کیف تمّ بناء سد ذی القرنین؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 7
سورة الکهف / الآیة 92 ـ 98 أوّلاً: الملاحظات التربویة فی هذه القصّة التأریخیة

الآیات أعلاه تشیر إلى سفرة اُخرى مِن أسفار ذی القرنین حیثُ تقول: (ثمّ أتبع سبب ).

أی بعد هذه الحادثة استفاد مِن الوسائل المهمّة التی کانت تحت تصرّفه ومضى فی سفره حتى وصل إلى موضع بین جبلین: (حتى إذا بلغَ بین السّدّین وجد مِن دونهما قوماً لا یکادون یفقهون قول ).

والآیة تشیر إلى أنَّهُ وَصَل إلى مَنطقة جبلیة، وهناک وَجدَ اُناساً (غیر المجموعتین اللتین عثر علیهما فی الشرق والغرب) کانوا على مستوى دان مِن المدنیّة، لأنّ الکلام أحد أوضح علائم التمدُّن لدى البشر.

البعض احتمل أنَّ جملة (لا یکادون یفقهون قول ) لا تعنی أنّهم لم یکونوا یعرفون اللغات، بل کانوا لا یفهمون محتوى الکلام، أی کانوا مُتخلّفین فکریّاً.

أمّا عن مکان الجبل والجوانب التأریخیة والجغرافیة لهذه الحادثة، فسنذکر فی نهایة البحث التّفسیری، حدیثاً مفصّلا عن ذلک.

فی هذه الأثناء اغتنم هؤلاء القوم مجیء ذی القرنین، لأنّهم کانوا فی عذاب شدید مِن قبل أعدائهم یأجوج ومأجوج، لذا فقد طلبوا العون منهُ قائلین: (قالوا یاذا القرنین إنّ یأجوج ومأجوج مفسدون فی الأرض فهل نجعل لک خرجاً على أن تجعل بیننا وبینهم سدّ ).

قد یکون کلامهم هذا تمَّ عن طریق تبادل العلامات والإشارات، لأنّهم  لا یفهمون لغة ذی القرنین، أو أنّهم تحدّثوا معهُ بعبارات ناقصة لا یمکن الإعتداد بها.

ویحتمل أن یکون التفاهیم بینهم تمَّ عن طریق المترجمین، أو باُسلوب الإلهام الإلهی، مثل تحدّث بعض الطیور مع سلیمان (علیه السلام).

فی کل الأحوال، یمکن أن نستفید مِن الآیة الشریفة أنَّ تلک المجموعة مِن الناس کانت ذات وضع جیِّد مِن حیث الإمکانات الاقتصادیة، إلاَّ أنّهم کانوا ضعفاء فی المجال الصناعی والفکری والتخطیطی، لذا فقد تقبّلوا بتکالیف بناء هذا السد المهم، بشرط أن یتکفّل ذو القرنین ببنائه وهندسته.

وفیما یخص یأجوج ومأجوج سنتحدّث عنهم فی نهایة هذا البحث إن شاء الله.

أمّا ذو القرنین فقد أجابهم: (قال ما مکّنّی فیه ربّی خیر )، وأنّی لا أحتاج إلى مساعدتکم المالیة وإنّما: (فأعینونی بقوّة أجعل بینکم وبینهم ردم ).

کلمة «ردم» على وزن «طرد» وهی فی الأصل تعنی ملء الشق بالأحجار، إلاّ أنّها فیما بعد أخذت معنىً واسعاً بحیث شملَ کلّ سدّ، بل وشمل حتى ترقیع الملابس.

یعتقد بعض المفسّرین أنَّ کلمة «ردم» تقال للسدّ القوی(1) ، ووفقاً لهذا التّفسیر فإنَّ ذا القرنین قد وعدهم بأکثر ممّا کانوا ینتظرونه.

کما أنّه یجب الإنتباه إلى أنَّ «سد» على وزن «قد»، و«سُدّ» على وزن «قفل» هما بمعنى واحد، وهو الحائل الذی یفصل بین شیئین، إلاَّ أنَّ البعض ـ کما یقول الراغب ـ وضع فرقاً بین الإثنین، فالأوّل هو مِن صناعة الإنسان، والثّانی هو الحائل الطبیعی.

ثمّ أمر ذو القرنین فقال: (آتونی زبر الحدید ).

«زُبر» جمع «زُبرة» على وزن (غُرفة)، وتعنی القطع الکبیرة والضخمة مِن الحدید.

وعندما تهیّأت قطع الحدید أعطى أمراً بوضع بعضها فوق البعض الآخر حتى غطّی بین الجبلین بشکل کامل: (حتى إذا ساوى بین الصدفین ).

«صدف» تعنی هنا حافة الجبل، ویتّضح مِن هذا التعبیر أنَّ هناک شقّاً بین حافتی الجبل حیث کانَ یأجوج ومأجوج یدخلان منه، وقد صمم ذو القرنین ملأ هذا الشق.

الأمر الثّالث لذی القرنین هو طلبه مِنهم أن یجلبوا الحطب وما شابههُ، ووضعهُ على جانبی هذا السد، وأشعل النار فیه ثمّ أمرهم بالنفخ فیه حتى احمرَّ الحدید مِن شدّة النّار: (قالَ انفخوا حتى إذا جعلهُ نار ).

لقد کان یهدف ذو القرنین مِن ذلک ربط قطع الحدید بعضها ببعض لیصنع منها سدّاً من قطعة واحدة، وعن طریق ذلک، قام ذو القرنین بنفس عمل «اللحام» الذی یُقام به الیوم فی ربط أجزاء الحدید بعضها ببعض.

أخیراً أصدر لهم الأمر الأخیر فقال: اجلبوا لی النحاس المذاب حتى أضعه فوق هذا السد: (قال آتونی أفرغ علیه قطر ).

وبهذا الشکل قام بتغطیة هذا السدّ الحدیدی بطبقة من النحاس حتى لا ینفذ فیه الهواء ویُحفظ مِن التآکل.

بعض المفسّرین قالوا: إنَّ العلم المعاصر أثبت أنَّهُ عند إضافة مقدار مِن النحاس إلى الحدید فإنَّ ذلک سیزید مِن مقدار مقاومته، ولأنَّ «ذا القرنین» کان عالماً بهذه الحقیقة فقد أقدم على تنفیذه.

إنَّ المشهور فی معنى «قطر» هو ما قلناه (أی النحاس المذاب)، إلاَّ أنّ بعض المفسّرین فسَّر ذلک بـ «الخارصین المذاب» وهو خلاف المتعارف.

وأخیراً، أصبح هذا السد بقدر مِن القوّة والإحکام بحیث: (فما اسطاعوا أن یظهروه وما استطاعوا له نقب ).(2)

لقد کان عمل ذی القرنین عظیماً ومهمّاً، وکانَ لهُ وفقاً لمنطق المستکبرین ونهجهم أن یتباهى بهِ أو یمنّ به، إلاَّ أنَّهُ قال بأدب کامل: (قال هذا رحمة مِن ربّی ) لأنَّ أخلاقهُ کانت أخلاقاً إلهیّة.

إنَّهُ أراد أن یقول: إذا کنت أملک العلم والمعرفة وأستطیع بواسطتهما أن أخطو خطوات مهمّة، فإنَّ کلّ ذلک إنّما کانَ مِن قبل الخالق جلَّ وعلا، وإذا کُنت أملک قابلیة الکلام والحدیث المؤثِّر فذلک أیضاً مِن الخالق جلَّ وعلا.

وإذا کانت مثل هذه الوسائل والأفکار فی اختیاری فإنَّ ذلک مِن برکة الله ورحمة الخالق الواسعة.

أراد ذو القرنین أن یقول: إنّنی لا أملک شیئاً مِن عندی کی أفتخر به، ولم أعمل عملا مهمّاً کی أَمُنّ على عباد الله.

ثمّ استطرد قائلا: لا تظنوا أنَّ هذا السد سیکون أبدیاً وخالداً: (فإذا جاء وعد ربّی جعلهُ دکّاء ).

(وکان وعد ربّی حقّ ).

لقد أشار ذو القرنین فی کلامه هذا إلى قضیة فناء الدنیا وتحطّم هیکل نظام الوجود فیها عند البعث.

لکن بعض المفسّرین اعتبر الوعد الإلهی إشارة إلى التقدّم العلمی للبشر والذی بواسطته لا یبقى معنىً لسد غیر قابل للإختراق والعبور، فالطائرات وما شابهها تستطیع أن تعبر جمیع هذه الموانع، ولکن هذا التّفسیر بعید حسب الظاهر.


1. «الآلوسی» فی «روح المعانی»، والفیض الکاشانی فی تفسیر «الصافی»، والفخر الرازی فی «التّفسیر الکبیر».
2. (اسطاعو) کان فی الأصل «استطاعوا» وحذف حرف التاء من باب الاستفعال.
سورة الکهف / الآیة 92 ـ 98 أوّلاً: الملاحظات التربویة فی هذه القصّة التأریخیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma