لا شک أنّ طلحة والزبیر کانا ممن أثارا الناس ضد عثمان، فقد أورد ابن قتیبة فی کتابه «السیاسة والإمامة» أنّ أهل الکوفة ومصر حین قاما ضد عثمان وحاصروه فی داره کان طلحة ممن أثار الفریقین ضد عثمان ویقول: أنّ عثمان لا یهتم لمحاصرتکم طالما یحمل إلیه الماء والغذاء فاقطعوا عنه الماء(1)، کما ورد عن ابن أبی الحدید بشأن الزبیر أنّه کان یقول: اقتلوا عثمان فقد أحدث فی دنیکم، فقالوا له: ابنک على باب دار عثمان یدافع عنه، قال: إن قتل عثمان فلیقتل ابنی قبله(2)، فقد کان تصور طلحة العکس حین قتل عثمان وبایع الناس علیاً (علیه السلام)فتغیّرت الأوضاع تماماً، ولم تکن الاُمة مستعدة لبیعتهما على حدّ قول الکاتب المصری المعروف العقاد، حیث لم یکن أمرهما یختلف عن عثمان(3)، وکانت عائشة من الناقمین على عثمان(4)، إلاّ أنّ هؤلاء الأفراد الثلاث انقلبوا على عقبهم بعد بیعة الاُمة لأمیر المؤمنین علی (علیه السلام) فاصبحوا من أنصار عثمان وهبوا للمطالبة بدمه، وکثیرة هى هذه الانقلابات التی تسود حرکة الساسة المحترفین، وبالتالی ذاق الثلاث العاقبة المریرة لإثارتهم الفتن، فقد هزم طلحة والزبیر وقتلا فی المعرکة، وعادت عائشة تجر أذیال الخیبة إلى المدینة، وقد تناولنا بالتفصیل موقعة الجمل وطیش عائشة ودور طلحة والزبیر فی المجلدات السابقة من هذا الشرح(5).
ولکن ما ینبغی إضافته هنا أنّ اتباعهم ممن حاول توجیه أعمالهم قد خسروا أنفسهم فی زوایة حرجة، فمن جانب اعتبروا طلحة والزبیر من الصحابة، کما یجرون علیهم نظریة عدالة الصحابة (طهارة وقدسیة جمیع صحابة النبی (صلى الله علیه وآله))، ومن جانب آخر یعتبرونهما من ضمن العشرة المبشرة، تارة یزعمون أنهّم کانوا مجتهدین وإن أخطاؤا فی اجتهادهم، وعلیه فهم معذورون ومأجورون، والحال لو وجهنا أعمالهم تحت هذا الغطاء لأمکن تبریر کل جریمة ومن کل فرد، ذلک لأنّ الاجتهاد لا یقتصر على هؤلاء الأفراد، وهذا بدوره یؤدّی إلى تجاوز البدیهیات العقلیة والنصوص القرآنیة، وتارة أخرى یزعمون أنّهم تابوا، وتوبتهم مقبولة عند الله، ولکن هل یمکن اشعال فتیل حرب تؤدّی بسبعة عشر آلف شخص ثم تنسلخ مسؤولیة هذه الدماء بمجرّد لقلقة اللسان بالقول استغفر الله؟! فهل أدّوا حق تلک الدماء لأصحابها؟ أم هل عوضوا تلک الأموال التی ذهبت هدراً بهذا الخصوص؟ وهل اعترف طلحة والزبیر وعائشة بخطأهم أمام الملأ العام؟
إنّ مثل هذا الدفاع العابث هو نتیجة للأغماض عن الحقائق والتعصب الأعمى، أو لیس من الأجدر بنا تقسیم صحابة النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) إلى طائفتین، طائفة کانت صالحة على عهده وأخرى منافقة وطالحة، کما تقسم الطائقة الصالحة إلى فئتین، فئة واصلت صلاحها، وأخرى انقلبت على عقبها فجانبت الحق والعدل والإیمان والسلاح، کما علینا أن نعلم بأنّ المراد من بشارة القرآن الکریم النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) بنجاة شخص أو أشخاص فی ذلک الزمان هو شمولها بهذا الحکم، على أنّهم ربّما غیروا مسیرتهم، فممکن أن یقوم الإنسان بعمل بحیث تجب له الجنّة، ثم یفعل بعد ذلک ما یوجب دخوله النار.