هناک على الدوام نظرتان یمتلکها الإنسان تجاه الدنیا، فأتباع الأدیان السماویة یرون الدنیا بصفتها منزلاً لابدّ من التزود فیها إلى الآخرة، یبلغون مرادهم بواسطة هذا الزاد والمتاع ولیس لهم من مراد سوى السعادة الأبدیة والفوز برضوان الله سبحانه وتعالى، أمّا أتباع المدرسة المادیة (والمدارس التی تتفق معها) فهم ینظرون إلى الدنیا على أنّها الهدف النهائی والغایة فیوظفون کافة طاقاتهم ویجندون قواهم من أجل الظفر بها، وأحیاناً یتفق أصحاب النظرة الأولى فی العمل مع أتباع النظرة الثانیة، یعنی رغم اعتقادهم بأنّ الدنیا وسیلة لنیل الآخرة، إلاّ أنّ عملهم یشیر إلى نسیان ذلک الاعتقاد وتعاملهم مع الدنیا کهدف نهائی ومن هنا وردت تحذیرات أئمّة الدین التی تهدف ایقاظهم من الغفلة، فیقولون أحیاناً: «تَجَهَّزُوا، رحِمَکُمُ اللّهُ، فَقَدْ نُودِیَ فِیکُمْ بِالرَّحِیلِ»(1).
وأخرى یقولون: «النَّاسُ عَبِیدُ الدُّنیـا وَالدِّینُ لَعرقٌ عَلى ألسِنَتِهِم»(2)، کما یقولون: «الدنیا: تَغُرُّ وَتَضُرُّ وَتَمُرُّ»(3).
وأخیراً یقولون: إنّما الدنیا منتهى بصر الأعمى، ولا یبصر ما وراءها شیئاً والبصیر ینفذها بصره، ویعلم أنّ الدار وراءها».
وأعظم مانع من الا فراد، وأهم وظائف أئمّة الدین إیقاظ هؤلاء الأفراد ولفت إنتباهم إلى أنّ الدنیا ممر لا مقر.