فصل: (فی الکلام فی التکلیف وجمل من احکامه)

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الاقتصاد الهادی الی طریق الرشاد
الکلام فی اللطف: (فیحتاج أن نبین أولا ما اللطف وما حقیقته)فصل:(فی ذکر الکلام فی الاستطاعة وبیان أحکامها)
التکلیف عبارة عن ارادة المرید من غیره ما فیه کلفة ومشقة، ویقال فی الامر بما فیه کلفة ومشقة انه تکلیف من حیث کان الامر لا یکون امرا الا بارادة المأمور به والرتبة معتبرة فی التکلیف کاعتبارها فی الامر.
یدل على ذلک أن من أراد من الغیر ما یلحقه فیه مشقة سمى مکلفا له، ومتى أراد من الغیر مالا یلحقه فیه مشقة لم یسم بذلک، ولذلک لم یکن الواحد منا اذا أراد من الله تعالى الفعل مکلفا له واذا أراد الله تعالى منا الفعل الذی فیه مشقة کان مکلفا سواء کان ذلک الفعل واجبا أو ندبا.
واعلام المکلف وجوب الفعل أو حسنه أو دلالته علیه شرط فی حسن التکلیف من الله، لانه من جملة ازاحة العلة فیما کلفه.
ولیس نفس الاعلام هو التکلیف، ولهذا کان مکلفا له وان لم یکن معلما له (1).
وانما لم یسم الواحد منا اذا أراد من الغیر الصوم أو الصلاة مکلفا له، لانه سبق فی ذلک تکلیف الله وارادته، فلذلک لم یسموه بذلک.
فاذا ثبت حقیقة التکلیف فیحتاج فی العلم بحسنه إلى معرفة أشیاء: أولها صفات التکلیف، وثانیها صفات المکلف، وثالثها صفات الفعل الذی یتناوله التکلیف، ورابعها ما الغرض بالتکلیف.
ونحن نبین جمیع ذلک على أخصر الوجوه، وقبل ذلک نبین أولا ما وجه الحسن فی ابتداء الخلق، وبیان ذلک أن نقول: لا یخلو أن یکون فی ابتداء الخلق غرض أولا غرض فیه، فان کان لا غرض فیه فهو عبث، وذلک قبیح لا یجوز علیه تعالى.
وان کان فیه غرض لا یخلو أن یکون فیه غرض قبیح أو حسن، فالقبیح هو أن یقصد بخلق الخلق الاضرار بهم، وذلک قبیح لا یجوز على الحیکم، والغرض الحسن لا یکون الا بحصول النفع فیه.
وذلک النفع لا یخلو أن یکون راجعا الیه تعالى أو إلى غیره، فما یرجع الیه تعالى مستحیل لاستحالة النفع علیه، وما یرجع إلى الغیر هو وجه الحسن فی ابتداء الخلق، سواء کان ذلک النفع راجعا إلى نفس المخلوق أو إلى غیره أو الیهما، فان جمیع ذلک وجه الحسن اذا تعرى من وجوه القبح.
فاذا ثبت ذلک فالمکلف منفوع بالتفضیل ومنفوع بالثواب، وان کان المعلوم أنه یؤلم لمصلحته أو مصلحة غیره فهو منفوع أیضا بالعوض، فتجتمع فیه الوجوه الثلاثة، وغیر ذلک المکلف منفوع بالتفضیل قطعا وبالعوض ان کان فی ایلامه مصلحة لغیره من المکلفین.
واذا کان وجه الحسن الخلق ما فیه من النفع فینبغی أن یکون أول ما یخلقه الله تعالى حیا، لان النفع لا یصح الا على الحی، ولا بد أن یخلق فیه شهوة لمدرک یدرکه فیلتذ به سواء کان هو أو غیره.
ویجوز أن یبتدئ الله تعالى بخلق الجماد اذا علم أنه یخلق فیما بعد حیا مکلفا یکون من لطفه اختیاره خلق جماد قبله، فان لم یکن ذلک معلوما لم یحسن الابتداء بخلق الجماد.
ونحن نعود إلى ما وعدنا به من اعتبار شرائط حسن التکلیف.
أما صفات المکلف تعالى فیجب أن یکون حکیما مأمونا منه فعل القبیح والاخلال بالواجب لیعلم انتفاء وجه القبح عن هذا التکلیف، وقد مضى بیان ذلک فی باب العدل.
ویجب أن یکون قادرا على الثواب الذی عرض بالتکلیف له وعالما بمبلغه، وقد بینا حین بینا أنه قادر لنفسه وعالم لنفسه.
ولا بد أن یکون له غرض فی التکلیف، ویستدل على ذلک فیما بعد.
ویجب أن یکون منعما بما یجب له به العبادة، والعبادة لا تستحق الا بأصول النعم من خلق الحیاة والشهوة والبقاء والقدرة وکمال العقل وخلق المشتهی وغیر ذلک مما لا یدخل نعمة کل منعم فی کونها نعمة الا بعد تقدمها، ولذلک لا یستحق بعضنا على بعض العبادة وان استحق علیه الشکر، لانه لا یقدر على ما هو أصول النعم ویختص الله تعالى بالقدرة على ذلک فلذلک اختص تعالى بالعبادة.
ویجب أیضا أن یکون عالما بتکامل شرائط التکلیف فی المکلف من اقداره وسائر ضروب التمکین.
فاذا ثبت ذلک فالوجه فی حسن التکلیف أنه تعریض لمنزلة عظیمة لا یمکن الوصول الیها الا بالتکلیف، والتعریض للشئ فی حکم ایصاله.
فعلى هذا اذا کان التکلیف تعریضا للبیع للشئ یجب أن یکون نفعا، لان من حسن منه التوصل إلى نفع حسن من الغیر أن یعرضه له.
ومعنى التعریض تصییر المعرض بحیث یتمکن من الوصول إلى ما عرض له [ مع ارادة المعرض للفعل الذی عرضه له ] (2) وعرض للمستحق علیه أو التوصل به الیه.
ألا ترى أن الانسان انما یکون معرضا لولده للعلم اذا مکنه من التعلم وأزاح علته فیه وأراد منه التعلم، ومتى لم یرد منه ذلک أو لم یزح علته فیه لا یکون معرضا له.
ومن شرط المعرض أن یکون عالما أو ظانا بوصول المعرض إلى ما عرضه له متى فعل ما وصله الیه.
ألا ترى أن الواحد منا لو عرض ولده للتجارة وأمره بالسفر وغلب فی ظنه أنه متى فعل جمیع ما رسمه لا یحصل له شئ من الربح لا یکون الوالد معرضا له، فعلى هذا القدیم تعالى عالم بأن المکلف متى فعل ما کلفه أنه یثیبه ویوصله إلى مستحقه.
واعتبرنا الارادة لان بها یختص بما عرض له دون مالم یعرض له، والتمکین والاقدار یصلح للامرین.
ألا ترى أن من أعطى سیفا لغیره لیجاهد به انما یکون معرضا له بأن یقتل به کافرا دون مؤمن اذا أراد قتل الکافر دون المؤمن، والا فالسیف یصلح للامرین.
فعلى هذا اذا أقدر القدیم تعالى المکلف ومکنه وخلق فیه الشهوة ویمکنه أن ینال بها المشتهی کما یمکنه أن یختلقه على وجه یشق علیه، فانما یتخصص بأحد الوجهین دون الاخر بالارادة.
وانما قلنا فی التکلیف انه تعریض للثواب لانه لا یخلو أن یکون فیه غرض أولا غرض فیه، فان لم یکن فیه غرض کان عبثا وذلک لا یجوز علیه تعالى، وان کان فیه غرض لم یخل أن یکون الغرض نفعه أو مضرته، ولا یجوز أن یکون الغرض مضرته لان ذلک قبیح، فلم یبق الا أن یکون غرضه نفعه.
وینبغی أن یکون ذلک النفع مما یستحق بالتکلیف، ولا یمکن الوصول الیه الا بالافعال التی یتناولها التکلیف، لان الابتداء بالثواب لا یحسن لانه یقارنه تعظیم وتبخیل، والمعلوم ضرورة قبح ذلک بمن لا یستحقه، ولا یمکن استحقاق الثواب الا بما تناوله التکلیف من واجب أو ندب.
فعلى هذا متى حسن التکلیف وجب، لان المکلف متى تکاملت شروط تکلیفه فی وجوه جمیع التمکین وجعل الفعل شاقا علیه وکان متردد الدواعی وزال عنه الالجاء وجب تکلیفه، ومتى نقص بعض هذه الشروط قبح تکلیفه، لانه لو لم یکلفه لکان اما مغریا بالقبیح أو عابثا، وکلاهما لا یجوزان علیه.
یبین ذلک انه اذا کان تعالى قادرا على اغنائه بالحسن عن القبیح فلم یفعل وأحوجه بالشهوات المخلوقة فیه والتخلیة بینه وبینه فان لم یکن له غرض کان [ عابثا وان کان فیه غرض ] (3) فلا غرض فیه الا التکلیف، وان یکون ملزما له بحسب المشتهى وان شق علیه ذلک للمنفعة العظیمة بالثواب، وان لم یکن ذلک فالاغراء بتقویة الدواعی إلى نیله حاصل.
ولا یلزم أن تکون البهائم مغراة بالقبح، لان ذلک معتبر فیمن یتصور العواقب وذلک منتف عن البهائم.
وأما الفعل الذی یتناوله التکلیف فلابد أن یصح ایجاده من المکلف على الوجه الذی کلفه، لان ذلک یمکن لا یحسن التکلیف من دونه.
ومن شروطه تقویة دواعیه بفعل اللطف ممالا ینافی التکلیف، ولا بد أن یکون ما تناوله التکلیف مما یستحق به المدح والثواب، لان وجه حسن التکلیف اذا کان هو التعریض للثواب لم یجز أن یتناول الا ما یستحق به الثواب، وما یستحق به الثواب هو اما واجب أو ندب فلا یخرج التکلیف عنهما.
والمباح لا مدخل له فی ذلک، لانه لا یستحق به مدح ولا ثواب، وانما حسن التکلیف الندب من حیث کان الندب مستهلا للواجب ومقویا له، فلا یصح أن یقتصر بالمکلف على تکلیفه، لانه تابع لا یستقل بنفسه.
فأما الکلام فی صفات المکلف فانه فرع على العلم من المکلف، لان الکلام فی صفة الذات فرع على العلم بالذات.
فاذا ثبت ذلک فالمکلف هو الحی، لان من لیس بحی لا یحسن تکلیفه.
ویسمى الحی انسانا وفی الملائکة والجن بأسماء أخر، والفلاسفة تسمیه نفسا .
والحی هو هذه الجملة المشاهدة دون أبعاضها، وبها یتعلق جمیع الاحکام من الامر والنهی والمدح والذم.
وقال معمر وأبناء نوبخت وشیخنا ابوعبدالله: الحی هو غیر هذه الجملة وهو ذات لیس بجوهر ولا عرض ولا حال فی هذه الجملة.
وقال ابن الراوندی وهشام الفوطی: هو جوهر فی القلب.
وقال الاسواری: هو ما فی القلب من الروح.
وقال النظام: هو الروح، وهو الحیاة الداخلة لهذه الجملة.
وقال ابن الاخشیذ: هو جسم رقیق منساب فی هذه الجملة.
والذی یدل على صحة ما ذکرناه أولا ان الاحکام الراجعة إلى الحی تظهر فی هذه الجملة من المدح والذم والنهی وغیر ذلک.
وأیضا فان الادراک یقع بأعضائها والتألم والتلذذ للادراک، ولو أنها هی الجهة لما وقع الادراک بأبعاضها.
وأیضا الفعل المبتدأ یظهر فی أطرافنا کحرکة أیدینا وأرجلنا وغیر ذلک، فلابد من اسناد ذلک الیها أو إلى ماله به تعلق معقول، فاذا أفسدنا جمیع ما ادعی من وجوه التعلق لم یبق الا ما ذکرناه.
ولا یجوز أن یکون الفاعل فی هذه الجملة غیرها، لانه لو کان کذلک لاقتضى أن یخترع الافعال فی هذه الجملة، لان القدرة قائمة بذلک الغیر على هذا القول.
وهذا باطل بما یعلم ضرورة من أن أحدنا اذا تعذر علیه حمل شئ باحدى یدیه اذا استعان بالید الاخرى تأتى ذلک أو یسهل، ولا وجه لهذا الحکم المعلوم مع القول بالاختراع، وانما یصح ذلک على قول من یقول القدر فی الید الیمنى مقدار لا یتأتى بها حمل الثقیل، فاذا انضاف الیها القدر الذی فی الشمال تأتی ذلک أو سهل، وان الفعل لا یصح الا باستعمال محل القدرة.
وبمثل ذلک یبطل قول من قال انه جزء فی القلب، لان الیدین على هذا القول لیسا بمحلین للقدرة اصلا، لانها تحل الجزء الذی فی القلب.
وأیضا فلو کان الفعل یفعل فی هذه الجملة اختراعا لم یکن بعض الجملة بذلک أولى من بعض، وکان یجب أن یصح أن یفعل فیهاکلها لفقد الاختصاص المعقول.
ومما یدل أیضا على أن الفعال هذه الجملة أن الادراک یقع بکل عضو منها، فلو لم یکن فی الاعضاء حیاة لما أدرک بها کما لا یدرک بالشعر والظفر.
فأما من قال الانسان هو الروح، فلیس یخلو أن یرید بالروح الحیاة التی هی وغرض أو یرید به الهواء المتردد، والاول باطل من حیث أن الحیاة یستحیل أن تکون حیة قادرة، وان أراد الثانی فذلک أیضا باطل، لانه لا یصح أن تحل الحیاة الهواء ولا یدرک الالم واللذة وهو على صفته، وان أراد غیرهما فذلک غیر معقول.
فأما مذهب ابن الاخشاذ (4) فانه أیضا یبطل بمثل ما أبطلنا به مذهب النظام وکان یجب أن لا تبطل الجملة بقطع وسطها وبقطع رأسها.
واذا قال بالتقلص فی قطع الید أو الرجل فلم لا [ یتقلص فی قطع الرأس والوسط ولم ] (5) یتقلص بقطع الید تارة فیبقى حیا وتارة لا یتقلص فیموت، وما الموجب لذلک الفرق.
فاذا ثبت أن الحی هذه الجملة فالصفات التی تجب أن یکون علیها المکلف شیئان: أولهما: أن یکون قادرا لیتمکن من فعل ما کلفه ولا یکون مکلفا لمالا یطیق، وقد بینا فساده.
وثانیهما: أن یکون عالما أو متمکنا من العلم به فیما یحتاج إلى العلم به من جملة ما کلفه من أحکام الافعال أو ایقاعه على وجه مخصوص لیستحق به الثواب ولا بد من العلم به، وکذلک یستحق الثواب على ترک القبیح اذا ترکه لقبحه، وذلک لا یتم الا مع العلم بقبحه أو التمکن من العلم به بنصب الادلة علیه یقوم مقام خلق العلم الضروری فی قلبه.
ولذلک قلنا ان الکفار مکلفون للشرائع لتمکنهم من العلم بها بالنظر فی معجزات الانبیاء.
ولما کانت علومه لا یصح حصولها الا مع کمال عقله وجب أن یخلق فیه العقل، والعقل هو مجموع علوم اذا اجتمعت کان الحی عاقلا، واذا حصل بعضها أو لم یحصل شی اصلا لم یکن عاقلا.
والعلوم التی تسمى عقلا تنقسم ثلاثة أقسام: أولها العلم بأصول الادلة، وثانیها مالا یتم العلم بهذه الاصول الا معه، وثالثها مالا یتم الغرض المطلوب الا معه.
فالاول کالعلم بأحوال الاجسام التی تتغیر من حرکة وسکون، والعلم باستحالة خلق الذات من النفی والاثبات المتقابلین، والعلم بأحوال الفاعلین وغیر ذلک.
ولیس یصح العلم الا ممن یجب أن یکون عالما بالمدرکات اذا أدرکها وارتفع اللبس عنها وممن اذا مارس الصنائع بعلمها، والعلم بالعادات من أصول الادلة الشرعیة، فلابد منه، فهو نظیر القسم الثانی.
والقسم الثالث العلم بجهات المدح والذم والخوف وطرق المضار حتى یصح خوفه من اهمال، النظر، فیجب علیه النظر والتوصل به إلى العلم.
والذی یدل على أن ذلک هو العقل لا غیر أنه متى تکاملت هذه العلوم کان عاقلا، ولا یکون عاقلا الا وهذه العلوم حاصلة، ولو کان للعقل معنى آخر لجاز حصول هذه العلوم، ولا یحصل ذلک المعنى فلا یکون عاقلا وان لم یکن له هذه العلوم، والمعلوم خلاف ذلک.
وسمیت عقلا لان لمکانها یمتنع من کثیر من المقبحات، فشبهت بعقال الناقة التی تمنعها من السیر.
ولان العلوم المکتسبة مرتبطة بها ولا یصح حصولها من دونه، فسمیت به عقلا تشبیها أیضا بعقال الناقة، ولذلک لا یجوز وصف الله تعالى بأنه عاقل وان کان عالما بجمیع المعلومات.
ویجب أن یکون المکلف متمکنا من الالات التی یحتاج الیها فی الافعال التی تتعلق بتکلیفه، لان فقد الادلة کفقد القدرة فی قبح التکلیف.
والالات على ضربین: أحدهما لا یقدر على تحصیلها الا الله تعالى کالید والرجل، فیجب أن یخلقها له فی وقت الحاجة الیها.
والثانی یتمکن المکلف من تحصیلها کالعلم فی الکتابة والقوس فی الرمی وغیر ذلک، فالتمکین من تحصیلها له وایجاب تحصیلها علیه یقوم مقام خلقها.
ولابد من تمکینه من الارادة فی کل فعل یقع على وجه بالارادة اذا کلف ایقاعه على ذلک الوجه، نحو صیغة الامر والنهی والخبر وایقاع الفعل على وجه العبادة وغیر ذلک.
وما یقع على وجه لا تؤثر فیه الارادة جاز أن یکلف ذلک وان لم یکن متمکنا من الارادة، وذلک نحو رد عین الودیعة ورد عین المغصوب.
ویجب أن یکون المکلف مشتهیا ونافرا، لان الغرض اذا کان التعریض للثواب فلا یصح استحقاق الثواب الا على ما یلحق فیه المشقة، فلا یصح ذلک الا بأن یکون نافر الطبع عما کلف فعله ومشتهیا لما کلف الامتناع منه، ولهذا نقول لابد أن یکون على المکلف مشقة فی نفس الفعل أو شبهه أو امر یتصل به، وأمثلة ذلک معروفة لا نطول بذکرها.
ویجب أن تکون الموانع مرتفعة، لان مع المنع یتعذر الفعل کتعذره مع فقد القدرة.
ولا فرق بین أن یکون المنع من جهته تعالى أو من جهة غیره فی قبح تکلیفه اذا لم یکن المکلف قادرا على ازالة المنع عن نفسه.
ولا یحسن أن یکلفه تعالى بشرط ارتفاع الموانع، لان ذلک انما یحسن فیمن لا یعرف العواقب.
ویجب أیضا أن لا یکون ملجأ فیما کلف، لان الغرض بالتکلیف استحقاق المدح والثواب، والالجاء لا یثبت معه استحقاق مدح.
ألا ترى أن الانسان لا یمدح على أن لا یقتل نفسه وأولاده ولا یحرق ماله وداره، لانه ملجأ ألى أن لا یفعله مع زوال الشبهة واللبس، لان مع دخول الشبهة یجوز أن یفعل ذلک کما یفعل الهند من قتل نفوسهم واحراقها لما اعتقدوا فی ذلک من أنه قربة إلى الله.
والالجاء یکون بشیئین: احدهما بأن یخلق الله فیه العلم الضروری بأنه متى رام فعلا منع منه، والثانی أنه متى فعل تخلص من ضرر عظیم أو ینال منافعا عظیمة، کمن یعدو من السبع والنار وغیر ذلک.
ولیس من شرط التکلیف أن یعلم المکلف أن مکلفا کلفه اذا علم وجوب الواجب علیه وقبح القبیح منه ویتمکن من أدائه على الوجه الذی وجب علیه وان لم یعلم مکلفه، وکذلک اشتراک العقلاء فی العلم بوجوب رد الودیعة والامتناع من الظلم وان اختلفوا فی المکلف.
ولیس من شرط المکلف أن یعلم قبل الفعل أنه مکلف للفعل لا محالة وأنه أوجب علیه قطعا، لانه لو کان کذلک لقطع على بقائه إلى وقت الفعل، وفی ذلک اغراء بالقبیح فی ذلک الوقت.
وأیضا فلا مکلف الا وهو یجوز احترامه فی الثانی فکیف یکون مع ذلک قاطعا على بقائه.
ولا یلزم أن یکون الانبیاء والمعصومون مغرین بالقبائح اذا قطعوا على بقائهم زمانا طویلا، لان الاغراء لا یصح فی المعصوم الموثق بأنه لا یفعل قبیحا ولا یخل بواجب، فعلى هذا لا یقطع على أن المکلف مکلف للصلاة الا بعد أن یفعل الصلاة وقبل ذلک بتجویز الاحترام یجوز أن یکون غیر مکلف لها، وانما یقول له یجب علیک التشاغل بالصلاة مع ضیق الوقت لانک لا تأمن أن تبقى على ما أنت علیه، فاذا خرج الوقت تبین أنها کانت واجبة علیک، وانما یحصل التحرز بفعل الصلاة فلذلک یجب علیه فعلها.
وتکلیف من علم الله أنه یکون، ممکن حسن صحیح، ومن قال ان ذلک غیر ممکن لان التکلیف هو الارادة على بعض الوجوه وما علم انه لا یکون لا یصح أن یراد.
فقوله باطل، لان الارادة تتعلق بما یصح حدوثه فی نفسه سواء علم یحدث أو لا یحدث.
ألا ترى أن الواحد منا یصح أن یرید من جمیع الکفار الایمان وان علم أن جمیعهم لا یؤمن.
وأیضا فان النبی علیه السلام کان یرید من ابی لهب الایمان وان کان الله تعالى أعلمه أنه لا یؤمن.
وأیضا فقد یرید الواحد منا من الغیر تناول طعامه وان غلب فی ظنه أنه لا یتناوله.
وما یستحیل مع العلم یستحیل مع الظن على حد واحد، والمعلوم أن ذلک لا یستحیل مع الظن، فیجب ان لا یستحیل مع العلم.
فأما من قال ان ذلک ممکن غیر انه لا یحسن، فالذی یدل على بطلان قوله ما قدمناه من أن التکلیف تعریض لنفع لا ینال الا به، والتعریض للشئ فی حکم ایصاله وان کل من حسن منه التوصل إلى امر من الامور حسن من غیره تعریضه له اذا انتفت عنه وجوه القبح، وعکسه کل شئ یقبح لنا التعرض له یقبح من غیرنا تعریضنا له أیضا، ونحن نعلم انه یحسن من الواحد منا التعرض للثواب والتوصل الیه بفعل ما یستحق به ذلک، فیجب أن یحسن منه تعالى تعریضه له.
فاذا حسن منا أن یتعرض لمنافع منقطعة من أرباح التجارات بتکلیف المشاق والاسفار وحسن من غیرنا أن یعرضنا لها فیجب أن یحسن التعرض للمنافع الدائمة والتعریض لها.
والکافر انما استضر فی ذلک بفعل نفسه وسوء اختیاره، لانه أقدم على ما یستحق به العقاب وقد نهاه الله وحذره وتوعده علیه ورغبه فی خلافه، فهو الذی ضر نفسه دون الذی کلفه، بل مکلفه نفعه بغایة النفع، من حیث عرضه لمنافع لا تنال الا بفعل ما کلفه وحثه على ذلک.
ویدل على حسن ذلک أیضا أنه قد ثبت حسن تکلیف من علم الله أنه یؤمن، وقد فعل الله تعالى بالکافر جمیع ما فعله بالمؤمن من اقداره وخلق الشهوة فیه والنفار ونصب الادلة وخلق العلم والتمکین وغیر ذلک من الشرائط التى تقدم ذکرها، فینبغی أن یکون تکلیفهما جمیعا حسنا أو قبیحا.
فاذا حکمنا بحسن تکلیف من علم الله انه یؤمن وجب مثل ذلک فی تکلیف من علم أنه یکفر، وأما من منع من حسن التکلیف اصلا فلا تکلم فی هذه المسألة بل تکلم بما تقدم من الکلام فی حسن التکلیف.
والفرق بین التکلیفین لا یرجع إلى اختیار الله بل إلى اختیار المؤمن للایمان فیحصل نفعه، واختیار الکافر الکفر فاستضربه، فأتى فی ذلک من قبل نفسه.
(دلیل آخر) ویدل أیضا على حسن تکلیف من علم الله أنه یکفر ویموت على کفره أنه لو لم یحسن ذلک لوجب أن یکون للمکلف طریق إلى العلم بقبح ذلک، ولو علم قبحه لوجب أن یکون قاطعا على أنه لا یخرج من دار الدنیا الا وهو یستحق الثواب، ولا یتم ذلک الا بأمرین: أحدهما أن یعلم أنه متى رام القبیح منع منه وذلک الجاؤنا فی التکلیف، أو یعلم أنه سیتوب فی المستقبل وذلک ویؤدی إلى الاغراء وکلاهما فاسدان، فاذا یجب ان یکون ممن یجوز الخروج من الدنیا وهو مستحق للعقاب وهو ما أردناه.
ومتى ادعی فی ذلک وجه قبح فالکلام علیه قد استوفیناه فی شرح الجمل یرجع الیه انشاء الله.
ومما یدل على حسن تکلیف من علم الله أنه یکفر أنه ثبت انه تعالى کلف من هذه صورته، لانا نعلم أن کثیرا من العقلاء المکلفین یموتون على کفرهم، ولو لم یکن الا ما علمناه من حال فرعون وهامان وابی جهل وأبی لهب وغیرهم لکفى، ولو کان ذلک قبیحا لما فعله الله تعالى، لانا قد دللنا على أنه تعالى لا یفعل القبیح على حال.
ولا یلزم على ذلک بعثة نبی یعلم انه لا یؤدی ما حمله، لان بعثة نبی لا یؤدی الینا مالنا فیه مصلحة یمنع من ازاحة علتنا فی التکلیف ویوجب منع اللطف والتمکین، فلهذا لم یجز، لا لانه تکلیف من علم الله أنه یکفر.
ولسنا ننکر أیضا أن یعرض فی تکلیف من علم الله أنه [ یکفر وجه قبح یقبح تکلیفه، بل لا ینکر ذلک فی تکلیف من علم الله أنه ] (6) یؤمن، لانه لو عرض فیه وجه المفسدة لقبح تکلیفه وان آمن.
فاذا ثبت حسن التکلیف بمن علم أنه یؤمن ومن علم أنه یکفر وجب أن یکون منقطعا، لان الغرض بالتکلیف اذا کان هو الثواب فلو لم یکن التکلیف منقطعا لانتقض الغرض بالتکلیف، لان الثواب بالتکلیف لا یمکن أن یکون مقترفا، لان من شأنه أن یکون خالصا صافیا من الشوب والتکدیر حتى یحسن الزام المشاق.
وذلک لا یصح مع التکلیف، لان التکلیف لا یعرى من مشقة، وذلک یؤدی إلى حصول الثواب على خلاف الوجه المستحق ویصرف به الغموم والمضار.
وأیضا لو اقترن الثواب بالتکلیف لادى إلى أن یکون المکلف ملجأ، لان المنافع العظیمة تلجئ إلى فعل ما ضمنت علیه، ولذلک قلنا لابد أن یکون بین زمان التکلیف وبین حال الثواب زمان متراخ یخرج المکلف من حد الالجاء.
وانما کانت المنافع العظیمة العاجلة ملجئة لانه یقتضی أن یفعل الطاعة لاجلها دون الوجوه التی یستحق علیها الثواب، وذلک یخرجها من أن یستحق لها الثواب أصلا، وذلک ینقض الغرض.
وأما القدر الذی یکون بین زمان التکلیف وبین الثواب فلیس بمحصور عقلا بل بحسب ما یعلمه الله تعالى، وانما یعلم على طریق الجملة انه لابد من تراخ ومهلة.
فاذا ثبت وجوب انقطاع التکلیف فلیس الوقت وقت انقطاعه بزمان بعینه بل نوجبه على سبیل الجملة.
ولا یمتنع أن یحسن الشئ أو یقبح على طریق الجملة.
ولا یعلم عقلا انقطاع التکلیف عن جمیع المکلفین بل انما یعلم ذلک سمعا والاجماع حاصل على ذلک.
وکان یجوز عقلا انقطاع التکلیف عن بعضهم وبقاؤه على بعض، لکن الاجماع مانع منه.
ومتى حصل انقطاع التکلیف بفعل غیر الله فقد حصل الغرض، ومتى لم یحصل فانه تعالى یزیله.
ویجوز انقطاع التکلیف بازالة العقل أو الموت أو الفناء، وأما فناء الجواهر فلیس فی العقل ما یدل على جوازه ولا على احالته، والمرجع فی ذلک إلى السمع، فاذا علم بالسمع أنه تفنى الجواهر ثم علمنا أن الباقی لا ینتفی الا بضد یطرأ علیه علمنا ان الفناء (مغنی یغنى)؟ الجواهر.
وما یسأل على ذلک من الشبهات فقد بینا الجواب عنه فی شرح الجمل.
والطریق الذی به یعلم فناء الجواهر هو السمع، وقد أجمعوا على أن الله تعالى یفنى الاجسام والجواهر ویعیدها، فلا نعتد بخلاف من خالف فیه.
ویدل علیه أیضا قوله هو الاول والاخر (7) فکما أنه کان أولا ولا شئ معه موجود فکذلک یجب أن یکون آخرا ولا شئ معه موجود.
وقد استدل بغیر ذلک من الایات علیها اعتراضات والمعتمد ما ذکرناه.
واذا ثبت أن الجواهر تفنى فالله تعالى یعیدها اجماعا.
وأیضا فلو لم یعدها لما لامکن ایصال المستحق الیها من الثواب، وقد علمنا وجوب ذلک، فاذا لابد من اعادتها.
[ وکل من مات وله حق لم یستوفه فی دار الدنیا فانه یجب اعادته على کل حال، لان الثواب دائم لا یمکن توفیره فی دار الدنیا ] (8).
وأما من یستحق العوض فانه یجوز أن یوفر علیه فی الدنیا ولا یجب اعادته، لان الغرض منقطع.
وأما من یستحق العقاب فلا یجب اعادته، لان العقاب یحسن اسقاطه عقلا فاذا سقط لم یحسن استیفاؤه فیما بعد فلم یجب اعادته.
فاذا علمنا أنه یعاقب الکافر لامحالة علمنا أنه یعید المستحق للعقاب، ومن کان عقابه منقطعا فلا یکون کذلک الا وهو مستحق الثواب الدائم بطاعاته، واذا أعید ربما استوفى عقابه ثم نقل إلى الثواب، وربما عفی عن عقابه وفعل به الثواب، فاعادته واجبة عقلا لما یرجع إلى استحقاق الثواب دون العقاب.
وقد أجمعت الامة على أن الله تعالى یعید أطفال المکلفین والمجانین وان کان ذلک غیر واجب عقلا، والقدر الذی یجب اعادته هو بنیة الحیاة التی متى انتقصت خرج الحی من کونه حیا.
ولا معتبر بالاطراف واجزاء السمن لان الحی لا یخرج بمفارقتها من کونه حیا.
ألا ترى ان أحدنا قد یستحق المدح والذم ثم یسمن فلا یتغیر حاله فیما یستحقه وکذلک یهزل واستحقاقه للمدح أو الذم کما کان، فعلم بذلک أنه لا اعتبار بهذه الاجزاء.
ومن قال یجب اعادة الحیاة دون الجواهر فقوله باطل، لان المستحق للثواب والعقاب هى الجملة التی ترکبت من الجواهر وکیف یجوز التبدل بها فیؤدی إلى ایصال الثواب والعقاب إلى غیر المستحق، والصحیح ما قلناه أولا.
واما
----------------------------------------------------------------------------
(1) فی ر وان لم یعلما له .
(2) الزیادة لیست فی ر.
(3) الزیادة لیست فی ر.
(4) کذا فی النسختین یرید ابن الاخشیذ الذى مضى ذکره فی الصفحة السابقة، وهو احمد بن على بن بیغجور ابوبکر ابن الاخشیذ المعتزلى المتوفى سنة 326.
(5) الزیادة لیست فی ر.
(6) الزیادة لیست فی ر.
(7) سورة الحدید: 3.
(8) الزیادة لیست فی ر.
الکلام فی اللطف: (فیحتاج أن نبین أولا ما اللطف وما حقیقته)فصل:(فی ذکر الکلام فی الاستطاعة وبیان أحکامها)
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma