4 ـ الغوص

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الفقاهة - کتاب الخمس و الأنفال
3 ـ الکنزالمقام الأوّل : وجوب الخمس

وممّا اتفقت کلمات الأصحاب على وجوب الخمس فیه إجمالاً، هو ما یخرج بالغوص، وقد ادّعى صاحب الجواهر عدم الخلاف فیه، وقال صاحب الحدائق أیضاً : «لا خلاف بین الأصحاب (رضوان الله علیهم) فی وجوب الخمس فیه»(1).

وقال العلاّمة فی المنتتهى (على ما حکاه فی المدارک) : «إنّه قول علمائنا أجمع»(2) وکذا النراقی (قدس سره) فی المستند(3).

وبالجملة، فإنّ اتفاق کلمات الأصحاب على وجوب الخمس فیه، ظاهر، وأمّا العامة، فالظاهر ذهاب أکثرهم إلى العدم، کما حکاه المحقّق فی المعتبر، حیث قال : «الثالث الغوص وهو ما یخرج من البحر کاللؤلؤ والمرجان والعنبر، وبه قال الزهری وإحدى الروایتین عن أحمد، وأنکره الباقون»(4).

واستدل له تارة بعموم آیة الغنیمة بناءً على ماعرفت من شموله لجمیع أنواع المنافع، ولکن الإنصاف أنّه على خلاف المقصود أدلّ، لأنّ المقصود إثبات الخمس فیه بعنوانه الخاصّ حتّى لا یستثنى منه مؤونة السنة الثابتة فی جمیع المنافع.

وأُخرى ـ وهو العمدة ـ الروایات الکثیرة المحکیة فی الباب 7 والباب 2 من أبواب ما یجب فیه الخمس.

منها : ما رواه الحلبی فی الصحیح، قال : سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن العنبر وغوص اللؤلؤ ؟ فقال : «علیه الخمس»(5) الحدیث.

ومنها : مرسلة الصدوق قال : سئل أبو الحسن موسى بن جعفر (علیه السلام) عمّا یخرج من البحر من اللؤلؤ والیاقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة هل فیها زکاة ؟ فقال : «إذا بلغ قیمته دیناراً ففیه الخمس»(6).

ومنها : مرسلة المفید عن الصادق (علیه السلام) أنّه قال : «فی العنبر الخمس»(7).

ومنها : مرسلة حمّاد عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح (علیه السلام) قال : «الخمس من خمسة أشیاء: من الغنائم، والغوص، ومن الکنوز، ومن المعادن، والملاحة»(8) الحدیث. (والظاهر اتحادها مع مرسلة أُخرى منه حیث قال : «رواه لی بعض أصحابنا ذکره عن العبد الصالح أبی الحسن الأوّل (علیه السلام) قال : «الخمس من خمسة أشیاء: من الغنائم ومن الغوص والکنوز ومن المعادن والملاحة»)(9).

ومنها : مقطوعة ابن أبی عمیر : «إنّ الخمس على خمسة أشیاء: الکنوز، والمعادن، والغوص، والغنیمة، ونسى ابن أبی عمیر الخامسة»(10).

ومنها : مرفوعة محمّد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمّد، قال : حدّثنا بعض أصحابنا رفع الحدیث قال : «الخمس من خمسة أشیاء: من الکنوز والمعادن والغوص والمغنم الذی یقاتل علیه، ولم یحفظ الخامس»(11) الحدیث.

ومنها : ما رواه النعمانی فی تفسیره بسنده عن علی (علیه السلام) وفی ذیله... : «الخمس یخرج من أربعة وجوه، من الغنائم التی یصیبها المسلمون من المشرکین ومن المعادن ومن الکنوز ومن الغوص»(12).

وإسناد کثیر منها وإن کانت ضعیفة، ولکن بعضها قوی، مضافاً إلى تظافرها فی نفسها وانجبارها بعمل الأصحاب أیضاً.

هذا ولکن محتواها مختلف جدّاً، ففی کثیر منها «عبر بالغوص» وهی الروایات الخمس المرویة فی الباب 2 (من أبواب ما یجب فیه الخمس، من الوسائل).

وفی بعضها، «العنبر وغوص اللؤلؤ» (1 / 7). وفی ثالث: «ما یخرج من البحر من اللؤلؤ» (2 / 7) «والیاقوت والزبرجد» (5 / 3). وفی رابع: «العنبر» فقط (3 / 7) وفی خامس: «ما یخرج من البحر» (6 / 3).

والأخیر أعمّ من الجمیع لشموله لما یخرج من أعماق البحر وسطحه، ثمّ عنوان الغوص لأنّه عام لجمیع ما یخرج من أعماقه، وبعدهما ما صرّح فیها بعناوین خاصة من اللؤلؤ، وفی الحقیقة هناک عناوین ثلاثة (ما یخرج من البحر ـ الغوص ـ العناوین الخاصة).

وقد یقال : إنّ النسبة بین الأولین، عموم من وجه، لأنّ الغوص أعمّ من البحار والأنهار، بینما یکون ما یخرج من البحر خاصاً بالبحار، ولکنه أعم من جهة الإخراج بالغوص أو بالآلات وشبهها ثمّ یتکلم عن طریق الجمع بینهما، وهل یکون العمل بکلّ منهما؟ فیکفی إخراج شیء بالغوص أو بالآلة من البحار أو الأنهار، لعدم المنافاة بینهما.

أو یقید کلّ واحد من العنوانین بالآخر فلابدّ أن یکون بالغوص وفی البحار بمقتضى قاعدة التقیید، أو یرجح عنوان الغوص، بناءً على کون الإخراج من البحر إشارة إلیه، أو یرجح عنوان الإخراج من البحار بناءً على عدم خصوصیته فی الغوص ؟

هذه وجوه أربعة، ولکن الإنصاف أنّ الأمر لا یصل إلى المعارضة والعموم من وجه، بل لابدّ من الدقّة فی هذه العناوین، وما یمکن إلغاء الخصوصیة منها أوّلاً، ثمّ ملاحظة النسبة.

فنقول ومنه جلّ ثناؤه التوفیق والهدایة : لا ینبغی الشک فی عدم الخصوصیة للبحر أو النهر فإذا أعطى هذا العنوان بید العرف، یعرف منه حکماً عامّاً، وکذا لا ینبغی الشک فی أنّ الغوص أیضاً لا ترى عندهم فیه خصوصیة، بعد کون المدار عندهم على ما استفادها من جواهر البحر ـ سواء أخرجه بالآلات أو بالغوص ـ بل لعلّ تعلق الخمس على ما یخرج بالآلات أولى، لکون الوصول إلیه أسهل، والآلة طریق لا موضوعیة لها فی نظر العرف، وحینئذ یرجع کلّ من العنوانین إلى الآخر ولا یبقى بینهما معارضة.

والحاصل: أنّه لا تصل النوبة إلى ملاحظة المعارضة والجمع العرفی بینهما، بل کلّ واحد من العنوانین مع قطع النظر عن الآخر، لا دلالة له فیما ینافی الآخر.

لکن الکلام فی صحّة إسناد کلّ واحد من هذین العنوانین الجامعین.

أمّا الغوص، فالظاهر أن تظافر الروایات فیه کاف فی إثبات إسناد ما دلّ علیه، مضافاً إلى مرسلة ابن أبی عمیر التی بمنزلة الصحیحة، ولا سیّما أنّها مرویة عن غیر واحد، فتدبّر.

وأمّا ما یخرج من البحر، فلم یرد إلاّ فی روایة واحدة وهی روایة عمّار بن مروان، وقد یقال: إنّه مشترک بین رجلین «الیشکری»، «الثقة» و«الکلینی» (أو الکلبی المجهول فإن النسخ مختلفة)، ولکن ظاهر عبارة جامع الرواة، اتحادهما حیث قال فی شرح حال عمار بن مروان الیشکری : «أبو أیوب الخزاز عن عمّار بن مروان الکلینی فی مشیخة الفقیه فی طریقه».

وقال العلاّمة الممقانی (رحمه الله) فی تنقیح المقال : «عمار بن مروان الکلبی لم أقف فیه إلاّ على وقوعه فی طریق الصدوق فی باب ما یجب على المسافر فی الطریق من کتاب الحجّ وفی المشیخة ولیس له ذکر فی کتب الرجال»(13). (انتهى).

ولعلّ عدم ذکره فی کتب الرجال، دلیل على اتحاده مع الیشکری الثقة، ولکن الإکتفاء بهذا المقدار فی رفع الإبهام عن حال الرجل، مشکل، والذی یسهل الخطب، ما عرفت من وحدة مفهوم العنوانین (عنوانی الغوص وما یخرج من البحر) بعد إلغاء الخصوصیة من کلّ واحد منهما.

هذا، ویمکن أن یقال: إنّ جمیع المطلقات فی المسألة منصرفة إلى الجواهر التی تخرج من البحر، وقد ذکرت أمثلتها فی الروایات الخاصة من اللؤلؤ والیاقوت والزبرجد، وحینئذ، یشکل شمولها لمثل الأسماک وغیرها من الحیوانات التی تخرج من البحار، وإن غلت ثمانها، وإن حکى عن الشیخ وبعض معاصری الشهید الأوّل (رحمه الله)وغیرهما، إلحاقها بالغوص.

قال المحقّق النراقی (رحمه الله) فی المستند : «والظاهر جریان الحکم فی کلّ ما یخرج من البحر بالغوص ولو کان حیواناً... لإطلاق المرسلتین وروایة الخصال»(14)

أقول : الغوص له معنى معروف عند أهل العرف، لا یشمل مثل هذه الأُمور، وإن کان اللفظ عامّاً، وکذلک عنوان «ما یخرج من البحر» والروایات الخاصة من أحسن الشواهد على ذلک.

نعم، فی شموله للجواهر لا فرق بین ما کان من قبیل الأحجار أو النبات أو الحیوان، فقد ثبت الیوم أنّ المرجان الذی یشبه أغصان الشجرة نوع من حیوان البحر قد خفی أمره فی سابق الأیّام، وقد ثبت الیوم أنّه حیوان صغیر یکسب لنفسه جداراً من النورة، وبعد موته یبقى منه بیته الذی من النورة، وقد یتراکم ویشکل جزائر مرجانیة، وبیته یتکوّن من ألوان مختلفة، بعضها ثمین جدّاً کالمرجان الأحمر. (هکذا فی بعض کتب دائرة المعارف).

أو کان من قبیل الأشجار البحریة کما قد یقال فی ما یسمّى بـ (الیُسْر) ویعمل منه (السبَح) المعروفة، وبالجملة فالمدار على کونه معدوداً من الجواهر، سواء کان من الأحجار أو الحیوان أو النبات.

وکیف کان، فلا إطلاق هناک یدلّ على وجوب الخمس فی الأسماک وشبهها، ویؤیده أو یدلّ علیه استقرار، سیرة المسلمین على عدم تخمیسها بمجرّد صیدها من البحر أو النهر. فتدبّر.

وأمّا النصاب فقد اتفق الأصحاب على اعتباره، والمشهور کونه دیناراً واحداً، قال صاحب المدارک : «أمّا اعتبار النصاب فیه فهو موضع وفاق بینهم أیضاً واختلفت کلامهم فی تقدیره : فذهب الأکثر إلى أنّه دینار واحد... وحکى العلاّمة فی (المختلف) عن المفید فی (المسائل الغریة) أنّه جعل نصابه عشرین دیناراً کالمعدن»(15).

وإلیک عبارة المفید (رحمه الله) فی رسالته (الغریة) على ما حکاه (المختلف): «والخمس واجب فیما یستفاد من غنائم الکفّار والکنوز والعنبر والغوص، فمن استفاد من هذه الأربعة الأصناف عشرین دیناراً أو ما قیمته ذلک کان علیه أن یخرج منه الخمس»(16).

وعن صاحب الحدائق : «اتفق الأصحاب قدیماً وحدیثاً على نصاب الدینار فی الغوص» وکأنّه لم یعتن بمخالفة المفید فی الغریة (ولکن لم نجد هذه العبارة فی الحدائق، بل وجدنا خلافه، فإنّه ادّعى الإجماع فی أصل النصاب)(17).

ومستند المشهور ما رواه محمّد بن علی بن أبی عبدالله عن أبی الحسن (علیه السلام)قال : سألته عمّا یخرج من البحر من اللؤلؤ والیاقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة هل فیها زکاة ؟ فقال : «إذا بلغ قیمته دیناراً ففیه الخمس»(18). ورواه الصدوق بعینه مرسلاً کما فی الوسائل(19).

لکن هذه الروایة ضعیفة السند، لجهالة الراوی ـ کما فی المدارک ـ لکن یمکن القول بجبر سندها بعمل الأصحاب، مضافاً إلى ما قد قیل کما فی الریاض: إنّ الراوی عنه وهو البزنطی ممّن لا یروى إلاّ عن ثقة ـ کما حکى عن شیخ الطائفة ـ لکن الذی شکل الاعتماد علیها، اشتمالها على ما یخالف المشهور من اعتبار الدینار الواحد فی المعدن أیضاً، فإنّ المعروف فیه، إمّا عدم اعتبار النصاب فیه مطلقاً، ولعلّه الأقوى، أو اعتبار عشرین دیناراً، أمّا اعتبار الدینار الواحد، فلم یقل به إلاّ شاذ.

ووقد عرفت الإشکال على التفکیک بین أجزاء الحدیث مراراً لا سیّما إذا کان فی جملة واحدة منه، ولعلّ حکم المحقّق الخوانساری فی جامع المدارک(20) بعدم العمل به وحکایة رمیه بالشذوذ، ناظر إلى ما ذکرنا، اللّهمّ إلاّ أن یحمل حکم المعدن على نوع من التقیة وشبهها ویحکم بوجوب العمل بالحدیث فی مورد الغوص، أو یقال قام الإجماع على اعتبار النصاب فیه أو القدر المتیقن الدینار الواحد، أی لا یجب فی أقل منها، ویعمل فی الأکثر بإطلاقات الوجوب، کما لا یخفى.

بقی هنا أُمور :

1 ـ لا فرق بین اتحاد النوع وتعدده، فلو أخرج فی غوص واحد شیئاً من المرجان واللؤلؤ وغیرهما وکان المجموع دیناراً، وجب فیه الخمس، لإطلاق دلیل النصاب من الروایة ومعاقد الإجماعات کما هو کذلک فی المعدن والکنز.

2 ـ قد یقال: لا فرق بین الدفعة والدفعات، فیضمّ بعضها إلى بعض، کما فی العروة.

قال صاحب الحدائق : «والأحوط ضمّ الجمیع وإن أعرض أو طال الزمان»(21).

وقال صاحب المدارک : «والأقرب ضمّ الجمیع وإن أعرض أو تباعد الزمان»(22).

وأشکل علیه بعض الاساتذة الأعلام لظهور الدلیل فی الإنحلال، وأنّ کلّ فرد موضوع مستقل، وهو کذلک.

3 ـ إن اشترک جماعة فی الغوص لا یبلغ نصیب کلّ واحد منهم حدّ النصاب، ولکن یبلغ المجموع حدّه، فهل المدار على المجموع أم على نصیب کلّ واحد منهم ؟ صرّح صاحب العروة، بالأوّل، ووافقه غیر واحد من المحشّین، ولکن لا یبعد أن یکون الاعتبار بنصاب سهم کلّ واحد، لما عرفت من أنّ الخمس یدور مدار الغنیمة لکلّ إنسان وإن کان الأوّل أحوط.

4 ـ الخمس إنّما هو بعد إخراج المؤونة، لما عرفت من عدم صدق الفائدة والغنیمة الجامعة بین أقسامه علیه بدون ذلک، وکذا بالنسبة إلى ملاحظة النصاب، فإنّ قوله (علیه السلام) : «إذا بلغ قیمته دیناراً ففیه الخمس» الوارد فی حدیث النصاب(23) ظاهر فی تعلق الخمس بجمیعه بعد بلوغه حدّ النصاب، ولا یکون ذلک إلاّ باخراج المؤونة قبل ملاحظة النصاب، وإلاّ إذا بلغ النصاب تعلق الخمس بغیر المؤونة وهو بعضه (وقد مرّ نظیره فی الکنز).

5 ـ إذا غاص وشدّه بآلة ثمّ أخرجه بعد ذلک بالآلة فلا إشکال فی صدق إخراجه بالغوص علیه، وأمّا إذا أخرجه بالآلة من دون غوص، فقد صرّح غیر واحد منهم بعدم تعلق خمس الغوص به، وإن تعلق به خمس المکاسب، منهم المحقّق (رحمه الله)فی الشرائع، قال : «ولو أخذ منه شیء من غیر غوص لم یجب الخمس فیه»(24) وحکم فی المدارک عن الشهیدین، مساواة ما یؤخذ من البحر من غیر غوص لما یؤخذ بالغوص(25).

والمحقّق الیزدی (رحمه الله) فی العروة احتاط فی المسألة، ولکن یظهر ممّا سبق أن تعلق الخمس به أقوى، لأنّ أهل العرف لا یرون فرقاً بین هذه الأُمور، بل یرون التفرقة بینهما من قبیل الجمود على عبارة النصّ من دون مجوّز.

6 ـ ممّا ذکرنا ظهر حال ما یؤخذ من وجه الماء من الأصدفق والجواهر أو على الساحل فإن المصرّح به فی کلمات غیر واحد منهم وإن کان عدم وجوب الخمس فیه من باب الغوص (وإن کان فیه الخمس من باب الأرباح) کما ذکره صاحب العروة ووافقه علیه کثیر من المحشّین، لکن الإنصاف أنّ إلغاء الخصوصیة بالنسبة إلیه أیضاً قوی، وإنّ العرف یرى الغوص طریقاً ووسیلة للوصول إلى الجواهر الموجودة فی قعر البحار، فإن ظفر بها اتفاقاً من طریق الأمواج التی ألقاها على الساحل أو ما أشبه ذلک، کان مشمولاً للحکم عنده، ویرى التفرقة بینها وبین غیرها من الجمود الباطل.

7 ـ المتناول من الغواص تحت الماء، داخل فی الغوص بلا إشکال، إذا لم یقصد الغواص الأوّل تملکه وحیازته، وإلاّ وجب الخمس علیه وکان بالنسبة إلى الثانی من قبیل التملیک بالهبة أو شبهها، وأمّا إذا تناول منه خارج الماء بعد ما حازه الغواص، فلا إشکال أیضاً فی خروجه عن هذا الحکم، نعم إن أخرجه من غیر قصد ومن دون حاجة إلیه فألقاه على الساحل وتملکه غیره، لا یبعد وجوب الخمس علیه، لما عرفت آنفاً.

8 ـ إذا غاص من غیر قصد للحیازة فصادف شیئاً، فإن قصد حیازته، وجب علیه الخمس من دون إشکال لإطلاق الأدلّة، ولو قیل بانصرافها إلى ما قصد الحیازة من أوّل الأمر، فلا ینبغی الشک فی کونه انصرافاً بدویاً، ولا أقلّ من إلغاء الخصوصیة، والعجب من العروة (وبعض محشّیها) حیث ذکر فی المسألة وجهین وإن کان الأحوط عندهم إخراجه، مع أنّ الإنصاف أنّه لیس للمسألة إلاّ وجه واحد وهو شمول إطلاقات الغوص وما یخرج من البحر له، وقد عرفت أنّ اعتبار أصل الغوص هنا ممنوع، فکیف بفروعه، وکأنّهم اعتبروا للغوص موضوعیة خاصة فی المسألة.

وإن لم یقصد الحیازة، فلا خمس فیه لأنّه فرع التملک کما هو واضح، ولا یمکن حمل ما أفاده صاحب العروة علیه، کما هو ظاهر.

9 ـ إذا أخرج بالغوص حیواناً وکان فی بطنه شیء من الجواهر، فقد فصل فیه صاحب العروة بأنّه إن کان معتاداً (کالصدف بالنسبة إلى اللؤلؤ) وجب فیه الخمس، وإن کان من باب الاتفاق بأن بلع شیئاً اتفاقاً، فالظاهر عدم وجوبه، وإن کان أحوط، وقد أخذ هذا الحکم من الجواهر حیث أشکل فی المسألة، إذا فرض عدم اعتیاد کون الحیوان محلاً لذلک بینما نقل عن أستاذه کاشف الغطاء، تعلق الخمس به مطلق(26).

وکان الوجه فی التفصیل انصراف الإطلاقات إلى المتعارف، وخروج غیر المعتاد منها، ولکن الإنصاف أنّه أیضاً انصراف بدوی إذا کان بلع شیئاً من جواهر البحر، فأی فرق بین ما إذا أخذه من دون حیوان من قعر البحار أو أخذ حیواناً بالغوص ووجد فی بطنه الجوهرة التی إلتقمها من البحر.

نعم، إذا کان الحیوان ابتلع شیئاً ألقى من الخارج فی البحر، یشکل شمول الحکم له.

هذا ولو وجد الجوهرة فی بطن الحیوان المأخوذ من طریق الصید، لا الغوص، فلا خمس فیه من حیث الغوص، لا لعدم الإطلاق فی أحادیث الباب فإنّه قابل للکلام، بل لما عرفت من الروایات الکثیرة الواردة فی اللؤلؤة التی وجدها فی بطن سمکة، فتدبّر.

10 ـ الأنهار العظیمة کدجلة والفرات والنیل حکمها حکم البحر بالنسبة إلى ما یخرج منها إذا فرض تکون مثل ذلک فیها کالبحر(ذکره صاحب الجواهر ووافقه صاحب العروة) واستدلّ  علیه بإطلاق الأدلّة  بعدحمل ذکر البحر فی بعض الأخبار(27) على الغالب،ثمّ أجاب عن القول بانصراف الإطلاقات إلى البحر خاصة،لأنّه حسب المتعارف من ندرة الوجود ل االإطلاق.

أقول : ندرة الوجود غیر ثابتة أیضاً، لا سیّما بالنسبة إلى الأنهار العظیمة المتصلة بالبحار فی مصبّ ورودها بالبحر، والتفصیل بینها وبین غیرها من الأنهار مشکل، ولولا ذلک، أمکن أن تکون ندرة الوجود سبباً للإنصراف، کما ذکرنا فی محلّه أنّ ندرة الوجود کثیراً ما تکون سبباً لندرة الاستعمال وسبباً للإنصراف.

والذی یسهل الخطب فی المقام أنّه لو فرض قصور فی إطلاقات الباب، فلا قصور من ناحیة إلغاء الخصوصیة، کما عرفت مراراً.

11 ـ کثیراً ما تتفرّق الأشیاء فی البحار أو الأنهار ثمّ یخرجها الغواصون، فهل یصحّ تملکهم لها؟ ثمّ هل یتعلق الخمس بها، أم لا ؟

قال العلاّمة(رحمه الله) فی القواعد : «ولو انکسرت سفینة فی البحر فلأهله ما أخرجه البحر، وما أخرج بالغوص لمخرجه إن ترکوه بنیّة الإعراض»(28).

ویظهر من مفتاح الکرامة فی شرح هذا الکلام : أنّ الأصحاب اختلفوا فی أنّ المخرج یملکه أو یباح له التصرّف، فبعضهم ذهب إلى الأوّل، کالعلاّمة، فیما عرفت من کلامه، وبعضهم جزم بالثانی، کالشهید الثانی والفاضل المقداد، والمحقّق الثانی رأى الاحتمال الثانی أقرب إلى الإحتیاط(29).

وقال صاحب الجواهر بعد نقل کلام المحقّق (لو انکسرت سفینة فی البحر فما أخرجه البحر فهو لأهله، وما أخرج بالغوص فهو لمخرجه): «على الأشهر عند الأصحاب کما فی الکفایة وإن کنّا لم نتحققه»(30). أی بدون قید الإعراض.

وقال صاحب الحدائق : «فیما یخرج بالغوص من الأموال التی علیها أثر الإسلام، إشکال».

ثمّ، بعد ذلک ذکر الروایتین الاثنتین، قال : «إنّ ظاهر الخبرین غیر خال من الإشکال، لأنّ الحکم به لمخرجه مع وجود أهله من غیر ناقل شرعی، مشکل»(31).

والأولى، البحث عن مقتضى القواعد فی المسألة ثمّ التکلم عن الحدیثین.

أمّا الأوّل : فإن کان الکلام فی موارد الإعراض، أعنی، إعراض مالکه عنه ولو بسبب یأسه عن إمکان استخراجه، فالحق، جواز تملکه لما ذکرناه فی محلّه من خروج المال بالإعراض عن الملکیة، وهل مجرّد الیأس ملازم للإعراض المنقول عن المحقّق الأردبیلی؟ ذلک ولکن استشکل علیه صاحب المفتاح بأنّ الإعراض غیر الیأس، والإنصاف أنّ الیأس فی الغالب سبب للإعراض، وإن کان قد ینفک منه، فالقول باتحادهما دائماً، مشکل، لا سیّما إذا کان الزمان قریباً.

أمّا إذا لم ییأس ولم یعرض عنه طبعاً، فلا یحلّ لأحد التصرّف فی ذاک المال، وکان باقیاً على ملک مالکه الأصلی، ولذا، لو أغرق المال غیر مالکه کان ضامناً لبدل الحیلولة ما دام کذلک حتّى یردّ عینه إلى صاحبه.

ولو ألقاه البحر إلى جانبه فإن کان قبل الإعراض فهو لصاحبه، بلا إشکال، وإن کان بعده یشکل الحکم بعوده إلیه ما لم یکن هناک حیازة جدیدة منه وإن کان الحکم بجواز حیازته لکلّ أحد أیضاً، مشکلاً، لا سیّما إذا کان الزمان قریباً ولعلّه من جهة أنّ الإعراض کان مشروطاً، فتأمل، والأحوط هنا ردّه إلى مالکه ـ هذا بحسب القواعد ـ .

أمّا بحسب الأخبار، فقد رویت هنا روایتان إحداهما عن السکونی عن أبی عبدالله(علیه السلام)فی حدیث عن أمیرالمؤمنین (علیه السلام) قال : «إذا غرقت السفینة وما فیها فأصابه الناس فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله وهم أحق به وما غاص علیه الناس وترکه صاحبه فهو لهم»(32).

والثانی عن الشعیری قال : سئل أبو عبدالله (علیه السلام) عن سفینة انکسرت فی البحر فأخرج بعضها بالغوص وأخرج البحر بعض ما غرق فیها ؟ فقال : «أمّا ما أخرجه البحر فهو لأهله، الله أخرجه، وأمّا ما أخرج بالغوص فهو لهم وهم أحقّ به»(33).

وقد ورد فی بعض العبارات (الشغیری) بالغین المعجمة، واختلفت کلماتهم فی أنّهما رجل واحد وهو السکونی (إسماعیل بن أبی زیاد) فله لقبان، أو أنّ الشغیری تلمیذ السکونی کما قیل، وعلى کلّ حال، لا کلام فی ضعف الروایة الثانیة بأمیة بن عمر، ولجهالته، ولکن الروایة الاُولى معتبرة إن قلنا بوثاقة السکونی، ولکنه محلّ کلام وإشکال، فالرکون إلیها أیضاً مشکل من حیث السند.

وأمّا من حیث الدلالة فلا یستفاد من روایة السکونی شیء ما وراء القواعد لقوله : «وترکه صاحبه» الظاهر فی الإعراض، فلو صحّت أسنادها لم تدلّ على شیء أزید ممّا تقتضیه القاعدة.

أمّا الثانیة فهی خالیة عن هذا القید فتدلّ على الأعم من صورة الإعراض وعدمه،ولکن لا یصحّ الرکون إلیها أیضاً.أمّا أوّلاً : فلأن احتمال وحدتهما قویة فیفسّر بعضها بعضاً(ولا یضرّ نقل إحداهما عن الصادق (علیه السلام) والأخرى عنه عن أمیرالمؤمنین (علیه السلام)، کما لا یخفى).

وثانیاً : لضعیف سندها ـ کما مرّ ـ بأمیة بن عمرو.

وثالثاً : لا یمکن الرکون فی مخالفة مثل هذه القاعدة المسلمة الثابتة فی الکتاب والسنّة والعقل والإجماع، وهی عدم جواز التصرّف فی مال الغیر بدون رضاه، وعدم جواز أکل المال بالباطل، بخبر واحد، ولو فرض بلوغه حدّ الحُجیّة.

والعجب من صاحب الجواهر حیث احتمل فی الروایة الثانیة کون جمیع المال لأهله (بأنّ یکون قوله أمّا ما أخرج بالغوص فهو لهم أی لملاکه لا الغواصین !) واعتذر عن التفضیل فی الجواب بـ «أمّا» بأنّ التفصیل إنّما هو فی السبب «بإخراج الله، وإخراج الغیر» وإلاّ فالنتیجة واحدة، کما عن بعضهم الجزم به(34).

والإنصاف أنّ الإعراض عن هذه الروایة لبعض ما ذکر سابقاً، أولى من حملها على هذه المحامل البعیدة.

وفی بعض کلمات الشهید الثانی(رحمه الله) فی المسالک أنّه یجبر ضعف سند روایة الشعیری (بعد قوله باتحاد الرجلین)، بالشهرة وغیره(35).

فإن أراد شهرة الحکم فی صورة الإعراض عن المال المُغرق فهو غیر بعید، وإن أراد فی صورة عدم الإعراض عنه، فقد عرفت عدم ثبوته.

ولذا قال فی آخر کلامه أنّه لا یحلّ أخذه بدون الإعراض مطلقاً، عملاً بالأصل.

 

بقی هنا أمران :

أحدهما : أنّه إذا شک فی الإعراض وعدمه، فإن أمکن إحراز الحال من مضی الدهور والعصور، کما قد عرفت، یکون سبباً للإعراض القهری فی عرف العقلاء، أو من طریق آخر، فلا کلام، وإلاّ، فاللازم الحکم ببقائه على ملک صاحبه، فإن لم یعرف صاحبه کان بحکم اللقطة، ویجری علیه أحکامها کما لا یخفى.

ثانیهما : أنّه لا خمس فیه عند جواز تملکه من باب الغوص، وإن تعلق به من باب الأرباح، وذلک لأنّ الظاهر من أدلّة وجوب الخمس فی الغوص أو ما یخرج من البحر هو ما یتکون فیه من الجواهر وشبهها، لا ما ألقى فیه من الخارج، وهذا هو المتبادر منها، لا سیّما بقرینة ما ذکر فی هذه الروایات من الأمثلة.

12 ـ إذا فرض معدن من العقیق والیاقوت أو الذهب والفضة وشبهها فی قعر البحار بحیث لا یمکن إخراجها إلاّ بالغوص، فلا إشکال فی تعلق الخمس بها، ولکن هل هو من باب خمس المعدن أو الغوص حتّى تظهر الثمرة فی نصابهما المتفاوت، استظهر صاحب العروة، الثانی ـ أی الغوص ـ ووافقه کثیر من المحشّین.

وما ذکره قوی، لأنّه مقتضى إطلاق روایات الغوص، لعدم التفصیل بین المحال التی تعدّ معدناً لهذه الجواهر وما لا یُعدُّ، وقد عرفت سابقاً أنّه لا یعتبر فی معنى المعدن أن یکون دائماً تحت الأرض، فقد یکون فوق الأرض، فإذا کانت نقطة من البحر تتکون فیها الجواهرات من اللؤلؤ والمرجان بمقدار معتدّ به، کان معدناً له وهو داخل فی إطلاقات الغوص، وهذا فرد شائع، فیشمله أدلته.

إن قلت : إطلاقات المعدن أیضاً کذلک أعمّ ممّا یوجد تحت الماء أو فی الصحراء.

قلت : الإنصاف إطلاقاتها من هذه الناحیة، ضعیفة، بل قد یدّعى انصرافها منه، ولا أقلّ أنّه لیس فرداً شائعاً للمعدن بالنسبة إلى ما یوجد فی الصحارى والجبال (لا سیّما فی تلک

الأزمنة) ولیس کذلک إطلاقات الغوص.

وإن شککنا، ولم یکن هناک ظهور أقوى، فمقتضى القاعدة، العمل بهما، لعدم المنافاة بینهما وأنّ هو إلاّ مثل أن یقول المولى لعبده، أضف کلّ عالم، الیوم، وقال أیضاً: أضف کلّ عادل، الیوم وأعطه ألف درهم، فإذا انطبق العنوانان على رجل واحد وکان عالماً عادلاً، فلا مانع من العمل بمقتضى کلّ منهما فی حقّه، بل هو واجب، فإضافته واجبة بمقتضى العنوانین واهداء ألف درهم أیضاً واجب بمقتضى العنوان الثانی.

وفی المقام إذا کان المخرج عشرین دیناراً، فلا کلام فی وجوب الخمس علیه لانطباق العنوانین (والخمس یکون واحداً لظهور الأدلة) وإن کان أقل منه وأکثر من دینار واحد فیجب علیه الخمس لانطباق عنوان الغوص علیه. فتدبّر، جیداً.

13 ـ لا إشکال فی وجوب الخمس فی العنبر، کما قال صاحب المدارک : «قد أجمع الأصحاب على وجوب الخمس فیه»(36). وهو مروی فی صحیحة الحلبی عن الصادق(علیه السلام)قال : سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن العنبر وغوص اللؤلؤ ؟ فقال : «علیه الخمس»(37).

إنّما الکلام فی أُمور ثلاثة (المراد من العنبر وأنّه من باب الغوص، ومقدار نصابه).

الأمر الأوّل : ما هو العنبر ؟ اختلفت کلمات الفقهاء وأرباب اللغة فی حقیقته غایة الاختلاف، وإلیک نموذج منها :

1 ـ قال صاحب القاموس : «العنبر من الطیب: روث دابّة بحریة...»(38).

2 ـ قال فیه أیضاً : «أو نبع عین فیه»،حکاه الشهید(رحمه الله) أیضاً فی البیان عن أهل الطب.

3 ـ وفی لسان العرب (فی بعض ما ذکره فی تفسیره) : هی سمکة کبیره بحریة تتخذ من جلدها التراس، ویقال للترس: عنبر، وفی مجمع البحرین عن «حیاة الحیوان» العنبر: سمکة بحریة یتخذ من جلدها التراس والعنبر المشموم(39).

4 ـ وفیه أیضاً (فی مجمع البحرین) : «قیل إنّه یخرج من قعر البحر یأکله بعض دوابه لدسومته فیقذفه رجیعاً فیطفوا على الماء فتلقیه الریح إلى الساحل وهو یقوی القلب نافع من الفالج واللقوة والبلغم الغلیظ»(40).

5 ـ وفی التذکرة «قال الشیخ (رحمه الله): العنبر: نبات من البحر، وقیل: هو من عین فی البحر، وقیل: العنبر یقذفه البحر إلى جزیرة فلا یأکله شیء إلاّ مات ولا ینقله طائر بمنقاره إلاّ نصل منقاره وإذا وضع رجله فیه نصلت اظفاره ویموت»(41).

فهم ـ کماترى ـ بین قائل: إنّه مائع یخرج من عین فی البحر، وقائل: إنّه نبات، وقائل: إنّه حیوان أو روث حیوان، ویمکن الجمع بین غیر واحد منها بأن یکون نباتاً فتأکله دابّة ویکون هذا روثها، أو یخرج من عین ثمّ تأکله السمکة وتلفظها من جوفها إلى غیر ذلک. ولکن القدر المسلّم به والمشهور : أنّه طیب، یؤخذ من سطح الماء، له فوائد ومنافع (إذا استعمل بمقدار لازم)، أمّا ما ذُکر أنّه یخرج من قعر البحر، أو أنّه نبات، أو روث حیوان فلا شیء من ذلک ثابت.

وفی غیاث اللغة : «أنّه نوع من الطیب یوجد فی جبال الهند و الصین یکون من نوع من النحل یأکل النباتات الطیبة ویحمله السیل إلى البحار ویأکله بعض حیوان البحر وحیث لیس قابلاً للهضم یلقیه إلى الخارج وقد شوهد فیه دباب النحل»(42).

ویدلّ أیضاً على أنّه نوع من المواد الشمعیة تذاب إذا سلط علیها الحرارة.

هذا کلّه ما ذکره الفقهاء والقدماء فی هذا المجال.

أمّا علماء العصر الجدید، فلهم تحقیقات أدقّ فی العنبر، ففی الجزء الرابع من المعجم الزولوجی الحدیث بالعربیة فی مادة العنبر، ما هذا نصّه : «العنبر على وزن جعفر اسم لنوع من الحِیتان تستخرج منه المادة المعروفة بالعنبر والدهن المعروف بمنّ القاطوس،... والعنبر أورام تحدث فی أمعائه، ثمّ یبترزها فتطفوا على سطح الماء ویکون لها صنان کریه ولونها أغبر فیأخذها الصیادون ویبیعونها، وقد تباع القطعة بأربعة جنیهات حسب حجمها، فتعالج بعد ذلک حتّى تطیب رائحتها... والعنبر (أی الحوت المذکور) لا یخشى الإنسان... سمی بذلک لأنّه تستخرج منه المادة المعروفة بالعنبر (وقد رسم صورة هذا الحوت دقیقاً فی الکتاب)»(43).

وقال صاحب المعجم الفارسی المسمّى بـ «معین» : «سمک العنبر یوجد فی أمعائه بسبب بعض الترشحات مادة سوداء بسبب أنّه یأکل السمک المعروف بالمداد (أی سمکة مرکبة) وقد یشق وتوجد فی أمعائه المادة المعروفة بالعنبر».

وقد ذکر بعض الباحثین أنّ له نوعین: نوع یطفوا على الماء (لأنّه خالص)، ونوع یرسب فی قعر البحار (لأنّه مخلوط بأشیاء ثقیلة) وألوانه أیضاً مختلفة، الأبیض والأزرق والأصفر والأخضر والأسود وأحسنها الأبیض وأردئها الأسود ظاهراً.

والأصح قولاً عن العنبر من الأقوال المذکورة فیها هو ما ذکره المعجم الزولوجی الحدیث، الذی جمعه مؤلفه من منابع الشرق والغرب طوال عشرین سنة.

الأمر الثانی : هل هذا الموضوع هو عنوان مستقل فی مسألة الخمس کما یظهر من بعض عبارات الفقهاء بل لعلّه ظاهر الصحیحة المذکورة حیث جعله فی مقابل الغوص، أم أنّه داخل فی عنوان المعدن بناءً على خروجه من عین من قعر البحر، أو قلنا إنّ معدن الشیء هو محل یتکون فیه کثیراً، وحیث إنّ العنبر یتکون فی بعض مناطق البحار بکثرة سواء کان نباتاً، أم روث حیوان بحری، یصدق علیه عنوان المعدن.

لکن الأخیر بعید جدّاً، وإلاّ، کان البحر معدناً للسمک، والأجمّة معدن للشجر حیث یتکون فیه کثیراً مع أنّه لا یصدق المعدن علیه إلاّ بمعنى مجازی أو کنائی، کما لا یخفى، وخروجه من عین فی قعر البحر، غیر معلوم، بل المعلوم خلافه، کما عرفت، فصدق المعدن علیه مشکل، وکذا الغوص بعد عدم حاجته إلى الغوص لأنّه یؤخذ من سطح البحار.

نعم، قد عرفت أن قسماً منه یخرج من قعر البحار، وذلک لاختلاطه بما یوجب رسوبه فی الماء لکنه لیس من الجواهر حتّى یشمله عنوان الغوص، إذن لعلّه مختص بالأشیاء الثمینة الموجودة فی أعماق البحار مضافاً إلى التفریق بینه وبین غوص اللؤلؤ فی صحیحة الحلبی حیث قال : «سألته عن العنبر وغوص اللؤلؤ» على أنّه لو صدق علیه الغوص فإنّما صدق على قسم منه لا على تمام أقسامه.

فالأولى أن یقال: إنّه عنوان مستقل، ومن هنا یظهر الکلام فی المقام.

الأمر الثالث : هل یعتبر فیه النصاب ؟ ولو اعتبر فیه فما هو نصابه ؟ الذی یظهر من المدارک أنّ فی المسألة أقوالاً ثلاثة :

1 ـ ما ذهبت إ لیه أکثر الأقوال وهو التفصیل بین ما أخرج بالغوص،فیراعى فیه نصاب الغوص وهو دینار واحد،وما یُلتقط من سطح الماء أو الساحل،کان له حکم المعدن.

2 ـ ما یظهر من إطلاق المفید(رحمه الله) فی(المسائل الغریة) هو أنّ نصابه عشرون دیناراً کالکنز.

3 ـ وجوب الخمس فیه مطلقاً، قلیلاً کان أو کثیراً وهو ظاهر اختیار الشیخ(رحمه الله)، وقوّاه فی المدارک(44).

وحکى صاحب الجواهر عن السرائر دعوى الإجماع على هذا القول(45).

ویظهر من الفقیه سیّد أساتیذنا العلاّمة البرجردی (رحمه الله) نقل قول رابع وهو ما نسب إلى کاشف الغطاء(رحمه الله)، من اعتبار نصاب الغوص فیه مطلقاً (أی سواء أخذ من سطح الماء أو بالغوص أو غیر ذلک).

والظاهر، بعد ما عرفت أنّه عنوان مستقل لیس من المعادن ولا من الجواهر المأخوذة بالغوص، بل هو أشبه شیء بالسمک الذی یصطاد من البحار، فإجراء حکم المعدن أو الغوص علیه، مشکل. اللّهم إلاّ أن یقال إنّ جعله فی عداد غوص اللؤلؤ دلیل على أنّه ملحق به، وإلاّ لم یکن وجه للجمع بینهما. والأحوط إخراج الخمس منه، قلیلاً کان أو کثیراً.

 


1. الحدائق الناضرة، ج 12، ص 343.
2. المدارک، ج 5، ص 375 و المنتهى، ج 1، ص 547.
3. المستند، ج 10، ص 29.
4. المعتبر، ج 2، ص 621.
5. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 7 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 1.
6. المصدر السابق، ح 2.
7. المصدر السابق، ح 3.
8. المصدر السابق، الباب 2 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 4.
9. المصدر السابق، ح 9.
10. المصدر السابق، ح 2.
11. المصدر السابق، ح 11.
12. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 2 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 12.
13. تنقیح المقال، ج 2، ص 318.
14. مستند الشیعة، ج 2، ص 74.
15. المدارک، ج 5، ص 375.
16. المختلف، ج 3، ص 320.
17. الحدائق الناضرة، ج 12، ص 346.
18. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 3 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 5.
19. المصدر السابق، الباب 7 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 2.
20. جامع المدارک، ج 2، ص 111.
21. الحدائق الناضرة، ج 12، ص 344.
22. المدارک، ج 5، ص 376.
23. راجع وسائل الشیعة، ج 6، الباب 3 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 5.
24. شرایع الاسلام، ج 1، ص 134.
25. المدارک، ج 5، ص 376.
26. جواهر الکلام، ج 16، ص 43.
27. راجع وسائل الشیعة، ج 6، الباب 3 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 5.
28. قواعد الأحکام، ج 3، ص 449.
29. مفتاح الکرامة، کتاب القضاء، ج 10، ص 135.
30. جواهر الکلام، ج 40، ص 400.
31. الحدائق الناضرة، ج 12، ص 344.
32. وسائل الشیعة، ج 17، الباب 11 من أبواب اللقطة، ح 1.
33. المصدر السابق، ح 2.
34. جواهر الکلام، ج 40، ص 400.
35. مسالک الافهام، ج 14، ص 77.
36. المدارک، ج 5، ص 377.
37. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 7 من أبواب ما یجب فیه الخمس، ح 1.
38. قاموس المحیط، ج 2، ص 96.
39. مجمع البحرین، ج 3، ص 257.
40. مجمع البحرین، ج 3، ص 257.
41. التذکرة، ج 1، ص 253.
42. حکاه فی دائرة المعارف لدهخدا نقلاً عن غیاث اللغة.
43. المعجم الزولوجی الحدیث، ج 4، ص 337.
44. مدارک الأحکام، ج 5، ص 377.
45. جواهر الکلام، ج 16، ص 44.

 

3 ـ الکنزالمقام الأوّل : وجوب الخمس
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma