سوف نقرأ فی الآیات القادمة ـ إن شاء الله تعالى ـ أنَّ نوم أصحاب الکهف کان طویلا للغایة بحیث استمر 309 سنة، وعلى هذا الأساس کانَ نومهم أشبه بالموت، ویقظتهم أشبه بالبعث، لذا فإنَّ القرآن یقول فی الآیات التی نبحثها (وکذلک بعثناهم ).
یعنی مِثلما کُنّا قادرین على إنامتهم نوماً طویلا فإنّنا أیضاً قادرون على إیقاظهم. لقد أیقظناهم مِن النوم: (لیتساءلوا بینهم قالَ قائل مِنهم کم لبثتم ) (1) .
(قالوا لبثنا یوماً أو بعض یوم ).
لعلّ التردُّد والشک هنا یعود ـ کما یقول المفسّرون ـ إلى أنّ أصحاب الکهف دخلوا الغار فی بدایة الیوم، ثمّ ناموا، وفی نهایة الیوم استیقظوا مِن نومهم، ولهذا السبب اعتقدوا فی بادىء الأمر بأنّهم ناموا یوماً واحداً، وبعد أن رأوا حالة الشمس، قالوا: بل (بعض یوم ).
وأخیراً، بسبب عدم معرفتهم لمقدار نومهم قالوا: (قالوا ربّکم أعلم بما لبثتم ).
قال بعضهم: إنَّ قائل هذا الکلام هو کبیرهم المسمى (تلمیخ) وبالنسبة لاستخدام صیغة الجمع على لسانه (قالوا) فهو متعارف فی مثل هذه الموارد.
وَقد یکون کلامهم هذا بسبب شکِّهم فی أنَّ نومهم لم یکن نوماً عادیاً، وذلک عندما شاهدوا هندامهم وشعرهم وأظفارهم وما حلَّ بملابسهم.
ولکنَّهم ـ فی کلّ الأحوال ـ کانوا یحسّون بالجوع وبالحاجة الشدیدة إلى الطعام، لأنَّ المخزون الحیوی فی جسمهم انتهى أو کاد، لذا فأوّل اقتراح لهم هو إرسال واحد منهم مع نقود ومسکوکات فضّیة لشراء الغذاء: (فابعثوا أحدکم بورقکم هذه إلى المدینة فلینظر أیّها أزکى طعاماً فلیأتکم برزق منه ).
ثمّ أردفوا: (ولیتلطّف ولا یشعرنّ بکم أحد ). لماذا هذا التلطُّف: (إنّهم إن یظهروا علیکم یرجموکم أو یعیدوکم فی ملّتهم ).
ثمَّ: (ولن تُفلحوا إذاً أبد ).