رعایة الإعتدال فی الإنفاق والهبات:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 7
سورة الإسراء / الآیة 26 ـ 30 1ـ مَن هم المقصودون بذی القربى؟

مع هذه الآیات یبدأ الحدیث عن فصل آخر مِن سلسلة الأحکام الإسلامیة الأساسیة، التی لها علاقة بحقوق القربى والفقراء والمساکین، والإنفاق بشکل عام ینبغی أن یکون بعیداً عن کل نوع مِن أنواع الإسراف والتبذیر، حیث تقول الآیة (وآت ذا القربى حقّه والمسکین وابن السبیل ولا تبذّر تبذیر ).

«تبذیر» مِن «بذر» وهی تعنی بذر البذور، إلاّ أنّها هنا تخص الحالات التی یصرف فیها الإنسان أمواله بشکل غیر منطقی وفاسد. بتعبیر آخر: إنَّ التبذیر هو هدر المال فی غیر موقعه ولو کانَ قلیلا، بینما إذا صُرِفَ فی محلِّه فلا یعتبر تبذیراً ولو کان کثیراً، ففی تفسیر العیاشی، عن الإمام الصادق (علیه السلام)، نقرأ قوله: «مَن أنفق شیئاً فی غیر طاعة اللّه فهو مُبذر ومَن أنفق فی سبیل اللّه فهو مُقتصد» (1) .

وینقل عن الإمام الصادق (علیه السلام) أیضاً أنّه دعا برطب (لضیوفه) فاقبل بعضهم یرمی بالنوى، فقال: «لا تفعل إن هذا من التبذیر، وإن اللّه لا یحب الفساد» (2) .

وفی مکان آخر نقرأ، أنَّ رسول الهدى (صلى الله علیه وآله) مرّ بسعد وهو یتوضأ، فقال: ما هذا السرف یا سعد؟ قال: أفی الوضوء سرف؟ فقال (صلى الله علیه وآله): «نعم وإن کُنت على نهر جار» (3) .

وبالنسبة لذوی القربى هناک کلام کثیر بین المفسّرین، هل هُم عموم القربى؟ أو المقصود بهم قُربى الرّسول (صلى الله علیه وآله) باعتباره هو المخاطب بالآیة؟

فی الأحادیث الکثیرة التی سنقرؤها وفی الملاحظات التی سنقف عندها سنعرف بأنَّ ذوی القربى هم قربى رسول اللّه (صلى الله علیه وآله)، وبعض الرّوایات تشیر إلى أنَّ الآیة تتحدث عن قصّة فدک التی أعطاها رسول اللّه (صلى الله علیه وآله) بنتهُ فاطمة الزهراء (علیها السلام). ولکن مخاطبة الرّسول (صلى الله علیه وآله) فی کلمة «وآت» لا تعتبر دلیلا على إختصاص هذا الحکم به، لأنَّ جمیع الأحکام الواردة فی هذه المجموعة من الآیات کالنهی عن الإسراف ومداراة السائل والمسکین، والنهی عن البخل، هی أحکام عامّة بالرغم مِن أنّها تخاطب الرّسول (صلى الله علیه وآله).

وهُناک نقطة ینبغی الإلتفات إلیها; وهی مجیء النهی عن التبذیر والإسراف، بعد إعطاء الأمر بأداء حق الأقرباء والمساکین حتى لا یقع الإنسان تحت تأثیر عاطفة القرابة أو الصداقة فیعطی لهذا المسکین أو ابن السبیل أو القریب أکثر ممّایستحق أو یتحمل، فیعتبر ذلک إسرافاً وتبذیراً، وهما مذمومان دائماً.

الآیة التی بعدها هی لتأکید النهی عن التبذیر (إنَّ المبذّرین کانوا إخوان الشیاطین وکان الشیطان لربّه کفور ).

أمّا کیف کفر الشیطان بنعم ربِّه، فهذا واضح، لأنَّ اللّه أعطاه قدرةً وقوّةً وإستعداداً وذکاءاً خارقاً للعادة، ولکن الشیطان استفاد مِن هذه الاُمور فی غیر محلِّها، أی فی طریق إغواء الناس وإبعادهم عن الصراط المستقیم.

أمّا کون المبذرین إخوان الشیاطین، فذلک لأنّهم کفروا بنعم اللّه، إذ وضعوها فی غیر مواضعها. ثمّ إنَّ استخدام «إخوان» تعنی أنَّ أعمالهم مُتطابقة ومتناسقة مع أعمال الشیطان، کالأخوین اللذین تکون أعمالهما مُتشابهة، أو أنّهم قرناء وجلساء للشیطان فی الجحیم، کما توضّح ذلک الآیة 39 مِن سورة الزّخرف بعد أن تشرک الشیطان والمذنب فی العذاب: (ولن ینفعکم الیوم إذ ظلمتم أنّکم فی العذاب مُشترکون ).

أمّا لماذا جاءت کلمة شیطان هنا بصیغة الجمع «شیاطین»؟ قد یعود ذلک إلى أنّ لکلّ إنسان غافل عن خالقه وربّه، شیطانٌ قرینٌ له، کما نرى هذا المعنى واضحاً فی الآیة 36 و38 مِن الزخرف: (ومَن یعش عن ذکر الرّحمن نقیّض له شیطاناً فهو له قرین... حتى إذا جاءنا قالَ یا لیت بینی وبینک بعد المشرقین فبئس القرین ).

ثمّ أنّ الإنسان قد لا یملک ما یعطیه للمسکین أحیاناً، وفی هذه الحالة ترسم الآیة الکریمة طریقة التصرُّف بالنحو الآتی: (إمّا تعرضنّ عنهم ابتغاء رحمة مِن ربّک ترجوها فقل لهم قولا میسور ).

«میسور» مُشتقّة مِن «یسر» وهی بمعنى الراحة والسهولة، أمّا هنا فلها مفهوم واسع، یشمل کلّ کلام جمیل وسلوک مقرون بالإحترام والمحبّة، وإذا فسَّرها البعض بمعنى الوعد للمستقبل فإنَّ ذلک أحد مصادیقها.

نقرأ فی الرّوایات، أنَّه بعد نزول هذه الآیة، کانَ إذا جاء شخص محتاج إلى رسول اللّه (صلى الله علیه وآله)، والرّسول لا یملک شیئاً لإعطائه، قال له (صلى الله علیه وآله): «یرزقنا اللّه وإیّاکم مِن فضله» (4) .

وقدیماً عندما کانَ السائل یطرق الباب، ویطلب مِنّا شیئاً لا نستطیع إعطاءه إیّاه، نقول له «العفو» وذلک تأکیداً على أنَّ لهذا السائل حق علینا یُطالِبنا به، وإذا کُنّا لا نملک قضاء حاجته وإعطاءه حقّه، فإنّنا نطلب منه العفو.

الإعتدال هو شرط فی کلّ الاُمور بما فیها الإنفاق ومساعدة الآخرین، لذلک تنتقل الآیة للقول: (ولا تجعل یدک مغلولة إلى عنقک ). وهذا تعبیر جمیل یفید أنَّ الإنسان ینبغی أن یکون ذا ید مفتوحة، لا أن یکون مثل البخلاء وکأنّ أیدیهم مغلولة إلى أعناقهم بُخلا وخشیة من الإنفاق، ولکن فی نفس الوقت تقرِّر الآیة أنّ بسط الید لا ینبغی أن یتجاوز الحدّ المقرر والمعقول فی الصرف والبذل والعطاء، حتى لا ینتهی المصیر إلى الملامة والإبتعاد عن الناس: (ولا تبسطها کلَّ البسط فتقعد ملوماً محسور ).

و«تقعد» مُشتقّة مِن «قعود» وهی کنایة عن التوقف عن العمل. أمّا تعبیر «ملوم» فهو یشیر إلى أنَّ عاقبة الإسراف لا تؤدّی إلى توقف الإنسان عن عمله ونشاطه وحسب، وإنّما تؤدّی إلى إیقاع لوم الناس علیه.

«محسور» مُشتقّة مِن کلمة «حسر» وهی فی الأصل تعنی خلع الملابس، رفع الثوب وإظهار بعض البدن من تحته، لذا یقال للمقابل الذی لم یلبس الخوذة والدرع، بأنّه «حاسر». وأیضاً یقال للحیوان الذی یتعب مِن کثرة المشی بأنَّه «حسیر» أو «حاسر» بسبب استنفاذ طاقته وقدرته.

وقد توسّع هذا المفهوم فیما بعد بحیث أصبح یُطلق على کلّ إنسان عاجز عن الوصول إلى هدفه بأنَّهُ «حسیر» أو «محسور» أو «حاسر».

أمّا کلمة «الحسرة» والتی تعنی الغم والحزن، فهی مُشتقة مِن هذه الکلمة، وتطلق على الإنسان الفاقد لقابلیة حلّ المشاکل بسبب الضعف.

وکذلک بالنسبة للإنفاق، فهو إذا تجاوز الحدّ المقرَّر بحیث یستنفذ طاقة الإنسان، فإنَّهُ یؤدّی إلى أن یُصاب صاحبه بالغم والحزن بسبب الضعف عن أداء واجباته ومسؤولیاته، وینقطع اتصاله وارتباطه بالناس.

وبعض الرّوایات التی تتحدث عن سبب نزول الآیة تؤکّد هذا المعنى، إذ أنّها تتحدث أنَّ الرّسول (صلى الله علیه وآله) کانَ یوماً فی بیته فجاءه سائل یسأله إعطاءه ملابس، ولمّا لم یکن مع الرّسول ما یُعطی السائل، فقد خلع لباسه وأعطاهُ إیّاه، الأمر الذی أدّى إلى بقاء الرّسول (صلى الله علیه وآله) فی البیت وعدم خروجه فی ذلک الوقت للصلاة.

وقد کانَ هذا الحادث سبباً لِتقوّلات الکفار المنافقین، الذین قالوا: إنَّ الرّسول نائم، أو إنَّهُ فی لهو أنساهُ صلاته، وبذلک أدّى هذا العمل إلى إیقاع اللوم، شماتة الأعداء والإنقطاع عن الأصحاب، وأصبح بذلک مصداقاً للملوم والمحسور، عندها نزلت الآیة أعلاه تنهى الرّسول (صلى الله علیه وآله) عن تکرار هذا العمل.

أمّا عن التضاد القائم بین هذا الأمر ومسألة «الإیثار» فسنبحثهُ فی الملاحظات القادمة إن شاء اللّه.

بعض الرّوایات تتحدث عن أنّ سبب نزول الآیة، هو أنَّ الرّسول (صلى الله علیه وآله) کان یعطی ما یوجد فی بیت المال إلى المحتاج بحیث إذا جاءه محتاج آخر، فلن یجد شیئاً یعطیه له، فیلوم ذلک المحتاج الرّسول (صلى الله علیه وآله) ویؤذیه، لذلک صدرت التعلیمات بأن لا ینفق کلّ ما فی بیت المال، لمواجهة هذه المشکلات.

السؤال: لماذا یجب أن یکون هناک مساکین وفقراء ومحرومون حتى ننفق علیهم؟ ألیس من الافضل أن یعطیهم اللّه ما یریدون حتى لا یحتاجون إلى إنفاقنا؟

الجواب: تعتبر الآیة الأخیرة بمثابة جواب على هذا السؤال: (إنَّ ربّک یبسط الرزق لمن یشاء ویقدر إنَّه کان بعباده خبیراً بصیر ). إنَّهُ اختبارٌ لنا، فالله قادر على کلّ شیء، ولکنَّهُ یرید بهذا الطریق تربیتنا على روح السخاء والتضحیة والعطاء، إضافة إلى ذلک، إذا أصبح أکثر الناس فی حالة الکفایة وعدم الحاجة فإنَّ ذلک یقود إلى الطغیان والتمرّد (إنَّ الإنسان لیطغى أن رآه استغنى )، لذلک مِن المفید أن یبقوا فی حدٍّ معین مِن الحاجة. هذا الحد لا یسبب الفقر ولا الطغیان، مِن ناحیة اُخرى یرتبط التقدیر والبسط فی رزق الإنسان بمقدار السعی وبذل الجهد (باستثناء بعض الموارد من قبیل العجزة والمعلولین)، وهکذا تقتضی المشیئة الإلهیّة ببسط الرزق وتقدیره لمن یشاء، وهذا دلیل الحکمة، إذ تقضی الحکمة بزیادة رزق مَن یسعى ویبذل الجهد، بینما تقضی بتضییقه لمن هو أقل جهداً وسعیاً.

العلاّمة الطباطبائی ینظر للعلاقة بین هذه الآیة والتی قبلها فی ضوء احتمال آخر فیقول فی تفسیر المیزان: «إنَّ هذا دأب ربّک وسنّته الجاریة، یبسط الرزق لمن یشاء ویقدّر لمن یشاء، فلا یبسطه کلّ البسط، ولا یمسک عنهُ کلّ الإمساک رعایة لمصلحة العباد، إنَّه کان بعباده خبیراً بصیراً أو ینبغی لک أن تتخلق بخلق اللّه وتتخذ طریق الإعتدال وتتجنب الإفراط والتفریط»(5) .


1. تفسیر الصافی، ذیل الآیة مورد البحث.
2. تفسیر الصافی، ذیل الآیة مورد البحث.
3. المصدر السابق.
4. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث.
5. تفسیر المیزان، ج 13، ص 88.
سورة الإسراء / الآیة 26 ـ 30 1ـ مَن هم المقصودون بذی القربى؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma