خاض الإمام (علیه السلام) فی هذا المقطع فی بیان طائفة من أوصاف الله تبارک وتعالى، وأشار بخمس عبارات إلى أمور دقیقة بهذا الشأن فقال: «وَانْقَادَتْ لَهُ الدُّنْیَا وَالاْخِرَةُ بِأَزِمَّتِهَ(1)».
فالواقع هو أنّ الإمام (علیه السلام) شبّه الدنیا والآخرة بالحیوانات السلسة والمروضة التی أسلمت زمامها فیقودها حیث یشاء، ثم قال (علیه السلام) فی العبارة الثانیة مؤکّداً ذات المعنى السابق بصیغة أخرى: «وَقَذَفَتْ إِلَیْهِ السَّموَاتُ وَالاَْرَضُونَ مَقَالِیدَهَ(2)»، فهو یفتح ما یشاء ویغلق ما یشاء ویفعل کل ذلک على أساس الحکمة، وأشار فی العبارة الثالثة إلى سجود الأشجار والناضرة لذاته المقدّسة وقال (علیه السلام): «وَسَجَدَتْ لَهُ بِالْغُدُوِّ وَالاْصَالِ(3) الاَْشْجَارُ النَّاضِرَةُ».
صبعاً الترکیز على الأشجار الناضرة لا یعنی الحصر، بل نموذج من أجمل الکائنات الحیة لعالم الخلیقة، کما یشیر الغدو والآصال إلى جمیع الأوقات، کقولنا إنا فی خدمة نشر المبادىء الإسلامیة لیل ونهار، أی فی جمیع الأحوال والأوقات، ومن هنا أطلق القرآن الکریم القول: (والنَّجمِ والشَّجَرِ یَسجُدَانِ)(4)، کما یحتمل أن تکون آثار الله وعظمته أوضح فی الأشجار حین شروق الشمس وغروبها أکثر من أی زمان، ویمکن أن یکون هذا السجود بلسان الحال، لأنّ نظامها الدقیق یعکس علم خالقها وقدرته المطلقة، کما یمکن أن یکون بلسان القال، وبناءاً على تمتع کافة ذرات کائنات العالم بالعلم والشعور وتسبیحها لله سبحانه عن علم وسجودها له.
وقال (علیه السلام) فی العبارة الرابعة: «وَقَدَحَتْ(5) لَهُ مِنْ قُضْبَانِهَ(6) النِّیرَانَ الْمُضِیئَةَ».
وهذا من عجائب القدرة الإلهیّة بأن یخلق مادة بین الماء والتراب تکون مرکزاً للنور والضوء، وذلک الضوء الذی تحل من خلاله أغلب مشاکل الإنسان.
ثم قال (علیه السلام): «وَآتَتْ أُکُلَهَا بِکَلِمَاتِهِ الِّثمَارُ الْیَانِعَةُ(7)».