الثالث : المعادن

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الفقاهة - کتاب الخمس و الأنفال
والمراتع کالآجام على أقسام الرابع: صفایا الملوک وقطائعهم

قد وقع الخلاف فی کونها من الموات أو من المشترکات، فعن المفید وسلاّر والکلینی وشیخه علی بن إبراهیم بل عن الشیخ أیضاً (قدس سره) کونها من الأنفال، ولکن المحکى عن المشهور نقلاً وتحصیلاً ـ کما فی الجواهر ـ أنّها من المشترکات التی یکون الناس فیها شرع سواء، بل قد یقال إنّه یلوح من المبسوط نفی الخلاف فیه(1).

وصرّح صاحب الدروس ـ بعد نقل القولین ـ بضعف القول بعدم کونه ملکاً للإمام (علیه السلام)وقد ذکر المحقّق الهمدانی (رحمه الله) بأنّ الأصحاب اختلفوا فی المعادن :

1 ـ فعن الکلینی والمفید والشیخ والدیلمی والقاضی والقمّی فی تفسیره وبعض متأخری المتأخرین، أنّها من الأنفال مطلقاً من غیر فرق بین ما کان منها فی أرضه أو غیرها، وبین الظاهرة والباطنة کما تشهد له جملة من الأخبار... .

2 ـ وعن جملة من الأصحاب بالأشهر أنّ الناس فیها شرع سواء مطلقاً... .

3 ـ التفصیل بین ما کان فی ملک الإمام وغیره... .(2).

وعمدة ما یدلّ على کونها من الأنفال روایات :

1 ـ ما رواه علی بن إبراهیم فی تفسیره عن إسحاق بن عمّار عن أبی عبدالله(علیه السلام)وفیها : «وکلّ أرض لا ربّ له» والمعادن منه(3).

2 ـ مرسلة العیاشی عن أبی بصیر عن الباقر (علیه السلام) قال : «ومنها (من الأنفال) المعادن والآجام وکلّ أرض لا ربّ له»(4).

3 ـ ما رواه داود بن فرقد فی حدیث عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال : قلت : وما الأنفال ؟ قال : «بطون الأودیة ورؤوس الجبال والآجام والمعادن»(5).

وقد یؤید ذلک کلّه بما ورد فی أخبار کثیرة : «أنّ الدنیا وما فیها لرسول الله (صلى الله علیه وآله)وللأئمّة المعصومین (علیهم السلام) من بعده» وإن شئت الإحاطة بها فراجع الکافی، الجزء الأوّل، باب إنّ الأرض کلّها للإمام(6).

هذا وقد یقال بضعف هذه الأخبار، أمّا المراسیل فواضحة، وأمّا روایة إسحاق بن عمّار فالظاهر أنّه لاشتمال سندها بـ «أبان بن عثمان» وهو محل الکلام عندهم، مضافاً إلى إعراض المشهور عنها.

أضف إلى ذلک السیرة المستمرة فی سائر الأمصار والأعصار فی زمن تسلّطهم وغیره على الأخذ منها بلا إذن حتّى ما کان فی الموات بل وما کان فی المفتوحة عنوة.

أقول : أوّلاً دعوى الشهرة على عدم کون المعادن من الأنفال مع ذهاب جماعة کثیرة من أعیان القدماء إلى ذلک قابلة للمنع. اللّهمّ إلاّ أن یراد شهرة المتأخرین، وشهرتهم لا تمنع عن حجیّة الأخبار.

وقد تهافتت فی ذلک کلمات صاحب الجواهر ـ رضوان الله تعالى علیه ـ.

فقال فی کتاب إحیاء الموات : «المشهور نقلاً وتحصیلاً على أنّ الناس فیها شرع سواء، بل قیل: قد یلوح من محکى المبسوط والسرائر نفی الخلاف فیه»(7).

بینما صرّح صاحب کتاب الخمس باختلاف الأصحاب فیها، ثمّ حکى عن الدروس أنّ الأشهر مساواة الناس فیها، وقال فی آخر المسألة : «إنّ المسألة غیر سالمة الإشکال والاحتیاط الذی جعله الله ساحل بحر الهلکة فیها مطلوب»(8).

هذا وقد أفتى صاحب رسالة (نجاة العباد) عند ذکر الأنفال بکون المعادن منها. فقال : «منها المعادن التی لم تکن لمالک خاصّ تبعاً للأرض أو بالإحیاء»(9).

فقد تهافتت کلماته فی هذه الکتب کما لا یخفى.

والإنصاف أنّ هذه الروایات الثلاث مع عمل جماعة کثیرة من أفاضل القدماء بها کافیة فی إثبات کون المعادن من الأنفال لا سیّما أنّ ضعف خبر إسحاق بن عمّار غیر ثابت، فقد وصفه صاحب الجواهر وصاحب الریاض والمحقّق الهمدانی والمحقّق الخوانساری ـ قدس الله أسرارهم ـ فی جامع المدارک بالوثاقة.

والوجه فیه ما عرفت من الکلام فی أبان بن عثمان. هذا وقد صرّح الکشی فیما رواه بأنّ أبان بن عثمان کان من الناووسیة(10).

ثمّ قال : إنّ العصابة أجمعت على تصحیح ما یصحّ عن أبان والإقرار له بالفقه.

وذکر العلاّمة (رحمه الله) فی الخلاصة : «أنّ الأقرب عنده قبول روایته وإن کان فاسد المذهب للإجماع المذکور».

وظاهر هذه العبارة اعترافه بصحّة دعوى الإجماع المذکور، ولکن عن ولده فخر المحقّقین (رحمه الله) أنّه قال : «سألت والدی عنه فقال: الأقرب عدم قبول روایته لقوله تعالى: (إن جاءکم فاسق...) ولا فسق أعظم من عدم الإیمان».

والظاهر أنّ هذه العبارة أیضاً دلیل على أنّ الروایة من قسم الموثق، وأنّه لا إشکال فیها من حیث وثوق الراوی، بل قد ذکر صاحب الرجال الکبیر : «قد یقال إنّ الإجماع الثابت بنقل الکشی دلیل على عدم کونه ناووسی».

نعم، قد أورد على الروایة بأنّها مجملة من حیث المتن والدلالة، أمّا أوّلاً فلأن الضمیر فی قوله : «والمعادن منه» یمکن رجوعه إلى الأرض فی قوله : «وکلّ أرض لا ربّ له» وثانیاً : فقد حکى عن بعض النسخ «فیه» بدل «منه» فیکون ظاهره عدّ المعادن الموجودة فی الأراضی الموات من الأنفال.

هذا، ولکن لازمه على کلّ حال قبول کون قسم کبیر من المعادن من الأنفال وهی الموجودة فی أراضی الموات، فالروایة وإن کانت مجملة من حیث المتن لکن القدر المتیقن منها کون هذه المعادن من الأنفال، ومن الواضح أنّ عمدة المعادن هی الموجودة فی الموات.

هذا، ویمکن أن یکون التعبیر بـ «منه» فی غیر واحد من روایات هذا الباب شاهداً على رفع الابهام هنا، فتأمل.

وهناک روایة أخرى تدلّ على المطلوب رواها صاحب المستدرک عن عاصم بن حمید الحناط عن أبی بصیر عن ابى جعفر(علیه السلام) فی حدیث قال :«ولنا الأنفال.قال:قلت له : وما الأنفال ؟ قال : «المعادن منها والآجام وکلّ أرض لا ربّ له»(11).

أضف إلى ذلک کلّه ما قد عرفته من القاعدة الکلیة المصطادة من روایات الأنفال کلّها من أنّ کلّ مال لا مالک له فهو للإمام (علیه السلام) إلاّ ما خرج بالدلیل.

فمن جمیع ذلک یمکن جعل المعادن من الأنفال لا من المشترکات.

وقد یستدلّ على ذلک ـ کما فی کلمات غیر واحد منهم ـ بالروایات الکثیرة الدالة على أنّ الدنیا کلّها لرسول الله (صلى الله علیه وآله) وللأئمّة من بعده (علیهم السلام) فراجع(12).

والإنصاف أنّه لا دلالة لها على هذا المدعى والمراد منها ـ کما ذکرنا مراراً ـ نوع آخر من الملکیة المعروفة، وهی تکون فی طول هذه الأملاک التی لنا لا فی عرضها، کما ذکروه فی ملکیة الموالی والعبید بالنسبة إلى مکتسبات العبید، وأوضح منها ملکیة الله تعالى لجمیع ما فی السماوات والأرض، وفی الحقیقة هو المالک الأصلی وهذه الأموال أماناته عندنا.

ومن الواضح أنّ هذا النوع من الملکیة لا تنافی ملکیة الناس لأموالهم.

هذا واستدلّ للقول إنّ المعادن من المشترکات المباحات بأُمور :

1 ـ الأصل : أی أصالة الإباحة وعدم الملکیة لأحد بعد ضعف روایات هذا الباب سنداً أو دلالة، وذهاب المشهور على خلافها فلا جابر لها.

وفیه : ما عرفت من صحّة الاستدلال بالروایات بعد ضمّ بعضها ببعض فالموثقة صحیحة سنداً، والروایات الثلاث الباقیة واضحة الدلالة وبعد انضمامها تکون حجّة على المقصود، مضافاً إلى القاعدة المصطادة من أخبار الأنفال.

2 ـ السیرة المستمرة فی جمیع الأعصار والأمصار حتّى فی زمن تسلّطهم (علیهم السلام)على الأخذ من المعادن بغیر إذن منهم حتّى ما کان فی الموات الذی قد عرفت أنّه لهم، أو فی المفتوحة عنوة التی هی للمسلمین فهذه السیرة المعاضدة للشهرة، ولقوله تعالى : (خَلَقَ لَکُم مَّا فِى الاَْرْضِ) ولشدّة حاجة الناس إلى بعضها على وجه یتوقف علیه معاشهم نحو الماء والنار والکلاء (هکذا ذکره صاحب الجواهر فی کتاب إحیاء الموات).

وفیه : أنّ السیرة لا تکون دلیلاً إلاّ على جواز الأخذ منها، والجواز هذا کما یمکن أن یکون بسبب کونها من المشترکات، یمکن أن یکون مستنداً إلى إذنهم العام فی الأخذ من الأنفال وأنّ من أحیاها فهی له.

وإن شئت قلت : سبیل المعادن سبیل أراضی الموات، فکما أنّ جریان السیرة على تملکها بالإحیاء لا یکون دلیلاً على کونها من المباحات الأصلیة فکذلک بالنسبة إلى المعادن.

3 ـ الأخبار الکثیرة القریبة من التواتر بل المتواترة الدالة على أنّ المعادن ممّا یجب فیه الخمس، وهو مناف لکونها من الأنفال إذ لا معنى لوجوبه فی مال الغیر (حکاه صاحب الریاض واستدلّ به غیره)(13).

والإنصاف أنّها أیضاً لا تدلّ على المقصود، فکما یمکن أن یکون جواز تملکها ثمّ أداء الخمس منها بسبب کونها من المشترکات، فکذلک یحتمل کونه من باب إذنهم (علیهم السلام)فی مطلق الأنفال، بل من لدن عصر النبی (صلى الله علیه وآله).

وإن شئت قلت : إنّ هذه الأخبار لا تعارض الأخبار السابقة الدالة على کونها من الأنفال، بل طریق الجمع بینهما واضح، فالثانی دلیل على کونها من أموالهم (علیهم السلام)والأوّل دلیل على إذنهم فی التصرف فیها بل وتملکها.

ومن هنا یظهر الإشکال فیما أفاده صاحب الریاض من أنّ هذا الجواب إنّما یتمشى على تقدیر کونها له فیرتکب جمعاً، وإلاّ فلا ریب أنّه خلاف الظاهر(14).

4 ـ وقد یستدلّ له کما ذکره المحقّق المیلانی (رحمه الله) فی محاضراته فی المقام بما دلّ على أنّ الأرض المفتوحة عنوة هی للمسلمین سواء کانت ذات معدن أم لا.

ثمّ أجاب عنه بما حاصله : إنّ المعادن خارجة عن اسم الأرض والعنوان هناک هو الأراضی المفتوحة عنوة، وبعبارة اُخرى لیس مفادها إلاّ ما یؤخذ عنوة منهم ممّا هو لهم لا ما لیس لهم، بل هو من أصله لغیرهم، کالأنفال التی کانت المعادن منها (انتهى ملخصاً).

أقول : خروج المعادن کلّها عن اسم الأرض غیر ثابت بل کثیر من المعادن یصدق علیها اسم الأرض قطعاً، کمعادن الجصّ والنورة وأنواع الأحجار التی یستفاد منها فی الأبنیة ومعدن (الإسمنت) وکثیر من معادن الفلزات التی تکون بشکل الأحجار أو التراب، نعم معادن النفط وشبهها خارجة عن مسمّاها.

فالأولى أن یقال فی الجواب : إنّ الأدلة السابقة الدالّة على أنّ المعادن کلّها للإمام وإن کانت نسبتها مع إطلاقات المفتوحة عنوة بالعموم من وجه، ولکنها فی مفادها أظهر وأقوى منها فیقدم علیها.

ولو سلم الإشکال فی خصوص ما یوجد فی أراضی المفتوحة عنوة، فلا إشکال فی المعادن التی تکون فی الموات وهی عمدة المعادن.

وممّا ذکرنا ظهر وجه القول بالتفصیل بین المعادن الموجودة فی الموات وغیرها، وقد تلخص ممّا ذکرنا أنّ القول بکون المعادن من الأنفال هو الأقوى ولکن تفاصیله یأتی فیما یلی.

 

بقی هنا أُمور :

1 ـ أقسام المعادن : المعادن على أقسام فتارة تکون فی الأراضی الموات، وأخرى فی المفتوحة عنوة، وثالثة فی الأملاک الشخصیة، وکلّ واحد منها قد یکون من المعادن الظاهرة کالملح وکثیر من الأحجار، وأُخرى: من الباطنة التی تعدّ تابعة للأرض (أی قریباً من سطح الأرض) وثالثة: تکون فی أعماقها التی لا تعد من توابعها (فقد ذکر فی محلّه أنّ ما هو المعروف من أعماق الأرض إلى تخومها تابعة لها وکذلک إلى عنان السماء، غیر ثابت، ولذا لا تحتاج الطائرات فی عبورها من فوق البلاد إلى إذن صاحب البیوت، وأمّا لزوم إذن الحکومات فهو أمر آخر، وکذلک لا یحتاج من یتصرف تحت أراضی البلد مثلاً فی عمق عدّة کیلومترات إلى إذن أهله، لأنّ التبعیة هنا أمر عرفی عقلائی یتقدر بقدرها).

فما یکون من المعادن فی أراضی الموات فلا شک فی أنّها من الأنفال،أمّا الظاهرة والباطنة

القریبة فهما واضحتان، وأمّا الأخیر فلدخولها تحت عنوان المعادن فی ما سبق من الأدلة.

وأمّا إذا کان فی المفتوحة عنوة والأملاک الخاصة، فإن کان من القسم الأخیر أی الباطنة جدّاً فکذلک لعدم التبعیة ولدخولها تحت عنوان المعادن فی الأخبار السابقة.

أمّا إن کانت ظاهرة أو قریبة من سطح الأرض، فیمکن أن یقال إنّها أیضاً ملک للإمام (علیه السلام)إذا کانت شیئاً یعتد بها، لأنّ النسبة بین إطلاقات أدلة الأنفال وعموماتها ودلیل التبعیة للأملاک الخاصة وإن کانت عموماً من وجه إلاّ أنّ أدلة کون المعادن من الأنفال أوضح وأقوى وأظهر.

ولکن لا ینبغی ترک الاحتیاط فی هذین القسمین بالمصالحة لا سیّما مع ملاحظة ما ذکره الفقهاء من أنّه لو أحیا أرضاً وظهر فیها معدن ملکه تبعاً لها، وقال صاحب الجواهر (قدس سره)بعد نقل هذا الکلام عن المحقّق (رحمه الله): «بلا خلاف أجده فیه کما عن المبسوط والسرائر الاعتراف به، بل قیل إنّ ظاهر الأوّل بل الثانی نفیه بین المسلمین لأنّه جزء من أجزائها وإن استحال إلى حقیقة أخرى غیره»(15).

وکیف کان فکَأنّ الذی أوقع جماعة من الأصحاب فی إنکار کونها من الأنفال مطلقاً أو فی خصوص ما یکون فی الملک الخاصّ هو ما عرفت من السیرة على التصرف فیها بعدم الإذن، وکذلک مسألة الخمس الدالّة على کون المعادن داخلة فی ملک الشخص، ولکن قد عرفت الجواب عنهما بما لا مزید علیه.

2 ـ ثمرة النزاع فی المسألة : قد یقال إنّه لا ثمرة مهمّة فی المسألة، فقد ذکر بعض أعلام العصر من أساتذتنا ـ أدام الله تأییدهم ـ بعد اختیار التفصیل فی المسألة بین ما کان فی أرض هی من الأنفال وبین المستخرج من غیرها، فالأوّل من الأنفال دون الثانی، أنّ هذا التفصیل غیر بعید وإن لم یکن لهذا البحث أثر عملی لوجوب التخمیس بعد الإستخراج على کلّ حال والبحث علمی محضّ، وأنّ تملک الأربعة أخماس هل هو بتحلیل من الله تعالى ابتداء أم بإذن من الإمام (علیه السلام) ؟(16)

أقول : بل تظهر الثمرة إذا قلنا إنّ الحکومة الإسلامیة إذا تشکلت فلها النظر فیما للإمام(علیه السلام) من الأنفال وأنّ لها التصرف فیها والمنع منها بغیر إذن (کما هو لیس ببعید) فحینئذ إن کانت المعادن من المباحات الأصلیة فلا یحتاج التصرف فیها إلى إذن الحکومة (إلاّ إذا کانت هناک عناوین ثانویة من وقوع مفاسد مهمّة لابدّ لها من منعها) وأمّا لو کانت من الأنفال فلم یجز التصرف فیها بغیر إذن الحکومة الشرعیة الإسلامیة بالعنوان الاُولی.

إن قلت : إنّهم (علیهم السلام) أجازوا التصرف فی الأنفال وتملکها بالإحیاء عند بسط أیدیهم ـ کعصر النبی (صلى الله علیه وآله) وعصر أمیرالمؤمنین (علیه السلام) ـ بل قد یظهر من بعض الروایات أنّ إذنهم (علیهم السلام)فی عصر الغیبة ثابت إلى یوم الظهور کما لا یخفى على من راجع روایات هذا الباب.

قلت : یمکن أن یقال إنّ هذا الإذن والترخیص مقطعی مشروط بعدم تشکیل الحکومة الإسلامیة الجامعة للشرائط، فإذا حصلت مع شرائطها کان لها حقّ المنع والاعطاء (مع مراعاة مصالح الأمّة والحکومة) فتلک الأدلة الدالّة على الإذن المطلق منصرفة عن هذه الصورة، فتأمل.

3 ـ هل المعادن تملک بالإحیاء: وکیف تملک بناءً على الإذن العام منهم (علیهم السلام) فی الاحیاء ؟ المعروف بین الأصحاب تقسیم المعادن إلى قسمین : المعادن الظاهرة والمعادن الباطنة.

أمّا المعادن الظاهرة، کالملح والکبریت والقیر والنفط (فی الأزمنة السابقة حیث کانت تخرج من بعض عیونها) فلا تملک بالإحیاء ولا یکون أحد أولى به بسبب التحجیر کما صرّح به الشیخ فی المبسوط حیث قال : «أمّا الظاهرة... فهذا لا یملک بالإحیاء ولا یصیر أحد أولى به بالتحجیر من غیره ولیس للسلطان أن یقطعه، بل الناس کلّهم فیه سواء، یأخذون منه قدر حاجتهم بل یجب عندنا فیها الخمس، ولا خلاف فی أنّ ذلک لا یملک... فإذا ثبت أنّها لا تملک فمن سبق إلیها أخذ منها قدر حاجته»(17).

والظاهر أنّ عدم جریان الإحیاء والتحجیر فیها لعدم وجود موضوعه فإنّ المفروض کون المعدن ظاهراً فلا یحتاج إلى الإحیاء، وأمّا التحجیر فإنّه مقدمة للإحیاء لیکون مختصاً به لیملکه بالإحیاء، فإذا لم یکن هناک إحیاء فلا یکون تحجیراً، وإن هو إلاّ کالمیاه الجاریة فی الشطوط الکبار یأخذ منها کلّ إنسان بمقدار حاجته، فهی تملک بالحیازة فقط.

وأمّا الإقطاع (أی تخصیص الحاکم الشرعی بعض من یرى المصحلة فی اقطاعهم بشیء منها، ویکون هذا التخصیص بمنزلة التحجیر فیکون هو أولى به من غیره) فقد یقال ـ کما مرّ فی کلام المبسوط ـ إنه لا یجوز اقطاعه لأنّ الناس کلّهم فیه سواء، ولأنّه لا یجوز تحجیره فلا یجری فیه الاقطاع. هذا ولا فرق فی ذلک بین القول بکونها من الأنفال أو المشترکات.

أقول : إذا قلنا إنّها من الأنفال ـ کما هو الحقّ ـ لا یجری فیها الإحیاء والتحجیر لعدم الموضوع لهما، وأمّا الإقطاع فلا مانع له لأنّه ملک الإمام (علیه السلام) فإذا رأى فیه مصلحة اقطع بعضها لبعض الناس.

وهل للحاکم الشرعی اقطاعها إذا کان فیه مصلحة للمسلمین بأن کان المقطع له قادراً على الانتفاع بها فی طریق مصالح المسلمین منافع کبیرة ؟ فقد ذکر صاحب الجواهر أنّه لا یجوز ذلک للنائب العام، لعدم عموم نیابته على وجه یشمل مثل ذلک(18).

ولکن الحق عمومها لأنّه قائم مقامه فی المصالح العامة کما ذکرنا فی محلّه من بحث ولایة الفقیه فراجع. ومن المصالح العامة الاقطاع هنا، وهذا أمر شائع فی الحکومات فی عصرنا فهم یرون ذلک حقّاً للحکومة، وقد ذکرنا أنّ الأُمور التی تکون بید الحکومات فیما هو دائر بینهم یرجع فیها فی عصر الغیبة إلى الحاکم الشرعی، ولا نحتاج فی کلّ مورد إلى دلیل خاصّ.

أمّا المعادن الباطنة فقد أدّعى عدم الخلاف فی تملکها بالإحیاء، أفتى به الشیخ وابن البرّاج وابن ادریس والعلاّمة والشهیدان والمحقّق الکرکی وغیرهم على ما حکى عنهم، بل ظاهر المبسوط الإجماع علیه حیث قال : «أمّا المعادن الباطنة... فهل تملک بالإحیاء أم لا ؟ قیل فیه قولان : أحدهما : أنّه یملک وهو الصحیح عندنا...»(19).

والظاهر أنّ الوجه فیه عموم أدلة الإحیاء(20).

مضافاً إلى استقرار السیرة علیه وإمضائها من الشرع.

إن قلت : إنّ أخبار الإحیاء تدور مدار عنوان الأرض، والمعدن لا یکون أرضاً حتّى یملک بالإحیاء فقد خرج عن اسم الأرض.

هذا مضافاً إلى أنّ الإحیاء إنّما یصدق بالنسبة إلى الزراعة والحرث، وأمّا فی المعدن فهو استخراج وإخراج وشبه ذلک من العناوین لا الإحیاء.

قلت : أوّلاً : إنّ کثیراً من المعادن یصدق علیها عنوان الأرض.

وثانیاً : یمکن إلغاء الخصوصیة لأنّا لم نر أحداً یفرق بین أقسام المعادن فی مسألة الإحیاء، فیستفاد من کلماتهم أنّه لا خصوصیة لعنوان الأرض هنا.

وأمّا عنوان الإحیاء فی قوله (علیه السلام) : «أیّما قوم أحیوا أرض» وإن لم یکن صادقاً فی بدء النظر بالنسبة على المعادن وحفرها بحیث تکون قابلة لإخراج موادها بسهولة، إلاّ أنّ الظاهر من کلمات الأصحاب أنّ الإحیاء له معنى وسیع یشمل ما نحن فیه فقد اشتهر بینهم أنّ إحیاء کلّ شیء بحسبه، ولذا قال المحقّق (رحمه الله) فی الشرائع : «هی ـ أی المعادن ـ تملک بالإحیاء»(21) وأضاف إلیه فی الجواهر قوله : «بلا خلاف أجده بین من تعرض له... ولعلّه لصدق الإحیاء الذی هو سبب الملک ولو بملاحظة ما سمعته من فتوى الأصحاب فإنّ إحیاء کلّ شیء بحسبه، ومن هنا یملک البئر ببلوغه الماء الذی فیها إذ هو کالجوهر الکائن فیه»(22)وهکذا غیره.

والحاصل : أنّه وإن لم یرد نصّ خاصّ فی مسألة تملک المعادن الباطنة بحفرها وبلوغ جواهرها، إلاّ أنّ إلغاء الخصوصیة عن عنوان الإحیاء بقرینة استقرار السیرة على تملکها بذلک، وبقرینة فهم الأصحاب ـ رضوان الله علیهم ـ قوی جدّاً.

وأمّا إقطاعها وجعل قسم منها لبعض الناس ـ بعد کونها من الأنفال وأمرها بید نائب الغیبة فالظاهر جوازه لعموم الأدلة کما عرفت، وکثیراً ما تکون مصلحة الأمّة فی أمر الإقطاع، وإلاّ بقیَ کثیر منها متروکاً مهجوراً لا تنتفع به لعدم الداعی إلى استخراج بعضه بدون الاقطاع.

وفی بعض الروایات المرویة من طرق العامة : أنّ رسول الله (صلى الله علیه وآله) اقطع بعض أصحابه بعض المعادن فلما أخبروه أنّه کالماء العد (أی دائم ظاهر لا انقطاع له) امتنع منه(23).

وهذا أیضاً دلیل على جواز اقطاع المعادن الباطنة.

وادّعى صاحب التذکرة إجماع علمائنا على جواز الإقطاع أزید من حاجته فی مقابل قول الشافعی أنّه لا یجوز الإقطاع إلاّ على قدر حاجته، قال العلاّمة (رحمه الله) : «وقال علماؤنا: للإمام أن یقطعه الزائد» وأضاف إلیه صاحب مفتاح الکرامة بعد نقل هذا الکلام : «هو ظاهر المبسوط أو صریحه وظاهر إطلاق الباقین لکنه اختار فی التحریر مذهب الشافعی»(24).

والدلیل على جواز الأزید من الحاجة هو عمومات الباب، مضافاً إلى أنّه قد یکون فیه مصلحة الأمّة ـ کما نشاهد فی عصرنا ـ من جعل ذلک ذریعة للنشاطات الاقتصادیة ورفع حوائج الناس وتوفیر المواد فی الأسواق، ولو اختصّ کلّ إنسان بقدر حاجته حصل ضیق شدید فی کثیر من حوائج الناس کما لا یخفى على من له خبرة بهذه الأُمور.

وأمّا إذا حفره ولم یبلغ الجوهر، فقد صرّح صاحب مفتاح الکرامة : «أنّ الظاهر أنّه لا خلاف فی کونه تحجیراً ولیس بإحیاء وحیث تحجر یکون احقّ به»(25) والدلیل علیه هو سیرة العقلاء وقد أمضاها الشرع.

«وإذا تحجر المعدن بالحفر وترکه وأراد غیره إحیاءَه، قال الإمام (علیه السلام) له : إمّا أن تحییه أو تخلى بینه وبین غیرک»، هذا ما صرّح به ابن البرّاج فی المهذّب(26).

وصرّح غیره أیضاً بهذا المعنى، والدلیل علیه هو مسألة الجمع بین الحقوق، حقّ التحجیر وحقّ الإمام فی الأنفال کما لا یخفى.

4 ـ المعادن الموجودة فی أعماق البحار وأطرافها کمعادن البترول وما أشبهها، قد تکون ظاهرة وتدخل فی عنوان الغوص الواجب فیه الخمس، وأخرى لا تدخل فی عنوانه، وتارة تکون باطنة، وهی أیضاً على قسمین تدخل فی عنوان الغوص کما إذا کانت من اللؤلؤ کامنة تحت البحر خرجت بالحفر وشبهه.

وقد یتصور أنّ ما کان داخلاً فی عنوان الغوص فهو من المباحات الأصلیة وإن صدق علیه عنوان المعدن أیضاً، وذلک لأدلة وجوب الخمس الدالّة على ملک الأربعة أخماس بالحیازة، لکنک قد عرفت أن هذه الأدلة کما توافق کونها من المباحات توافق کونها من الأنفال، وقد أذنوا (علیهم السلام) فی تملّکها بالإحیاء وشبهه (وإحیاء کلّ شیء بحسبه).

والإنصاف أنّ عنوان المعدن عام شامل لجمیع المعادن البریة والبحریة الظاهرة والباطنة، فتکون جمیعها من الأنفال وتحتاج إلى إذن مالکها وهو الإمام (علیه السلام) أو نائبه.

5 ـ المعادن المستخرجة على أیدی الکفّار ومن لا یعتقد بالأنفال والأخماس یجوز ابتیاعها والتصرّف فیها، بل ویجوز تملّکها بکلّ ناقل اختیاری أو قهری، وعدم جواز تصرّفهم فی الأنفال الموجودة فی أراضیهم لو ثبت کعدم أداء خمسها ممّا لا ینافی ذلک لما عرفت من إباحة التجارات والأموال المنتقلة ممّن لا یعتقد بالخمس وحقوق الأئمّة مطلقاً، فإنّ أدلتها عامة تشمل موارد الخمس والأنفال کما لا یخفى على من راجع ما ذکرنا فی مبحث التحلیل.


1. جواهر الکلام، ج 38، ص 108.
2. مصباح الفقیه، ص 153.
3. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 20.
4. وسائل الشیعة، ج 6، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 28.
5. المصدر السابق، ح 32.
6. اُصول الکافی، ج 1، ص 408.
7. جواهر الکلام، ج 38، ص 108.
8. المصدر السابق، ج 16، ص 131.
9. نجاة العباد، ص 94.
10. هم على المعروف طائفة من المبتدعة الذین قالوا إنّ جعفر بن محمّد (علیهما السلام) حیّ لا یموت وهو المهدی، فهم قائلون بالأئمّة السنّة المنسوبون إلى رجل یسمّى ناووس أو إلى قریة بهذا الاسم.
11. مستدرک الوسائل، ج 7، ص 295 الباب الأوّل من الأنفال.
12. اُصول الکافی، ج 1، ص 408 و 409 باب أن الأرض کلّها للإمام (علیه السلام).
13. ریاض المسائل، ج 5، ص 265.
14. المصدر السابق.
15. جواهر الکلام، ج 38، ص 113.
16. مستند العروفة الوثقى، کتاب الخمس، ص 363.
17. المبسوط، ج 3، ص 274.
18. جواهر الکلام، ج 38، ص 103.
19. المبسوط، ج 3، ص 277.
20. راجع وسائل الشیعة، ج 17، البابان 1و2 من أبواب احیاء الموات.
21. شرایع الإسلام، ج 4، ص 796.
22. جواهر الکلام، ج 38، ص 110.
23. سنن البیهقی، ج 6، ص 149.
24. مفتاح الکرامة، ج 7، ص 47.
25. المصدر السابق.
26. المهذّب، ج 2، ص 34.

 

والمراتع کالآجام على أقسام الرابع: صفایا الملوک وقطائعهم
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma