قال بعض شرّاح نهج البلاغة أنّ الإمام (علیه السلام) خطب بهذا الکلام حین اتّجه قیصر بجیشه نحو ثغور الإسلام عندما عزل خالد بن الولید عن إمرة جیش المسلمین وقد تولى الإمرة أبو عبیدة الجراح وشرحبیل وقد ضاق علیهما الأمر، لذلک عزم عمر أن یحضر بنفسه وأستشار أمیر المؤمنین علی (علیه السلام)(1)، ویفهم من کلام ابن أبی الحدید أنّ عمر خالف ما أشار علیه علی (علیه السلام)، فلمّا علم الروم مقدم عمر بنفسه خافوا وسألوا الصلح على أن یؤدّوا الجزیة إلى المسلمین، ثم روى قصة أشبه بالخرافة(2).
قال المرحوم العلاّمة التستری أولاً: ما وراه ابن أبی الحدید عن سیف وروایات سیف لا تخلو من الوضع والتحریف.
ثانیاً: لا دلیل لدنیا أنّ هذا الکلام قاله علی (علیه السلام) حین استشارة عمر فی الخروج بنفسه لقتال الروم، بل ظاهر بعض کلمات الشیخ المفید(رحمه الله) أنّ الکلام فی معرکة القادسیة أو نهاوند(3).
والجدیر بالذکر هنا أنّ عمر کان یقبل عادة ما یشیر علیه علی (علیه السلام) وکان یرى نجاته فی ذلک القبول، وهذا بدوره یؤید ما أورده المرحوم العلاّمة التستری.
على کل حال تتألف هذه الخطبة من قسمین: الأول وعد الله سبحانه لهذه الاُمة بالنصر والغلبة والامل بهذا الوعد، والثانی الذی قال فیه علی (علیه السلام) لعمر: لا تشخص بنفسک فانّک متى تسر إلى هذا العدو بنفسک، فتلقهم فتنکب لا یکن للمسلمین کهف دون أقصى بلادهم، لیس بعدک مرجع یرجعون إلیه.
«وَقَدْ تَوَکَّلَ اللّهُ لاَِهْلِ هذَا الدِّینِ بِإِعْزَازِ الْحَوْزَةِ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ. وَالَّذِی نَصَرَهُمْ، وَهُمْ قَلِیلٌ لاَ یَنْتَصِرُونَ، وَمَنَعَهُمْ وَهُمْ قَلِیلٌ لاَ یَمْتَنِعُونَ، حَیٌّ لاَ یَمُوتُ.
إِنَّکَ مَتَى تَسِرْ إِلَى هذَا الْعَدُوِّ بِنَفْسِکَ، فَتَلْقَهُمْ فَتُنْکَبْ، لاَ تَکُنْ لِلْمُسْلِمِینَ کَانِفَةٌ دُونَ أَقْصَى بِلاَدِهِمْ. لَیْسَ بَعْدَکَ مَرْجِعٌ یَرْجِعُونَ إِلَیْهِ. فَابْعَثْ إِلَیْهِمْ رَجُلاً مِحْرَباً، و احْفِزْ مَعَهُ أَهْلَ الْبَلاءِ وَالنَّصِیحَةِ، فَإِنْ أَظْهَرَ اللّهُ فَذَاکَ مَا تُحِبُّ، وَإِنْ تَکُنِ الاُْخْرَى، کُنْتَ رِدْءاً لِلنَّاسِ وَمَثَابَةً لِلْمُسْلِمِینَ».