البلاغ المبین... وظیفة الأنبیاء:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 7
سورة النّحل / الآیة 33 ـ 37 1ـ ما هو البلاغ المبین؟

یعود القرآن الکریم مرّة اُخرى لیعرض لنا واقع وأفکار المشرکین والمستکبرین ویقول بلهجة وعید وتهدید: ماذا ینتظرون؟ (هل ینظرون إلاّ أن تأتیهم الملائکة ) أی ملائکة الموت فتغلق أبواب التوبة أمامهم حیث لا سبیل للرجوع بعد إغلاق صحائف الأعمال!

أو هل ینتظرون أن یأتی أمر اللّه بعذابهم: (أو یأتی أمر ربّک ) حیث تغلق أبواب التوبة أیضاً ولا سبیل عندها للإصلاح.

فأىّ فکر یسیّرهم، وأی عناد ولجاجة تحکمهم؟!

کلمة «الملائکة» وإن کانت ترمز إلى عنوان عام، إلاّ أنّها فی هذا الموقع یقصد منها ملائکة قبض الأرواح انسجاماً مع الآیات السابقة التی کانت تتحدث عنهم.

أمّا عبارة (یأتی أمر ربّک ) فمع قبولها لاحتمالات کثیرة فی تفسیرها، إلاّ أنّ المعنى الراجح هو نزول العذاب، لورود هذا المعنى بالخصوص فی آیات مختلفة من القرآن.

ومجموع الجملتین یعنی تقریع المستکبرین بأنّ المواعظ الإلهیّة وتذکیر الأنبیاء إنْ کانت لا توقظکم من غفلتکم فإنّ الموت والعذاب الإلهی سیوقظکم، ولکنْ حینئذ لا ینفعکم ذلک الإیقاظ.

ثمّ یضیف: إنّ هؤلاء لیس أوّل مَنْ کانوا على هذه الحال والصفة وإنّما (کذلک فعل الذین من قبلهم وما ظلمهم اللّه ولکن کانوا أنفسهم یظلمون ).

وسوف یلاقون نتیجة ما کسبت أیدیهم من أعمال.

والآیة تؤکّد مرّة اُخرى على حقیقة عود الظلم والإستبداد والشر على الظالم المستبد الشریر فی آخر المطاف، لأنّ الفعل القبیح یترک آثاره السیئة على روح ونفسیّة فاعله، فیسوِّد قبله ویلوِّث روحه فیفقده الأمان والإطمئنان.

ثمّ یذکر عاقبة أمرهم بقوله: (فأصابهم سیّئات ما عملوا وحاق بهم ما کانوا به یستهزؤون ).

«حاق بهم»: بمعنى أصابهم، إلاّ أنّ بعض المفسّرین کالقرطبی وفرید وجدی فی تفسیر لهذه الآیة اعتبر معناها (أحاط بهم).

ویمکن الجمع بین المعنیین، فیکون المعنى: نزول العذاب علیهم، وکذلک محیطاً بهم.

وعلى أیّة حال، فتعبیر الآیة بـ (فأصابهم سیّئات ما عملو ) یؤکّد مرّة اُخرى على عودة الأعمال على فاعلها سواء فی الدنیا أو فی الآخرة، وتتجسم له بصور شتى، وتعذّبه وتؤلمه ولا شیء غر هذه الأعمال فی عذابه(1) .

وتشیر الآیة التالیة إلى أحد أقوال المشرکین الخاویة، فتقول: (وقال الذین أشرکوا لو شاء اللّه ما عبدنا من دونه من شیء نحن ولا آباؤنا ولا حرّمنا من دونه من شیء ).

إنّ قولهم (ولا حرّمن ) إشارة إلى بعض أنواع الحیوانات التی حرّم لحومها المشرکون فی عصر الجاهلیة، والتی أنکرها رسول اللّه (صلى الله علیه وآله) بشدّة.

والخلاصة: أنّهم أرادوا الادّعاء بأنّ کلَّ ما عملوه من عبادة للأصنام إلى تحلیل وتحریم الأشیاء، إنّما کان وفقاً لرضا اللّه تعالى وبإذنه!

ولعلّ قولهم یکشف عن وجود عقیدة (الجبر) ضمن ما کانوا به یعتقدون، معتبرین کلّ ما یصدر منهم إنْ هو إلاّ من القضاء المحتوم علیهم (کما فهم ذلک جمع کثیر من المفسّرین).

وثمّة احتمال آخر: إنّهم لم یقولوا ذلک اعتقاداً منهم بالجبر، وإنّما أرادوا الاحتجاج على اللّه سبحانه، وکأنّهم یقولون: إنْ کانت أعمالنا لا ترضی اللّه تعالى فلماذا لم یرسل إلینا الأنبیاء لینهونا عمّا نقوم به، فسکوته وعدم منعه ما کنّا نعمل دلیل على رضاه.

وهذا الاحتمال ینسجم مع ذیل الآیة والآیات التالیة.

ولهذا یقول تعالى مباشرة: (کذلک فعل الذین من قبلهم فهل على الرّسل إلاّ البلاغ المبین )... یعنی:

أوّلاً: أنْ تقولوا أنَّ اللّه سکت عن أعمالنا! فإنّ اللّه قد بعث إلیکم الأنبیاء، ودعوکم إلى التوحید ونفی الشرک.

ثانیاً: إنّ وظیفة اللّه تعالى والنّبی (صلى الله علیه وآله) لیسَ هی هدایتکم بالجبر، بل بإراءتکم السبیل الحق والطریق المستقیم، وهذا ما حصل فعلا.

أمّا عبارة (کذلک فعل الذین من قبلهم ) فمواساة لقلب النّبی (صلى الله علیه وآله)، بأن لا یحزن ویثبت فی قبال ما یواجه من قبل المشرکین، وأنّ اللّه معه وناصره.

وبعد ذکر وظیفة الأنبیاء (البلاغ المبین)، تشیر الآیة التالیة باختصار جامع إلى دعوة الأنبیاء السابقین، بقولها: (ولقد بعثنا فی کل اُمّة رسول ).

«الاُمّة»: من الأم بمعنى الوالدة، أو بمعنى: کل ما یتضمّن شیئاً آخر فی داخله، (ومن هنا یطلق على جماعة تربطها وحدة معیّنة من حیث الزمان أو المکان أو الفکر أو الهدف «اُمّة»).

ویتأکد هذا المعنى من خلال دراسة جمیع موارد استعمال هذه الکلمة فی القرآن والبالغة 64 مورداً.

ویبیّن القرآن محتوى دعوة الأنبیاء (علیهم السلام)، بالقول: (أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطّاغوت ) (2) .

فأساس دعوة جمیع الأنبیاء واللبنة الاُولى لتحرّکهم هی الدعوة إلى التوحید ومحاربة الطاغوت، وذلک لأنّ اُسس التوحید إذا لم تحکم ولم یطرد الطواغیت من بین المجتمعات البشریة فلا یمکن إجراء أیُّ برنامج إصلاحی.

«الطاغوت»: (کما قلنا سابقاً) صیغة مبالغة للطغیان.. أیْ التجاوز والتعدّی وعبور الحد، فتطلق على کلّ ما یکون سبباً لتجاوز الحدّ المعقول، ولهذا یطلق اسم الطاغوت على الشیطان، الصنم، الحاکم المستبد، المستکبر وعلى کل مسیر یؤدّی إلى غیر طریق الحق.

وتستعمل الکلمة للمفرد والجمع أیضاً وإنْ جُمعت أحیاناً بـ (الطواغیت).

ونعود لنرى ما وصلت إلیه دعوة الأنبیاء (علیهم السلام) إلى التوحید من نتائج، فالقرآن الکریم یقول: (فمنهم مَنْ هدى اللّه ومنهم مَنْ حقّت علیه الضّلالة ).

وهنا علت أصوات من یعتقد بالجبر استناداً إلى هذه الآیة باعتبارها المؤیدة لعقیدتهم!

ولکن قلنا مراراً إنّ آیات الهدایة والضلال إذا جمعت وربط فیما بینها فلن یبقى هناک أیُّ إبهام فیها، ویرتفع الإلتباس من أنّها تشیر إلى الجبر ویتّضح تماماً أن الإنسان مختار فی تحکیم إرادته وحریته فی سلوکه أیّ طریق شاء.

فالهدایة والإضلال الالهیّین إنّما یکونان بعد توفّر مقدمات الأهلیة للهدایة أو عدمها فی أفکار وممارسات الإنسان نفسه، وهو ما تؤکّده الکثیر من آیات القرآن الکریم.

فاللّه عزَّوجلّ (وفق صریح آیات القرآن) لا یهدی الظالمین والمسرفین والکاذبین ومَنْ شابههم، أمّا الذین یجاهدون فی سبیل اللّه ویستجیبون للأنبیاء (علیهم السلام) فمشمولون بألطافه عزَّ وجلّ ویهدیهم إلى صراطه المستقیم ویوفّقهم إلى السیر فی طریق التکامل، بینما یوکل القسم الأوّل إلى أنفسهم حتى تصیبهم نتائج أعمالهم بضلالهم عن السبیل.

وحیث إنّ خواصّ الأفعال وآثارها ـ الحسنة منها أو القبیحة ـ من اللّه عزَّوجلّ، فیمکن نسبة نتائجها إلیه سبحانه، فتکون الهدایة والإضلال الهیین.

فالسنّة الإلهیّة اقتضت فی البدایة جعل الهدایة التشریعیة ببعث الأنبیاء لیدعوا الناس إلى التوحید ورفض الطاغوت تماشیاً مع الفطرة الإنسانیة، ومن ثمّ فمن یبدی اللیاقة والتجاوب مع الدعوة فرداً کان أم جماعة یکون جدیراً باللطف الإلهی وتدرکه الهدایة التکوینیة.

نعم، فها هی السنّة الإلهیّة، لا کما ذهب إلیه الفخر الرازی وأمثاله من أنصار مذهب الجبر من أنّ اللّه یدعو الناس بواسطة الأنبیاء، ومن ثمّ یخلق الإیمان والکفر جبراً فی قلوب الأفراد (من دون أیّ سبب) والعجیب أنّه لا مجال للتساؤل ولا یسمح فی الاستفهام عن سبب ذلک من اللّه عزَّوجلّ.

فما أوحش ما نسبوا الیه سبحانه.. إنّها صورة لا تتفق مع العقل والعاطفة والمنطق؟!

والتعبیر الوارد فی الآیة مورد البحث یختلف فی مورد الهدایة والضلال، ففی مسألة الهدایة، یقول: (فمنهم من هدى اللّه )، أمّا بالنسبة للقسم الثّانی، فلا یقول: إنّ اللّه أضلّهم، بل إنّ الضلالة ثبتت علیهم والتصقت بهم: (ومنهم من حقّت علیه الضّلالة ).

وهذا الاختلاف فی التعبیر یمکن أن یکون إشارة لما فی بعض الآیات الأخرى، والمنسجم مع ما ورد من روایات.. وخلاصته:

إنّ القسم الأعظم من هدایة الإنسان یتعلق بالمقدمات التی خلقها اللّه تعالى لذلک، فقد أعطى تعالى: العقل، وفطرة التوحید، وبعث الأنبیاء، وإظهار الآیات التشریعیة والتکوینیة، ویکفی الإنسان أن یتخذ قراره بحریة، وصولا للهدف المنشود.

أمّا فی حال الضلال فالأمر کلّه یرجع إلى الضالین أنفسهم، لأنّهم اختاروا السیر خلاف الوضعین التشریعی والتکوینی الذی جعلهم اللّه علیه، وجعلوا حول الفطرة حجاباً داکناً وأغفلوا قوانینها، وجعلوا الآیات التشریعیة والتکوینیة وراء ظهورهم، وأغلقوا أعینهم وصموا أذانهم أمام دعوة الأنبیاء (علیهم السلام)، فکان أنْ آل المآل بهم إلى وادی التیّه والضلال... أوَلیس کلّ ذلک منهم؟

والآیة 79 من سورة النساء تشیر إلى المعنى المذکور بقولها: (ما أصابک من حسنة فمن اللّه وما أصابک من سیئة فمن نفسک ).

وروی فی أصول الکافی عن الأمام علی بن موسى الرض (علیه السلام)، فی إجابته على سؤال لأحد أصحابه حول مسألة الجبر والاختیار، أنّه قال: «أکتب: بسم اللّه الرحمن الرحیم قال علی بن الحسین، قال اللّه عزَّ وجلّ: یا ابن آدم بمشیئتی کنت أنت الذی تشاء، وبقوتی أدیت فرائضی، وبنعمتی قویت على معصیتی، جعلتک سمیعاً بصیراً، ما أصابک من حسنة فمن اللّه وما أصابک من سیئة فمن نفسک، وذلک أنّی أولى بحسناتک منک، وأنت أولى بسیئاتک منّی» (3) .

وفی نهایة الآیة یصدر الأمر العام لأجل إیقاظ الضالین وتقویة روحیة المهتدین، بالقول: (فسیروا فی الأرض فانظرواکیف کان عاقبة المکذّبین ).

فالآیة دلیل ناطق على حریة إرادة الإنسان، فإنْ کانت الهدایة والضلال أمرین إجباریین، لم یکن هناک معنىً للسیر فی الأرض والنظر إلى عاقبة المکذّبین، فالأمر بالسیر بحدّ ذاته تأکید على اختیار الإنسان فی تعیین مصیره بنفسه ولیس هو مجبر على ذلک.

وثمّة بحوث کثیرة وشیّقة فی القرآن الکریم بخصوص مسألة السیر فی الأرض مع التأمل فی عاقبة الاُمور، وقد شرحنا ذلک مفصّلا فی تفسیرنا للآیة 137 من سورة آل عمران.

الآیة الأخیرة من الآیات مورد البحث تؤکّد التسلیة لقلب النّبی (صلى الله علیه وآله) بتبیان ما وصلت إلیه حال الضّالین: (إن تحرص على هداهم فإنّ اللّه لا یهدی مَنْ یضل وما لهم من ناصرین ).

«تحرص» من مادة (حرص)، وهو طلب الشیء بجدیّة وسعی شدید.

بدیهی، أنّ الآیة لا تشمل کلّ المنحرفین، لأنّ الشمول یتعارض مع وظیفة النّبی (هدایة وتبلیغ)، وللتاریخ شواهد کثیرة على ما لهدایة الناس وإرشادهم من أثر بالغ، وکم أولئک الذین انتشلوا من وحل الضلال لیصبحوا من خلّص أنصار الحق، بل ودعاته.

فعلیه.. تکون الجملة المتقدمة خاصة بمجموعة معیّنة من الضالین الذین وصل بهم العناد واللجاجة فی الباطل لأقصى درجات الضلال، وأصبحوا غرقى فی بحر الإستکبار والغرور والغفلة والمعصیة فاُغلقت أمامهم أبواب الهدایة، فهؤلاء لا ینفع معهم محاولات النّبی (صلى الله علیه وآله)لهدیهم حتى وإن طالت المدّة لأنّهم قد انحرفوا عن الحق بسبب أعمالهم إلى درجة أنّهم باتوا غیر قابلین للهدایة.

ومن الطبیعی أن لا یکون لهکذا اُناس من ناصرین وأعوان، لأنّ الناصر  لا یتمکن من تقدیم نصرته وعونه إلاّ فی أرضیة مناسبة ومساعدة.

وهذا التعبیر أیضاً دلیل على نفی الجبر، لأنّ الناصر إنّما ینفع سعیه فیما لو کان هناک تحرک من داخل الإنسان نحو الصلاح والهدایة فیعینه ویأخذ بیده، فتأمل.

ولعلّ استعمال «ناصرین» بصیغة الجمع للإشارة إلى أنّ المؤمنین على العکس من الضالین، لهم أکثر من ناصر، فاللّه تعالى ناصرهم و... الأنبیاء، وعباد اللّه الصالحین، وملائکة الرحمة کذلک.

ویشیر القرآن الکریم إلى هذه النصرة فی الآیة 51 من سورة غافر: (إنّا لننصررسلنا والذین آمنوا فی الحیاة الدنیا ویوم یقوم الأشهاد ).

وکذلک فی الآیة 30 من سورة فصّلت: (إنّ الذین قالوا ربّنا اللّه ثمّ استقاموا تتنزّل علیهم الملائکة ألاّ تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنّة التی کنتم توعدون ).


1. وعلى هذا، فلا داعی لتقدیر کلمة «جزاء» قبل «سیئات» فی الآیة.2. تقدیر هذه الجملة: (لیقولوا لهم اعبدوا...).
3. أصول الکافی، ج 1، ص 159، باب الجبر والقدر، ح 12.
سورة النّحل / الآیة 33 ـ 37 1ـ ما هو البلاغ المبین؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma