المقام الثالث : فی مصرف هذا الخمس

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الفقاهة - کتاب الخمس و الأنفال
المقام الثانی : وجوه الأموال المخلوطة بالحرام6 ـ الأرض التی اشتراها الذمی من المسلم

هل مصرف هذا الخمس هو مصرف سائر موارده أم لا ؟

قال المحقّق النراقی (رحمه الله) فی المستند : «قال جمهور من أوجبه أنّ مصرف هذا الخمس ایضاً مصرف سائر الأخماس المتقدمة ونسبه فی البیان إلى ظاهر الأصحاب»(1).

وقال صاحب جامع المقاصد : «ومصرفه مصرف الخمس عملاً بحقیقة اللفظ وفی الزیادة تردد»(2). کأنّه (رحمه الله) رأى أنّ الخمس صار حقیقة شرعیة فیما یدفع إلى الإمام(علیه السلام)والسادة.

وقد نسبه صاحب الحدائق إلى جمهور الأصحاب، ونسبه شیخنا الأعظم فی رسالته إلى المشهور (حکاهما فی المستمسک) ولکن حکی عن جماعة من متأخری المتأخرین، کون مصرفه الفقراء، واختاره سیّدنا الاُستاذ البروجردی (رحمه الله)کما یظهر من بعض محاضراته(3).

والعمدة هل أنّ الخمس هنا منصرف إلى الخمس المصطلح المعروف فی هذه الأبواب، أم المراد معناه اللغوی، أی خمس مجموع المال الذی یقابل الربع والثلث، فلا مانع من کون مصرفه مصرف مجهول المالک.

والذی یؤید الأوّل أو یدلّ علیه، عدّه فی عداد سائر موارد الخمس فی ما رواه عمّاربن مروان، حیث قال : سمعت أبا عبدالله (علیه السلام) یقول : فیما یخرج من المعادن والبحر والغنیمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم یعرف صاحبه والکنوز، الخمس»(4). انتهى.

لکن اختلفوا فی وثاقة عمّار بن مروان، والظاهر أنّه غیر موثّق، وکذا روایة ابن أبی عمیر، لو قلنا بأنّ المنسى هو المال المختلط بالحرام، فراجع(5).

فوحدة السیاق، دلیل على المطلوب، ویدلّ علیه أیضاً ما رواه «عمّار» عن أبی عبدالله(علیه السلام) حیث قال : «... فلیبعث بخمسه إلى أهل البیت»(6).

لکن قد عرفت أنّه لیس من المال المخلوط بالحرام، لأنّ الدخول فی عمل السلطان لو کان حراماً حرمت أجرته کلّه، وإن کان حلالاً حلّت أجرته کلّه، فإن العمل حلال على الفرض، وما یعطیه إنّما یعطیه من بیت المال، ولا یقصر عن جوائز السلطان التی تثبت حلّیتها.

یدلّ علیه أیضاً قوله:«ایتنی بخمسه»فی مرسلة الصدوق(7) لکن ذیلها لایخلو من غموض.

هذا کلّه مضافاً إلى ظهور لفظ الخمس فی استعمالات الشارع فی ذلک (فهذه دلائل ثلاثة).

ولکن یدلّ على الثانی أیضاً أُمور :

1 ـ قوله: «تصدق بخمس مالک فإنّ الله قد رضی من الأشیاء بالخمس»(8) لظهور الصدقة فی غیر الخمس، وما قد یقال: إنّ الصدقة یطلق على الخمس أیضاً لو فرض ثبوته، لا شک فی کونه نادراً بالنسبة إلى غیره، ولکن رویت هذه الروایة بعینها فی الفقیه من دون ذکر عنوان الصدقة، وفیها :... فقال علی (علیه السلام) : «اخرج خمس مالک فإنّ الله عزّوجلّ قد رضی من الإنسان بالخمس»(9) فلا یصح الرکون إلى ظهور اللفظ لاختلاف النسخ على أنّ صحّة سند الروایة محلّ کلام.

2 ـ الخمس المعهود إنّما هو فی الغنائم والفوائد، ومن الواضح عدم کون المقام مصداقاً له، فقد یکون مقدار الحرام فی الواقع أقل من الخمس، فلا یکون مصداقاً للفائدة، ورفع المنع عن أصل ماله بالخمس، لا یکون سبباً لصدق الغنیمة والفائدة إلاّ بالتسامح والمجاز، وإلاّ فالمال هو ماله السابق من دون إضافة وتنمیة.

3 ـ المعروف فی حکم مجهول المالک والمرتکز متشرعیاً، هو الصدقة، والسرّ فیه أنّه نوع ایصال له إلى مالکه، کما عرفت آنفاً، وقد نطقت به کثیر من الأخبار، بل ظاهرها أنّه لو ظفر بمالکه ولم یقبل الأجر، ردّ إلیه ماله، ومن البعید جدّاً أن یحکم الشارع فی المقام مع أنّه من قبیل مجهول المالک مصرفاً آخر من المصارف، ومجرّد الفرق بین المقامین من وضوح المقدار فی أخبار مجهول المالک وعدم وضوحه هنا، لا أثر له ظاهراً، وإن شئت قلت : الذی یستفاد من أدلة الخمس هنا، تعیین المقدار المجهول فی مقدار الخمس، وأمّا مصرفه، فهو على وزن سائر المقامات فی مجهول المالک.

نعم، یظهر من بعض الروایات أنّ مجهول المالک للإمام (علیه السلام)، والصدقة إنّما هی بإذنه، فلو ثبت هذا، أمکن التصالح بین القولین ورفع التعارض بین روایات هذا الباب وأدلة الطرفین، فإنّ التصدق أیضاً یکون بأمره، فیکون من قبیل الخمس المصطلح الذی یکون أمره بیده حتّى أمر سهم بنی هاشم لأنّه بنفسه منهم بل رئیس بنی هاشم.

ففی روایة داود بن أبی یزید، عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال : قال رجل : إنّی قد أصبت مالاً وإنّی قد خفت فیه على نفسی ولو أصبت صاحبه دفعته إلیه وتخلّصت منه، قال : فقال له أبو عبدالله (علیه السلام) : «والله أن لو أصبته کنت تدفعه إلیه ؟ قال : إی والله. قال : فأنا والله ما له صاحب غیری. قال : فاستحلفه أن یدفعه إلى من یأمره. قال : فحلف : فقال : فاذهب فاقسمه فی إخوانک ولک الأمن ممّا خفت منه. قال : فقسمته بین إخوانی»(10).

ولکن سندها لا یخلو من إشکال، لاشتراک موسى بن عمر بین ابن بزیع الثقة وابن یزید المجهول(11)، وقد تصدّى بعض الأعلام فی مستند العروة لحلّ هذه المشکلة من طریق وقوع ابن یزید فی إسناد کامل الزیارات، بناءً منه على أنّ من وقع فی إسناده کان ثقة وإن سمعنا رجوعه (دام علاه) عنه أخیراً، ولکن والحال هذا یشکل الاعتماد على سندها.

وقد یستدلّ أیضاً بما رواه محمّد بن القاسم بن الفضیل بن یسار، عن أبی الحسن(علیه السلام) : فی رجل کان فی یده مال لرجل میت لا یعرف له وارثاً کیف یصنع بالمال، قال : «ما أعرفک لمن هو یعنی نفسه»(12).

ولکن الحدیث ـ مضافاً إلى ضعف سنده بعباد بن سلیمان لجهالة حاله ـ یحتمل معنیین :

أحدهما:حمله على مجهول المالک بأن یکون له وارث لایعرف (ولو بحکم الاستصحاب).

ثانیهما: حمله على من لا وارث له، ومن المعلوم أنّه ملک الإمام ولا ربط له بمجهول المالک، ولا یبعد ترجیح الأخیر، لأنّ المراد ممّن لا وارث له، هو من لا یعرف له وارث، لا من علم بعدم الوارث له، لأنّ إحراز ذلک مشکل جدّاً لا سیّما فی الغرباء والعبید الذین أُشیر إلیهم فی روایات هذا الباب(13).

وممّا یشهد على عدم کون مجهول المالک أو اللقطة للإمام (علیه السلام) ظاهراً، أنّه لو وجد صاحبه ولم یرض بالصدقة، کان الواجب تدارکه، فلو کان ملکاً للإمام (علیه السلام)وکان التصدق بإذنه لم یکن وجه وجیه للضمان. فهذا التصالح أیضاً لا یمکن الاعتماد علیه، والأحوط صرفه فی مصرف ینطبق علیه مصرف الصدقة والخمس وهو فقراء السادة لأنّهم مصرف الأمرین معاً.

إن قلت : کیف تجوز الصدقة علیهم، والمعروف أن الصدقة على آل محمّد(صلى الله علیه وآله)محرمة؟

قلت : الحرام هو الصدقة الواجبة بعنوانها الأولی کالزکاة، أمّا الکفّارات الواجبة التی لا یصدق علیها عنوان الصدقة وکذا الصدقات المستحبة فهی غیر محرمة علیهم، وفی مجهول المال وإن کانت واجبة، ولکنّها بعنوان ثانوی، وإلاّ فهو بعنوانها الأولی مستحب، وهذا من قبیل المال الذی أوصى به المالک أن یجعل صدقته فی سبیل الله أو نذره کذلک.

وإن شئت قلت : الذی تعطى الصدقة من قبله وهو المالک لا تجب علیه هذه الصدقة، بل تستحب فی حقّه، وقد تعرضنا لذلک فی أبواب أوصاف المستحقین للزکاة ذیل کلام صاحب العروة(14) ولیس المقام، مقام بسط الکلام فیه.

بقی هنا أمران :

1 ـ هل یجب أن تکون الصدقة بإذن الحاکم الشرعی ؟ ظاهر إطلاق روایات هذا الباب عدم الحاجة إلیه. اللّهم إلاّ أن یقال : أمر الإمام (علیه السلام) بالصدقة بنفسه مصداق الإذن، وحینئذ لو کان الواجب، الاستئذان من الإمام الحی أو نائبه، یشکل الأخذ بالإطلاقات المذکورة بعد عدم صدورها عن الحجّة الثانی عشر، وکونها ناظرة إلى الأزمنة السابقة.

وإن قلنا : إنّ مجهول المالک للإمام نفسه، کما مرّ فی بعض الروایات السابقة، کان وجوب استئذانه أظهر، لکن قد عرفت الإشکال فی إسنادها، وهناک طریق آخر للقول بوجوب استئذانه وهو أنّه بما أنّ الإمام ولی الغائب، فهو ولی المالک المجهول، فلابدّ من استئذانه.

فالأحوط، لولا الأقوى، وجوب الاستئذان فی جمیع هذه المقامات ممّا یتصدق فیها مجهول المالک، والله العالم.

2 ـ هل یجوز صرفها فی غیر أهل الاستحقاق من فقراء المؤمنین، من سائر مصارف الخیر وما ینتفع به المسلمون من بناء المستشفیات والمدارس والقناطر والمعامل أم لا ؟ یجری على ألسنة بعض المعاصرین جواز صرفه فی المصارف الثمانیة المذکورة فی الآیة الشریفة، ولکن لم یقم على مدعاه دلیلاً، ماعدا احتمال کون المراد بالتصدق مفهوماً عاماً یشملها جمیعاً وإن کان فی عرفنا ظاهراً فی مفهوم خاص.

وأنت خبیر بأنّه دعوى بغیر بیّنة ولا برهان، بل المتبادر من عنوان الصدقة هو مفهومه الخاص، ومقتضى أصالة عدم النقل کونه کذلک فی عرف الشارع أیضاً، ولو شک فی ذلک، فمقتضى قاعدة الاشتغال، عدم جواز صرفه على غیر المصرف الخاص.

نعم، لو کان ملکاً للإمام (علیه السلام) أمکن إحراز رضاه (علیه السلام) بالصرف فی جمیع ذلک، ولکن أنّى لنا بإثباته، وقد عرفت الإشکال فی ما ذکره بعضهم فی ذلک.

 

و هاهنا اثنتا عشرة مسألة:

المسألة الاُولى : الاختلاط على نحوین : تارة یکون بالإشاعة، کما إذا اختلط جنس

واحد بعضه ببعض بحیث لا یتمیز بینهما، کاختلاط الحنطة بالحنطة أو الدراهم بالدراهم، أو اختلاط جنسین، بحیث لا یمکن تمییزهما، کاختلاط دقیق الحنطة بدقیق الشعیر، واختلاط دهن اللوز بالجوز، فإنّ ذلک کلّه یوجب الشرکة والإشاعة القهریة.

وقد ذکر المحقّق الیزدی(رحمه الله) أنّ الشرکة أربعة أقسام : «فإنّها إمّا قهریة أو اختیاریة وکلّ منهما إمّا واقعیة أو ظاهریة».

فالواقعیة القهریة، مثل الشرکة فی مال الإرث.

والواقعیة الاختیاریة، کما إذا أحیا شخصان أرضاً مواتاً بالاشتراک.

والظاهریة القهریة، کما إذا امتزج مالهما من دون اختیارهما بحیث لا یتمیز.

والظاهریة الاختیاریة، کما إذا مزجا باختیارهما من دون قصد الشرکة.

ولکن ذکرنا فی محلّه أنّ للشرکة نوعین فقط: اختیاریة وقهریه، وأنّ جمیع ما ذکر من الشرکة الظاهریة، عندنا واقعیة، فإذا امتزج المالان بحیث لا یتمیز أحدهما من الآخر حصلت الشرکة واقعاً عند العرف والعقلاء، ویبطل حکم الأجزاء الواقعیة، سواء کان ذلک باختیارهما أو حصل قهراً، والملکیة أمر اعتباری تابع لنحو اعتباره فی العرف وسیرة العقلاء وإمضاء الشارع، وتمام الکلام فی محلّه.

هذا کلّه فی الاختلاط الذی یوجب الشرکة، وقد یکون الاختلاط بغیر الشرکة کاختلاط الکتب من أنواع مختلفة بعضها ببعض، لا یدری ایّ واحد ملکه وأیّ واحد ملک غیره، أو اختلاط أنواع مختلفة من متاع البیت، اکتسب بعضها من حرام وبعضها من حلال، بحیث لا یعلم الحلال من الحرام.

والظاهر أنّ إطلاقات روایات الخمس تشملها جمیعاً من دون أی فرق بینها، إذا لم یعلم المقدار والمالک کما هو ظاهر، نعم، یکون الفرق بینهما فی الفرض الذی یعلم المالک ولا یعلم المقدار الذی قد عرفت أنّ الواجب فیه، التصدق، لا الخمس إلى أربابه، وقد عرفت أنّ الواجب علیه إنّما هو القدر المتیقن من الحرام، وأمّا بالنسبة إلى الزائد، فتجری فیه قاعدة الید الدالة على الملک، ولکن هذا إنّما یجری فی فرض الإشاعة، فإنّها التی یمکن الأخذ فیها بالقدر المتیقن.

أمّا إذا کان من القسم الثانی الذی لا یوجب الشرکة، کاختلاط الکتب أو الألبسة المختلفة فقاعدة الید فی کلّ منهما، معارضة بالآخر، فتتساقطان، فهو من قبیل المال المجهول مالکه الذی دار أمره بین رجلین، ولیس فی ید واحد منهما، ومن الواضح أنّه لا یمکن الاستناد إلى قاعدة الید هنا، فطریق حلّ المشکل، إمّا المصالحة وإلاّ، فالقرعة، أو التقسیم من حیث القیمة بحسب قاعدة العدل والإنصاف، ولا یترک الاحتیاط بالمصالحة، فإنّها الأحوط فی مقام الإفتاء، ولو أصرّ أحدهما على عدمها، فلا یبعد أن تکون القرعة هنا أولى من غیرها لعدم وضوح قاعدة العدل هنا، فتأمل.

ومن هنا یظهر الحال فیما إذا کان الاختلاط بنحو یقتضی الشرکة، ولکن لم یکن فی ید واحد منهما، بل فی ید ثالث یکون وکیلاً من کلّ منهما مثلاً، فالأولى هناک أیضاً هو المصالحة، ولکن إجراء قاعدة العدل والإنصاف بالنسبة إلى المقدار المشکوک هنا، قوی، مثلاً : نعلم بأن ثلث المال لهذا وثلثه للآخر، ولکن نشک فی الثلث الأخیر، والمفروض عدم کونه فی ید واحد منهما بالخصوص حتّى یستند إلى قاعدة الید.

المسألة الثانیة : إذا جهل المقدار والمالک، فقد عرفت أنّه لا إشکال فی وجوب إخراج الخمس ولکن قد یعلم إجمالاً بأنّ مقدار الحرام أکثر من الخمس، مثلاً أنّه لیس أقل من الثلث، کما أنّه قد یعلم إجمالاً بأنّه أقل منه، مثلاً یعلم بأنّه لا یکون أکثر من العشر، فهل الحکم المذکور یشمل هاتین الصورتین ؟

فالذی یظهر من عبارة العروة، شمول الحکم للجمیع، وخالفه أکثر المحشّین فیما رأیناه.

والعمدة هل الإطلاقات هنا منصرفة عن هاتین الصورتین، فیعمل فیهما بالقواعد، أو شاملة لها، والتحلیل بالخمس حکم تعبّدی من ناحیة الشارع، کما قد یستظهر ممّا رواه السکونی عن أبی عبدالله (علیه السلام) وفیها قال أمیرالمؤمنین (علیه السلام) : «تصدق بخمس مالک فإنّ الله رضی من الأشیاء بالخمس وسائر المال لک حلال»(15). ومثله روایة الحسن بن زیاد(16).

والإنصاف أنّ الإطلاقات منصرفة عن مثل هاتین الصورتین، لأنّ المرتکز فی أذهان أهل الشرع أنّه لا یحلّ مال أُمرء مسلم إلاّ عن طیب نفسه، ولا یخرج من هذا تعبّداً إلاّ بدلیل قوی جدّاً، لا مثل الاستظهار السابق حیث صرّح صاحب الجواهر بأنّ ظاهرها عدم معرفة الحلال من الحرام عیناً وقدراً.

بل أضاف هو قدس الله نفسه الزکیة : «إنّه لو اکتفى بإخراج الخمس هنا لحلّ ما علم من ضرورة الدین خلافه إذا فرض زیادته علیه کما أنّه لو کلّف به مع فرض نقیصته عنه وجب علیه بذل ماله الخاص له»(17). وإن لم یکن الأمر فی الشدّة على ما ذکره، لأنّه لو کان هناک دلیل قوی متین، أمکن تخصیص العمومات الواردة فی الشرع بها تعبداً بأمر مالک الملوک، ولکن أنّى لنا بإثباته.

هذا، ولازم ما عرفت عدم صرفه فی مصارف الخمس، بل فی مصارف الصدقة، لخروج المورد عن عمومات الخمس لما مرّ ذکره، ولکن یبقى هنا إشکال وهو أنّ العلم الإجمالی حاصل دائماً بمقدار قد یزید عن الخمس وقد ینقص عنه، فلو شک فی ذلک یسأل عن درهم واحد من الحرام الذی هو مقطوع به مثلاً، فیزید حتّى یقف ولا یعلم بالأزید، وعلى هذا لا یبقى مورد لأخبار الخمس.

قلت : لیس الأمر کذلک، فإنّ العلم الإجمالی غیر حاصل لغالب الناس فی موارد الاختلاط بالحرام، وإن فرض حصوله للخواص من طریق التفکر والتدبّر فی الموضوع مرّة بعد أُخرى، بل بالنسبة إلى الخواص أیضاً قد یحتاج إلى فحص کثیر جدّاً فی جوانب الموضوع، فعلى هذا یبقى لأخبار الباب مصادیق کثیرة.

ثمّ إنّ المحقّق الیزدی (رحمه الله) بعد ما أفتى بکفایة الخمس ولو مع العلم الإجمالی، قال : «والأحوط مع إخراج الخمس، المصالحة مع الحاکم الشرعی أیضاً بما یرتفع به یقین الشغل وإجراء حکم مجهول المالک علیه» وکان اللازم أن یقول: الأحوط هو الأخذ بما یعلمه إجمالاً، وأحوط منه إخراج المقدار الذی یعلم معه بالبراءة (أی الحدّ الأکثر الذی یحتمله) وأمّا المصالحة مع الحاکم الشرعی فلا وجه لها بعد العلم الإجمالی بمقدار خاصّ، فتدبّر(18).

المسألة الثالثة : قد یکون المالک المجهول مردداً بین عدد محصور، مع العلم بمقدار الحرام، فلا ینبغی الشک فی خروجه عن عمومات الخمس، وعدم کفایة إخراج الخمس إلى أربابه فی طهارة المال بعد کون مالکه معلوماً إجمالاً کالاثنین والثلاثة وشبه ذلک، إنّما الکلام فی أنّه کیف یمکن له التخلص من الحرام، بالمصالحة أو القرعة أو القسمة أو الإحتیاط بإعطاء هذا المقدار إلى کلّ واحد منهم عملاً بالإحتیاط.

قال المحقّق النراقی (رحمه الله) فی المستند : «ولو علم الصاحب (المالک) إجمالاً... وکانوا محصورین، ففی وجوب تحصیل البراءة الیقینیة، بصلح، أو غیره ولو بدفع أمثال المال إلى الجمیع، أو کونه مجهول المالک، أو الرجوع إلى القرعة، أقوال، أجودها: الوسط، سیّما مع تکثر الأشخاص والاحتیاط لا ینبغی أن یترک»(19).

وقال صاحب مصباح الفقیه : «إلاّ وجه الإلزام بوجوب الاحتیاط وتحصیل الجزم بتفریغ ذمّته بصلح ونحوه، ولو بدفع أمثال المال إلى الجمیع لدى الإمکان کما صرّح به بعض بل لعلّه المشهور حیث إنّ تضرره بذلک نشأ من سوء اختیاره»(20).

ففی المسألة وجوه أو أقوال خمسة نذکرها مع ما یمکن الاستدلال لها والجواب عنها.

أحدها : وجوب الخروج عن عهدة مال المالک المردد بین محصور، ببذل أمثال المال لکلّ واحد، إلاّ إذا رضوا بالصلح بما دونه وهو مقتضى قاعدة الید واشتغال الذمّة یقیناً الذی یدعو إلى البراءة کذلک.

وقد أورد علیه غیر واحد منهم بأنّ ذلک ضرر منفی بالأدلّة ـ لا سیّما إذا کانت الأطراف متعددة، کما إذا کانوا عشرة.

ویجاب عنه: أوّلاً : بأنّه معارض بضرر المالک وإن کان ضرره أقل، فلو قلنا بتقدیم الأقوى عند التعارض، کان الترجیح لنفی ضرر صحاب المختلط.

وثانیاً : أنّ هذا الضرر إنّما نشأ بسوء اختیاره حیث خلط ماله بمال آخر عن علم واختیار.

لکن یرد علیه: أنّ محلّ الکلام أعمّ ممّا إذا کان بسوء اختیاره أو بعدم سوء اختیاره فغایته التفصیل بین المقامات، هذا مضافاً إلى أنّ إلزامه ببذل مثل المال إلى عشرة أفراد ربّما لا یعدّ عند العقلاء من الطرق المعقولة للتخلص من الضمان، فهو وإن کان مقصراً فی فعله، ولکن هذا لیس طریقاً للتخلص، نعم، إذا کان أطراف الاحتمال اثنین أو شبهه أمکن هذا القول مع إشکال.

ثانیها : المعاملة معه معاملة مجهول المالک، نظراً إلى أنّ العلم الإجمالی لا یعدّ علماً فی هذه المقامات، لأنّ العلم یساوق التشخیص وهو منتف فی المقام، بل لو کان العلم الإجمالی بالمالک علماً واقعیاً لم یبق مورد لمجهول المالک، لوجود هذا العلم فی کثیر من الموارد، فتشمله العمومات السابقة الدالّة على وجوب التصدق بالمقدار المعلوم.

ولکن یرد علیه: بأنّ المفروض إمکان ایصال المال إلى صاحبه، ولو من طریق التقسیم أو القرعة أو الصلح أو الاحتیاط، فکیف یجوز صرف النظر عنه وبذله لغیر مالکه، فالإطلاقات منصرفة عنه.

ثالثها : الرجوع إلى القرعة، نظراً إلى عموم أدلّتها لکلّ أمر مجهول، ولکن قد عرفت غیر مرّة أنّ شمولها للمقام الذی توجد فیه طرق أُخرى لحلّ المشکل، مشکل.

رابعها : التوزیع بینهم لقاعدة العدل والإنصاف، وأورد علیه: بعدم ثبوت عموم لهذه القاعدة.

وهنا احتمال خامس ذکره بعضهم، وحاصله التخییر بین التوزیع والقرعة لتعذر الاحتیاط التام، ففی التوزیع موافقة قطعیة فی البعض مع المخالفة فی البعض الآخر، وفی  الثانی احتمال للموافقة  القطعیة فی الکلّ  مع احتمال المخالفة کذلک،و لا ترجیح بینهما.

وفیه : أنّ الأخذ بالموافقة القطعیة فی البعض فی هذه المقامات أولى فی حکم العقل والعقلاء، فمادام یمکن العمل بالتوزیع، لا تصل النوبة إلى القرعة.

والأقوى من بین هذه الوجوه، هو وجوب التوزیع، ودلیله سیرة العقلاء، فإنّها جرت على هذه القاعدة ـ أی قاعدة العدل والإنصاف فی الأموال المشکوکة ـ ولم یردع عنه الشارع، بل أمضاها فی بعض مواردها بالخصوص، مثل ماورد فی أبواب الصلح، عن السکونی عن

الصادق عن أبیه(علیهما السلام) فی رجل استودع رجلاً دینارین فاستودعه آخر دیناراً فضاع دینار منها، قال : «یعطی صاحب الدینارین دیناراً ویقسم الآخر بینهما نصفین»(21).

وقد أفتى به المشهور کما صرّح به صاحب (الدروس) ومعظم الأصحاب کما فی الجواهر(22).

فإن کان فی الروایة ضعف، ینجبر بالشهرة، ویدلّ علیه أیضاً ما ورد فی المال الذی فی ید رجلین مع دعواهما فیه، وهو صحیحة عبدالله بن المغیرة عن غیر واحد من أصحابنا عن أبی عبدالله (علیه السلام) فی رجلین کان معهما درهمان، فقال  أحدهما: الدرهمان لی. وقال الآخر: هما بینی وبینک، فقال (علیه السلام) : «أمّا الذی قال: هما بینی وبینک فقد أقرّ بأنّ أحد الدرهمین لیس له، وأنّه لصاحبه ویقسم الآخر بینهما»(23). والظاهر أنّ الأصحاب أفتوا به أیضاً، بل یظهر من بعض کلماتهم، إجمالاً، أنّهم تعدوا عنهما إلى غیر مواردهما، والظاهر أنّه لیس ذلک إلاّ لأنّهم فهموا معناً عاماً.

وهناک روایتان أُخریان واردتان فی التداعی على عین واحد یشهد لعمومیة القاعدة، وهی ما رواه غیاث بن إبراهیم، عن أبی عبدالله (علیه السلام) أنّ أمیرالمؤمنین (علیه السلام)اختصم إلیه رجلان فی دابّة وکلاهما أقاما البیّنة أنّه انتجها، فقضى بها للذی فی یده، وقال : «لو لم تکن فی یده جعلتها بینهما نصفین»(24).

وما رواه إسحاق بن عمّار، عن أبی عبدالله (علیه السلام) أنّ رجلین اختصما إلى أمیرالمؤمنین(علیه السلام)فی دابّة فی أیدیهما... فقیل له : «فلو لم تکن فی ید واحد منهما وأقاما البیّنة ؟ فقال : أحلفهما فأیّهما حلف ونکل الآخر جعلتها للحالف، فإن حلفا جمیعاً جعلتها بینهما نصفین، الحدیث»(25). ولا یخفى أنّه وإن کان مورد الخبرین وموضوعهما واحداً إلاّ أنّ تعدد الطرق یدلّ على تعدد الأحادیث.

إن قلت : إنّ هذه الروایات لم ترد فی موضع الضمان، فالتعدی منها إلى محلّ الکلام غیر ممکن، لأنّه قیاس مع الفارق.

قلت : أوّلاً : قد لا یکون هناک ضمان لعدم وقوعه تحت یده، بل اختلط الحلال والحرام بغیر فعله وبلا ضمان، کما إذا کانت الأموال فی بیت مشترک بینهم، فاختلطت، أو فی محلّ لا یکون فی ید واحد منهم.

وثانیاً : یظهر من لحن الروایات وتناسب الحکم والموضوع أنّ هذا حکم المال المردد بین اثنین وشبهه من غیر دخل للضمان وعدمه، أمّا کون ذلک بسوء اختیاره أو عدم سوء اختیاره، فهی مسألة أُخرى قد عرفت الجواب عنها.

ویؤید ذلک، فهم الأصحاب وتعدیهم عن موردها إلى موارد أخرى مخالفة لها من بعض الجهات، فهذا کلّه دلیل على کونها ناظرة إلى إمضاء ما عند العقلاء من قاعدة العدل والإنصاف.

هذا کلّه إذا کان المقدار معلوماً، ومنه، وممّا سبق فی المسائل السابقة یظهر حال ما إذا کان المقدار مجهولاً، فإنّ الواجب حینئذ، الأخذ بالقدر المتیقن کما سبق، وإن کان الاختلاط موجباً للإشاعة والاشتراک ودار الأمر بین الأقل والأکثر ثمّ المعاملة معه معاملة المقدار المعلوم من التنصیف أو غیره من المبانی، وأمّا لو کان دائراً بین المتباینین، فاللازم، المصالحة معهم جمیعاً على المال المشکوک ثمّ التنصیف بینهم.

والحاصل: أنّ الحکم فی هذه المسألة، هو الأخذ بقاعدة العدل إلاّ إذا کان هو السبب فی ابهام المالک وجهالة حاله، فحینئذ یحتاط.

المسألة الرابعة : هذا کلّه إذا کان الحرام فی الخارج، أمّا إذا کان حقّ الغیر فی ذمّته، فلا یجری فیه حکم الخمس ـ علم صاحبه أو لم یعلم ـ والکلام هنا فی مقامین:

المقام الأوّل: فی عدم جریان حکم الخمس فیه، أمّا الأوّل : فالوجه فیه أنّ الخمس إنّما هو فی فرض الإختلاط، ولا یتصور ذلک إلاّ فی الأعیان الخارجیة، لا فی الذمّة.

وفی تقریرات بعض الأعاظم(26) أنّه تارة یتلف المختلط... وأُخرى یختلط فی الذمّة، بمعنى أنّه یتلف المال الحلال والحرام ولا یدری کمیة واحدة منهما. (انتهى) ولم أفهم معنى محصلاً للخلط فی الذمّة، فإنّ مال الحلال هو مال الرجل نفسه، ومن الواضح أن تلفه لا یوجب ضماناً (ولعلّ الخلط من المقرر).

ولکنه (قدس سره) ذکر فی بعض کلماته فی هذه المسائل طریقاً آخر عند اشتباه المالک المجهول بین أفراد محصورین، بأنّه یجعل المال المشکوک إذا کان مقداره معلوماً (أو القدر المتیقن إذا کان مجهولاً)، فی محلّ یکون تحت ید الجمیع، وهذا کاف (کما إذا کانوا مجتمعین فی بیت، ویجعل المال فی ذلک البیت ویعلمهم بأنّ المال لواحد منهم، بل یمکن أن یقال : إنّ أعلامهم بذلک کاف، لأنّه تخلیة الید وهو مصداق الأداء عند العرف) وحینئذ إن کان یدّعیه بعضهم أو جمیعهم، یعمل على وفق أحکامه (انتهى ملخصاً).

وکیف کان، فهنا تفصیل من بعض أعلام العصر تبعاً لشیخنا الأعظم الأنصاری(رحمه الله)من الفرق بین ما إذا کان الحرام ثابتاً فی الذمّة من أوّل الأمر ـ کمن أتلف مال الغیر بعینه ـ وبین ما إذا اختلط الحرام والحلال فی ماله أوّلاً، ثمّ تلف الجمیع فی یده وانتقل المال المجهول مالکه إلى الذمّة، ففی الثانی یجری حکم الخمس، وقد بنى هذا الحکم على أنّ الاختلاط بنفسه سبب لشرکة أرباب الخمس فی المال، کما فی سائر أنواعه من الکنز والمعدن والغوص، أو أنّه سنخ آخر، فلا شرکة لأربابه فی المال، بل الخمس مطهّر للمال عن الاختلاط، فالمال باق على کونه مخلوطاً بالحرام قبل التلف وبعده، فینتقل مال الغیر بعینه إلى الذمّة لأسهم أرباب الخمس، ثمّ قوّى الأوّل واختار الخمس فی خصوص هذه الصورة.

أقول : لیس فی شیء من روایات هذا الباب ما یدلّ على شرکة أرباب الخمس فی المال المختلط، إلاّ روایة عمّار بن مروان حیث قال (علیه السلام): فی ما یخرج من المعادن والحلال المختلط بالحرام... الخمس. فإنّ ظاهرها تعلق الخمس به بمجرّد الاختلاط مع جهل المالک (والمقدار)، ولکن قد عرفت الکلام فی عمّار بن مروان وأنّه مشترک بین الثقة وغیر الثقة.

هذا مضافاً إلى أنّ لحن سائر روایات هذا الباب، کون الخمس مطهّراً للمال، فإنّ قوله(علیه السلام) : «إنّ الله عزّوجلّ قد رضی من ذلک المال بالخمس...»(27) وقوله (علیه السلام) : «تصدق بخمس مالک فإنّ الله رضى من الأشیاء بالخمس...»(28)، ظاهر فی هذا المعنى. نعم، أسنادهما محلّ الکلام، ولکن یمکن اخراجهما مؤیداً للمطلوب.

وأوضح من ذلک ما عرفت من أنّ الخمس المعهود إنّما هو فی الغنائم خاصة بالمعنى الأعم، ولیس المال المختلط، منها قطعاً، لأنّه قد یکون فی الواقع أقل من الخمس، فلیس هنا غنیمة، واحتمال کون جواز تصرفه فیه بعد إخراج الخمس داخلاً تحت عنوان الغنیمة مع بعده فی ذاته، إنّما یکون بعد إخراجه مع أنّ عنوان الغنیمة لابدّ أن تکون صادقة قبل إخراج الخمس، لأنّه من قبیل الموضوع له.

فالمقام، من قبیل مصالحة قهریة إلهیة بین المالک للبعض والشارع المقدّس ولایة على المال المجهول، ولا دلیل على حصولها قبل أدائه، ولذا لو ظهر المالک المجهول قبل أداء الخمس، کان المال ماله، ولا أظن الخلاف فیه، ولو کان بمجرّد الاختلاط، یجب فیه الخمس، لم یکن وجه لانتفائه بعد ذلک، فتأمل.

هذا، ولو شک فی تعلقه به بمجرّد الاختلاط أو کون الخمس مطهّراً، فالأصل یقتضی بقاء کلّ من المالین على ملک مالکه الأصلی، کما لا یخفى.

وأمّا المقام الثانی : فقد ذکر فیه وجوه أربعة، من جهة کون الجنس والمقدار إذا کان کلاهما معلومین أو مجهولین أو الأوّل معلوماً، والثانی مجهولاً أو بالعکس، ولکن الأحسن أن یقال هنا أُمور :

1 ـ ما کان الجنس والمقدار فیه معلومین (کمن یعلم بکون مائة کیلو من الحنطة فی ذمّته).

2 ـ ما کان الجنس فیه معلوماً والمقدار مجهولاً مردداً بین الأقلّ والأکثر (کمن علم بکون الحنطة فی ذمّته ولکن لا یعلم مقدارها هو مائة أو تسعون کیلو).

3 ـ ما لم یعلم جنسه، وکان قیمیاً (کما إذا تردد التالف بین الإبل والغنم).

4 ـ ما لم یعلم جنسه، وکان مثلیاً (کما إذا شک فی کونه مائة کیلو من حنطة أو شعیر) ولیعلم أنّه لا أثر للعلم بالمقدار وعدمه فی هاتین الصورتین.

وکلّ هذه الصور إمّا لا یعرف صاحبه فی عدد محصور، أو یعرفه فی عدد محصور، أو یعرفه بعینه، فالصور اثنتا عشرة صورة :

أمّا الاُولى من الأربع : وهی ما کان الجنس والمقدار فیه معلومین، فإن عَلِمَ مالکَه بعینه، فلا کلام فی وجوب ردّه إلیه وإن کان مردداً بین عدد محصور، فقد عرفت أنّ القاعدة تقتضی التوزیع بینهم، إلاّ أن یکون صاحب المال هو المقصر فی ذلک فلا یبعد حینئذ وجوب التصالح.

وإن کان فی عدد غیر محصور، فمقتضى ما عرفت سابقاً لزوم التصدق به وأن یکون بإذن الحاکم، على الأحوط.

وفی الصورة الثانیة : کما إذا علم أنّ المال الذی فی ذمّته هو الحنطة، ولکن لا یعلم مقداره، فاللازم الأخذ بالقدر المتیقن ثمّ العمل على وفق المسألة السابقة فی المالک المعلوم أو المجهول بین عدد محصور أو غیر محصور.

وفی الصورة الثالثة : کما إذا علم بأنّه ضامن لأحد شیئین: إمّا الإبل، أو الغنم، فحیث إنّه قیمی ویکون الضمان بالنسبة إلى القیمة ویدور أمرها بین الأقل والأکثر، فالواجب علیه هو الأقل، ثمّ یعمل بالنسبة إلى الحالات الثلاث للمالک على طبق المسائل السابقة.

وفی الرابعة : مثل ما إذا علم بأنّه ضامن لأحد شیئین مثلیین کالحنطة والشعیر، فحیث إنّ الواجب أداء المثل وهو مردد بین المتباینین فمقتضى القاعدة هو الاحتیاط(29)، اللّهم إلاّ أن یدفع بلزوم الضرر منه، فیرجع إلى التصالح أو القرعة أو الأخذ بقاعدة العدل والإنصاف بین القیمتین، ولا یترک الاحتیاط، لا سیّما إذا کان هو المقصّر فی هذا الشک، ثمّ بالنسبة إلى الحالات الثلاث لصاحب هذا المال، یرجع إلى المسائل السابقة.

وقد ظهر ممّا ذکرنا أنّه لا أثر للعلم بالمقدار وعدمه فی الصورتین الأخیرتین لمجهولیة الجنس(30)، ولأنّه یؤخذ بالأقلّ فی الصورة الأُولى على کلّ حال وبالنسبة إلى المقدار فی الأخیرة وإن کان یحتاط بالنسبة إلى الجنس، والله العالم بحقیقة أحکامه.

أمّا إذا دار الأمر بین کونه مثلیاً أو قیمیاً، فهو فی الحقیقة دائر بین المتباینین، فیلزم الاحتیاط، فتدبّر.

المسألة الخامسة (32 من العروة) : لا إشکال فی جواز إعطاء خمس المعادن والأرباح وشبهها من ناحیة المالک، بل الأقوى کما سیأتی فی محلّه ـ إن شاء الله ـ جواز إخراج سهم السادة إلیهم بلا حاجة إلى إذن الحاکم الشرعی، بل للمالک إعطاء الخمس من مال آخر غیر ما تعلق به الخمس، فهل الأمر فی خمس المال المختلط أیضاً کذلک، أم لا ؟

مقتضى ما عرفت من احتمال کونه من باب الصدقة أو الاحتیاط بإعطائه لمن یکون مصداق مصرف الصدقة وسائر الأخماس، الاستئذان من الحاکم الشرعی بناءً على وجوب الاستئذان منه فی مثل هذه الصدقة، نعم، على القول بأنّ مصرفه، مصرف سائر الأخماس، یکون المالک بالخیار.

وحیث قد عرفت أنّ الاحتیاط عندنا هو الاستئذان، فلا یترک هنا ذلک کما لا یترک الاحتیاط بعدم تبدیله بمال آخر إلاّ بإذن الحاکم الشرعی إذا رأى فیه مصلحة، وقد ورد فی بعض روایات صدقة مجهول المالک، الأمر ببیعها بطعام فراجع(31).

المسألة السادسة (33 من العروة) : لو تبین المالک بعد أداء الخمس، فهل هو ضامن کما هو المعروف فی مجهول المالک فی باب اللقطة، أم لا ؟

صرّح صاحب العروة بالضمان مطلقاً وخالفه کثیر من المحشّین، وفی الجواهر : «فی الضمان وعدمه وجهان، بل قولان من إطلاق قوله (صلى الله علیه وآله): «على الید ما أخذت حتّى تؤدی» ومن أنّه تصرف بإذن المالک الأصلی (وهو الله تعالى) فلا یستعقب ضماناً، ولعلّ الأقوى الأوّل وفاقاً للروضة والبیان وکشف الأستاذ»(32).

أقول : لا ینبغی الشک فی أنّ مقتضى القاعدة، عدم الضمان بعد کونه بأمر الشارع المقدّس الذی هو الولی المطلق، وقاعدة على الید تخصص بظاهر هذه الروایات لأنّها أقوى وأظهر، إلاّ أن یدلّ دلیل على خلافه، بل ظاهر قوله : «إنّ الله رضى من الأشیاء بالخمس» فی روایتی الحسن بن زیاد والسکونی(33).

وقوله (علیه السلام) : «وسائر المال لک حلال» (فی الروایة الثانیة) ظاهر جدّاً فی کون تمام الباقی له، لا أنّه مدیون بعد ذلک بمال الناس.

وقد یقال : إنّ الأمر فی جمیع موارد مجهول المالک (غیر اللقطة) أیضاً کذلک، لعدم ورود نصّ على الضمان فیها (قاله صاحب مستند العروة) ولکن الإنصاف ورود بعض النصوص فیه فراجع ما رواه حفص بن غیاث(34)، وإن کان فی «حفص» کلام.

نعم، لا ینبغی الشک فی ظهور غیر واحدة من روایات اللقطة فی کونها ضامناً إذا وجد صاحبه ولم یرض بالصدقة، فهل هذا الضمان موافق لقاعدة الإتلاف، أم أنّه ضمان (تعبّدی) یتحقّق بمجرّد مطالبة المالک بتعبّد من الشارع، فلا ضمان قبل المطالبة، ولا أثر للإتلاف الحاصل بالتصدق بعد أن کان مستنداً إلى إذن المولى(35).

أقول : هذا شیء عجیب لا یعرف له نظیر فی الفقه، بأن یکون مجرّد مطالبة المالک موجباً للضمان، بعد أن لم یکن هناک سبب له، وکان الإتلاف السابق کالعدم، فإنّ بناء الشارع فی المعاملات على إمضاء السیرة العقلائیة لا التعبّد المحض : فالأوْلى أن یقال : إنّ هذا الضمان من شؤون الإتلاف بعنوان أحد أطراف التخییر فی مسألة اللقطة، ولکنّه مُراعى ومشروط بشرط متأخر وهو أن یرضى مالکه به لو عرف بعد ذلک، وإلاّ کانت البراءة على حالها، والشرط المتأخر لیس بعدیم النظیر فی الفقه، بل له أمثلة کثیرة، کما لا یخفى. وهذا هو مقتضى الجمع بین أدلة التصدق وقاعدة على الید.

المسألة السابعة (34 من العروة) : لو علم بعد إخراج الخمس أنّ الحرام کان أزید من الخمس أو أقل، فهل یسترد الزائد فی الصورة الثانیة، وهل یجب علیه التصدق بالمقدار الزائد فی الصورة الاُولى، أم لا ؟

فیه قولان، وذکر هنا احتمال ثالث وهو: أن یسترد الخمس من أرباب الخمس ثمّ یتصدق بالجمیع (کما إذا کان الحرام الواقعی نصفاً وما أعطاه لأهله خمساً فیسترده ثمّ یتصدق بالنصف، بل یمکن إبداء وجه رابع وهو عدم استرداد الزیادة، لأنّه کان صدقة لله تعالى، وما کان لله لا یسترجع أبداً، ووجوب الصدقة بما بقی إذا کان الحرام الواقعی أکثر ممّا بذل، والمسألة مبنیة على أنّ حکم الشارع هنا بالخمس عند الجهل بالمقدار، من قبیل المصالحة الواقعیة بین الواقع المجهول ومقدار الخمس، وقعت بحکم المالک الحقیقی وهو الشارع المقدّس ؟ أو أنّه حکم ظاهری ثابت فی زمان الجهل، فإن کان من قبیل الأوّل، فلا إشکال فی الإجزاء وعدم استرداد الزائد، وعدم وجوب بذل شیء آخر، کما فی سائر موارد الصلح فی الأموال المجهولة بین الناس، فإذا صالح زید وعمرو فی مالهما المجهول على شیء، ثمّ تبیّن کون مال زید أقل أو کثر ممّا تصالحا، به لم یسترد شیء منه، کما هو واضح.

نعم، الأحکام الظاهریة ثابتة فی حال الجهل، فإذا ارتفع الجهل ارتفعت، ولا ینافی ذلک، مسألة الإجزاء فی الأحکام الظاهریة عندنا، فإن ذلک ثابت فی الأوامر، لا فی الأحکام الوضعیة، فإذا کان شیء طاهراً (لغسله بماء طاهر بحکم الاستصحاب) ثمّ تبیّن کون الماء نجساً، والشیء باق حکم بنجاسته، بلا إشکال.

وحیث إنّ ظاهر روایات هذا الباب من قوله : «إنّ الله رضی من الأشیاء بالخمس» وقوله : «سائر المال لک حلال» بل ومناسبة الحکم والموضوع کونه من قبیل القسم الأوّل، فالأقوى هو الإجزاء.

مضافاً إلى أنّه یمکن التمسک بإطلاق أخبار الباب من إجزاء الخمس، ولو انکشف کونه أقل أو أکثر بعد ذلک، اللّهم إلاّ أن یدّعى انصرافها عن صورة انکشاف الخلاف.

وکیف کان فکونه مصالحة واقعیة، هو الأظهر من الأدلة ومناسبة الحکم والموضوع، وإن کان الاحتیاط، لا ینبغی ترکه.

أمّا احتمال التفصیل بین صورة بذل الزائد على الخمس، فلا یسترجع، لأنّه کان لله وما کان لله فلا یرجع أبداً، بخلاف صورة بذل الأقل، فإنّ الحرام باق بعد، فیدفعه، مضافاً إلى ما عرفت من المصالحة الواقعیة، أنّ ما لا یرجع من الصدقة إنّما هو إذا کان بعنوان الصدقة من ناحیة المالک، أمّا إذا بذله بظنّ أنّه مأمور به واقعاً، ولم یکن کذلک، وکان بذل الخمس حکماً ظاهریاً، فلیس کذلک کمن ظنّ الخمس فی ماله فبذله لأربابه ثمّ تبیّن عدم کونه مدیوناً لأرباب الخمس وکان العین موجوداً، فلا ینبغی الریب فی إعادته إذ لا یصحّ إجباره بتحمیل ضرر علیه، فإنّه لم یدفع الخمس مطلقاً، بل إنّما دفعه مشروطاً باختلاط حرام بماله فی الواقع، فإذا انتفى الشرط بانکشاف الخلاف، انتفى المشروط، فالأوْلى بناء المسألة على ما ذکرنا، والله العالم.

المسألة الثامنة (35 من العروة) : قال صاحب الجواهر : «لو خلط الحرام بالحلال عمداً، خوفاً من کثرة الحرام، ولتجتمع شرائط الخمس فیجتزی بإخراجه عصى بالفعل وأجزاه

الإخراج، ویحتمل قویاً تکلیف مثله بإخراج ما یقطع معه بالبراءة إلزاماً له بأشق الأحوال ولظهور الأدلّة فی غیره»(36).

وحکى عن شیخنا الأنصاری(قدس سره) فی رسالته فی المسألة فی بیان وجه عدم إجزاء الخمس هنا بأنّه کمعلوم المالک، حیث إنّ مالکه الفقراء قبل التخلیط، واقتبس صاحب العروة من کلام الشیخ هنا ما ذکره.

وقال صاحب المستمسک : «لا یبعد دعوى إطلاق النصوص بنحو یشمل الفرض، لأنّ الغالب فی الاختلاط کونه بعد التمییز... فتخصیص النصوص بغیر الفرض غیر ظاهر»(37). (انتهى).

أقول : ینبغی الکلام أوّلاً : فی إطلاق النصوص وشموله لما نحن فیه، أو الانصراف، والحقّ انصرافها عمن تعمّد الخلط للفرار من الزائد عن الخمس، نعم لا انصراف لها عن مجرّد تعمّد الخلط بعد العلم بالحرام، لأنّ کون الحرام معلوماً قبل الخلط، فرد ظاهر لا یمکن إخراجه منه، وإن لم یکن غالبیاً لکثرة المصداق من الطرفین، لکنه منصرف عن صورة التعمّد بقصد الفرار من الزائد عن الخمس، فتأمل.

فإذا لم تشمله العمومات، کان الواجب علیه الاحتیاط فی المقدار، وبذل الأکثر، لعدم شمول أدلّة الید له، بعد ما عرفت، وکأنّ هذا هو مراد صاحب الجواهر من الأخذ بأشق الأحوال، وإلاّ لا دلیل على أخذ الغاصب بأشق الأحوال، کما ذکرنا فی محلّه، بل اللازم إجراء العدالة فی حقّه بحسب ظواهر أدلّة الشرع، سواء کان أخف أو أشق.

وثانیاً : هل المقام من قبیل مجهول المالک أو معلومه ؟ قد عرفت ذهاب العروة تبعاً للمحکی عن شیخنا الأعظم (رحمه الله) أنّه کمعلوم المالک، والحال أنّ المال المجهول مالکه، لا یکون ملکاً للفقیر، إلاّ بعد التصدق به وقبضه، وإلاّ فهو باق على ملک مالکه الأصلی، (والمشهور أنّ القبض شرط لصحّة الهبة ومنها الصدقة).

ولذا تکلّف لتوجیهه صاحب مستند العروة بأنّ المراد کون المال الحرام المعین معلوم المصرف لا معلوم المالک، فهو یشابه معلوم المالک من هذه الجهة(38).

وأنت خبیر بأنّ مجرّد ذلک غیر کاف فی إجراء أحکام معلوم المالک علیه، والقیاس لیس من مذهبنا، لا سیّما أنّه مع الفارق للفرق الکثیر بین معلوم المالک ومعلوم المصرف، نعم، لنا أن نقول بانصراف إطلاق روایات هذا الباب منه، فیعود إلى الأمر الأوّل.

المسألة التاسعة (36 من العروة) : لو کان المال المختلط ممّا تعلق به الخمس فی نفسه، کما إذا کان حاصلاً من المعدن أو الکنز أو أرباح المکاسب، فهل یخرج له خمساً واحداً للجهتین أم یکون هذا الخمس من جهة الإختلاط، ویبقى علیه خمس آخر من جهة الأرباح أو المعدن أو غیر ذلک، فیجب علیه إخراج خمسین ؟

وعلى فرض تعدد الخمس فهل اللازم إخراج خمس الاختلاط أوّلاً، ثمّ خمس الأرباح وشبهه، أم لا، وهل یکون بین الأمرین فرق ؟ فقد یدّعى الاختلاف فی النتیجة، کما ستأتی الإشارة إلیه.

قال صاحب مصباح الفقیه : «قال شیخنا المرتضى (قدس سره) وفاقاً لغیر واحد، ما لفظه: لو کان الحلال ممّا فیه الخمس، لم یسقط بإخراج هذا الخمس لعدم الدلیل على سقوطه...، فالقول بوحدة الخمس کما یحکى ضعیف جدّاً». انتهى(39).

وقد صرّح الشهید الثانی(رحمه الله) فی المسالک بأنّه : «لو کان الخلیط ممّا یجب فیه الخمس، لم یکن الخمس کافیاً عن خمسه، بل یخرج الخمس لأجل الحرام أوّلاً... ثمّ یخمّس الباقی بحسبه من غوص أو مکتسب»(40).

وقال المحقّق النراقی(رحمه الله) فی المستند : «لو کان الحلال الخلیط ممّا یجب فیه الخمس، خمسه بعد إخراج الخمس بحسبه»(41).

وقال صاحب الجواهر (رحمه الله) فی رسالته نجاة العباد، ما نصّه : «لو کان خلیط الحرام ممّا فیه الخمس أیضاً، وجب خمس آخر بعد خمس التطهیر»(42).

قلت : لابدّ أن نتکلم أوّلاً عن مقتضى القاعدة، ثمّ مقتضى ظاهر نصوص الباب، ولا شک فی أنّ قاعدة عدم التداخل فی الأسباب، تقتضی تعدد الخمس هنا بتعدد أسبابه.

وإن شئت قلت : هذا الخمس سبب لتطهیر المال عن الحرام وإخراج مال الغیر من ماله بمصالحة قهریة إلهیة، وبعد التطهیر یکون مشمولاً لأدلّة الخمس فی المعادن أو الأرباح أو شبهها، ولاوجه لسقوط الثانی بالأوّل.

هذا، ولکن الذی یظهر من روایات هذا الباب، لعلّه غیر هذ(43)، فإنّ ظاهر غیر واحدة منها أنّه جمع المال من أرباح المکاسب طول مدّة مدیدة، وکان مختلطاً بالحرام، فأمره الإمام(علیه السلام)بإخراج خمسه، وسائر المال له حلال مع أنّه مضى علیه سنة أو سنوات، ولا أقل أنّه مطلق من هذه الجهة، وکأنّه(علیه السلام) وهبه خمس الأرباح ببرکة تطهیر ماله من ناحیة الحرام أو غیر ذلک من الاحتمالات.

ولکن الإنصاف، أنّ فهم الإطلاق منها مشکل، بعد ما عرفت من اقتضاء القاعدة عدم التداخل، لا سیّما فی الأُمور المالیة، وکیف یمکن أن یقال: إنّ خمس المعدن هنا غیر واجب بملاحظة تعلق الخمس من ناحیة المال المختلط بالحرام ؟

وإن شئت قلت : إنّ خمس المختلط، فی الحقیقة، من قبیل مصالحة حقّ المالک المجهول بهذا المقدار وإفراز ماله عن ماله، وهذا لا دخل له بخمس الأرباح والمعادن وشبهها ولا یغنی واحد منهما عن الآخر.

ثمّ إنّه هل یجب إخراج خمس المختلط أوّلاً، ثمّ إخراج خمس الأرباح وشبهها، أو یجوز العکس أیضاً، وهل هناک فرق بینهما ؟

قال صاحب مستند العروة ما حاصله : «ظاهر العروة تقدیم خمس الاختلاط على خمس الأرباح ولکن الحق تقدیم التخمیس بعنوان الأرباح، فإنّ المالک یعلم أن مقداراً من هذا المال هو ملک السادة، لا له، ولا من المال الحرام، فلابدّ من إخراجه أوّلاً لیتمحص المال فی کونه حلالاً مخلوطاً بالحرام، ثمّ یخمس بعدئذ للتحلیل.

ثمّ قال: لا شک فی أنّ هنا تفاوتاً بین الطریقین، فلو فرض مجموع المال 75 دیناراً، فعلى قول العروة، یخرج أوّلاً خمس المجموع للتحلیل 15 دیناراً، فیبقى 60 دیناراً، ثمّ یخرج خمسه، فیبقى 48 دیناراً، أمّا على طریقتنا، یخرج خمس المتیقن کونه من الحلال (فلنفرض کونه 50 دیناراً) فیبقى 65 دیناراً، ثمّ یخرج خمس الاختلاط 13 دیناراً، فیبقى 52 دیناراً، یتفاوت مع الطریقة السابقة بأربع دنانیر». (انتهى)(44).

وفیه: أوّلاً : إنّ المفروض عدم معلومیة مقدار ماله، فکیف یقدر على تخمیسه؟ فلابدّ أوّلاً من إحراز ماله وهل هو کمال اختلط بمال رجل آخر معروف لابدّ من المصالحة معه أو شبهه، حتّى یعرف مقدار ماله، ثمّ یخمّسه من ناحیة الأرباح، فما دام ماله غیر معلوم، کیف یصحّ له إخراج خمسه، نعم، بإخراج خمس الاختلاط تقع المصالحة الشرعیه مع المالک المجهول بأمر من الشارع المقدّس، فتبیّن مقدار ماله، ثمّ یخمّسه من ناحیة الأرباح أو شبهها.

ثانیاً : لماذا یؤخذ بالقدر المتیقن؟ فإنّ الید إمّا حجّة هنا،فاللازم،الأخذ بالأکثر،وإن لم تکن حجّة،فإنّ الزائد من المال المجهول بین الطرفین، لا یمکن تبیین حاله إلاّ بالخمس.

وما اعتذر به عن هذا الإشکال فی الهامش، من أنّ الید على فرض إجرائه، دلیل على الملکیة، لا على کونه من الأرباح، خلاف المفروض، فإنّ المفروض کون ماله منحصراً فی الأرباح مثلاً والحرام، کما هو ظاهر کثیر من روایات هذا الباب.

وکذا اعتذاره بأنّ الید لا تجری فی موارد الاختلاط، وإلاّ لم یحتج إلى التخمیس، غیر نافع، فإنّ مفهومه عدم جریان الید فی المقام، فیبقى المال مشکوکاً بینه وبین غیره، فلابدّ من تبیین حاله بالتخمیس أوّلاً، ثمّ تخمیسه من جهة الأرباح. ولا یجوز الأخذ بالقدر المتیقن من الحلال، لاحتمال کونه أقلّ من الحلال الواقعی، فیوجب تقلیل الخمس المخرج منه (فإذا کان الحلال الواقعی 50 دیناراً، کان خمسه 10 دنانیر، مع أنّه لو کان القدر المتیقن من الحلال عندئذ 40 دیناراً، کان خمسه 8 دنانیر) وذلک یوجب تنقیصاً فی حقّ أرباب الخمس، على أنّه لا یوجد دائماً مقدار متیقن فی البین، بل قد یکون مجهولاً من رأسه.

هذا وقد ظهر ممّا ذکرنا أنّ ما یجری على بعض الألسن فی عصرنا، لا سیّما بالنسبة إلى أموال بعض أعوان الظلمة وشرکاء الطواغیت، من وجوب إخراج خمسین منها، الظاهر فی إعطاء ثلاثة أخماس لأربابها وأخذ خمسین منها لبیت المال، خلاف التحقیق، بل الظاهر وجوب إخراج خمس التحلیل أوّلاً، ثمّ إخراج خمس الأرباح بعد ذلک، لَعْین ما ذکرناه.

والفرق بین الأمرین ظاهر، فلو کان المال 50 دیناراً، فعلى طریقتنا یخرج خمسه فیبقى 40 دیناراً، ثمّ یخرج خمسه، فیبقى 32 دیناراً، أمّا على ما هو الجاری على الألسن، یخرج من أوّل الأمر 20 دیناراً، فیبقى 30 دیناراً، والفرق بینهما بدیناران، وهذا کثیر فی الأموال الضخمة.

المسألة العاشرة (37 من العروة) : لو کان الحرام المختلط من الخمس أو الزکاة أو الوقف الخاصّ أو العام، فهل هو کمعلوم المالک، فلا تصل النوبة إلى إخراج الخمس، (بل اللازم، العمل بما مرّ من المصالحة أو التنصیف فی المقدار المجهول أو ملاحظة الید بتفاوت المقامات) أو تجری علیه أحکام الخمس، أو یفصل بین الأوقاف، فیکون کمعلوم المالک، وبین الأخماس والزکوات، فیکون کمجهول المالک ؟ وجوه وأقوال.

قال صاحب الجواهر : «لو کان الاختلاط من أخماس أو زکوات فهو کمعلوم الصاحب فی وجه قوی وفی الکشف أنّ الأقوى کونه کالسابق، ولو کان الاختلاط مع الأوقاف فهو کمعلوم الصاحب فی وجه قوی»(45).

واختار صاحب العروة أیضاً الإلحاق بمعلوم المالک وکذا المحشّون، فیما رأینا من کلماتهم وهو الأقوى، والوجه فیه، أمّا فی الأوقاف الخاصة فإنّها ملک خاص وفی الأوقاف العامة ملک الجهة، وکذا فی الأخماس، کما هو الحقّ، وأمّا فی الزکاة، فإن قلنا إنّه ملک الجهة أیضاً، فلا کلام، وکذا إذا قلنا أنّه من قبیل الحقّ فإنه یبقى على ملک مالکه مع تعلق حقّ به من ناحیة الفقراء وأشباههم، فلیس ملکاً لمجهول، کما هو ظاهر، والعجب من کاشف الغطاء(قدس سره)أنه کیف ألحقه بمجهول المالک، مع أنّه لیس کذلک قطعاً، وتعلق الملک بالجهة ممّا لا ینبغی الریب فیه، وأی فرق بین الأوقاف العامة والأخماس وشبهها.

المسألة الحادیة عشرة (38 من العروة) : إذا أتلف المال المختلط قبل إخراج خمسه (أو تلف فی یده على نحو یوجب الضمان) فهل الواجب علیه أداء الخمس منه، أو اللازم، إجراء حکم مجهول المالک علیه من التصدق ؟ فیه خلاف. ظاهر کلام صاحب الجواهر أو صریحه هو الأوّل(46) وهو المستفاد من المحقّق الهمدانی(رحمه الله)وبه قال صاحب العروة، ولکن صریح، غیر واحد من أعلام المحشّین، هو الوجه الثانی، وهو الأقوى عندنا، وإن کان الأحوط، المصالحة مع الحاکم الشرعی فی مقداره، ثمّ صرفه فی ما ینطبق على المصرفین.

والمسألة مبنیة على ما مرّ سابقاً من أنّ الخمس ثابت فی المال المخلوط، بمجرّد الاختلاط بحیث یکون أرباب الخمس شرکاء فی المال (بناءً على الإشاعة فی الخمس) نظیر سائر موارد الخمس، أو أنّ المال الحرام المخلوط یبقى على ملک مالکه، ولکن یجب تطهیره بأداء الخمس منه، وکأنّه مصالحة شرعیة قهریة تقع بإذن المولى الحکیم بالنسبة إلى المال المجهول، وحیث قد عرفت أنّ ظاهر الأدلّة هو الثانی، فاللازم، القول بانتقال المال الحرام بعینه إلى الذمّة بالإتلاف، ولا معنى حینئذ للاختلاط، لأنّ مال الإنسان بعد التلف لا ینتقل إلى ذمّته، فلیس فی ذمته إلاّ الحرام، فلا یصدق علیه حینئذ عنوان المال المختلط، حتّى یجب فیه الخمس، فلا یبقى مجال إلاّ لإجراء أحکام مجهول المالک علیه، وإذا لم یعلم مقدار الحرام، فاللازم، الرجوع إلى البراءة عن الزائد عن القدر المتیقن. اللّهم إلاّ أن یقال : إنّ تقصیره فی مقدمات هذا الضمان، یوجب علیه الخروج القطعی منه، لاشتغال ذمّته به، وهذا إن لم یکن أقوى، فلا أقل من أنّه أحوط.

أمّا على القول الأوّل ـ أی تعلق الخمس ـ فإن لم یعلم مقدار المختلط حتّى یحسب خمسه، فهل الواجب علیه دفع ما یتیقن به البراءة، أو یجوز الاقتصار على القدر المعلوم منه ؟ قال صاحب العروة : الأحوط، الأوّل، والأقوى، الثانی، وذکر صاحب الجواهر الوجهین وأضاف إلیهما وجهاً ثالثاً، وهو وجوب الصلح مع الإمام، لأنّه من هذه الجهة کمعلوم الصاحب (فإنّ الخمس مال الإمام (علیه السلام) أو لأربابه تحت نظره).

أقول : لماذا تجب المصالحة، مع أنّه لیس فی الذمّة، اختلاط، غایة الأمر انتقل خمس المال إلى ذمّته، ولکن لا یعلم مقداره واللازم الأخذ بالمتیقن.

المسألة الثانیة عشرة : لو باع المال المختلط بالحرام قبل إخراج خمسه، یأتی فیه الخلاف المتقدم من أنّه لو قلنا بتعلق الخمس بمجرّد الاختلاط وشرکة أرباب الخمس فی المال، فالبیع فضولی بالنسبة إلى حصتهم، وإن قلنا: إنّ الخمس فی المقام، مصالحة قهریة إلهیة، لا ملکاً لأرباب الخمس، فکذلک البیع فضولی، لکن بالنسبة إلى مال المالک المجهول.

ثمّ لو أمضى الحاکم الشرعی البیع بما أنّه ولی الغیب والقصر، فقد انتقل الخمس من المبیع إلى الثمن، على القول الأوّل، وانتقل سهم مالک المجهول منه إلى الثمن، على القول الثانی.

هذا، وقد قال صاحب العروة : «إذا تصرف فی المختلط قبل إخراج خمسه ضمنه، کما إذا باعه، مثلاً، فیجوز لولی الخمس، الرجوع إلیه». انتهى وهذا الکلام کماترى، لا یخلو عن مناقشة، إذ المالک کان ضامناً، قبل الاختلاط، فضمانه بعده لیس شیئاً جدیداً، کما قد توهمه عبارة العروة.

ولا یخفى، أنّه یجب على الحاکم الشرعی، مراعاة مصلحة المالک المجهول، فیجوّز البیع إذا کان بمصلحته، کما إذا باعه بأعلى القیم أو باعه بقیمة قلیلة، فیما إذا لم یمکن حفظه مدّة طویلة، کالخضروات والثلج.

 


1. مستند الشیعة، ج 10، ص 38.
2. جامع المقاصد، ج 3، ص 53 الطبعة الحدیثة.
3. زبدة المقال فی خمس الرسول والآل، ص 69 و 70.
4. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 3 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 6.
5. عن ابن أبی عمیر عن غیر واحد عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال : «الخمس على خمسة أشیاء: على الکنوز والمعادن والغوص والغنیمة». ونسی ابن أبی عمیر الخامس (ح 7، الباب 3 من أبواب ما یجب فیه الخمس) قال الصدوق (رحمه الله)فی الخصال (ج 1، ص 140) : «أظن الخامس الذی نسیه ابن أبی عمیر مالاً یرثه الرجل وهو یعلم أنّ فیه من الحلال والحرام ولا یعرف أصحاب الحرام فیؤدیه إلیهم ولا یعرف الحرام بعینه فیجتنبه فیخرج منه الخمس». انتهى. ولکن الظنّ لا یغنی عن الحقّ شیئاً.
6. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 10 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 2.
7. المصدر السابق، ح 3.
8. المصدر السابق، ح 4.
9. من لا یحضره الفقیه، ج 3، باب الدین والقرض، ح 3713.
10. وسائل الشیعة، ج 17، الباب 7 من أبواب اللقطة، ح 1.
11. ولم یذکر فی جامع الروایات غیرهما إلاّ موسى بن عمر الحصینی الذی هو من أصحاب الإمام الهادی(علیه السلام) ولا یحتمل انطباق محل الکلام علیه.
12. وسائل الشیعة، ج 17، الباب 6 من میراث الخنثى، ح 12.
13. راجع المصدر السابق، الباب 3 من أبواب الولاء من المیراث، ح 1 و 2 و 3.
14. راجع المسألة 21 من باب أوصاف المستحقین للزکاة.
15. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 10 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 4.
16. راجع المصدر السابق، ح 1.
17. جواهر الکلام، ج 16، ص 74.
18. إلاّ إذا قلنا بالمصالحة مع الحاکم الشرعی فی الزائد على القدر المعلوم بالإجمال احتیاطاً أستحبابیاً.
19. مستند الشیعة، ج 10، ص 48.
20. مصباح الفقیه، ج 3، ص 139.
21. وسائل الشیعة، ج 13، الباب 12 من أبواب الصلح، ح 1.
22. جواهر الکلام، ج 26، ص 225.
23. وسائل الشیعة، ج 13، الباب 9 من أبواب الصلح، ح 1.
24. المصدر السابق، ج 18، الباب 12 من أبواب کیفیة الحکم، ح 3.
25. المصدر السابق، ح 2.
26. هو السیّد المحقّق المیلانی نزیل المشهد الرضوی (قدس سره).
27. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 10 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 1.
28. المصدر السابق، ح 4.
29. وذلک بدفع المالک کلا المتباینین وعدم أخذ المدفوع إلیه شیئاً منهما لعدم علمه بالجنس وهذا الاحتیاط ینجر إلى التصالح.
30. فإنّه إذا لم یعلم الجنس هل هو حنطة أو شعیر فلا أثر للعلم بمقداره من کونه کیلو أو کیلوین لاختلافهما فی القیمة.
31. وسائل الشیعة، ج 12، الباب 16 من أبواب الصرف، ح 1 و 2.
32. جواهر الکلام، ج 16، ص 75.
33. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 10 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 1و4.
34. المصدر السابق، ج 17، الباب 18 من أبواب اللقطة، ح 1. «سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن رجل من المسلمین أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعاً واللص مسلم هل یرد علیه ؟ فقال : لا یردّه فإن أمکنه أن یردّه على أصحابه فعل وإلاّ کان فی یده بمنزلة اللقطة یصیبها فیعرفها حولاً فإن أصاب صاحبها ردّها علیه وإلاّ تصدق بها فإن جاء طالبها بعد ذلک خیّره بین الأجر والغرم، الحدیث».
وهذه الروایة وإن وردت فی أبواب اللقطة لکنّها لیست منها فی شیء بل قد شبّه الإمام (علیه السلام) المال المحول مالکه باللقطة، ولا یخفى أنّه لم یستشکل صاحب مستند العروة فی سند الروایة لکنّه محل کلام لوجود حفص بن غیاث وسلیمان بن داود المنقری وقاسم بن محمّد فی سندها. أمّا الثالث فلا شک فی ضعفه، وأمّا سلیمان بن داود فقد وثّقه النجاشی والعلاّمة فی خلاصة الرجال، لکن قال ابن الغضائری: إنّه ضعیف جدّاً لا یلتفت إلیه یوضع کثیراً من المهمات. وهذه العبارة صریحة فی ضعفها ولا یمکن تأویلها إلى معنى آخر بما قیل، إنّه لا یصحّ الرکون إلى التضعیفات الصادرة من ابن الغضائری، ولا أقل من الابهام فی سلیمان.
وأمّا حفص بن غیاث، فقد سکت عنه بعض من الرجالیین کالنجاشی، وقال الکشی : «إنّه عامی ولم یذکره بتوثیق ولا تضعیف» وقال الشیخ الطوسی فی عدة الاُصول (الصفحة 380) : «ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غیاث وغیاث بن کلوب و نوح بن دراج والسکونی وغیرهم من العامة عن أئمّتنا (علیهم السلام)». (ومراده ممّا قاله عدم اشتراط المذهب بل اشتراط الصدق).
فترى أنّه (رحمه الله) نسب العمل بروایات هؤلاء إلى الأصحاب، لکن کیف یمکن ذلک والحال، أنّ النجاشی والکشی سکتا عن حفص بن غیاث ولم یذکراه بتوثیق ؟
فتلخص، أنّ الصحیح عدم الرکون إلى هذه الروایة لضعف قاسم بن محمّد ولو لم نضعّف حفص بن غیاث وسلیمان بن داود، نعم، یمکن الاستناد إلیها کمؤیّد لا کدلیل.
35. مستند العروة، کتاب الخمس، ص 162.
36. جواهر الکلام، ج 16، ص 76.
37. مستمسک العروة، ج 9، ص 503.
38. مستند العروة، کتاب الخمس، ص 167.
39. مصباح الفقیه، ج 3، ص 137.
40. المسالک، ج 1، ص 467.
41. مستند الشیعة، ج 10، ص 52..
42. نجاة العباد، ص 90 والجواهر، ج 16، ص 76.
43. راجع وسائل الشیعة، ج 6، الباب 10 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 4.
44. مستند العروة، کتاب الخمس، ص 169.
45. جواهر الکلام، ج 16، ص 77.
46. جواهر الکلام، ج 16، ص 76.

 

المقام الثانی : وجوه الأموال المخلوطة بالحرام6 ـ الأرض التی اشتراها الذمی من المسلم
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma