أشار الإمام (علیه السلام) فی هذا المقطع من الخطبة إلى الأفراد الذین وقفوا بوجه أئمّة الحق وقد ولوا ظهورهم للحق من أجل الحکومة لبضعة أیّام فقال: «آثَرُوا عَاجِلاً وَأَخَّرُوا آجِلاً، وَتَرَکُوا صَافِیاً وَشَرِبُوا آجِن(1); کَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَى فَاسِقِهِمْ وَقَدْ صَحِبَ الْمُنْکَرَ فَأَلِفَهُ، وَبَسِئَ بِهِ(2)وَوَافَقَهُ، حَتَّى شَابَتْ عَلَیْهِ مَفَارِقُهُ، وَصُبِغَتْ بِهِ خَلاَئِقُهُ(3)».
ثم قال مواصلة لکلامه (علیه السلام): «ثُمَّ أَقْبَلَ مُزْبِد(4) کَالتَّیَّارِ(5) لاَ یُبَالِی مَا غَرَّقَ، أَوْ کَوَقْعِ النَّارِ فِی الْهَشِیمِ(6) لاَ یَحْفِلُ(7) مَاحَرَّقَ!».
هنالک خلاف بین شرّاح نهج البلاغة بشأن الضمیر وعودته فی هذه العبارات، فقد ذهب البعض إلى أنّ المراد بالخلفاء الأوائل، وذهب البعض الآخر إلى أنّ المراد بعض الصحابة الذین انحرفوا، وقال البعض یراد بها مفهوماً عاماً وأخیراً رآه البعض إشارة إلى بنی اُمیة، ویبدو الاحتمال الأخیر أنسبها جمیعاً، لأنّهم آثروا الدنیا على الآخرة جهرة وقد تنکروا للحق وسقطوا فی مستنقع الدنیا العفن، وبناءاً على هذا فالمراد بالعبارة «کَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَى فَاسِقِهِم»، هو عبدالملک بن مروان حیث کان من أقدر عناصر بنی اُمیة، وقد إرتکب الکثیر من الجرائم وباشرها بنفسه، وما أبشع الجنایات التی إرتکبها والیه الغاشم الحجاج، فقد کان کالنار الملتهبة التی تحرق الأخضر والیابس ولا یقف أمامها شیء، والعبارة کأنّی انظروا إلى فاسقهم إشارة إلى فرد یظهر فی المستقبل، فلا یمکن تطبیقها على الماضین أو المعاصرین له (علیه السلام) إلاّ مع تکلّف.