه السلام) : «فیما یخرج من المعادن والبحر والغنیمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم یعرف صاحبه والکنوز، الخمس»(116).

وقوله(علیه السلام) : «الخمس على خمسة أشیاء: على الکنوز والمعادن والغوص والغنیمة، ونسی ابن أبی عمیر الخامس»(117).

وما عن أبی جعفرالثانی (علیه السلام) فی جوابه عن سؤال بعض الأصحاب یسأله عن الخمس وأنّه على جمیع ما یستفیده الرجل من قلیل وکثیر من جمیع الضروب وعلى الصناع وکیف ذلک ؟

فکتب : «الخمس بعد المؤونة»(118).

وغیر ذلک ممّا هو کثیر جدّاً تغنى کثرة الروایات فیه عن ملاحظة إسنادها، وظاهر کلام الجمیع أنّ الخمس من الأحکام الوضعیة التی هی متعلّقة بنفس المال، فلا فرق فیها بین المکلف وغیر المکلف، کالضمانات وشبهها ـ بل الخمس مستقر فی نفس المال، أمّا بعنوان الشرکة کما هو المختار أو بعنوان الحقّ.

نعم، یشکل ذلک بالنسبة إلى الأرض التی اشتراها الذمّی، فإنّ التعبیر الوارد فیها هو هذا : «أیّما ذمّی اشترى من مسلم أرضاً فإنّ علیه الخمس» هذا ما ورد فی روایة أبی عبیدة الحذّاء(119) ومثله ما ورد فی مرسلة المفید فی المقنعة(120) وظاهره الوجوب التکلیفی وإن کان إطلاق هذه العبارة فی موارد الضمانات أیضاً غیر عزیز ولکن ظهوره البدوی هو الوجوب التکلیفی.

اللّهمّ إلاّ أن یقال إنّ هذا الظهور إنّما هو فی غیر أبواب الأموال، وأمّا فیها فالتعبیر  بـ «علیه» کالتعبیر بـ «له» لا یدلّ على التکلیف بل على الوضع وهو غیر بعید.

وأمّا الغنیمة فإن قلنا إنّها تقسم على الأطفال کما تقسم على غیرهم کما هو ظاهر المشهور بل ادّعى صاحب الجواهر عدم الخلاف فیه فلا وجه لاستثنائها من هذا الحکم، وإن قلنا بعدم سهم للأطفال بل ینفل لهم بعنوان الرضائخ (الرضخ فی الأصل بمعنى الکسر ثمّ استعمل فی القلیل من العطایا) وإن لم أجد من أفتى بذلک فلو قلنا بخروجه عن عنوان الغنیمة بالمعنى العام فلا أقل من أنّه داخل فیها بمعناها العام.

فلا أجد وجهاً لاستثناء الغنیمة من هذا الحکم کما فعله صاحب الجواهر.

هذا، واستدلّ على عدم الوجوب مطلقاً على غیر البالغ (کما فی مستند العروة) بعد إسناد ثبوت الخمس إلى المشهور مطلقاً أو فی خصوص الثلاثة، بأنّ المستفاد ممّا دلّ على رفع القلم عن الصبی والمجنون استثنائهما عن دفتر التشریع وعدم وضع القلم علیهما بتاتاً ـ کالبهائم ـ فلا ذکر لهما فی القانون ولم یجر علیهما شیء، ومقتضى ذلک عدم الفرق بین قلم الوضع والتکلیف فترتفع عنهما الأحکام جمیعاً بملاک واحد وهو الحکومة على الأدلة الأولیة.

نعم، لو کان هذا منافیاً للامتنان ـ کما فی موارد الضمانات ـ أو ورد فیه نصّ خاصّ ـ کالتعزیرات الواردة فی الصبی ـ یستثنى من ذلک، أمّا فیما عدا ذلک فلا وجه لاختصاص رفع القلم بالتکلیف بعد إطلاق الدلیل بل یعم الوضع أیضاً (انتهى کلامه ملخصاً).

نعم، استثنى مورداً واحداً فی ذیل کلامه وهو المال المختلط بالحرام نظراً إلى أنّ المفروض عدم کون الصبی مالکاً للحرام وأنّه مال الغیر، وأنّ طریق تطهیر المال هو التخمیس.

أقول : شمول حدیث الرفع لغیر التکلیف من الأحکام الوضعیة مشکل جدّاً، فإنّ کثیراً من الأحکام الوضعیة ثابتة فی حقّ الصغیر کالزوجیة والملکیة والحریة والعبودیة وأحکام المحارم النسبیة والسببیة والرضاع بل وحکم مس المیّت والجنابة عند الدخول وغیر ذلک، فکیف یمکن استثناء جمیع ذلک من هذا العموم، وکیف یناسب ذلک مع عدّهما کالبهائم فإنّ البهائم لا تجری فی حقّها هذه الأحکام.

إن قلت : إنّما لا یجری فی حقّهم ما ینافی الامتنان، وما ذکرته لا ینافی الامتنان کمسألة الزوجیة والملکیة وشبههما إذا کان مصلحتهم ذلک.

قلنا : کلا، بل یجری فی حقّه مثل حکم الجنابة ومسّ المیت والحدث الأصغر وشبه ذلک، من حرمة نساء علیه بتمام الرضاع أو بأسباب المصاهرة کحرمة زوجة أبیه علیه واخته من الرضاعة وإن کان هو صغیراً، هذا أوّلاً.

وثانیاً : أنّ عطف النائم علیهما دلیل على أنّ المراد منه خصوص قلم التکلیف فإنّ النائم لا یجری علیه قلم التکلیف فقط، مثلاً إذا حصل له فی حال النوم ربح أو اخرج له عماله معدناً أو غوصاً أو غیر ذلک أو أسهم له سهم الغنیمة وهو فی حال النوم، وکذا إذا حال حول الزکاة علیه وهو نائم أو شبه ذلک، فإنّه لا یشک أحد فی جریان أحکام الوضع علیه من وجوب الخمس أو الزکاة بعنوان دین شرعی، فإذا کان حال النائم هذه، کان الأمر فی الصبی والمجنون کذلک لاتحاد السیاق فی الجمیع.

ثالثاً : لا شک أن أخذ العشور والمالیات والضرائب کان مقرراً بین العقلاء من أهل العرف قبل الإسلام بین جمیع الحکومات، فلیس من الأحکام التأسیسیة.

نعم، أمضاها الشارع المقدّس مع شرائط عادلة وفی ظروف خاصة صالحة وألغى القوانین الظالمة بینهم.

ومن المعلوم أنّهم یأخذون هذه الضرائب والمالیات من الأموال من دون ملاحظة أنّ صاحبها هو الصغیر أو الکبیر، فیأخذون الخراج من الأراضی سواء کان ملکاً للصغیر أم الکبیر، وکذلک المالیات المقررة لنقل ملک الدار إلى الغیر وضرائب الطرق والبلاد وغیر ذلک.

نعم، الولیّ مکلّف بأدائها من مال الطفل.

وإن شئت قلت : کلّ من الأمرین (قانون المالیات والضرائب وقانون رفع القلم عن الطوائف الثلاثة) من القوانین الامضائیة وإن کان سن البلوغ عندهم مغایرة لما ورد فی الشریعة المقدّسة وهم غیر قائلین برفع قلم الوضع عنهم کما لا یخفى.

ویؤید ذلک کلّه أنّ ماورد من حکمة الأخماس والزکوات وما نعلم من الخارج من فلسفة وضع هذه القوانین بین العقلاء من أهل العرف جاریة فی أموال غیر المکلّفین، مثلاً من حکمة وضعها أن کلّ مالک یستفید ربحاً فإنّما هو یستفیده من الضرب فی الأرض مثلاً والانتفاع بالشوارع والطرق وفی ظلّ أمن البلد وبقاء نظامه، ومن الواضح أن حفظ هذه الأُمور أعنی الأمن والنظم والشوارع والطرق، یحتاج إلى مصارف کثیرة من تجنید الجنود وحفظ الثغور وإصلاح الطرق والشوارع، فالواجب على کلّ من انتفع بها أداء بعض هذه المصارف.

وإن شئت قلت : هناک مصارف شخصیة فی المجتمع الإنسانی ومصارف نوعیة، والأوّل یرتبط بالأشخاص، والثانی بعموم الناس، فمن انتفع من المجتمع انتفاعاً أکثر، فعلیه أداء مال أکثر.

ومن الواضح أن هذه الأموال مصارف للحکومة، ولولا الحکومة لم یمکن للتاجر التجارة وللزارع الزراعة ولغیرهما غیر هذه المنافع، فعلیهم أداء ما تبقى به الحکومة بنسبه انتفاعهم من وجودها، ومن المعلوم أنّه لا تفاوت بین الصغیر والکبیر فی ذلک.

وهذا، وإن لم یمکن عدّه دلیلاً ولکن یمکن جعله مؤیداً للمقصود.

ومن هنا یظهر أن أخذ هذه الأموال أیضاً منّة علیهم وأنّها لا تنافی الأحکام الامتنانیة.

وأی منه أحسن من نظم البلاد وأمنها وحفظ الثغور وإصلاح الطرق وشبهها.

إن قلت : فمن یقوم بهذا الأمر مع عدم تکلیف الصغیر والمجنون ؟

قلت : الذی یقوم بسائر مصالحهم، فعلى الولی القیام بجمیع هذه الأُمور.

هذا، والذی قد یوجب التردد فی مسألة وجوب الخمس هنا مطلقاً، أنّ قدماء الأصحاب ـ رضوان الله علیهم ـ لم یتعرضوا للمسألة فی کتبهم المعدّة لنقل فتاوى الأئمّة من أهل البیت (علیهم السلام) تبعاً لروایات هذا الباب، فهل کان هذا عندهم بمعنى إطلاق الحکم فی هذه المسألة وعدم اشتراط الخمس بشرط من هذه الجهة فیشمل الصغیر والکبیر والعاقل والمجنون، أو أنّهم عطفوا المسألة على باب الزکاة فإنّ الخمس یقوم مقامها من بعض الجهات فکما أن العقل والبلوغ هناک من الشرائط فکذا فی المقام، ولعلّه من هذه الجهة تشتتت الفتاوى فی المقام.

ولکن اعتبارهما هناک أیضاً على إطلاقهما محل تأمل، فإنّ المشهور، بل المجمع علیه اعتبار البلوغ فی الذهب والفضة.

نعم، إذا اتّجر له الولی استحبّ له إخراج الزکاة من ماله ولا یجب بلا خلاف (کما حکاه صاحب الجواهر) وأمّا فی غلاته ومواشیه فقد اختلفوا فیه، فحکم بعضهم بوجوب الزکاة فیها وعدم الفرق بین الصغیر والکبیر، وأفتى البعض الآخر بعدم الوجوب، بل قد یقال إنّه المشهور بین الأصحاب ولعلّ المراد الشهرة بین من تأخر، ودلیلهم فی ذلک إطلاق الروایات

الکثیرة الدالّة على أنّه لا زکاة فی مال الیتیم(121) وخصوص بعض الروایات الواردة فی أبواب الغلات(122).

نعم، هناک بعض الروایات الدالّة بظاهرها على عدم وجوب الزکاة فی المال الصامت، وأمّا الغلات فعلیها الصدقة واجبة(123).

فلو قلنا بالأوّل أی عدم الوجوب فی الغلات والمواشی کان حکم الخمس شبیهاً له من بعض الجهات، وإن قلنا بالوجوب کان أیضاً کذلک، فکأنّ الشارع المقدّس قدنفى طریقة عقلاء العرف من عدم الفرق بین الصغیر والکبیر، وأرفق فی حقّ الصغار والمجانین.

إن قلت : ألست تقول : إنّه لا یجوز قیاس أحکام الخمس على الزکاة مع الفرق بینهما من جهات شتى ؟

قلت : نعم هو کذلک، إنّما الکلام فی أنّه هل یمکن الأخذ بإطلاقات أدلة الخمس هنا والحال هذه، أم یوجب هذا تزلزلاً فی الأخذ بالإطلاقات هنا ؟ والمسألة لا تخلو من إشکال والأولى الأخذ بالاحتیاط بأن یقال الأحوط أداؤه الخمس بعد البلوغ، وأمّا قبله من ناحیة الولی، فلا.

 

بقی هنا شیء :

وهو أنّ جمیع ذلک إنّما هو فی غیر المال المختلط بالحرام، وأمّا فیه فلا ینبغی الشک فی وجوب الخمس نظراً إلى ما عرفت من أنّ الحرام لیس من مال الیتیم والخمس فی الواقع من قبیل المصالحة عند اشتباه الحال، أمّا الأقوال المفصلة الأُخرى فهی ممّا لا وجه له معتد به لما عرفت من وجود الإطلاق فی جمیع موارد الخمس بلا تفاوت، والدلیل الخاصّ غیر موجود هنا.


1. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 4. فالاختلاف وقع بینهم فی استثناء مؤونة الشخص، وأمّا استثناء مؤونة الکسب فقد کان مسلّماً بینهم ولذا لم یسأل عنه الراوی وتلقاه بالقبول.
2. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 2.
3. راجع وسائل الشیعة، ج 6، الباب 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 1 و 2 و3 و4 و5.
4. المصدر السابق، ح 10.
5. الحدائق الناظرة، ج 12، ص 353.
6. جواهر الکلام، ج 16، ص 59.
7. مستمسک العروة، ج 9، ص 537.
8. مستند العروة، کتاب الخمس، ص 248.
9. والإشکال بأنّ هذا المعنى العرفی للمؤونة لعلّه موافق لعرفنا الحاضر لا العرف الموجود فی زمن الأئمّة (علیهم السلام)فلا یمکن الاستدلال به، یجری فی التمسک بجمیع الظهورات اللغویة والعرفیة، ویدفعه أصالة عدم النقل والاستصحاب القهقرائی کما حقّق فی الاُصول.
10. ولا یخفى أنّ هذا مبنى على القول بخروج المؤونة عن عمومات وجوب الخمس بالتخصیص، وأمّا على التخصص کما ذکرناه سابقاً فالمرجع هو أصالة البراءة.
11. مصباح الفقیه، ص 131.
12. الحدائق الناضرة، ج 12، ص 353.
13. جواهر الکلام، ج 16، ص 59.
14. زبدة المقال فی خمس الرسول والآل، ص 88.
15. مصباح الفقیه، ج 3، ص 131.
16. جواهر الکلام، ج 16، ص 59.
17. مستند العروة الوثقى، کتاب الخمس، ص 251.
18. سورة بنی إسرائیل (اسراء) ، الآیة 29.
19. مستند الشیعة، ج 10، ص 67.
20. مستند الشیعة، ج 10، ص 71.
21. المستمسک، ج 9، ص 534، ذیل المسألة 59.
22. المستمسک، ج 9، ص 534، ذیل المسألة 59.
23. مجمع الفائدة والبرهان، ج 4، ص 318.
24. مسالک الافهام، ج 1، ص 465.
25. کشف الغطاء، ج 2، ص 362.
26. مصباح الفقیه، ج 3، ص 131.
27. الحدائق الناضرة، ج 12، ص 354.
28. نجاة العباد، ص 87.
29. نجاة العباد، ص 87.
30. سورة النساء، الآیة 11.
31. کشف الغطاء، ج 2، ص 362.
32. جواهر الکلام، ج 16، ص 63.
33. مصباح الفقیه، ج 3، ص 131.
34. جواهر الکلام، ج 16، ص 64.
35. مستند الشیعة، ج 10، ص 70.
36. مستند الشیعة، ج 10، ص 80.
37. نجاة العباد، ص 88.
38. أصله بمعنى المشی بغیر هدایة ثمّ استعمل فی المشی تذللاً وتملقاً والمراد منه فی کلمات الفقهاء، الذهاب إلى الحجّ بغیر استطاعة مالیة.
39. لکن لا یخفى أن المؤونة تصدق قطعاً على المقدار الذی استدانه فی سنته الحاضرة، ولو لم یؤده فیها لعدم صدق الربح والغنیمة على مقابل الدین عرفاً خلافاً لما إذا استدان من السنین الماضیة فتلف ولم یؤده فی سنته الحاضرة، فإنّه حینئذ یشکل صدق المؤونة علیه. نعم تصدق علیه المؤونة إذا أدّاه فی هذه السنة بلا إشکال.
40. مستند الشیعة، ج 10، ص 69.
41. نجاة العباد، ص 87.
42. جواهر الکلام، ج 16، ص 79.
43. تذکرة الفقهاء، ج 1، ص 253.
44. مستند الشیعة، ج 10، ص 77.
45. جواهر الکلام، ج 16، ص 79.
46. سلسلة الینابیع الفقهیة، ج 5، ص 327.
47. ولا سیّما بملاحظة أنّ ابن ادریس ادّعى الإجماع على کلامه، وهذا یبعّد جدّاً کونه قائلاً بعدم وجوب خمس الأرباح قبل مضی السنة إذ لم یعرف مخالف فی المسألة سوى ما نسب إلیه فکیف یمکن ادّعاء الإجماع فضلاً عن تحققه ؟ !
48. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 8.
49. المصدر السابق، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 8.
50. المصدر السابق، الباب 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 2.
51. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 5.
52. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 12 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 1.
53. جواهر الکلام، ج 16، ص 54.
54. فإنّ الشرط المتأخر نفسه على خلاف القاعدة فلا یصار إلیه إلاّ بدلیل قطعی کشرطیة غسل العشاء لصوم المستحاضة، وهو فی المقام مفقود.
55. من الأُمور المحرمة مثلاً إذا استعمل کثیراً من الماء فی الحمّام وسواساً، فقد أسرف، فوجب علیه تخمیسه.
56. مدارک الأحکام، ج 5، ص 390.
57. المحاضرات فی فقه الإمامیة للمحّق المیلانی، ص 105.
58. المصدر السابق، ص 106.
59. مصباح الفقیه، کتاب الخمس، ص 131.
60. مستندالشیعة، ج 10، ص 73.
61. کشف الغطاء، ج 2، ص 362.
62. وبعبارة أخرى : إن کان المعتبر هو حساب الربح فی کلّ فرد من المعاملة على حدة فقد تحقّق موضوع الخمس بالنسبة إلى بعض المعاملات، وإن کان المعتبر حساب الأرباح مجموعیاً فلم یتحقق بعد، فالشک هنا هو فی صدق الربح الموضوع لوجوب الخمس، فنرجع إلى قاعدة تبعیة النماء للملک ونحکم بعدم حصول الربح کذلک فلا موضوع للخمس، فتدبّر. ولا یخفى أنّ هذا على فرض الشک والتنزل عن الظهور الذی سبق منّا فی أوّل الکلام من أنّ الظاهر احتساب أرباح أنواع التجارات والمعاملات مجموعیّاً.
63. القائل هو صاحب الحجّة العلیا، ص 7.
64. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 8.
65. المصدر السابق، ح 6.
66. المصدر السابق، الباب 2 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 12.
67. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 4.
68. المصدر السابق، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 14.
69. المصدر السابق، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، ح 8.
70. المصدر السابق، ح 9.
71. المصدر السابق، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 22.
72. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 2 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 2.
73. المصدر السابق، ح 11.
74. المصدر السابق، ح 4و9.
75. المصدر السابق، الباب 3 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 6.
76. المصدر السابق، ح 3.
77. المصدر السابق، ح 4.
78. الحجّة العلیا فی شرح العروة الوثقى، للسیّد عبدالأعلى السبزواری.
79. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 2 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 5.
80. سورة البقرة، الآیة 282.
81. سورة الإسراء، الآیة 26.
82. فراجع وسائل الشیعة، ج 17، الباب 6 من أبواب میراث الأزواج، ح 1 و 12.
83. الحجّة العلیا فی شرح العروة الوثقى، للسیّد عبدالأعلى السبزواری.
84. جواهر الکلام، ج 39، ص 217.
85. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 9 من أبواب زکاة الغلات، ح 1.
86. المصدر السابق، الباب 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 9. لکن یلاحظ على الاستدلال بها أنّ الراوی لم یقل أنّه باع البردی والسمک، فأراد دفع خمسهما من الثمن بل لعلّه باعهما فی أثناء السنة وبقی ثمنهما فی یده فتعلق به الخمس.
87. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 10.
88. المصدر السابق، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 12.
89. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 6 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 1.
90. تحریر الوسیلة، ج 1، کتاب الخمس، ص 361، المسألة 23.
91. المصدر السابق، المسألة 27.
92. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 10 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 1.
93. المصدر السابق، ح 2.
94. جواهر الکلام، ج 16، ص 80.
95. جواهر الکلام، ج 16، ص 22.
96. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 2 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 5.
97. المصدر السابق، الباب 3 من أبواب الأنفال، ح 5.
98. راجع جواهر الکلام، ج 16، ص 55.
99. نجاة العباد، ص 85.
100. مسالک الافهام، ج 1، ص 468.
101. جواهر الکلام، ج 16، ص 80.
102. مستند العروة، کتاب الخمس، ص 295.
103. مستند العروة، کتاب الخمس، ص 300.
104. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 2 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 1.
105. المصدر السابق، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 8.
106. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 5.
107. المصدر السابق، الباب 2 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 13.
108. المصدر السابق، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 12.
109. شرایع الإسلام، ج 1، ص 135.
110. جواهر الکلام، ج 16، ص 78.
111. مستند الشیعه، ج 10، ص 74.
112. المصدر السابق.
113. مصباح الفقیه، کتاب الخمس، ص 141.
114. مستند العروة، کتاب الخمس، ص 304.
115. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 2 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 5.
116. المصدر السابق، الباب 3 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 6.
117. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 3 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 7.
118. المصدر السابق، الباب 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 1.
119. المصدر السابق، الباب 9 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 1.
120. المصدر السابق، ح 2.
121. راجع وسائل الشیعة، جلد 6، الباب 1 و 2 و 3 من أبواب من تجب علیه الزکاة وخصوص الروایتین 3 و11 من الباب 1.
122. المصدر السابق.
123. المصدر السابق، الباب 1 من أبواب من تجب علیه الزکاة، ح 2.

 

المقام الثالث : هل الأرباح ما یحصل بالتکسبمستحقو الخمس
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma