«أَلَسْتُمْ فِی مَسَاکِنِ منْ کَانَ قَبْلَکُمْ أَطْوَلَ أَعْمَاراً، وَأَبْقَى آثَاراً، وَأَبْعَدَ آمَالاً، وَأَعَدَّ عَدِیداً، وَأَکْثَفَ جُنُوداً! تَعَبَّدُوا لِلدُّنْیَا أَیَّ تَعَبُّد، وَآثَرُوهَا أَیَّ إِیثَار. ثُمَّ ظَعَنُوا عَنْهَا بِغَیْرِ زَاد مُبَلِّغ وَلاَ ظَهْر قَاطِع. فَهَلْ بَلَغَکُمْ أَنَّ الدُّنْیَا سَخَتْ لَهُمْ نَفْساً بِفِدْیَة، أَوْ أَعَانَتْهُمْ بِمَعُونَة، أَوْ أَحْسَنَتْ لَهُمْ صُحْبَةً! بَلْ أَرْهَقَتْهُمْ بِالْقَوَادِحِ، وَأَوْهَقَتْهُمْ بِالْقَوَارِعِ، وَضَعْضَعَتْهُمْ بِالنَّوَائِبِ، وَعَفَّرَتْهُمْ لِلْمَنَاخِرِ، وَوَطِئَتْهُمْ بِالْمَنَاسِمِ، وَأَعَانَتْ عَلَیْهِمْ رَیْبَ الْمَنُونِ. فَقَدْ رَأَیْتُمْ تَنَکُّرَهَا لِمَنْ دَانَ لَهَا، وَآثَرَهَا وَأَخْلَدَ لَهَا، حِینَ ظَعَنُوا عَنْهَا لِفِرَاقِ الاَْبَدِ. وَهَلْ زَوَّدَتْهُمْ إِلاَّ السَّغَبَ، أَوْ أَحَلَّتْهُمْ إِلاَّ الضَّنْکَ، أَوْ نَوَّرَتْ لَهُمْ إِلاَّ الظُّلْمَةَ، أَوْ أَعْقَبَتْهُمْ إِلاَّ النَّدَامَةَ! أَفَهذِهِ تُؤْثِرُونَ، أَمْ إِلَیْهَا تَطْمَئِنُّونَ؟ أَمْ عَلَیْهَا تَحْرِصُونَ؟ فَبِئْسَتِ الدَّارُ لِمَنْ لَمْ یَتَّهِمْهَا، وَلَمْ یَکُنْ فِیهَا عَلَى وَجَل مِنْهَا!»