لو کان مع الله تعالى قدیم ثان لوجب أن یکون مشارکا له فی جمیع صفاته، لمشارکته له فی القدم التی هی صفة ذاته التی باین بها جمیع الموجودات لان جمیع أوصافه - من کونه عالما وقادرا وحیا وموجودا ومریدا وکارها ومدرکا - [ یشارکه غیره من المحدثات قدیما ولا یشارکه فی القدم، فبان أنه یکون قدیما ] (1) یخالف المحدثات.
والشئ انما یخالف غیره بصفته الذاتیة وبها یتماثل ما تماثله، کما أن ما شارک السواد فی کونه سوادا ویخالف غیر السواد من أن السواد یخالف البیاض (2) والحموضة وغیرهما أیضا بکونه سوادا [ ویشارک سوادا آخر بکونه سوادا ] (3)، فعلم بذلک أن الاشتراک فی صفة الذات یوجب التماثل، وکان یجب من ذلک مشارکة القدیمین فی کونهما قادرین عالمین حیین وفی جمیع صفاتهما.
ثم لا یخلو أن یکون مقدورهما واحدا أو متغایرا، فان کان واحدا جاز أن یدعو أحدهما الداعی إلى ایجاد مقدوره والثانی یصرفه عن ایجاده، فیؤدی ذلک إلى وجوب وجوده، لدعاء من دعاه الداعی إلى ایجاده ووجوب انتفائه لصارف من صرفه عن ایجاده، وذلک محال.
فان کان مقدورهما متغایرا لم یمتنع أن یدعو أحدهما الداعی إلى ایجاد فعل ویدعو الثانی بصرفه عن ایجاده ووجوب صارف صرفه عن ایجاده، وذلک محال.
[ وان کان مقدورهما متغایرا لم یمتنع أن یدعو أحدهما الداعی إلى ایجاد فعل ویدعو الاخر إلى ایجاد ضده ] (4).
ثم لا یخلو أن یوجدا أو لا یوجدا أو یوجد أحدهما، فان وجدا أدى إلى اجتماع الضدین وذلک محال، وان لم یوجدا أدى إلى ارتفاع الفعل عنهما لا لوجه منع معقول، وان وقع أحدهما أدى إلى ارتفاع الفعل عن أحدهما لا لمنع معقول.
لانه لا یمکن أن یقال أن أحدهما أکبر مقدورا، لان کل واحد منهما یجب أن یکون مقدوراته غیر متناهیة.
فاذا ثبت ذلک بطل اثبات قدیمین، واذا بطل وجود قدیمین بطل قول الثنویة القائلین بالنور والظلمة، وبطل قول المجوس القائلین بالله والشیطان وبطل قول النصارى القائلین بالتثلیث.
على أن قول الثنویة یبطل من حیث دللنا على حدوث الاجسام، والنور والظلمة جسمان، ولانهما أثبتوهما من حیث اعتقدوا أن الخیر یضاد الشر، ولا یجوز أن یصدرا من فاعل واحد.
وذلک باطل، من حیث ان الخیر من جنس الشر، لان أخذ مال الغیر غصبا هو ظلم وشر وأخذه قضاء‌ا لدین حسن وعدل وهما من جنس واحد، ولطمة الیتیم ظلما شر ولطمته تأدیبا حسن، ولو کانا ضدین لجاز أن یصدرا من فاعل واحد، لان القادر یقدر على الشئ وعلى جنس ضده، وهذا بعینه هو شبهة المجوس، والکلام علیهم واحد.
على أن قولهم أجمع یبطل المدح والذم، لان المطبوع لا یستحق مدحا ولا ذما، کالنار فی الاحراق والثلج فی التبرید.
ویؤدی إلى قبح الاعتذار لان الاعتذار حسن لا یقع عندهم من الظلمة وما یعتذر منه قبیح لا یقع عندهم من النور، فیکون الاعتذار من غیر فاعل الاساء‌ة، وذلک قبیح فی العقول.
وأما النصارى فمن خالف منهم فی نبوة نبینا فالکلام معهم فی النبوة سیجئ، ومن قال بقول النصارى من القول بالتثلیث والاتحاد والنبوة فقولهم باطل، لان قولهم ثلاثة أقانیم جوهر واحد متناقض، لان فی اثباته واحدا نفیا لما زاد علیه وفی اثبات التثلیث اثباتا لما نفى بعینه، وذلک محال.
وقولهم بالاتحاد وان الثلاثة صارت واحدا محال، وکذلک قولهم صار الناسوت الها والمحدث قدیما کل ذلک محال.
ولو جاز ذلک لجاز أن یصیر الواحد مائة وأن یصیر القدیم محدثا، وکل ذلک فاسد، فیبطل ما قالوه.
وأما قولهم بالبنوة فحقیقة الابن من ولد على فراشه أو خلق من مائه، وکلاهما یستحیلان علیه تعالى، ومجاز ذلک یطلق فیمن یجوز أن یولد على فراشه أو یخلق من مائه.
ألا ترى أنهم یقولون یبنا فلان بفلان إذا کان أصغر منه، ولا یقولون یبنا شاب شیخا ولا یبنا الانسان بهیمة لما لم یجز أن یکون مخلوقا من مائه، فمجاز هذه اللفظة یجوز على من یجوز علیه حقیقتها وحقیقتها مستحیل فی الله تعالى، فمجازها مثل ذلک.
وقولهم ابن الله لمشارکته له فی المشیئة، یوجب أن یکون الانبیاء کلهم أبناء الله، لانهم یوافقونهم فی المشیئة وهم لا یقولونه.
فبان بذلک فساد هذه المذاهب، وثبت أنه تعالى واحد لا یشارکه أحد فی القدم.
فأما من عبد الاصنام أو الکواکب فقولهم باطل، لان عبادة من لا یستحقها قبیحة فی العقول.
والعبادة انما تستحق بأصول النعم التی هی خلق الخلق وجعله حیا وقادرا واکمال عقله وخلق الشهوة فیه التی بها ینتفع وینال الملاذ وخلق المشتهیات وغیر ذلک.
وکل ذلک لا یقدر علیه غیر الله، فیجب أن تقبح عبادته.
على أن هذه الاشیاء جمادات ومسخرات، وکیف یصح منها فعل ما یستحق به العبادة.
وقولهم ما نعبدهم الا لیقربونا إلى الله زلفى (5) باطل، لان التقرب إلى الله بالقبائح قبیح فی العقول.
ولیس یجری ذلک مجرى تعظیما للبیت الحرام والحجر وسجودنا الیه، وذلک انا نسجد لله تعالى ونتقرب الیه لا إلى البیت والحجر، وانما تعبدنا الله بذلک ورغبنا فیه.
فنظیر ذلک أن ثبت بشرع مقطوع به التقرب إلى الله والسجود له بالتوجه إلى هذه الاشیاء، والقوم لا یذهبون الیه، فبطل تشبیههم بما قلناه وبان الفرق بینهما.
-------------------------------------------------------------------------
(1) الزیادة لیست فی ر.
(2) فی ج ویخالف السواد من البیاض .
(3) الزیادة من ر.
(4) الزیادة لیست فی ر.
(5) سورة الزمر: 3.