تبدأ السورة بحمد الخالق جلّ وعلا، وتنتهی بالتوحید والإیمان والعمل الصالح.

یشیر محتوى السورة ـ کما فی أغلب السور المکّیة ـ إلى قضیة المبدأ والمعاد والترغیب والإنذار. وتشیر أیضاً إلى قضیة مهمّة کانَ المسلمون یحتاجونها فی تلک الأیّام بشدّة، وهی عدم استسلام الأقلیة ـ مهما کانت صغیرة ـ إلى الأکثریة مهما کانت قویة فی المقاییس الظاهریة، بل علیهم أن یفعلوا کما فعلت المجموعة الصغیرة القلیلة مِن أصحاب الکهف، أن یبتعدوا عن المحیط الفاسد ویتحرکوا ضدَّه.

فإذا کانت لدیهم القدرة على المواجهة، فعلیهم خوض الجهاد والصراع، وإن عجزوا عن المواجهة فعلیهم بالهجرة.

مِن قصص هذه السورة أیضاً قصّة شخصین، أحدهما غنیٌّ مُرفّه إلاَّ أنَّهُ غیر مؤمن، والآخر فقیر مستضعف ولکنَّهُ مُؤمن. وقد صَمد الفقیر المستضعف المؤمن ولم یفقد شرفه وعزّته وإیمانه أمام الغنی، بل قامَ بنصیحته وإرشاده، ولمّا لم ینفع معه تبرّأ منه، وقد انتهت المواجهة إلى انتصاره.

وهذه القصّة تذکّر المسلمین وخاصّة فی بدایة عصر الإسلام وتقول لهم: إنَّ مِن سنّة الأغنیاء أن یکون لهم فورة مِن حرکة ونشاط مُؤقت سُرعان ما ینطفیء لتکون العاقبة للمؤمنین.

کما یُشیر جانب آخر مِن هذه السورة إلى قصة موسى والخضر (علیهما السلام) حیث لم یستطع موسى الصبر فی مقابل أعمال کانت مضرّة بحسب الظاهر، ولکنَّها فی الواقع کانت ملیئة بالأهداف والمصالح، إذ تبیّنت لموسى (علیه السلام) وبعد توضیحات الخضر مصالح تلک الأعمال، فَنَدِمَ على تعجّله.

وفی هذا دَرسٌ للجمیع أن لا ینظروا إلى ظاهر الحوادث والاُمور، ولِیتبصّروا بما یکمن خلف هذه الظواهر مِن بواطن عمیقة وذات معنى.

قسم آخر من السورة یشرح أحوال (ذی القرنین) وکیف استطاع أن یطوی العالم شرقه وغربه، لیواجه أقواماً مختلفة بآداب وسنن مُختلفة، وأخیراً استطاع بمساعدة بعض الناس أن یقف بوجه مُؤامرة (یأجوج) و(مأجوج) وأقام سدّاً حدیدیاً فی طریقهم لیقطع دابرهم (تفصیل کل هذه الإشارات الُمختصرة سیأتی لاحقاً إن شاء الله تعالى) ودلالة هذه القصة بالنسبة للمسلمین، هو أن یهیّئوا أنفسهم ـ بأفق أوسع ـ للنفوذ إلى الشرق والغرب بعد أن یتّحدوا ویتحصنوا ضدَّ أمثال یأجوج ومأجوج.

الظریف أنَّ السورة تشیر إلى ثلاث قصص (قصة أصحاب الکهف، قصة موسى والخضر، وقصة ذی القرنین) حیثُ إنَّ هذه القصص بخلاف أغلب القصص القرآنیة لم تتکرَّر فی مکان آخر مِن القرآن (أشارت الآیة 96 مِن سورة الأنبیاء إلى یأجوج ومأجوج دون ذکر ذی القرنین). وهذه الإشارة تُعتبر واحدة مِن خصائص هذه السورة المبارکة.

وخلاصة الکلام أنّ السورة تحتوی على مفاهیم تربویة مؤثّرة فی جمیع الأحوال.