(الکلام فی العدل)

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الاقتصاد الهادی الی طریق الرشاد
فصل:(فی ذکر الکلام فی الاستطاعة وبیان أحکامها)فصل: (فی أنه تعالى واحد لا ثانى له فی القدم)
الغرض بالکلام فی العدل الکلام فی تنزیه الله تعالى عن فعل القبیح والاخلال بالواجب، فاذا حصل العلم بذلک حصل العلم بالعدل.
والطریق الموصل إلى ذلک أن نبین أنه تعالى قادر على القبیح ثم نبین بعد ذلک أنه لا یفعله بعد أن نبین تقدم معنى الفعل وانقسامه ثم نعود إلى الغرض.
وحقیقة الفعل ما وجد بعد أن کان معدوما.
ولا یخلو الفعل من أن یکون له صفة زائدة على حدوثه أم لا یکون له صفه زائدة، فما لیس له صفة زائدة هو کلام الساهی والنائم وحرکات أعضائه التی لا تتعداه، وماله صفة زائدة على حدوثه اما أن یکون حسنا أو قبیحا، فالحسن هو کل فعل اذا فعله العالم به أو المتمکن من العلم به مختارا لا یستحق علیه الذم.
وهو على ضربین: أحدهما له صفة زائدة على حسنه، والاخر لا صفة له زائدة على حسنه.
فما لا صفة له زائدة على حسنه هو الموصوف بأنه مباح اذا علم فعله أو دل علیه، وما له صفة زائدة على حسنه فهو کل فعل یستحق به المدح على بعض الوجوه.
وهو على ضربین: أحدهما اذا لم یفعله استحق الذم على بعض الوجوه، والاخر لا یستحق الذم اذا لم یفعله على حال.
فالاول موصوف بأنه واجب على ثلاثة أقسام: أحدها واجب مضیق کالصلاة المفروضة وکرد عین الودیعة، والثانی یکون مخیرا فیه کالکفارات الثلاث فی الیمین، والثالث من فروض الکفایات اذا قام به بعض سقط عن الباقی کرد السلام والجهاد والصلاة على الاموات.
وما هو ندب على ضربین: أحدهما یکون نفعا واصلا إلى الغیر فیوصف بأنه انعام واحسان اذا قصد ذلک، والاخر لا یتعداه فلا یوصف بأکثر من أنه ندب.
وأمثلة ذلک فی أفعالنا وأفعاله قد ذکرناها فی شرح الجمل والمقدمة وغیر ذلک من کتبنا.
والقبیح هو کل فعل اذا وقع من عالم بقبحه أو متمکن من العلم بقبحه استحق علیه الذم على بعض الوجوه.
والعلم بقبح القبائح ووجوب الواجبات [ یکون عقلیا وشرعیا: فالعقلیات کالعلم بقبح الظلم والجهل والکذب العاری من نفع أو ضرر والعبث وغیر ذلک، والواجبات ] (1) کالعلم بوجوب رد الودیعة والانصاف وقضاء الدین والعلم بحسن الاحسان وغیر ذلک.
وأما ما یعلم بالشرع فکلما لا یمکن معرفته بالعقل کالعبادات الشرعیة من الصلاة والزکاة والصوم والحج وغیر ذلک، وکقبح شرب الخمر والزنا وغیر ذلک، فانه لا مجال للعقل فی العلم بذلک.
والذی یدل على ما قلناه من أن العلم بما تقدم هو العقل دون الشرع، هو أن کل عاقل مفطور العقل یعلم قبح الظلم وقبح الجهل والکذب والعبث، فلو لا أن طریق ذلک العقل لما وجب شمول العلم لجمیع العقلاء، ولکان یقف على من علم صحة السمع.
وفی علمنا باشتراک جمیع العقلاء من موحد وملحد ومقر بالنبوات وجاحد لها فی العلم بذلک دلیل على أن طریق ذلک العقل.
وقولهم انهم علموا ذلک لمخالطتهم للعقلاء من أهل الشرع باطل، لانه لو کان کذلک لعلموا قبح کل ما علمه أهل الشرع من قبیح شرب الخمر والزنا وغیر ذلک، وفی العلم بالفرق بینهما دلیل على فساد ما قالوه.
ومتى قالوا: ان العقلاء لا یعلمون ذلک أو یعتقدونه اعتقادا لیس بعلم.
لزمهم أن یقولوا لا یعلمون المشاهدات أیضا، لان فی الناس من قال طریق ذلک السمع، ولزم علیه قول السوفسطائیة وأصحاب العنود فی نفیهم العلم بشئ من الاشیاء ونسبتهم ذلک کله إلى الظن والحسبان، وذلک باطل بالاتفاق.
فأما الذی یدل على أنه تعالى قادر على القبیح، فهو ما ثبت من کونه خالقا لکمال العقل والعلم بالمشاهدات، ومن شأن القادر على الشئ أن یکون قادرا على جنس ضده، فیجب أن یکون قادرا على ضد هذه العلوم من الجهل، والجهل قبیح.
وأیضا فالقبیح من جنس الحسن، بدلالة أن قعود الانسان فی دار غیره غصبا من جنس قعوده فیها باذن مالکها، وأحدهما قبیح والاخر حسن.
والقدیم تعالى قادر على الاجناس کلها، ومن کل جنس على مالا نهایة له، لانه قادر لنفسه على ما مضى، ولا اختصاص له بقدر دون قدر ولا بجنس دون جنس.
وأیضا فهو تعالى قادر على تعذیب الکفار بلا خلاف وهو حسن، فاذا أسلم الکافر قبح عقابه ولم یخرج اسلامه ایاه تعالى عن کونه قادرا، فبان بذلک أنه قادر على القبیح.
فاذا ثبت ذلک فالذی یدل على أنه لا یفعله علمه بقبح القبائح وعلمه بأنه غنی عنه، والعالم بقبح القبیح وبأنه غنی عنه لا یجوز أن یختاره.
ألا ترى أن من خیر بین الصدق والکذب فی باب الوصول إلى غرضه وهو عالم بقبح الکذب وحسن الصدق لا یجوز أن یختار الکذب على الصدق مع تساویهما فی الغرض، ولا علة لذلک الا کونه عالما بقبح الکذب وبأنه غنی عنه بالصدق فیجب أن یکون تعالى لا یفعل القبیح لثبوت الامرین.
على أنه لو جازت علیه الحاجة لما جاز أن یفعل القبیح، لانه یقدر من جنسه من الحسن على مالا یتناهى.
ألا ترى أن المخیر بین الصدق والکذب مع تساوی الغرض قد بینا أنه لا یختار الکذب مع جواز الحاجة الیه، لانه یستغنی عنه بالحسن الذی هو الصدق.
وکذلک القدیم لا قبیح الا وهو یقدر من جنسه من الحسن على مالا یتناهى، فلا یجوز أن یختاره مع علمه بقبحه.
والقدیم تعالى لا یرید القبائح على وجه، لانه لا یخلو أن یریده لنفسه أو بارادة قدیمة أو محدثة، وقد بینا أنه لیس بمرید لنفسه ولا بارادة قدیمة فبطل ذلک.
ولو أراده بارادة محدثة لکان هو الفاعل لها، لانه لا یقدر أن یفعل ارادة لا فی محل سواه.
ولو کان هو الفاعل لها لکان فاعلا للقبیح، لان ارادة القبیح قبیحة، بدلالة أن من علمها ارادة القبیح علم قبحها ومن لم یعلمها کذلک لم یعلم قبحها، وذلک یؤدی إلى أن یکون فاعلا للقبیح، وقد دللنا على أنه لا یجوز أن یکون فاعلا للقبیح على حال.
وأیضا فقد ثبت بلا خلاف أنه ناه عن القبیح، وقد بینا أن النهی لا یکون نهیا الا بکراهیة المنهی عنه، ولو کان مریدا للقبیح لادى إلى أن یکون مریدا للشئ کارها له، وذلک باطل.
وأیضا فلو أراد القبیح لکان محبا له، راضیا به، لان المحبة والرضا هی الارادة اذا وقعت على وجه مخصوص، وأجمعت الامة على خطأ من أطلق ذلک على الله تعالى وقد قال الله تعالى وما الله یرید ظلما للعباد (2) و ما الله یرید ظلما للعالمین (3) و یرید الله بکم الیسر ولا یرید بکم العسر(4).
ومن أعظم العسر الکفر والقبائح المؤدیة إلى العقاب، وقد قال الله تعالى وما خلقت الجن والانس الا لیعبدون (5) ومعناه أراد منهم العبادة لان هذه اللام لام الغرض لانها لو کانت لام العاقبة لکان کذبا لوجودنا کثیرا من الجن والانس غیر عابدین لله تعالى.
وقوله وقال الذین أشرکوا لو شاء الله ما أشرکنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شئ کذلک کذب الذین من قبلهم حتى ذاقو بأسنا إلى قوله ان أنتم الا تخرصون (6) واضح فی أنه لا یرید القبیح لانه کذب من أضاف ذلک إلى الله، ومن أنه اتباع للظن دون العلم، وآیات القرآن شاهدة بذلک وهی أکثر من أن تحصى.
وقوله ولقد ذرأنا لجهنم کثیرا من الجن والانس (7) اللام ههنا لام العاقبة کما قال فالتقطه آل فرعون لیکون عدوا وحزنا (8) ولم یلتقطوه الا لیکون قرة عین لهم.
وقوله ولو شئنا لاتینا کل نفس هداها (9) اخبار عن قدرته أنه قادر.
على أن یلجئ الخلق إلى الهدى والایمان، لکن لا یفعل ذلک لانه ینافی التکلیف وینتقض الغرض به، وجرى ذلک مجرى قوله ان نشأ ننزل علیهم من السماء آیة فظلت أعناقهم لها خاضعین (10).
وکذلک کل آیة یتعلقون بها فالوجه فیها ما قلناه فی هذه الایة، نحو قوله ولو شاء ربک لامن من فی الارض کلهم جمیعا (11) وقوله ولو شاء الله لهدى الناس جمیعا (12) وما یجری مجرى ذلک من الایات، فالوجه فیها ما ذکرناه.
فلا نطول بذکرها، وقد بینا الوجه فیها جمیعه فی تفسیر القرآن مستوفى لا یحتمل ذکره ههنا.
وقولهم لو أراد من خلقه الایمان والطاعة وما لا یقع للحقه بذلک وهن وضعف ونقص، لان الملک اذا أراد من رعیته مالا یقع دل على ضعفه باطل، لان الامر بخلاف ما قالوه فی الشاهد، لان السلطان متى أراد من رعیته ما یعود نفعه علیهم لا علیه فلم یقع أو وقع خلافه لا یلحقه ضعف ولا نقص، وانما یجوز أن یقال ذلک فیما یعود نفعه علیه من نصرته والدفاع عنه مما یستضر بفوته، والقدیم تعالى لا یرید الا ما بکون نفعه للخلق دونه تعالى لاستحالة النفع علیه.
وکیف یشتبه الحال فی ذلک ونحن نعلم أن سلطان الاسلام یکره من الیهودی الزمن المقعد الدخول إلى کنیسة ویرید منه الاسلام والدخول فی المساجد ومع ذلک فانما یقع منه دخول الکنیسة دون المسجد، ولا عاقل یقول ان سلطان الاسلام ضعف بذلک.
ثم یلزمهم أنه اذا وقع من الکافر خلاف ما أمر الله به أن یلحقه ضعف، لان الشاهد لا یفصل بین الموضعین.
ولا خلاف أن الله أمر الکافر بالایمان، ومع هذا فلم یقع ذلک منه، فیجب على أصلهم أن یلحقه ضعف.
فبأی شئ فصلوا بین الامرین فهو فصلنا فی الارادة.
وأیضا فالمعلوم ضرورة أن النبی علیه السلام أراد من الکفار کلهم الایمان ولم یلحقه باستمرارهم على الکفر وهن ولا ضعف ویلزمهم على ذلک أن یکون الله تعالى أمرهم بأن یضعفوه ویوهنوه من حیث أمرهم بما لا یریده منهم على قولهم، وذلک باطل بالاتفاق.
وقولهم لو فعل العبد ما کره الله تعالى لکان قد فعل ما أباه وذلک لا یجوز باطل، لان الاباء لیس بکراهیة، لان الاباء هو المنع والامتناع، ولهذا یتمدحون بأن یقولوا فلان یأبى للضیم أی یمتنع منه، ولا مدحه فی أنه یکره الضیم لان الضعیف أیضا یکرهه.
وتعلقهم بأن المسلمین قالوا ما شاء الله کان ومالم یشأ لم یکن وذلک یمنع من أنه أراد الایمان من الکافر ولم یرد الکفر منه.
غیر صحیح لان هذا الاطلاق غیر مسلم، لان جمیع أهل العدل یمتنعون من اطلاقه.
ثم ان المسلمین أیضا یقولون لا مرد لامر الله ولا محیص منه ، وعلى قولهم الکافر قد رد أمر الله، ومتى منعوا من ذلک منعنا مثله وان تأولوا أولنا.
ولو سلم ذلک لکان المعنى ما شاء الله من فعل نفسه کان ومالم یشأ من فعل نفسه لم یکن أو ما شاء الله من فعل غیره وألجأ الیه کان.
ومتى قالوا لو شاء الله جمیع الطاعات لکان القائل اذا حلف أنه یقتضی دینه غدا انشاء الله اذا لم یقضه یحنث، وأجمعوا على خلافه.
قیل: فی الناس من قال انه یحنث وهو أبوعلی ومن قال لا یحنث قال المشیئة دخلت اتفاقا للکلام دون أن تکون شرطا ولاجل ذلک تدخل فی الماضی وان کان الشرط لا یدخل فی الماضی.
فان قیل: هل أفعال العباد بقضاء الله وقدره أم لا؟ قلنا: القضاء فی اللغة على أربعة أقسام: أحدها: بمعنى الخلق والاحداث، فقضاهن سبع سماوات فی یومین (13) أی خلقهن وأحدثهن.
والثانی: أن یکون بمعنى الحکم، کقوله الله یقضی بالحق (14) ومنه اشتقاق القاضی.
والثالث: بمعنى الامر والالزام، کقوله وقضى ربک ألا تعبدوا الا ایاه (15) أی أمر وألزم.
والرابع: بمعنى الاعلام والاخبار، کقوله وقضینا إلى بنی اسرائیل (16) أی أعلمناهم وأخبرناهم(17).
ولا یجوز أن یکون قضى أفعال العباد بمعنى أحدثها، لان فعل العبد لا یخلو أن یکون قبیحا أو حسنا، فما هو قبیح لا یجوز أن یکون فعلا له، لانا قد بینا أنه لا یفعل القبیح، وما هو حسن لا یجوز أیضا أن یفعله لانه فعلنا، والفعل الواحد لا یکون من فاعلین على ما نبینه.
ولا یجوز أن یکون قضاء أفعالهم بمعنى حکم أو أمر وألزم، لان أحدا من الامة لا یقول ان الله ألزمنا فعل المعاصى أو حکم علینا بأن نفعلها.
وأما القضاء بمعنى الاعلام والاخبار فانه یجوز أن یقال على ضرب من التقیید، لان الله تعالى أخبر وأعلم مالنا فی فعل الطاعة من الثواب وما علینا بفعل المعاصی من العقاب، فجاز أن یضاف إلى الله تعالى القضاء على هذا الوجه.
وأیضا فقد روی عن النبی صلى الله علیه وآله أنه قال: یقول الله تعالى: من لم یرض بقضائی ولم یشکر نعمائی ولم یصبر على بلائی فلیتخذ ربا سوای فلو کانت المعاصی بقضاء الله واحداثة لوجب الرضا بها، وذلک خلاف الاجماع.
والقول فی القدر على مثل ذلک، لان القدر یستعمل بمعنى الاحداث والخلق کما قال وقدر فیها أقواتها فی أربعة أیام سواء للسائلین (18) فعلى هذا لا یجوز أن تکون المعاصی بقدر الله، لمثل ما قلناه فی القضاء.
وقد یستعمل بمعنى التقدیر کما قال تعالى فقدرنا فنعم القادرون (19) فعلى هذا یجوز أن یقال: أفعالنا بقدر الله، بمعنى أنه قدر ما علینا من الثواب أو العقاب، فینبغی أن یقید القول فی ذلک ولا یطلق به.
فان قیل: مضى فی الکلام أن الواحد منا محدث لافعاله وموجد لها، فما الذی یدل على ذلک.
قلنا: الدلیل على ذلک وجوب وقوعها بحسب دواعینا وأحوالنا وانتفائها بحسب صوارفنا وکراهتنا، فلو لا أنها فعلنا لما وجب ذلک کما لا یجب ذلک فی طولنا وقصرنا وخلقنا وهیأتنا، ولا تجب أیضا فی أفعال غیرنا لما لم تکن متعلقة بنا.
وانما قلنا بوجوب وقوعها بحسب دواعینا وأحوالنا لان الواحد منا متى دعاه الداعی إلى القیام أو القعود ولا صارف له عن ذلک ولا مانع، فانه لابد أن یقع ما دعاه الداعی الیه، ولیس کذلک مالا تعلق له به کطوله وقصره.
ولا فرق بینهما الا أنها محدثة بنا ومتعلقة بجهتنا.
ومتى قیل ان ذلک بالعادة، کان ذلک باطلا بالوجوب الذی اعتبرناه، لان ما یستند إلى العادة لا یجب وقوعه على کل حال.
ویلزم على ذلک أن یکون انتفاء السواد بالبیاض وحاجة العلم إلى الحیاة وما جرى مجراه من الواجبات کله بالعادة، وذلک باطل بالاتفاق.
على أن تعلق الفعل بالفاعل لابد أن یکون معقولا قبل اسناده إلى فاعل معین، ولا یعقل فی تعلقه بالفاعل آکد من وجوب تعلقه بدواعیه وأحواله، وهذا حاصل معنى، فینبغی أن یکون کافیا فی تعلقه بنا وهو فی غیرنا مجوز، ولا یترک المعلوم إلى المجوز على ذلک.
ومتى قیل ان أفعالنا تحتاج الینا فی کونها کسبا دون الحدوث.
قلنا ذلک باطل، لان الذی یتجدد عند دواعینا وأحوالنا هو الحدوث لا غیر دون شئ من صفاته، فینبغی أن یکون هو من جهة الحاجة دون غیره هو الذی یتجدد عند وجود الحرکة کونه متحرکا، وکان کونه متحرکا هو المحوج إلى الحرکة دون غیره والکسب الذی یدعونه غیر معقول، فکیف تعلق الحاجة به ویترک الحدوث الذی هو أمر معقول معلوم، والکسب لیس بمعقول ولا معلوم.
فان قیل: کیف لا یکون معقولا والانسان یفصل بین أن یمشی مختارا وبین أن یسحب على وجهه.
قلنا: الفرق یرجع إلى ما قلناه من أن مشیه مختارا متعلق به وبایثاره، واذا سحب على وجهه کانت الحرکة فیه ضروریة فلذلک فرق بینهما.
فان قیل: یتجدد عند دواعینا صفات من حسن وقبح وحلول فی محل وکونه غرضا وغیر ذلک، فلم قلتم ان الذی یتعلق بنا الحدوث دون شئ من ذلک؟ قلنا: أما الحسن والقبح فقد یخلو کثیر من الافعال منهما، نحو کلام الساهی والنائم وحرکة أعضائه التی لا یتعداه وحلوله فی المحل لیس له به صفة، وانما یفید أنه من قبیل مالا یجب بقاؤه کبقاء المحل.
ثم کثیر من الافعال یخلو من محل کالجوهر والغناء وارادة القدیم وکراهته ولا یخلو فعل من حدوث فینبغی أن یکون جهة الحاجة الامر الشائع فی سائر الافعال وسائر القادرین.
واستقصاء ما یورد على هذا الدلیل وشعبه قد استوفیناه فی شرح الجمل، وفیما ذکرناه کفایة انشاء الله.
وانما قلنا: انما هو مقدور لنا لا یجوز أن یکون مقدورا له لان ذلک یؤدی إلى کونه موجودا معدوما، لانا لو فرضنا أن الواحد منادعته الدواعی إلى ایجاده وجب حدوثه من جهته واذا لم یرده الله تعالى یجب أن لا یوجد، مجتمع فی فعل واحد وجوب حدوثه ووجوب انتفائه، وذلک محال فوجب بطلانه على کل حال.
ومما یدل أیضا على أن الواحد منا محدث لافعاله، أنه یحسن مدحنا على بعض الافعال وذمنا على بعض، لان من فعل الطاعة یحسن مدحه ومن فعل الظلم یحسن ذمه، ولا یحسن مدحه ولا ذمه على طوله وقصره وحسنه وقبحه، وانما کان کذلک لان الاول متعلق بنا والثانی غیر متعلق بنا لا بشئ سواه.
وأیضا فانه یحسن ان یأمر بعضنا بالقیام والقعود وینهاه عنه ولا یحسن أن یأمره.
بالطول والقصر ولا ینهاه عنهما، وانما کان کذلک لان الاول مقدور له فحسن امره والثانی غیر مقدور له فلم یحسن أمره به ولا نهیه عنه.
فبان بجمیع ذلک أن الواحد فاعل، والقرآن یؤکد ذلک، لانه قال جزاء‌ا بما کانوا یعملون (20) و جزاء‌ا بما کانوا یکسبون (21) و فمن یعمل مثقال ذرة خیرا یره * ومن یعمل مثقال ذرة شرا یره(22) وقال ومن یعمل سواء‌ا یجزبه (23) و من یظلم منکم نذقه عذابا کبیرا (24) وغیر ذلک من الایات التی أضاف الفعل فیها الینا، [ فمن نفا الفعل عنا فقد خالف العقول والقرآن.
ومتى قیل: اضافه الینا ] (25) من حیث کان کسبا لنا قلنا: ان الکسب لیس بمعقول، فلا یجوز له أن یعول علیه.
على أن عندهم ان المتولد لا کسب للعبد فیه [ عندهم، والظلم لا کسب للعبد ] فیه لانه متعد عن محل قدرته لانه یوجد فی المظلوم، وعندهم انما تعدى محل القدرة علیه لا کسب للعبد فیه فکیف یمکنهم حمل الایة علیه.
ومتى قالوا: ان الکسب الذی هو الظالم فی الظلم کالقتل الذی لیس بمستحق علیه والضرب الذی لیس بمستحق علیه وانه فی القاتل والضارب دون المقتول والمضروب.
کان ذلک مکابرة للعقول، ویلزم على ذلک أن یکون البناء فی البانی دون المبنی والنساجة فی الناسج دون الثوب المنسوج، وذلک تجاهل من بلغ الیه لا یحسن کلامه.
وقوله والله خلقلکم وما تعملون (26) المراد به الاجسام، لان الذی کانوا یعبدون الاصنام دون أفعالهم فیها، فعنفهم الله تعالى بأن قال: أتعبدون ما تنحتون من الاجسام والله خلقلکم وما تعملون [ من الاجسام التی تنحتون منها الاصنام، وتقدیر الکلام وما یعملون ] (27) فیه.
على أنه یضاف المعمول فیه إلى أنه عمل الصانع، فیقال هذا الباب عمل النجار وهذا البناء عمل البانی وهذا الخاتم عمل فلان، فیضیفون المعمول فیه إلى العامل، وذلک مجاز.
فهذا القدر الذی ذکرناه فیه کفایة واستیفاؤه مذکور فی الموضع الذی ذکرناه.
--------------------------------------------------------------------
(1) الزیادة لیست فی ر.
(2) سورة غافر: 31.
(3) سورة آل عمران: 108.
(4) سورة البقرة: 185.
(5) سورة الذاریات: 56.
(6) سورة النحل: 35.
(7) سورة الاعراف: 179.
(8) سورة القصص: 8.
(9) سورة السجدة: 13.
(10) سورة الشعراء: 4.
(11) سورة یونس: 99.
(12) سورة الرعد: 31 واول الایة أن او یشاء الله .
(13) سورة فصلت: 12.
(14) سورة غافر: 20.
(15) سورة الاسراء: 23.
(16) سورة الاسراء: 4.
(17) أصل الکلمة بمعنى احکام الامر واتقانه وانفاذه لجهته، والمعانى التى ذکرها المؤلف تعود إلى ما ذکر انظر معجم مقاییس اللغة 5 / 99.
(18) سورة فصلت: 10.
(19) سورة المرسلات: 23.
(20) سورة الاحقاف: 14.
(21) سورة التوبة: 82.
(22) سورة الزلزلة: 7 8.
(23) سورة النساء: 123.
(24) سورة الفرقان: 19.
(25) الزیادة لیست فی ر.
(26) سورة الصافات: 96.
(27) الزیادة لیست فی ر.
فصل:(فی ذکر الکلام فی الاستطاعة وبیان أحکامها)فصل: (فی أنه تعالى واحد لا ثانى له فی القدم)
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma